لقاء في باريس.....مع مالك حسن
مرهف ميخائيل
منذ أيام قليلة توقف قلب مناضل أصيل عن الخفقان ، مازال مالك في ريعان الشباب ،اثنا وخمسون عاما ، كرس مالك خمسة عشر عاماً من عمره للوطن ...لقناعاته ...لحزبه ولرفاقه...تم اعتقاله في 1980 وخرج من السجن في 1995...خرج منهكاً ...جاء الى باريس واجريت له عملية جراحية لقلبه الذي ذاق اصناف العذاب في سجون المتسلبطين والمرتدين ...اقتلعوا من عمره خمسة عشر عاما ...لانه كان رفيق صلاح جديد ونور الدين الاتاسي ...لانه من "جماعة صلاح جديد" ... .
خرج من السجن أكثر تصميماً واكبر عزيمة وأما ارادته فكانت أقوى من الفولاذ ..بالرغم من كل المتاعب الصحية التي تسبب السجن له بها ...والاصح ان نقول تسبب له بها ، مجموعة المرتزقة المغتصبين للسلطة في سورية ...بأي حق وباسم أي شريعة تم سجنه مع آلاف المناضلين عشرات السنين ...؟،هو خمسة عشر عاما ..رياض الترك سبعة عشر عاما ..صلاح جديد ثلاث وعشرون عاما ...نور الدين الاتاسي اثنا وعشرون عاما ...والجميع يعرف بقية الحديث...ونهاية جديد والاتاسي..
ومازال يقبع في السجون السورية حتى اللحظة مئات المناضلين ، بسبب آرائهم ومعتقداتهم ...أي جريمة بحق هؤلاء ارتكب النظام الحاكم في دمشق...؟
من عرف مالك حسن ، تعلم منه التواضع والصفاء ....كان مالك مثقفا اصيلا في تفكيره ...لايشعرك على الاطلاق بأي تفلسف عندما يتكلم ...لانه كان يستخدم لهجته في أحاديثه ...حديثه مليء بالامثال ..والمعاني..
ذهبت معه الى طبيب القلبية ،لإجراء تخطيط لقلبه بعد العملية ...سأله الطبيب عن حاله ، فأجابه بصراحته المعهودة ..وعندما احب ان يعرف إلى أي حزب ينتمي ...قال مالك :" أنا من جماعة صلاح جديد " ...
ضحك الطبيب وعرف أنه أمام رجل اصيل يفتخر بحزبه وهو ليس نادما على سنوات السجن بل فخور بها ...
لم أكن أعرفه شخصياً من قبل ، ولكنه ترك في نفسي أثراً عميقاً ، مجرد لقائنا لعدة ايام ...وعندما جاء الي منزلي في ضواحي باريس ...أمضينا بضع ساعات تحدثنا فيها عن البلد وسمعت لتحليلاته العلمية والمنطقية ..ذات الدلالة الواقعية لما تجسده من عمق وقرب من الواقع وايضا تجعلك تفهم تماما مايحدث في الداخل ....
في تلك الأيام جاءه أحد الاخوة وطلب منه أن يلقي محاضرة في جامعة السوربون في باريس عن الفترة التي حكم فيها جمال عبد الناصر في مصر ...القى محاضرته ارتجالا وبدون أي تحضير ..وكانت فعلا غزيرة بمحتواها العلمي وقد صفق له الحاضرون وأُعجبوا بثقافته وعقله ومنهجيته ...
كتب مالك عدة كتب في مجال اختصاصه ...ونشرها باسمه الحقيقي ..ولكنه كان يكتب مقالات وتحليلات سياسية ..باسماء مستعارة أحيانا ...
لم الحظ فيه اعتزاز المثقف بنفسه بل تحسه بسيطا مثل فلاح ...رغم ثقافته الغزيرة وقدرته العلمية على التحليل والاقناع ...لم يتحدث لي عن سنوات السجن على الاطلاق ربما لاننا لم نلتقي كفاية أو بسبب احاديث أخرى ...أخذت مننا كل الوقت ...عندما ترك باريس راجعا الى سورية تلفن لي من المطار ،وكنت أسأل عنه بين الحين والآخر ،وكان الجواب أنه بصحة جيدة ...إلى أن علمنا بالمصا ب الجلل ..
كان مالك رفيقا يعتز برفاقه ...وبحزبه ...كانت تربطه برياض الترك علاقة حميمة ..نسجت خيوطها ايام السجن الرهيبة ....وكان يلتقي به دائما ...وكانت تربطه اواصر الصداقة والمحبة بكل مناضلي الحركة الوطنية الديمقراطية السورية من كل التيارات والاحزاب ...
ستبقى ذكراه في قلوبينا نحن رفاقه وأحبائه ...ولن ينسى مناضلو الحركة الديمقراطية السورية والعربية ..هذا المناضل الاصيل ..
رحمك الله يامالك وأسكنك فسيح جنانه
وكن واثقا ان ذكراك ستبقى خالدة لما قدمته لوطنك الغالي ولشعبك الابي
كان الله بعون اهله وعائلته
باريس 12-04-2004