_ردا على رسالة الأستاذ مأمون الطباع إلى المعارضة_
_لا يصح إلا الصحيح ولا يرتفع بناء بدون أساس متين._
الدكتور محمد وائل البيطار: ( كلنا شركاء ) 20/5/2004
لست مخولا من أحد بالرد عليك ، ولكن يعز علي ما آلت إليه أمتنا وشعبنا . ولقد استفزتني محاولتك التستر خلف البرغماتية وسياسة الممكن التي تطالب بها ودفعتني لكتابة هذه السطور.
تساؤلك منذ البداية في غير مكانه عندما تقول ( أين النقابات والأحزاب... ) . ألا تعلم ماذا فعل النظام الشمولي بالأحزاب السورية وكيف فتتها وأفرغها من محتواها ، ألا تعلم ماذا فعل بالنقابات المهنية والعمالية وبالتنظيم الطلابي حين حولها لدوائر تابعة له تنفذ سياساته وتقمع أعضائها وتمنعهم من التعبير عن آرائهم وتمنعهم من المشاركة السياسية والاجتماعية بل وتضربهم وتمنعهم من المطالبة بحقوقهم كما حصل لطلاب حلب المحتجين وكما يحصل لنقابات العمال المرتهنين لإرادة السلطة دون أن يكون لهم الحق في المطالبة بحقوقهم .
بعد ذلك تنتقل لتغمز من طرف المعارضة الخارجية ( التي فضلت مقاهي باريس وفضائيات لندن ) كما تقول. ونسيت الحرب الطاحنة التي قادت إلى هروب عشرات ألوف المواطنين من الطغيان توسلا بالحرية بعيدا عن الوطن المستباح . أما السلطة وبعد أكثر من عشرين سنة لم توقف الحرب ضد معارضيها ، ولا يوجد في قاموسها مصطلح اسمه : مصالحة ، أو عفو ، أو تسامح ، أو اعتراف بخطأ . و هي ما تزال ترفع سيف قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية لتبقي الشعب ضمن دائرة الخوف لإبعاده عن قول كلمته وإبداء رأيه في وطنه ومصيره.
المعارضة الخارجية لم تختر المنفى بإرادتها ، والمعارضة الداخلية مابرحت تطالب بعودة المهجرين عمدا أو طوعا وإنهاء الاعتقال السياسي وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وإعادة الاعتبار لهم وتعويضهم ووضع نهاية دائمة للحرب السياسية ضد الشعب وتمكينه من العودة إلى السياسة والمشاركة الاجتماعية . انك بكل بساطة يا حضرة الأستاذ تتخلى عن المعارضة الخارجية وكأنهم لم يكونوا يوما شركاؤك في الوطن، وكأن ليس لهم حقوقا عليك وعلى غيرك ، وكأنهم لم يظلموا ولم يتعرضوا للاضطهاد والحقد والإقصاء . لتعلم أيها السيد أن هؤلاء المواطنون السوريون هم أبناؤنا وأخوتنا وجزء لا يتجزأ من شعبنا وقضيتنا الوطنية وسوف نناضل بلا هوادة في سبيل عودتهم الحرة الكريمة إلى وطنهم الحبيب سورية .
تتحدث أيضا عن التاريخ القريب أو الواقع المعاش وعدم العودة إلى الماضي مع العلم أن الحاضر استمرار للماضي بطريقة أقل صلافة وقسوة ، فالسلطة ما تزال حكر على فئة من المجتمع وهي تعتبر الحكم ملكا خاصا لها ، تحكم بقانون الطوارئ والأحكام العرفية وتستعين بالمحاكم الاستثنائية ويحرسها جيش هائل من الأجهزة الأمنية . فإذا لم ننقد التاريخ القريب والمستمر في الواقع المعاش فكيف يمكن أن نبني المستقبل ؟ عن أي إصلاح نتحدث إذا لم نتعرف على أخطاء الماضي وعن أي مشاركة نتحدث إذا لم نتعرف على أسس هذه المشاركة ؟ هل تريد احتواء ما تبقى من رأي آخر ؟ هل تريد تدجين وإخضاع من بقي في الوطن مرفوع الرأس ونقي الضمير ؟ هل تريد أن تفسد من لم يفسد بعد حسب نظرية الأستاذ الكبير الطيب التيزيني عندما تحدث عن الفساد والإفساد في الوطن لكي يفسد الجميع . كلا يا سيدي نحن لسنا طلاب سلطة وليس المهم إلى من ستؤول السلطة . المهم عندنا أن تعود القيم للمجتمع ، ويعود الصدق في القول والعمل والتعامل ، أن تعود الكرامة للمواطنين بعودة الحرية لهم وأن تراعى حقوق الإنسان وحقوق الأفراد ، المهم أن يعود المواطنين للمشاركة في وطنهم وإبداء رأيهم في حياتهم ومستقبلهم ، المهم أن تعود المساواة بينهم والعدل في الحكم والقضاء ، المهم احترام المواطن من أخيه المواطن وخاصة من قبل الموظف واعتبار الوظيفة أمانة مقدسة وليس قطاعا خاصا يعود مردودها لجيبه وكأنها بير نفط خاص . المهم إيقاف النميمة المخابراتية وإيقاف هذه الوضاعة بين الطالب وزميله وبين العامل وجاره وبين الأخ وأخيه وإرجاع المتعاملين بالتقارير الأمنية بتقاريرهم والطلب منهم أن يواجهوا ويحاوروا ويناقشوا . المهم وجود صحافة حرة وإعلام حر يؤسس لعلنية شاملة تضع كل شيء تحت المجهر للمسائلة والمحاسبة حتى يرتدع اللصوص والمرتشين والفاسدين .
لقد قلت ( من العيب أن لا يمارس الإنسان نقدا ذاتيا ) هذا صحيح تماما. الجميع مطالبون بممارسة النقد وبدون ممارسة النقد لا يمكن للحياة أن تستمر ولا يمكن لأي تقدم أو تطور أن يحصل ، وأول المطالبين بالنقد الذاتي هو الحزب الحاكم وأحزاب الجبهة وأن يكون النقد علنيا وواضحا وعميقا وشفافا خاصة وأن حزب البعث الحاكم في سورية والعراق ارتكب أخطاء قاتلة بحق شعبه وأمته وحركته القومية وبحق إفراده أكثر من غيرهم وتسبب بهزائم عديدة لأمتنا العربية .
الأخوان المسلمون أيضا مطالبون بالنقد الذاتي وبتوضيح ما حصل في الثمانينات بكل شفافية ووضوح وجرأة، وهم مطالبون بالاعتذار عما ارتكب من جرائم بحق الأبرياء. ليس ذلك استرضاء للبعث ولكنه دين وواجب أمام الله والشعب .
تدعو ( للتوافق مع الحكومة على سلم الأولويات ) . هذا ممكن وقد طالبنا به مرارا، ولكن على الأسس والقيم المتعارف عليها من ندية ومساواة وتحت سقف رئاسة الجمهورية واقتراحاته التي بدأ بها عهده وعلى رأسها الشفافية والعلنية وقبول الآخر. أما ما تقترحه في إطار الجبهة الوطنية فهو مرفوض لأنه يمثل الاستمرار وليس الإصلاح، وهي محاولة للاحتواء وليس للاتفاق.
المعارضة يا أستاذ مأمون لا تطالب بتصفية حسابات مع السلطة ، ولا تدعوا ، ولن تسمح بالثأر أو الانتقام ، ولا يوجد هذا التعبير في قاموسها ، ولكنها تطالب بتصفية نهج ثبت خطأه وعدم إمكانية استمراره وتصحيح ما يمكن إصلاحه وفق برنامج إصلاح وطني شامل معلن وشفاف ومتفق عليه عبر مؤتمر وطني عام يجمع جميع الأطراف في الداخل والخارج ويحدد معالم الطريق الوطني المشترك .
نعم يجب أن نتوافق على الدستور وفصل السلطات وتنزيه القضاء وإرساء قواعد العمل السياسي الحضاري الذي يحفظ السلم الأهلي ويرسم حدود المواجهات السياسية والتنافس بين الأحزاب ويضمن حقوق الأقليات مثلما يحفظ حقوق الأكثرية ، اتفاق يكون مرجعنا فيه قيمنا الدينية والأخلاقية ونتاج العلم والمعرفة والحضارة الإنسانية .
لماذا تطلب المساعدة من المعارضة . اطلبها مباشرة من الشعب فهو مصدر الطاقة والقوة . من يريد الإصلاح علية أن يصارح شعبه بما يريد ويخبرهم بالعوائق التي تحول دون ذلك. لماذا نشعر أننا محاصرون من قبل أشباح ؟ ولماذا تحصر الخلافات خلف أبواب مغلقة ؟ اخرجوا بها إلى الناس ! اطلبوا مساعدتهم ! اختبروا حكمة الناس ! ثقوا بهم ! شاركوهم ! تخلوا عن وصايتكم عليهم ! دعوهم يديرون شؤونهم بأنفسهم ! من لا يثق بالشعب عليه أن لا يحكم الشعب ! إن إرادة الشعب مهما كانت يجب أن تحترم ! لا أحد مفوض بتوزيع الوطنية أو حجبها عن أحد ! يوجد رأي عام يجب أن يحترم ، وتوجد إرادة جماهيرية يجب الانصياع لها ! وكلها تطالب بالإصلاح .
بدون منظومة مبادئ وقيم لا تستقيم الدولة ، ولا يستقيم الحكم ! لا يمكن أن نطالب الآخرين باحترام حقوق الإنسان ، وحقوق إنساننا مصادرة ! لا يمكن أن نطالب الآخرين بالشرعية واحترام القوانين بما فيها القوانين الدولية ، وقوانيننا ودستورنا معطل بفعل قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية !
لا تخافوا من الحرية ! دعوا الأمراض الاجتماعية والسياسية تطفوا على السطح لنتمكن من معالجتها، لا ينفع التستر وأسلوب النعام في دفن الرؤوس ، علينا أن نواجه حقيقة ما وصلنا إليه من تردي سياسي وأخلاقي وقيمي ، علينا أن نواجه بؤسنا ألمعاشي والثقافي والحضاري ، وعلينا أيضا أن تؤمن بقدرتنا على الخروج من هذا المأزق ، وعلى التعافي والإصلاح ففي الوطن طاقات لا تنضب ، وقوى تجديد تنهض من الحضيض ، وشعب عندما تدعوه إلى الاستقامة وتكون مثله الأعلى يصبح في مقدمة الشعوب .
علينا أن نؤمن بوحدة الشعب السوري وبوعيه وقدرته على تخطي الصعاب حيث لا طريق آ خر .
لا يمكن أن نعيش في الخوف والخوف المضاد ، لا يمكن أن نعيش في العتمة وانسداد الأفق ، ففي العتمة تنمو الفطور والأمراض ، وتحت ضوء الشمس والهواء الحر تتراجع ، ويتعافى الجسد .
أيها السادة لقد أخطأتم عندما تخليتم عن حكم الحياة وتجاربها .
_طرطوس في 17/5م2004 _