وثيقة جنيف استنساخ لاتفاق أوسلو

وخرق  فاضح  للثوابت  الفلسطينية

 

                                                                   

         '% بقلم : محمود جديد


 

تتجسّد نكبة فلسطين عام 1948 بعنصرين أساسيّين هما : تشريد شعب ،واغتصاب أرض،واللذين يكوّنان قطبي القضية الفلسطينية وجوهرها ،وفي الوقت نفسه فقد شكّل قرار الأمم المتّحدة رقم 194 سندا شرعيّا للمحافظة على حقّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودةالى أرضهم ،والتعويض عن ممتلكاتهم ...هذا الحق الذي تؤكّده الجمعية العامّة لللأمم المتّحدة كل ّعام في دورتها العادية ... بينما سكت العالم عن اغتصاب الأرض الفلسطينية ،واستيطانها واستثمارها ،ومن هنا فإنّ حق العودة ترسّخ في الوجدان الفلسطيني ،وأبقى الحق الفلسطيني حيّا في النفوس يتوارثه  الفلسطينيون جيلا بعد جيل ،وهو حق ثابت لايتأثّر بتقادم الزمن ...وبما أنّ تصفية القضية الفلسطينية أصبح هدفا ملحّا للتحالف الامبريالي – الصهيوني فقد استهدف هذا الحق عن طريق إجبارأصحابه على التخلّي عنه بمختلف طرق الضغط والاحتيال والإرهاب ،لأنّهم الجهة الوحيدة قانونا التي تمتلك ذلك ... ولهذا ازدهرت في السنوات الأخيرة التحرّكات واللقاءات والمشاريع التي تستهدف إزاحته من طريق استكمال تصفية القضية الفلسطينية بعد أن قطعت أشواطا متقدّمة خطيرة على هذا الطريق ،بدءا / بمؤتمر مدريد ،وأوسلو وتفريخاتها/ ووصولا الى / خارطة الطريق ،ثمّ وثيقة جنيف / ،وهذا كلّه عبر سلسلة ممهّدة من الحروب العدوانية التي ابتلعت أرضا عربية جديدة ،وشرّدت المزيد من سكّانها ...

 وثيقة جنيف ملحق مكمّل لخارطة الطريق وبلورة ملموسة لمعظم جوانب الحلّ النهائي :

   ولتوثيق حكمنا النهائي هذا لابدّ من إلقاء بعض الأضواء على محتوياتها وفق تسلسل ورودها :

1 – تقرّ الوثيقة عند تحديد هدف الاتفاق الدائم بأنّ: " تطبيق الاتفاق سيؤدّي إلى نهاية كل مطالب الطرفين ،النابعة من أحداث وقعت قبل التوقيع على الاتفاق ،وبهذا تنتهي إمكانية أن يطرح أيّ من الطرفين مطالب تعود الى عصر ما قبل التوقيع ."

وهذا النصّ إقرار و تأكيد على التصفية الشاملة للقضية الفلسطينية ، وشطب كامل لجميع ثوابت الشعب الفلسطيني ، وإبطال لكافّة القرارات الدولية التي أنصفت الشعب الفلسطيني بعض الشيء ،والتخلّي عن الحقوق الفلسطينية ووضعها تحت رحمة الحكومات الاسرائيلية. ..

2 – تنصّ الوثيقة عند تحديد العلاقات بين الطرفين على أنّ : " دولة اسرائيل تعترف بدولة فلسطين فور قيامها ،دولةفلسطين تعترف فورا بدولة اسرائيل " وهنا يبرز بوضوح عدم النكافؤ في الاعتراف المتبادل ،ففي الوقت الذي يطلب فيه من دولة فلسطين الاعتراف الفوري ( بدولة اسرائيل ) / وهنا حسب تقديري المقصود هو اعتراف فوري من الحكومة الفلسطينية / باسرائيل / ، بينما يتأجّل الاعتراف الاسرائيلي بدولة فلسطين حتى قيامها ...

وتشير الوثيقة في مجال العلاقات بين الطرفين على أنّ : " اسرائيل وفلسطين تعملان معا ، وكلّ على حدة مع محافل مختلفة في المنطقة لتطوير التعاون الإقليمي " . وهنا نلاحظ خصوصية العلاقة بين الدولة الفلسطينية المنتظرة والكيان الاسرائيلي من خلال العمل معا في الوطن العربي ،واستخدام الفلسطينيين بشكل مقنّن كأداة بيد الحكومات الاسرائيلية بهدف التغلغل في المنطقة بكافّة المجالات تحت يافطة : تطوير التعاون الإقليمي ...

3 – وفي مجال المستوطنات تنصّ الوثيقة :" تكون حكومة اسرائيل مسؤولة عن إعادة توطين مستوطنين يسكنون في الأرض الفلسطينية السيادية في اسرائيل ،وتنتهي إعادة التوطين وفقا لجدول زمني متّفق عليه ."

وهنا نلاحظ إصرار الطرف الاسرائيلي على التلاعب ثانية بمفهوم أل التعريف ، وبتعويم الالتزامات الاسرائيلية من خلال عبارة "إعادة مسنوطنين " وترك المجال مفتوحا (لاسرائيل) ولإرادة حكومتها في تحديد ذلك مستقبلا ،كما يفسح الباب واسعا لتفسيرات متناقضة حول عدد المستوطنين المشمولين بهذا البند قد تعيد خلط الأوراق ثانية ، والعودة الى نقطة الصفر ...

4 – عند التحدّث عن : "خصائص أمن الدولة الفلسطينية " تشير الوثيقة على أنّ :" فلسطين تكون دولة مجرّدة من السلاح ، مع قوّة أمن قويّة . القيود على السلاح الذي يمكن شراؤه أو استخدامه من قوة الأمن الفلسطينية او انتاجه في فلسطين يفصّل في ملحق بالانفاق . ولايمكن لأيّ جهة شخصيّة أو منظّمة في فلسطين باستثناء قوّة الأمن الفلسطينية أن تشتري ،تحمل ،أو تستخدم السلاح باستثناء ذلك الموفّر وفقا للقانون ."

يعتبر هذا البند انتقاصا مفضوحا لسيادة الدولة الفلسطينية من خلال تجريدهامن السلاح ،وحرمانها من تشكيل جيش وطني ، وتحديد نوع سلاحها من قبل المحتّل ،كما تحرم أي مواطن فلسطيني من حمل سلاح ، ولو كان مسدّسا ، وحصره قانونا بعناصر الأمن الفلسطيني ... وبما أنّ الدولة الفلسطينية ستكون مجرّدة من السلاح فهذا يعني من جهة أخرى أنّها ستكون عاجزة عن حماية حدودها ،وبالتالي تبقى ( اسرائيل ) هي المخوّلة بذلك ...بينما لم تشر الوثيقة الى أسلحة المستوطنين الذين سيبقون في إطار السيادة الفلسطينية ،وهذا يعتبر قبولا ضمنيا بإبقاءالوضع الراهن القائم حول هذه النقطة ...

5 – ينصّ بند ( الإرهاب ) على أن :" يبزل الطرفان جهودا مشتركة ضدّ كل مظاهر العنف والاهاب ،وتتضمّن هذه الجهود منع أعمال كهذه ومطاردة منفّذيها . وتتشكل لجنة ثلاثية الأطراف من الطرفين والولايات المتحدة لتأكيد تطبيق هذا البند "

وهذا تأكيد على التصفية الشاملة للانتفاضة ،ونزع أسلحة فصائلها ، وملاحقة العناصر التي تحمل السلاح ...أمّا بخصوص تشكيل اللجنة الثلاثية لمرابقة تطبيق هذا البند فهو استبعاد لأطراف دولية أقلّ انحيازا (لاسرائيل )مثل : الاتحاد الأوربي،والاتحاد الروسي ،والأمم المتحدة ، والتسليم بهيمنة أمريكية – اسرائيلية على هذه اللجنة ، وهذا ينسجم مع أحد شروط /شارون/ المتعلّقة بخارطة الطريق ....

6 –وفي بند: "قوّة متعددة الجنسيات ينصّ : " لتنفيذ الوظائف المفصّلة في الاتفاق تنتشر القوّة متعددة الجنسيات في دولة فلسطين " . وهنا يبرز ثانية عدم التكافؤ بين طرفي الاتفاق من حيث الاقتصار على نشر القوات المتعددة الجنسيات فوق الأرض الفلسطينية فقط دون غيرها...

7 – تنصّ الوثيقة في بند الإخلاء على تنفيذ الانسحاب العسكري والأمني الاسرائيلي من أراضي دولة فلسطين على مرحلتين : " المرحلة الأولى تتضمّن مناطق دولة فلسطين كما تصف الخارطة ،وتستكمل في غضون تسعة أشهر ، وتتضمّن المرحلة الثانية والثالثة باقي الأراضي الإقليمية لدولة فلسطين ،وتستكمل في غضون 21 شهرا من نهاية المرحلة الأولى تحافظ اسرائيل على وجود عسكري مقلّص في غور الأردن تحت صلاحية القوّة متعددة الجنسيات وبالخضوع لها على مدى 36 شهرا أخرى ،هذه الفترة الزمنية يفحصها الطرفان مجددا في حالة تطورات إقليمية ذات صلة ، ويمكن أن تمرّ بتعديلات بمافقة الطرفين ."

-  إنّ هذا البند يقرّ بتواجذ اسرائيلي فوق الأرض الفلسطينية لفترة زمنية مجموعها 66 شهرا ،أي خمس سنوات ونصف ،مع إبقاء الباب مفتوحا مستقبلا للتمديد ... وهذا انتقاص آخر لسيادة الدولة الفلسطينية ، واستمرار الهيمنة الاسرائيلية ...

8 – تنصّ الوثيقة على : " حق اسرائيل بالاحتفاظ بمحطات إنذار مبكّر في شمالي ووسط الضفة الغربية وذلك لمدّة عشر سنوات خاضعة للبحث بعد ذلك بموافقة الطرفين ". أي أنّها قابلة للتمديد بعد هذه المدة الطويلة ،وخضوعها للبحث والموافقة على انتهاء هذا الحق سيكون عمليا خاضعا للمشيئة الاسرائيلية ،وهذا انتقاص واضح للسيادة الفلسطينية ...

9 – سمحت الوثيقة لسلاح الجو الاسرائيلي باستخدام المجال الجوّي الفلسطيني بهدف التدريب ولمدّة عشر سنوات قابلة للتفاوض والتمديد ... كما حدّدت مهمة الاشراف على معابر الحدود للدولة الفلسطينية من قبل طواقم مشتركة من قوة الأمن الفلسطينية وقوة أمن متعددة الجنسيات ...مع تواجد اسرائيلي أمني غير منظور للعين في قاعات المسافرين والأمتعة لمدّة 30 شهرا ...وهكذا تتالت انتقاصات السيادة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية ،وتعددت أشكال الهيمنة الاسرائيلية فوقها ، وإبقاء الباب مفتوحا لاستمرارها مستقبلا ...

10 – بالرغم من عدم نشر الخرائط التي تحدّد السيادة على القدس الشرقية إلاّ أنّ المعلن في هذا المجال يؤكّد تنازل الفلسطينيين عن حائط البراق ( لاسرائيل ) وعن نفق الحائط الغربي ،ووضع نظام دولي للإشراف على نطاق الحرم ، كما أبقت المقبرة اليهودية في جبل الزيتون تحت السيطرة الاسرائيلية ، ووضعت ترتيبات الوصول إليها ،كما أشارت بشكل عام وعائم الى وضع البلدة القديمة والترتيبات الخاصة فيها ،وعموما فإن القاعدة التي اعتمدت هي : "مامع العرب للعرب ،وما مع اليهود لليهود " ،وبذلك لم يبق للفلسطينيين سوى حوالي 15 بالمائة من مساحة كامل مدينة القدس ... وبذلك يكون هذا الاتفاق قد خرق ثابتا فلسطينيا آخر يتعلّق بعودة القدس الشرقية للفلسطينيين ،وتنازلا صريحا عن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تعتبر إجراءات (اسرائيل) في القدس واستيطانها باطلة ، ومن أهمّها : القرار 252تاريخ 21/5/968 ، والقرار 267 تاريخ       3/7 /969، والقرار 271 تاريخ 15/ 9/ 969 ، والقرار 298 تاريخ 25/9/ 971 ،والقرار 476 تاريخ 30 /6/980 ، والقرار 478 تاريخ 20/8/980 .....الخ والتي لايمكن تعويضها في ظل موازين القوى الدولبة الراهنة ....

11 – حول اللاجئين : تعتبر قضية الللاجئين الفلسطينيين المسألة الأهم والأخطر التي عالجتها وثيقة جنيف ، وقد أشارت إلى أنّ قرار الأمم المتحدة 194 ،وقرار مجلس الأمن 242 ،ومبادرة السلام العربية التعلّقة بحقوق اللاجئين هي الأساس لحلّ مواضيع اللاجئين المتّفق عليها ، وما الإشارة الى تلك القرارات إلاّ نوعا من التخدير والتحايل وذرّ الرماد في العيون لتضليل الفلسطينيين وغيرهم من العرب ، والتستر على جريمة التخلّي عن حق العودة ،لأنّ مضمون الاتفاق يتناقض مع تلك القرارات وينفيها ،حيث أقرّت الوثيقة بأنّ: هذا الاتفاق هو حلّ كامل ودائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ،لايجب طرح مطالب أخرى غير تلك المتعلّقة بتطبيق هذا الاتفاق ."

وفيمايلي أهمّ النقاط الواردة في الوثيقة حول اللاجئين :

التعويضات : " اللاجئون يستحقوّن تعويضا على مكانتهم كلاجىء،وعلى فقدانهم للأملاك وهذا الأمر لا يمسّ بالحقوق المتعلّقة بمكان السكن الدائم للاجىء ""... وقد حدّدت الوثيقة الأسس التي سيتم استنادا اليها تقدير التعويضات ...

اختيار مكان سكن دائم : خيارات مكان السكن الدائم التي يمكن من خلالها أن يختار اللاجىء ستكون على النحو التالي :

" 1- دولة فلسطين . 2 – دول طرف ثالث خارج فلسطين ( وخارج مناطق إقامتهم الحالية) . 3 – دولة اسرائيل ، ولكن سيكون خاضعا للتفكّر السيادي ولإسرائيل ، ويتناسب والعدد الذي ستنقله اسرائيل الى اللجنة الدولية . 4- الدول المضيفة للاجئين الآن ،وهذا الخيار سيكون بقوّة التفكّر السيادي للدول المضيفة ، وتنتهي مكانة الفلسطيني اللاجىء مع تحقق مكان السكن الدائم ، ويتقرّر من قبل اللجنة الدولية ، وفي الوقت نفسه فإن هذا الاتفاق هو حلّ كامل ودائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين لايجب طرح مطالب أخرى غير تلك المتعلّقة بتطبيق هذا الاتفاق ، كما سيتم حلّ وكالة غوث اللاجئين لاحقا "...

وبذلك يكون اللاجئ الفلسطيني من الناحية العملية مالكا لحق العودة الى الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع /بعد عملية تبادل الأراضي بين الطرفين / ،أمّا عودته الى أرضه في فلسطين المحتلة عام 1948 ،فهي مرهونة بإرادة الحكومة الاسرائيلية ، والموقف الاسرائيلي معروف وواضح حيال هذا الأمر ، وهو الرفض القاطع للعودة ،إلاّ في إطار ضيّق جدا قد يشمل بعض كبار السنّ تحت غطاء لمّ شمل العائلات الفلسطينية ،وذلك بهدف ستر عورة المفاوض الفلسطيني ،وتغطية تنازله عن هذا الحق المقدّس ...

وهنا نلاحظ كيف فرّغت الوثيقة حق العودة إلى الأرض والديار، مع التعويض عن الممتلكات واستغلالها منذ التشريد عام 1948 ، وأصبح عبارة عن الحق في اختيار مكان سكن دائم أي نوع من أشكال التهجير أو الهجرة الجديدة ، أو القبول بمكان السكن ا لحالي – اذا تيسّر – مع التخلّي عن حق العودة بشكل نهائي ..

12 – حول السجناء والمعتقلين : عاملت وثيقة جنيف المعتقلين على الشكل التالي :

" الصنف :ا – ويشمل كل الأشخاص الذين سجنوا قبل بدء تطبيق إعلان المبادئ في 4/5/ 994 ، والمعتقلين الإداريين والقاصرين وكذا النساء والسجناء المرضى ، يفرج عنهم فورا مع دخول هذا الاتفاق حيّز التنفيذ .

 الصنف:ب – كل السجناء الذين سجنوا بعد 4/5/994 ، وقبل التوقيع على هذا الاتفاق يفرج عنهم في موعد لايتجاوز 18 شهرا بعد موعد دخول هذا الاتفاق حيّز التنفيذ ، ويستثنى من ذلك اولئك المشار إليهم في الصنف ج ..

 الصنف : ج – حالات استثنائية – أشخاص أسماؤهم مفصّلة في ملحق الاتفاق ، يفرج عنهم في غضون ثلاثين شهرا بعد نهاية التطبيق الكامل للجوانب الإقليمية من هذا الاتفاق".

     إنّ هذا التصنيف يجسّد النهج الصهيوني الثابت حيال المعتقلين سواء أكان المفاو ض يمينيا أم يساريّا ، ففي الوقت الذي تدعو فيه الوثيقة الى مصالحة تاريخية بين الطرفين : الفلسطيني والاسرائيلي ، وإلى التعايش السلمي والاحترام المتبادل ، والأمن القائم على السلام العادل والشامل فإنّ المفاوض الاسرائيلي – وحتى اليساري – يبدو عاجزا عن الخروج من قمقمه الصهيوني والثأري والانتقامي من مناضلي أبناء الشعب الفلسطيني الذين يتّهمهم بتلويث أيديهم بدم الشعب اليهودي ، بينما يغض الطرف ويتسامح ويبرّر الجرائم الدموية التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في عهد /شارون/ ومن سبقوه ... كما أنّ الطرف الفلسطيني يبدو مدمنا على ارتكاب الأخطاء بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين عند التوقيع على / أوسلو / وما تبعها من اتفاقات ، ومتجاهلا هؤلاء الصفوة المختارة المناضلة من أبناء الشعب الفلسطيني التي دافعت وضحّت من أجل حرية الشعب الفلسطيني وحقوقه ،وتحرير أرضه وكرامته وكرامة الأمة العربية جمعاء...فالوثيقة تجعل السجناء المشمولين في التصنيف : ج تحت رحمة الانتهاء من التطبيق الكامل للجوانب الإقليمية من هذا الاتفاق ، هذه الجوانب المطّاطة والعائمة والمجهولة ، والتي لايستطيع أيّ من المفاوضين تفسيرها بشكل متطابق مع تفسير الآخر ، فالاتفاق بحاجة الى حوالي 6 سنوات حتى يستكمل مراحله وآجاله اذا سارت الأمور على أحسن ما يرام دون أيّ عراقيل أو تأخير أو تأجيل ، وكيف الأمر اذا كان مفهوم هذا الشرط الجائر يرتبط مع التوقيع على اتفاقات مع دول عربية أخرى قريبة أو بعيدة عن فلسطين ، والانتهاء من تنفيذها ...؟ 

13 – أقرّت الوثيقة في ملاحظتها الأخيرة على :" إنّ الاتفاق لم ينته بعد ، حيث أنّ مواضيع المياه والعلاقات الاقتصادية والجهاز القضائي وعشرات الملاحق ،بعضها جوهري’ جدّا لم تكتب بعد ."

أي أنّ أمورا كثيرة وخاصة موضوع المياه سيحتاج الى مفاوضات طويلة ، وقد تثير الكثير من الخلافات التي ربّما تعصف بالاتفاق كلّه .. هذا مع العلم أنّ جوانب كثيرة في الاتفاق لاتزال غير معروفة ، وربّما متستّر عليها في 53 ملحق ، ولاشكّ فيه أنّ المخفي هو الأعظم  والأخطر  ...

ملاحظات واستنتاجات عامّة :  إضافة إلى الملاحظات التي تمّ ذكرها عند استعراض بنود الاتفاق فإنّنا نرصد مايلي :

1-  وجود عدم تكافؤ بين المتفاوضين والموقّعين على وثيقة جنيف ، ففي الوقت الذي كان فيه المفاوض الاسرائيلي من (اليسار) المعارض في (اسرائيل) ،وليس له أيّة صفة رسمية الآن في الكيان الصهيوني ، فإنّ المفاوض الفلسطيني كان من العناصر المشاركة في السلطة الفلسطينية أو المحسوبة عليها تحت يافطة أنّهم أقدموا على هذه الخطوة بتصرّف شخصي ، وهذا التبرير لايمكن يصدّقه أيّ مراقب سياسي ، فلايجرؤ ياسر عبدربّه ،وأمثاله أن يشاركوا ويوقّعوا على وثيقة بمثل هذه الخطورة والتفريط لولا حصولهم على ضوء أخضر من /أبوعمّار/ شخصيّا ،كما أنّ وفدا رسميّا برئاسة /جبرائيل رجّوب / عضو مجلس الأمن القومي الفلسطيني ،وعضويّة /قدّورة فارس/ وزير الدولة في الحكومة الراهنة وآخرون ... حضروا ( زفّة) التوقيع على وثيقة جنيف ...

2-  إنّ هذا النهج الفلسطيني الرسمي هو سابق لوثيقة جنيف ،فقد سبق للدكتور: سرّي نسيبة الذي كان مسؤولا عن ملفّ القدس ( بمرتبة وزير) بالتوقيع على وثيقة مع /إيلون / محورها وجورها يقوم على التفريط بحق العودة ، هذا إضافة الى حضور مسؤولين فلسطينيين في ندوات ولقاءات في أوربا أمثال : ياسر عبدربّه ،وزياد أبوزياد وهشام عبد الرازق ...وغيرهم ، وكانوا يطمئنون الحضور بأنّ حق العودة ليس عقبة كأداء في وجه المفاوضات والاتفاقات ، وإنّما يمكن إيجاد حلّ له ...بينما نشاهد في الطرف الآخر أنّ /شارون/ وحكومته قد رفضوا وثيقة جنيف بالرغم من سوئها فلسطينيا .. وعلى كل حال فإذا كان الطرف الاسرائيلي الذي يمثّل اليسار الاسرائيلي ، وربّما أقصاه ، وحركات /السلام الآن / ، وبعد مخاض طويل لم يقبل بأكثر من هذا السقف المتدنّي من الحقوق الفلسطينية ،والمرفوض من الجماهير الفلسطينية والعربية ،فكيف الحال اذا كان المفاوض هو /شارون /وحلفاؤه من اليمين الصهيوني المتطرف ،وهذا يقدّم الدليل والبرهان على الطرق المسدودة أمام أيّة مفاوضات مستقبلية مع العدو الاسرائيلي في حال تمسّك الطرف الفلسطيني ولو بالحدود الدنبا لحقوق الشعب الفلسطيني ،كما يلقي الضوء على الاتجاهات والمسارات الخطرة للتنازلات المحتملة للسلطة الفلسطينية اذا سارت المفاوضات تحت خيمة /خارطة الطريق / حتى النهاية ...

3-  يعترف الطرفان الموقّعان على /وثيقة جنيف / بأنّها غير رسمية وليست ملزمة ،ولابدّمن إعادة طرحها على الجهات الفلسطينية والاسرائيلية المسؤولة ،وحسب تقديرنا أنّها ستكون ورقة عمل للتفاوض مستقبلا كملحق / لخارطة الطريق / من أجل معالجة مسائل الحل النهائي ،وفي هذه الحالة فإنّ سقفها المتدنّي سيزداد هبوطا وخرقا للثوابت الفلسطينية ... وهذا الخطأ التفاوضي الفادح الذي يقع فيه الطرف الفلسطيني يعود ليكرره ثانية وثالثة ... إذ يأتي للتفاوض وهو يقبل بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني ،ثم يقبل بما دونه على طاولة المفاوضات وفي الكواليس ، بينما عدوّنا الاسرائيلي يطرح دائما السقف الأعلى من شروطه ومطامعه ،وعند التفاوض يحصل على مبتغاه الحقيقي من التفاوض دون نقصان ... وكلّنا يتذكّر شروط /شارون/ وحكومته على / خارطة الطريق / ( 14 شرطا) ،والقبول الفلسطيني دون شروط ، وحتى قبل أن تصدر بصيغتها النهائية ......

وهنا لابدّ من الإشارة الى أنّ  بعض الفلسطينيين والعرب يفلسف الأمور ويقول : إنّ التوقيع على اتفاقية جنيف هو تكتيك سياسي لإحراج /شارون/ وحكومته ، وتبييض صفحة / أبو عمّار / وحكومته لدى أمريكا وبقيّة الغرب ،وهم يدركون أولايدركون أنّ الألاعيب والتكتيكات السياسية التي تمسّ الثوابت والأهداف الفلسطينية الاستراتيجية جريمة لاتغتفر ،لأنّ أيّ خطأ تكتيكي فيها سيشكّل سابقة سياسية مسلّم بها عند التفاوض مستقبلا بدون ثمن ، وبمثابة جرعة تفريط جديدة رسميّا وشعبيا على طريق ليس له نهاية من التنازلات ....

4 – إنّ السلطة الفلسطينية تتحمّل  المسؤولية السياسية والمعنوية عمّا نجم وينجم من تبعات سلبية عن / وثيقة جنيف / ،وإلاّ من المفروض والواجب محاسبة ومحاكمة الوفد الفلسطيني الذي فاوض ووقّع عليها ،لأنّه لايمتلك الحق بالتصرّف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين ،أو ينتقص من الثوابت الفلسطينية الأخرى ، باعتبارها مقدّسة لايحق لأحد التفريط بها مهما كان ....

5 – في الوقت الذي تغوص فيه السلطة في وثيقة جنيف وخارطة الطريق ، وتتلهّى به ، وتلهّي شعبها فإنّ /شارون/ يرسم حدود الكيان الصهيوني وفق خطته الخاصة بجدار الفصل العنصري دون اكتراث من أحد ،كما يستمر في إرهابه داخل الضفة والقطاع ،ويصعّد من جرائمه ضدّ أبناء الشعب الفلسطيني ، ويتنصّل من كلّ اتفاقات ومواثيق وقرارات دولية سابقة ، ولذلك فإنّ أيّة مراهنة على استمرار التفاوض معه على /خارطة الطريق/ من أجل الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني ولو بحدودها الدنيا ليس إلاّ وهما ، وسرابا مخادعا ، ولن يقود إلاّ الى المزيد من الكوارث والمآسي ....

-  وأخيرا : فإنّ التمسّك القاطع بالثوابت الفلسطينية ،وتحريم خرقها أو تجاوزها ،والتسلّح بقرارت الشرعية الدولية التي تحفظ الحقوق الفلسطينية ،وعدم التفاوض على ما دونها ،هي المنطلقات والأسس التي يجب أن تعتمدها أيّة حكومة فلسطينية ، مع المحافظة على الانتفاضة واستمرارها وتوسيعها وتصاعدها في ظلّ وحدة فلسطينية راسخة ،وقيادة موحّدة لنضال الشعب الفلسطيني تضمّ قادة الانتفاضة والسلطة الوطنية الفلسطينية تكون مخوّلة بوضع استراتيجية كفاحية وسياسية واحدة ملزمة للجميع (مع حق كل فصيل فلسطيني في الاحتفاظ بمنطلقاته العقائدية وموقفه الاستراتيجي من قضية فلسطين )،وهذه القيادة الموحّدة هي التي ترسم التكتيك السياسي الذي يصبّ لصالح الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ،وهي الجهة المخوّلة باتخاذ القرارات السياسية الاستراتيجية بعيدا عن وصاية أوسمسرة أي طرف عربي أو دولي ،وفي حال تحقيق هذه الشروط فإنّ الجبهة الداخلية الفلسطينية سيتعزّز صمودها ،ويتدعّم كفاحها الى حدّكبير ، وسينعكس ذلك إيجابا على الوضعين العربي والدولي ....

وفي الوقت نفسه فإنّ من واجب كافّة القوى والأحزاب والمنظمات والاتحادات العربية أن تفيق من سباتها العميق ،وتصحو من خدرها وشللها ،وتوحّد طاقات نضالها لدعم كفاح الشعب الفلسطيني والعراقي ، وللضغط على الأنظمة المستسلمة والخانعة ،أو المتواطئة لتصحيح مسارها السياسي وتوحيد جهودها في خدمة القضية الفلسطينية كواجب قومي ملحّ دون منّة من أحد ،وفي حال تحقيق الشرطين الفلسطيني والعربي سينجم عنها انعكاسات إيجابية مهمّة ملموسة على الصعيد لدولي يصبّ لصالح حقوق الشعب الفلسطيني والعراقي ..... والنصر سيكون دائما حليف الشعوب المكافحة الصابرة .   

 


 % كاتب سوري ,