ردّ على التهم الظالمة الموجّهة ضدّ المرحوم صلاح جديد الواردة في مقال طريف يوسف آغا
بعنوان ( العلوي الصالح والعلوي الطالح - ماذا يحدث لهما بعد التحرير ؟
 

محمود جديد

 
- لم يكن لديّ الرغبة في يوم من الأيام الدخول في حلقة مفرغة عبثية من الردّ والردّ المضاد مع أحد ، كما أكره الخوض في المستنقع الطائفي البغيض الذي رفضته وأنا فتىً في بداية الخمسينات ، واخترت الخندق والطريق والفكر الذي يرفض الطائفية وكلّ تعبيراتها بالجملة والمفرّق منذ ذلك التاريخ ولا أزال ، مع الإشارة إلى أنّي أيضاً من ضحايا هذا النظام ملاحقة وتشريدا منذ أربعين عاماً ، وفي الوقت نفسه لن أصمت عن ظلم شخص أمضى ٢٣ سنة في سجن حافظ أسد دون محاكمة أو توجيه تهمة ، ثمّ اُغتيل مسموماً داخله ، وأنا أعرف جيّداً وعن قرب معدن هذا الرجل ووطنيته ، وإخلاصه لحزبه ووطنه وأمّته وتفانيه في سبيل قضاياها العادلة دون طمع بجاه أو مال أو سلطة ، أو الاستمتاع بملذّات الحياة ......
- نشر المهندس:طريف يوسف آغا مقالاً بعنوان :" العلوي الصالح والعلوي الطالح ماذاسيحصل لكلّ منهمابعد انتصار الثورة " تعرّض في إحدى فقراته للمرحوم صلاح جديد ، وأطلق عليه :" سفّاح سورية " مستنداً على تهمٍ عامّة وعائمة لا سنداً حقيقيّاً لها ، ولذلك أطرح عليه التساؤلات التالية :
١ - هل يمكن للسيّد طريف أنْ يعرض علينا موقفاً شخصيّاً واحداً لصلاح جديد صادراً عنه ، أو مشاراً إليه في قرار ، أو اقتراح ، أو أمر ما يثبت اتهامه الظالم ؟
٢ - هل يمكن له أن يذكر لنا عبارة استخدمها صلاح جديد في محاضرة ، خطاب ، اجتماع ، مؤتمر ، أو في لقاء صحفي ، إذاعي ، تلفزيوني أو غيرها ، وهو يدعو فيها أو يحرّض على قتل المواطنين ؟
٣ - هل يعرف السيّد : طريف فرعاً أمنيّاً استلمه صلاح جديد في يوم من الأيام ، أو وحدة عسكرية أو أمنية قادها وأقدمت على قتل وذبح المواطنين ؟ وهل تتوفّر لديه لائحة بأسماء ضحايا هذا " السفّاح " المزعوم ؟
٤ - هل استلم صلاح جديد في وقت من الأوقات مسؤولية تنفيذية في سوريّة مثل : رئيس دولة ، رئيس وزراء ، وزير داخلية ، جهاز مخابرات ، وحدة عسكرية مخصصة لقمع الناس ؟
٥ - وتساؤلاتي هذه لا تعني بشكلٍ من الأشكال أنّ صلاح جديد كان يعيش على هامش الحياة السياسية والعسكرية ، وإنّما كان عضواً بارزاً في قيادة الحزب والدولة منذ عام ١٩٦٣ ، وحتى اعتقاله في ١٣ تشرين الثاني عام ١٩٧٠ ، وشارك بفعاليّة داخل المؤسسات الحزبية والرسمية ، ويتحمّل المسؤولية داخل أيّة صيغة قيادية عمل أو شارك بها ، ووفقاً لأسس ومفاهيم القيادة الجماعية التي اتّسمت بها مرحلة ٢٣ شباط / ١٩٦٦ وحتى منتصف عام ١٩٦٨ حيث برزت ظاهرة الازدواجية في الحكم بين قيادة الحزب المدنية الجماعية ، والقيادة العسكرية الفردية ( حافظ الأسد ) واستمرّت تلك الفترة حتى انقلاب عام ١٩٧٠ ...
- يصف السيّد: طريف آغا الشهيد صلاح جديد ب" العلوي القومي الاشتراكي " الذي حكم سورية بعد انقلاب ١٩٦٦ ... الخ "
لا حظوا كيف يصنّف طريف يوسف آغا المواطن السوري استناداً إلى الطائفة التي وُلِدَ فيها ، ويجمع ويحشر الطائفيّة مع نقيضتيها : القومية والاشتراكية (وهو المهندس الميكانيكي ، والمعيد في الجامعة السورية سابقاً ، والمواطن الأمريكي حاليّاً ، والكاتب ، والشاعر ) ، ألا يدعو هذا للتعجّب والاستغراب ؟
- يستحضر طريف آغا محطات قليلة من التاريخ ،( وربّما شاذة عن مفاهيم الاسلام الحنيف )، ليستخدمها في التأجيج الطائفي ، وفي الوقت نفسه يتجاهل محطات مضيئة أخرى من التاريخ الإسلامي شعّت تسامحاً وعدالة وصلت أصداؤها ومفاعيلها إلى الصين وأعماق أوربّا ، ولم يكتفِ بذلك بل وضع الصالح والطالح في كيس وحد ومصير واحد ولو بنسب متفاوتة شملت حوالي ثلاثة ملايين نسمة من أبناء سورية ، وبشكل يتنافى مع كلّ الشرائع السماوية والوضعية والأعراف والمواثيق والاتفاقات الدولية ... حيث يقول :
" ولكن ماذا عن الفترة الزمنية التي عادة ماتتبع مباشرة انتصار أي ثورة والتي تتميز بالفوضى وانعدام القانون من جهة وأعمال الانتقام وتصفية الحسابات من جهة ثانية؟ وهذه فترة قد تطول وقد تقصر، ولكنها لازمت كافة ثورات العالم عبر التاريخ دون استثناء، وعادة مايحصل خلالها ماينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقول (بروح الصالح بين رجلين الطالح) ولاأعتقد أن ثورتنا ستشذ عن ذلك وبالتالي فان العلويين الذين اتفقنا على تسميتهم (بالصالحين) وإذا كانوا خارج سورية حينها، فهم على الأغلب سيكونون بأمان. أما هؤلاء الذين هم في الداخل واختاروا البقاء هناك ليعرفوا ماذا سيجري لهم، فهناك خطر حقيقي على حياتهم وربما كان هذا آخر سؤال سيعرفون الاجابة عليه "
وأخيراً ، أستطيع القول : إنّ طريف آغا بمقاله هذا قدّم خدمة كبيرة للطرفين اللذين يسحقان سوريّة بعنفهما في هذه اللحظة التاريخية الراهنة الدامية : النظام السوري المستبد المسؤول الأول من جهة ، والمجموعات المتطرّفة المسلّحة المحليّة والوافدة من جهة ثانية ... فهذا الخطاب السياسي الخاطئ يُسعِد الجناح المتشدّد الدموي في النظام لأنّه يستخدمه ويسوّقه في أوساط أدواته ومؤيّديه ليستمرّوا في حمل السلاح معه حتى آخر قطرة من دمائهم ....وفي الوقت نفسه يشجّع التكفيريين على المزيد من القتل والذبح ، ومثل هذا الخطاب الخاطئ أجّل رحيل النظام وساعد على تماسكه ، وعرقل تفكٰكه ...وكان حريّ بالسيّد : طريف أنْ يستخدم خطاباً آخر يدعو فيه لإيقاف شلّال الدم السوري المتدفّق في غير ساحته وميدانه ، وإيجاد حلّ سياسي يصون الوحدة الوطنية ، ويحصّن سوريّة ضدّ التفتيت والتقسيم ، ويفسح المجال للشعب السوري بكافّة أطيافه ليقول كلمته بشكلّ حرّ وديمقراطي ، ويقرّر مصيره بنفسه بعيداً عن الاستبداد الداخلي ، والتدخّلات والوصايات الخارجية ، وينجز التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل ...
13/12/2012