ردّ وتصويب على مقال السيدة خلود الزغير بعنوان : 

              مؤسسة الجيش السوري : مسيرة التصفيات وسؤال الهويّة

               والمنشور في موقع : الجمهورية لدراسات الثورة السورية 

           

                                                            محمود جديد  

              " سأكتفي بالردّ فقط على ما ورد عن الفترة من ١٩٦٣ - ١٩٧٠ " 

       - لا توجد حقبة سياسية عاشتها سورية بين عامي ١٩٤٨ و١٩٧٠ إلّا وجرت فيها تسريحات وبشكل تتناسب مع تعدّد القوى السياسية وتناحرها في ظل غياب الديمقراطية ، ومداها الزمني .. وفي ردّي اليوم على الأخت : خلود الزغير لست معنيّاً سوى بالفترة الممتدّة من عام ١٩٦٣ - ١٩٧٠ ، وهي الحقبة التي وُضِعَت ولا تزال  تحت المجهر دراسة وتمحيصاً ، وفبركة وتلفيقاً بهدف تشويه التاريخ الحقيقي لهذه الفترة بإيجابياتها وسلبياتها ، وقد ساعد على ذلك عوامل داخلية وخارجية بهدف توظيفها لأغراض سياسيّة راهنة تخدم مخططات قوى وأطراف محليّة ودولية ....وللدقة والموضوعية في الردّ سأعرض ماذكرته كاتبة المقال ثمّ أعلّق  عليه ... وهذا ما انتهجته في كافّة ردودي السابقة ... 

تقول السيّدة خلود : " إنّ عدد المسرّحين من الجيش السوري بعد الثامن من آذار بلغ الآلاف من الضباط وصف الضباط، وكانت حجة هذه التسريحات “قوميّة”، بتهمة الانفصالية والبرجوازية أو الشعوبية أو التبعيّة للحوراني. فخلال الأيام الأولى للانقلاب تم تسريح 500 ضابط من مختلف الرتب من كوادر الجيش المدرّبة والمحترفة، ليحلّ مكانهم ضباط احتياط من حزبيين ومعلّمين وموظّفين! وأكّد هذه المنهجية بالتسريحات لؤي الأتاسي وفهد الشاعر في محادثات الوحدة الثلاثيةّ 14/3/ 1963.[5] امتدت التصفيات لتصل إلى كل منتم للحزب السوري القومي، الشيوعي، الأكراد، الشركس، وإلى ضباط الأمن في وزارة الداخلية وطلاب الكليّة العسكرية، بحيث صرفت دورة كاملة بحجة أن طلابها انفصاليون. نشرت جريدة “الحياة” اللبنانية بعض قوائم التسريح أظهرت بعض الأرقام:” 104 ضباط سوريين كبار أحيلوا على التقاعد، وهناك أربعمائة ضابط يلتزمون بيوتهم بانتظار البت بأمرهم " 

ملاحظات ومغالطات هذه الفقرة : 

١ - المبالغة في حجم التسريحات التي وصفتها بالآلاف من الضباط وصفّ الضباط  ، وهنا تمّ خلط صفّ الضبّاط مع الضبّاط للتمويه على هذه المبالغة ، فالتسريحات السياسية نادراً ماشملت صفّ الضباط وبأعداد قليلة جدّاً  ، كما أنّ حجم الجيش السوري في تلك الفترة ما كان يستحمل تسريح الآلاف من الضباط ...

٢ - إنّ تسريح الضبّاط الانفصاليين تمّ بفترة كانت معظم قيادة الجيش العليا والمخابرات عناصر غير بعثيّة ، وهي الجهة التي تمتلك سلطة القرار في مجال التسريح ، والتوقيع على النشرات العسكرية الخاصّة بذلك ..

٣ - لم يُسرّح ضابط واحد لانتمائه الطائفي ، أو لكونه من أسرة برجوازية ، أو بتهمة الشعوبية ، وإنّما تمّت كافة التسريحات لأسباب سياسية ، هذا مع العلم أنّ الأخوة المواطنين من قومية أو أثنية غير عربية كانت أشدّ انضباطاً وحرفيّة عسكريّة وحظيت باحترام القيادات العسكرية التي عملت معها ..ولم يُسرَّح ضابط كردي أو شركسي واحد لانتمائه القومي أو الإثني ، وكان يخدم معي في الكتيبة التي كنت أقودها ضابط كردي اسمه عبد الحميد غباري ، وآخر شركسي  وكانا قائدي سريتين  ( من أصل خمس سرايا ) ..

٤ - إنّ تسريح ٥٠٠ ضابط خلال الأيّام الأولى لانقلاب ٨ آذار رقم غير دقيق ، ولا يتجاوز ربع هذا العدد ...

٥ - لم يكن في الجيش في تلك الفترة ضبّاط قوميون سوريّون معروفون حتى تتمّ تصفيتهم ، لأنّ حقبة عبد الحميد السرّاج هي التي صفّتهم عقب العملية الإجرامية التي قام بها جناح جورج عبد المسيح من الحزب القومي السوري باغتيال الشهيد العقيد عدنان المالكي في عام ١٩٥٥( وهذا ما أكّدته مصادر قيادية من هذا الحزب ومصادر أخرى حول الاغتيال  )  .. 

٦ - لا علم لي بضبّاط قد سُرِّحوا بتهمة التبعية للمرحوم : الاستاذ أكرم الحوراني ، وهنالك العديد منهم من أبناء دورتي وتربطني معهم صداقة واحترام متبادل ، وحبّذا إذا كانت السيّدة خلود تمتلك أسماء محدّدة تشير إلى ذلك ..ولا استبعد وجود بعض الأسماء قد تكون محسوبة على الانفصاليين بسبب موقف الحوراني المؤيّد للانفصال والمعلن عنه في حينه ) ...مع العلم أنّ جهوداً حثيثة بذلها المرحوم اللواء صلاح جديد للتواصل مع جماعة أكرم الحوراني من أجل عودتهم للحزب ، لأنّه كان من ضمن المجموعة التي كان العقيد عبد الغني قنّوت ومصطفى حمدون من رموزها المعروفة وشارك معهم  في عصيان قطنا المعروف عام ١٩٥٧الذي تزعّموه  ، وبقيت علاقته طيّبة ووثيقة مع ما تبقّى منها أو محسوباً عليها بعد قيام ٨ آذار  ، وتجمعه علاقات صداقة شخصية قويٰة  واحترام متبادل  مع الكثيرين منهم .  

٧ - القول بأنّ دورة كاملة تمّ تسريحها بحجّة أنّ طلابها انفصاليون هو ادّعاء كاذب ...وكلّ الضباط الذين كانوا في الجيش وقتذاك يعرفون ذلك جيّداً ، وخاصّة أبناء هذه الدورة أنفسهم ...

٨ - ليس كلّ ما نشرته جريدة الحياة يُعتَدبه  ، وليس كلّ ما يُنشَر في الجرائد يُعتَبر موثوقاً ، وقد يبقى كما يُقال : " كلام جرائد ".. 

كما ذكرت الأخت خلود مايلي :" وفي العدد 5231 بتاريخ 9 آذار 1963 أشارت لبدء تسريح جميع الناصريين أو المحسوبين على الناصرية في صفوف ضباط الشرطة وقيل أن تدابير التسريح تتناول أيضاً 1300 صف ضابط في الجيش للسبب ذاته، ولكن هذا الرقم مبالغ فيه. لكن أرقام مؤكدة عن تسريح 50 ضابط ناصري، وقتل 50 شخصا في الاضطرابات والمظاهرات التي حدثت على إثر هذه التسريحات، فتم إغلاق مكاتب حركة القوميين العرب وجريدتهم، فهرب بعض أعضائها وألقي القبض على الباقي، وحكموا بالسجن لسنوات طويلة.[7] وتم تطهير جميع القطاعات العامة من الناصريين والموالين لهم وحل محلهم البعثيون. أما انقلاب الناصريين الفاشل على البعثيين بقيادة جاسم علوان في 18 تموز 1963 فأسفر عن قتل وجرح المئات، وتم خلال ساعات إعدام 27 ضابطاً أمام محاكم عسكرية " .

يبدو أنّ السيدة خلود لمست بنفسها مبالغة أرقام جريدة الحياة ولذلك أراحتني من الردّ ، ولذلك سأكتفي بإلقاء الضوء على القسم الثاني المتعلّق بالأخوة الناصريين الذين كانوا يسيطرون مع المستقلين الوحدويين على قيادة الجيش عقب انقلاب الثامن من آذار ، ولم يُسرَّح أحد منهم إلّا بعد محاولتهم الانقلابية الدامية الفاشلة التي قاموا بها في منتصف نهار يوم ١٨ تموز عام ١٩٦٣ وهاجموا مبنى الأركان العامة ، ومعسكر سرية الإشارة القريبة منه ، ولذلك  ليس مستغرباً تسريح ضباط بمثل هذه الحالات وفي أيّ بلد في العالم كان . أمّا مقتل ٥٠ مواطن في الاضطرابات والمظاهرات فهو مطعون بصدقيته ومبالغ فيه أيضاً ... 

- وتتابع خلود قولها : "هذه السياسة بالتسريحات دفعت أكرم الحوراني للتساؤل عمّا إذا كانت تصفية الجيش السوري بعد انقلاب آذار مطلباً أمريكياً؟ حيث منح مجلس قيادة الثورة نفسه عدا السلطات التأسيسية والتشريعية والتنفيذية حق تصفية الجيش!! لذلك يخوّن الحوراني هذا المجلس بحيث اعتبر سياسة التصفية والتسريح التي اتبعها رسالة لإسرائيل وأمريكا تعلن امتناع سورية عن أي عمل عسكري لمنع إتمام مشروع نهر الأردن ... " 

إنّ تخوين مجلس قيادة الثورة حكم خاطئ  وظالم ومتسرّع  لأنّه بدون دليل ، ومعظمهم مشهود لهم بوطنيّتهم ، ولكنّهم بشر أخطأوا وأصابوا كغيرهم ممّن سبقوهم أو جاؤوا بعدهم .... ولا يستطيع أيّ كاتب موضوعي أن يشك بوطنيتهم وإخلاصهم لوطنهم ، وعلى الأخصّ القضيّة الفلسطينيّة وكلّ ما يتعلّق بها ...وهم من تيارات سورية متعددة ولم يكونوا حكراً على حزب واحد فقط ...

   -  وتتابع السيدة خلود فتقول : " اللجنة العسكرية، وهي الفصيل العسكري لحزب البعث، الذي نشأ سرّاً حتى عن البعثيين المدنيين، سواء القيادة القومية أو القطرية، بدأت عملها بتصفية الجناح السياسي المدني للبعث ... الخ " 

إنّ موضوع اللجنة العسكرية وأخبارها ودورها راج بشكل كبير في البورصة السياسية السورية والعربية ، وارتفعت أسهمه في سوق التوظيف والاستغلال ، والتخيّلات والتكهّنات المريضة بهدف الاستهداف السياسي المشبوه ... وخير مَنْ كتب مشكوراً حول اللجنة العسكرية هو الرفيق : مروان حبش  وسأقوم بدوري بكتابة مقال خاصّ لأفنّد مدى هشاشة التهم الظالمة التي وُجِّهَت إليها ، ولا أعني بأيّ شكل من الأشكال طمس الدور السياسي  الذي لعبته سلباً أم إيجاباً في الفترة التي كانت موجودة فيها. وسأكتفي هنا بالردّ على ما أوردته خلود :

تقول : "هي الفصيل العسكري لحزب البعث الذي نشأ سرّاً حتى عن البعثيين المدنيين سواء القيادة القومية أو القطرية "  

كما أشار الرفيق مروان حبش فاللجنة العسكرية كانت موجودة قبلاً برئاسة العقيد بشير صادق ، عبد الغني عيّاش ، مزيد هنيدي  ، ممدوح شاغوري، محمد عمران    ،  ومعظمهم في الأصل ضباط من المجموعة المحسوبة على أكرم الحوراني في الجيش  ، ثمّ تجدّدت بجيل أحدث سنّاً ورتبة تحت ضغط الحاجة والظروف كما وضّحها الرفيق حبش  .. ولم يكن أحد من مؤسسيها يبغي أهدافاً طائفية من تأسيسها ، ومَنْ لديه دليل واحد يدحض هذا القول فليتفضّل ذكره سواء أكان المصدر تصريحاً شفهياً أم مكتوباً أم مسجّلاً أم فعلا ملموساً محدّداً  ...

- إنّ وصفها بفصيل عسكري للحزب غير دقيق بالمفهوم العسكري ، وإنّما كانت نواة قيادية لتنظيم عسكري حزبي في الجيش توسّعت لاحقاً ليصبح عددها ١٦ ضابطاً وبرئاسة أمين الحافظ  ، وانتهى دورها في عام ١٩٦٤ ، وتمّ حلّها بشكل نهائي بقرار من المؤتمر القومي الثامن في ١ /٣ / ١٩٦٥  ...

- وهل ياخلود يمكن أنْ ينشأ تنظيم عسكري في الجيش السوري أو في أيّ جيش في العالم بصورة علنية ؟

- هل كان موجوداً في وقت إنشائها قيادة قطرية أو تنظيم بعثي تابع لقيادة قومية سواء مدني أم عسكري ؟ ألم يكن الحزب محلولاً تنفيذاً لشرط وضعه المرحوم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من أجل قيام الوحدة بين سوريّة ومصر عام ١٩٥٨  ؟ فهل مطلوب أخذ موافقة من شيء غير  موجود ؟ وهنا أذكر حقائق ووقائع وليس تخمينات وتحليلات ذاتية ، وكلام جرائد ... 

- تقول خلود إنّ اللجنة العسكرية :" بدأت عملها بتصفية الجناح السياسي المدني للبعث  " 

إنّ هذا الكلام مخالف للحقيقة والواقع لأنّ اللجنة العسكرية وضعت السلطة بعد انقلاب ٨ آذار على طبق من فضّة وقدّمته للقيادة القومية ولتنظيمها الخاصّ  في القطر السوري ، والذي لم يكن يتجاوز ٤٠٠ عضواً فقط ، إنطلاقاً من حرصها على وحدة الحزب ، واحتراماً للشرعيّة الحزبيّة  ... وبعد ذلك وبمعرفة القيادة القومية تمّ الحوار مع تيّارات أخرى كانت محسوبة على البعث لاستقطابها من جديد ، سواء الذين كانوا قد تموضعوا ضمن مجموعة الحوراني ، أم ضمن المجموعات الناصرية الأخرى ، أو ضمن ماكان يُطلَق عليهم بالقطريين .

- أشارت خلود إلى وجود أربع كتل عسكرية داخل الجيش منها : 

" • تكتل اللواء صلاح جديد: الذي كان يلتف حول قيادته معظم الضباط العلويين وبعض ضباط قضاء مصياف وقضاء السلميّة (عبد الكريم الجندي)، بالإضافة لتكتل القيادة القطرية من البعثيين المدنيين اليساريين. 

لم يسعَ المرحوم صلاح جديد لإيجاد تكتّل طائفي في لحظة من اللحظات ، وكان بابه وقلبه  مغلقين  في وجه كلّ مَنْ يحاول طرح تكتّل طائفي ، وكانت المجموعة التي وقفت معه تنتمي لكلّ الطوائف ، ولم تقترب منه لأنّه وُلِد في الطائفة العلوية ، وإنّما لأنّه وقف في الخندق المعبّر عن الخط الحزبي الصحيح ...

ذكرت خلود في مقالها ما يلي : "  أول النزاعات التي بدأت بين هذه التكتلات كانت بين تكتل صلاح جديد ومحمد عمران، وانتهى بنفي عمران إلى إسبانيا، ومن ثم اغتياله في لبنان، ونقل الضباط الموالين له من مختلف فروع القيادة، وإيفاد بعضهم في بعثة عسكرية إلى موسكو. " 

توجد مغالطات كثيرة في هذه الفقرة ، لأنّ النزاع كان بين أمين الحافظ ومحمد عمران وليس بين جديد وعمران ، وقد أصرّ الحافظ على إبعاده إلى إسبانيا بعد أنْ نجح في استصدار قرار بهذا الشأن ، ولم يكن مبنيّاً على أسس حزبية صحيحة ، وكان من ثماره السلبية ترفيع حافظ الأسد إلى رتبة لواء من قبل أمين الحافظ لاعتبارات طائفية كريهة  ... وبعد ارتداد حافظ الأسد على خط الحزب وتنفيذه انقلابه التشريني في عام ١٩٧٠ ، أوعز لأخيه رفعت باغتيال محمد عمران في مدينة طرابلس كمقدّمة لبعثرة مجموعته العسكرية ، وحرمانها من رأسها المفكّر والمخطّط والمؤهّل لقيادتها وتوجيهها .. وبذلك يسهل احتواؤها  ، وتجييرها لصالحه ... ولم يُنقل أحد منهم بعد ذلك .. مع العلم أنّ التسريحات والتنقّلات التي تعرّضت إليها هذه المجموعة تمّ بعد قيام حركة ٢٣ شباط ١٩٦٦ بسبب تحالفها مع الثلاثي ( عفلق - البيطار - أمين الحافظ ) واستدعاء محمد عمران من اسبانيا ليصبح وزير دفاع في عام ١٩٦٥ ، وتسريح البارزين في مجموعته من الجيش دليل على أنّ حركة ٢٣ شباط كانت بعيدة عن المنطلقات والاعتبارات الطائفية ....

- وتتابع خلود عرضها للأحداث فتقول : "  أما سليم حاطوم الذي كان له الدور المنفذ بالانقلاب على أمين الحافظ فقد وجد نفسه، هو وتكتله وأبناء طائفته من مدنيين وعسكريين ليس فقط دون ترقية بل يجري تسريحهم وبطريقهم إلى التصفية، ليأخذ حافظ الأسد مكان حاطوم. فقام هذا بانقلاب فاشل على صلاح جديد سببه خيانة حافظ الأسد له لرغبة الأخير بالتخلص من حاطوم وإعلاء مكانته عند جديد، فكانت نتيجة الانقلاب تطهير الجيش السوري من الضباط الدروز، حوالي مئتي ضابط، وقد ألقي القبض على فهد الشاعر وحاطوم بعد أن فرّا، وحكم عليهما بالإعدام، وقتل حاطوم تحت التعذيب ." 

إنّ ما أوردته السيدة خلود فيه الكثير من التشويش وعدم الدقّة ، والسطحية  ، فترفيع سليم حاطوم لم يتأخّر في يوم من الأيّام ، ولم تكن توجد أيّة نوايا من قيادة الجيش تشير إلى ذلك ، ولم يسرّح أحد لأنّه وُلِد في الطائفة الدرذية ،أو كان مهدّداً بالتصفية .. وإنّما للأهداف الذاتية ، والطموحات غير المشروعة التي تكوّنت عند سليم حاطوم ، ومحاولته فرضها بالقوة على قيادة الحزب من خلال تدبيره مكيدة لإيقاع رئيس الدولة والأمين العام للحزب الدكتور نور الدين الأتاسي ، والأمين العام المساعد للحزب اللواء صلاح جديد ، وذلك من خلال تخطيط مدروس بدعوتهما إلى فرع السويداء لمناقشة أمور حزبية ، وأثناء تواجدهما في منزل عضو القيادة القطرية جميل شيّا ، وبالتواطؤ مع الرائد فوّاز أبو الفضل الذي كان موجوداً في لواء المشاة المتواجد في مدينة إزرع ومعهما عدد قليل من الضباط احتجزوا الرفيقين : الأتاسي وجديدبقوة السلاح وقدّم حاطوم طلبات شخصيّة بحتة بترفيعه ترفيعاً استثنائياً وتسليمه قيادة اللواء سبعين المدرّع الذي كان في الكسوة ، وحاول إجبار الرفيقين على الموافقة على ذلك ، وصوّب بندقيته إلى صدر الرفيق صلاح جديد ، فأجابه قائلاً : ليس لنا أي حق في إعطائك أيّ وعد ، ولن نعطيك ، وموضوعك نطرحه أمام قيادة الحزب وهي التي تمتلك صلاحية اتخاذ القرار ، وما تقرّره سيتمّ تنفيذه .. عندئذ تدخّل جميل شيّا بينهما وأزاح البندقية عن جديد  ... وعندما يئس حاطوم من إخضاع الرفيقين الأتاسي وجديد لرغباته .. ونظراً لتحرّك قوات من الجبهة ، ومن دمشق ، وقدوم طيران حربي الى منطقة السويداء غادر ومجموعته سورية إلى الأردن وعقد مؤتمراً صحفيّاً هناك ... وأثناء عدوان حزيران دخل مع بدر جمعة وعدد من الضباط سورية بهدف استغلال الظروف وإجراء انقلاب ، ففشل بذلك وحوكم وأُعدِم ... أمّا عدد المسرّحين معه فكان محدوداً ولا يتجاوز أصابع اليدين وليس بالمئات كما ورد بالمقال ...

ذكرت خلود ما يلي :" كما علّقت وكالة الأسوشيتدبرس على الحرب المتوقعة في حزيران (9/4/1967): “بأن المراقبين العسكريين يقولون بأن سورية تملك 20 طائرة ميغ 21، بينما الطيارون الموثوق بهم سياسياً والذين يسمح لهم بالطيران لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، والمعروف أن معظم الطيارين قد فصلوا في عمليات التطهير المتواصلة، كما أظهرت هذه المعركة نقصان الوحدة الفعّالة بين دول المواجهة العربية”. [12] "

 إنّ المعلومات الصحفية العائمة تستهدف في أغلب الأحيان تسويق أخبار ذات أغراض سياسية محدّدة ، وتوظيفها في حرب إعلامية ونفسيّة ضدّ تيّارات وقوى سياسية تتعارض مع الأطراف التي تسخّر تلك المصادر الإعلامية ... فتقزيم القوات الجوية السورية ، وضحالة عدد الطيّارين ، والقيود المفروض عليهم هدفه الإساءة الى القيادة السياسية السورية آنذاك ، وليس عرض حقائق .. وهنا أريد توضيح الآتي : في يوم ٧ نيسان / أبريل / ١٩٦٧ / خسرت سورية في يوم واحد سبع طائرات في معركة جويّة غير متكافئة ولوقوعها في كمين جوّي ، وهذا يعني أنّ عدداً آخر من الطائرات السورية كان في الجوّ في ذلك الوقت ، وأنّ هذا الطيران انطلق من منطقة عسكرية واحدة ، وبالتالي أنّ القوى الجوية تمتلك في هذه المنطقة لوحدها عشرين طائرة مقاتلة لوحدها ، ولكنّ نوعية الطائرة وطبيعة التسليح المزوّدة به يلعب دوراً بارزاً في المعارك الجويّة ، وبالتالي يصبح تجنّبها هو القرار الصحيح ، واستدراج الطيران المعادي إلى منطقة الدفاع الجوي الأرضية لتحقيق إصابات فيه دون اشتباكات جويّة غير متكافئة نظراً للتفوّق الجوّي الإسرائيلي المعروف  ...

أمّا القول : إنّ معظم الطيّارين قد فُصِلوا في عمليات التطهير المتواصلة ، فهذا الكلام غير دقيق ، بهذه الصيغة الواردة ، فليس معظم الطيّارين قد فُصِلوا ، ولكنّ التسريحات لها مفعولها السلبي بالتأكيد  ، وكانت أكثر العناصر التي سُرِّحت من الطيّارين قد تمّت عبر سقوط الانفصال لأنّ العميد : موفّق عصاصة كان قائداً لسلاح الجوّ وكان أحد الضبّاط  البارزين الذين شاركوا في عمليّة الانفصال ... ولكنّ القيادة العسكرية والسياسية في سوريّة فيما بعد اهتمّت بموضوع الطيّارين المسرّحين وأعادت إلى الخدمة معظمهم ، وكان من أشهرهم المقدّم الطيّار فائز منصور والذي خاض عدة معارك مع الطيران الإسرائيلي ، ولكنّه اُستشهِد في إحداها فوق جنوب لبنان عام ١٩٦٩ .   

- عرضت خلود أيضاً ما يلي : "كذلك نشرت مجلة التايم الأمريكية في الشهر الأول من عام 1967 مقالاً يتضمن وصفاً للوضع الذي يتردى فيه الجيش السوري ورد فيه: ” القوات السورية ناقصة بشكل مشين لأنّ التطهير شمل أكثر من نصف ضباطها، وعمداء اليوم كانوا نقباء منذ أمد لا يتجاوز الثلاث سنوات، وأكثر من ذلك فإن ثلث الجيش السوري مقيم في دمشق لدعم النظام وحمايته ."

إنّ معظم مرجعيّات السيّدة خلود هي الجرائد والقيل والقال ، وهي في غالب الأحيان لا يُعتَّد بها ، وتلقي بالأرقام والإحصائيات جزافاً ، وتوجّه الأنظار إلى التسريحات التي تمّت بعد ٨ آذار لتوظيفها سياسيّاً ، فكيف عرفت مجلّة التايم أنّ نصف ضباط الجيش قد شملهم التطهير ؟ وهنا لا أقلّل من عدد الضبّاط الذين سُرّحوا ، ولا من انعكاس ذلك على القدرة القتالية للجيش ، مع العلم أنّه تمّ استدعاء ضبّاط احتياط للتعويض عنهم ، وتمّ إخضاعهم لدورات تدريبة ، وكان بعضهم أفضل وأكفأ من الكثيرين من الضبّاط العاملين وهذا ما لمسته شخصيّاً من بعض الذين خدموا تحت أمرتي ماقبل عام ١٩٧٠ ولا زلت أتذكّرهم بالاسم ...

أما القول : " إنّ عمداء اليوم كانوا نقباء منذ أمد لا يتجاوز الثلاث سنوات ." فهذا كذب وافتراء ، لأنّ الترفيعات الاستثنائية كانت قليلة  جدّا ( لا تتجاوز عدد  أصابع اليد الواحدة )  ولضبّاط أتمّوا دورة أركان حرب ، ومن رتب عليا ، ويصبح أثر فارق الرتبة محدود جدّا ، وقد يكون في بعض الأحيان لصالح الرتبة الأدنى نظراً لقدم معلومات ذوي الرتب الأعلى ولياقتهم البدنيّة الأقلّ  .. ومَن لديه معلومات تتناقض مع ماذكرته فمن المفيد أنّ يحدّدها بالاسم لجلاء أيّ حقيقة مخفيّة ..

أمّا حول مقولة : " إنّ أكثر من ثلث الجيش السوري كان مقيماً في دمشق لدعم النظام وحمايته."

هذا الاتهام الباطل تردّد كثيراً على ألسنة الحاقدين على البعث وحركة ٢٣ شباط على وجه الخصوص  ،  والحقيقة أنّ  تموضع الجيش قبيل عدوان حزيران كان كمايلي : ألوية الجبهة الثلاثة المعروفة + لواء مشاة متمركز على تلال بقعاتا ، مسعدة ، مجدل شمس + اللواء ٧٠ بقيادة المرحوم العقيد عزت جديد ومعه كتيبة ميكانيكية من لواء كان متمركزاً في قطنا  ، إضافة الى تعزيزات من المدفعية وكتيبة هندسة ، وكانت هذه المجموعة  القتالية متمركزة في منطقة الصرمان قرب القنيطرة  ، وهي بمثابة احتياطي الجبهة .. وقد يكون هنالك لواء مشاة احتياط في الجبهة أيضاً خلف القطاع الأوسط  ( لست متأكّداً من ذلك ) ، وكان لواء ميكانيكي  موجوداً في الأردن تنفيذاً لخطة الدفاع العربية المشتركة بقيادة المرحوم الشهيد عبد المنعم رياض ، وبقي في قطنا لواء ميكانيكي ناقص كتيبة بمهمة الدفاع على الحدود اللبنانية في حال تمّ اختراق إسرائيلي عن طريق الجنوب اللبناني .. وتمّ تحريك اللواء الخامس مدرٰع  من حمص بقيادة العقيد مصطفى طلاس إلى منطقة الكسوة كاحتياط بيد قيادة الجيش ، ولم يبقَ أيّ لواء مشاة أو مدرّع في عمق الأراضي السورية   ... باستثناء وحدات الدفاع الجوّي المنتشرة فوق المراكز الاسترتيجية وبالقرب من المطارات .. ولم يبقَ في دمشق قطعات عسكرية بمهمة حماية النظام على الإطلاق ...

وأخيراً ، أستطيع القول : إنّ الأخت خلود الزغير  اختارت موضوعاً صعباً ومعقّداً ويحتاج إلى كتاب ليفيَه حقّه من المتابعة والتمحيص والدراسة والتوثيق بالنشرات العسكرية الصادرة عن القوات المسلّحة ، وكانت هذه المهمة الصعبة بحاجة إلى لجنة متخصّصة تتضمّن شخصية عسكرية على الأقل .. وبالرغم من ذلك فقد بذلت  جهدا ملحوظاً لكتابة دراستها الموجزة  ، ونتمنّى لها التوفيق في كتابات أخرى ....

في : ٣١ / ١٢ / ٢٠١٢