" الموقف الأمريكي - الإسرايلي المضمر حول الأوضاع في  سورية "

 

                                                                          محمود جديد 

     

   - إنّ التنسيق الأمريكي - الإسرائيلي حول أحداث المنطقة ،  ليس جديداً أو طارئاً ، بل هو بديهية سياسية ترسّخت منذ اغتصاب فلسطين عام  ١٩٤٨ ،  ولذلك من المستبعد جدّاً أن تتعارض وجهتا النظر الأمريكية  و الإسرائيلية حيال مايحدث داخل سورية وحولها الآن...

   - وكما هو معلوم ، فإنّ المخطط الصهيوني يعتمد سياسة تفتيت وتمزيق الأقطارالعربية ليسهل ابتلاع ما يمكن ابتلاعه ، وإرهاب الباقي وبسط الهيمنة عليه ، وإعادة صياغته ضمن منظومة شرق أوسط جديد ، سبق أنّ نظّر له شمعون بيريز ، ونتنياهو بكتابيهما المعروفين في أواخر القرن الماضي ، وبشّرت بولادته كونداليزارايس عام ٢٠٠٦ ...

وعلى ضوء ذلك ، وبغضّ النظر عن طبيعة أيّ نظام حاكم في سورية ، فإنّ إضعاف سورية كدولة وتقسيمها يبقى هدفاً إسرائيليّاً ثابتاً ، وستستغلّ كل فرصة سانحة لتحقيقه .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا تتردّد الإدارة الأمريكية في اتخاذ موقف حاسم تجاه سورية على غرار ماجرى في البوسنة وكوسوفو وليبيا  ؟  على الرغم من لهفة بعض أطراف المعارضة ، وأطراف خليجية على تنفيذ ذلك  ، (  ونحن ضدّ التدخّل  العسكري بكافة أشكاله ومصادره ). 

    ومن الطبيعي أنْ تكون شعبة عمليات الناتو قد وضعت الخطط العسكرية للتدخّل في سورية ، وأنْ تكون جاهزة حسب الطلب للتنفيذ عند صدور القرار السياسي الأعلى ، وهذا ما صرّح به قادة الناتو أنفسهم ، ولكنّها قد تبقى في الخزانات المغلقة دون استخدام ، لأنّ المسألة معقّدة أكثر ممّا يظنّ البعض للأسباب التالية : 

١- إنّ التجارب المريرة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في ڤيتنام، والعراق ، وأفغانستان وغيرها ، وحجم الخسائر البشرية والماديّة والسياسية والمعنويّة التي تعرّضت لها أثٰرت في الرأي العام الأمريكي وجعلت أكثريته الشعبيّة ترفض مغامرات جديدة، وهذا ما أشارت إليه آخر نتيجة سبر للآراء قامت بها (  C.N.N ) ومعها مؤسسة أمريكية أخرى حيث بيّنت  أنّ ٦٤٪ من الشعب الأمريكي يعارض التدخّل العسكري الأمريكي في سوريّة ، وهذا المزاج الشعبي يؤخذ بعين الاعتبار جيّداً قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، كما أنّ قادة القوات المسلّحة الأمريكية لن يتحمّسوا لأفكار من هذا القبيل بعد تجاربهم  السابقة  ، وخاصّة أنّهم غارقون في المستنقع الأفغاني الآن ،  ولا يعرفون كيف سيخرجون منه ...

٢- إنّ التدخّل العسكري الأمريكي بالقوّات أصبح مستبعداً بعد التعديل الاستراتيجي على العقيدة القتالية للجيش الأمريكي عام ٢٠١٠ ، والقاضي بتجنّب إرسال قوات لاحتلال أرض ، والاكتفاء بتوجيه ضربات جوّية أو صاروخية مباشرة ، أو بطائرات بدون طيّار ...الخ

٣ - إنّ التدخّل المباشر على غرار ما جرى في البلقان سابقاً ، وفي ليبيا مؤخّراً له تبعاته المباشرة على طيران الناتو بسبب وجود شبكة دفاع جوّي لا يُستهان فيها فوق الأرض السورية ، ويمكن تعزيزها بوسائط حديثة من روسيّا إذا تمّ التصعيد بهذا الاتجاه على غرار ما جرى بالنسبة للصورايخ البحرية والتي أصبحت تشكّل قوّة ردع  في البحر المتوسط تؤخذ بالحسبان   ...كما أنّ  القطع البحرية الروسية المتواجدة بشكل دائم في ميناء طرطوس ، والبحر المتوسط تشكّل لغماً قابلاً للانفجار عند حدوث أيّ خطأ أثناء أيّ تدخّل عسكري سواء أكان من الناتو نفسه أم من تلك القطع ، وبالتالي ، حدوث أشياء لا يُحمَد عقباها ، و مضاعفات غير محسوبة النتائج ، وخاصة في ظلّ التصميم والإصرار الروسي للتعامل مع الملفّ السوري ، والذي عبّر عنه / بوتين / بوضوح وحزم للذين قابلوه من قادة الغرب ، ورئيس الوزراء التركي . 

٤ - إنّ التدخّل العسكري في سورية قد يخلق حالة من الفوضى وردود الأفعال تسبّب سقوط عشرات الآلاف من الصواريخ على الكيان الإسرائيلي من سوريّة وجنوب لبنان وإيران ، وإشعال المنطقة بالكامل ،  كما أنّ القواعد والمصالح الأمريكية في الخليج قد تًُستَهدف من طرف إيران التي تمتلك القوى والوسائط القادرة على ذلك ، وخاصّة بعد أن أصبحت اتفاقية الدفاع المشترك بين إيران وسورية سارية المفعول ، وقد أشار رئيس أركان القوات المشتركة الأمريكية في معرض تصريحه الذي  عارض فيه فكرة الحظر الجوّي الى هذا الاحتمال .. 

٥ - إنّ أي تدخّل عسكري سيكون خارج إطار الشرعيّة الدوليّة بسبب الموقف الروسي والصيني المعروف ، ومعظم قادة دول الناتو لا يرغبون في الإقدام على خطوة من هذا القبيل ، ومن بينهم أوباما نفسه وفقاً لخياراته المعلنة المعروفة ، وخاصّة قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة  .  

- في ظل حالة الاستعصاء الراهن القائم في سورية ، واستمرار العنف وتصاعده الأعمى بين أدوات قمع النظام والمجموعات المسلّحة ، وانسداد أي آفاق قريبة لإيقافه فإنّ الظروف الذاتية والموضوعيةز تهيّئ فرصة سانحة لأعداء سورية من الصعب تكرارها ، وهي تدمير سوريّة بأيدي أبنائها عن طريق الانتحار الذاتي من خلال صبّ الزيت على نار العنف المزدوج المستعر في سوريّة ، وتأجيج الصراع الطائفي ، وتعفين الوضع الداخلي أكثر فأكثر  ، وخلق الظروف المؤاتية للدخول في مستنقع الحرب الأهلية طويلة الأمد   ، وخاصّة  بعد أنْ نجح النظام المستبد في جرّ أطراف من المعارضة السورية  الى اعتماد التسلّح والعسكرة ،أي الى الملعب الذي يجيد فنونه ، ممّا أدّى الى تشويه  معالم الانتفاضة الشعبية السلمية بدخول مجموعات مسلّحة متعدّدة الأغراض والاتجاهات الى الساحة  ، وتحت غطاء ( الجيش السوري الحرّ )  ، بعضها للدفاع عن النفس والثأر من جرائم ارتكبتها أدوات النظام القمعية ، وبعضها متطرّف متعصّب أفرزته الساحة الداخلية ، والآخر وافد من أقطار عربية وإسلامية ، وغيرها ، وهذا كلّه بتشجيع ودعم وتسليح وتمويل من أطراف خليجية ، وأجنبية بصيغٍ وأشكال تكاملت فيها الأدوار  ، ومن جمعيات وهّابيّة تكفيرية منتشرة في أصقاع متعدّدة من العالم ...  ولا بدّ هنا من الإشارة مجددا الى أنّ النظام المستبدّ  يتحمل المسؤولية أوّلاً وثانياً وثالثاً عن المآل الذي وصلنا إليه ، ولكنْ في الوقت نفسه يجب أنْ لا نتجاهل مسؤولية مَن اختار طريق العسكرة ،وأيّده ودعمه وهلّل له ، وراهن عليه ، وأوقع نفسه في شرك النظام ، ودخل حلبة الصراع الدموي ، واقترف أخطاء وخطايا .... ومن خلال اشتداد حدّة القتال ، وعمليات الكرّ والفرّ بين الطرفين ، وتجاوز كل المحرّمات والمحظورات على استعمال الأسلحة ,وتصاعد أعمال التفجيرات والاغتيالات ، وارتكاب الجرائم ، واستباحة الأرض السورية لعمل المخابرات الأجنبية ، وبعض المجموعات من وحداتها الخاصة ، وفقاً لما ذكرته الصحافة الغربية نفسها .... وفي إطار هذا كلّه ، وكنتيجة له يتمّ تدمير البنية التحتية العسكرية والاقتصادية  ، وتمزيق النسيج الوطني في سورية  ، وتصاعد أعداد الشهداء والضحايا من أبنائها بشكل مريع  في معارك عبثية مدمّرة سيكون الطرفان خاسرين فيها في المحصّلة  ، والرابح الوحيد هم أعداؤها الذين لن يكلّفهم ذلك جنديّاً  واحداً  ، ولا طلقة واحدة ،  ( وقد أشرنا ونبّهنا الى ذلك مراراً ومنذ وقت بعيد)  ... وبعد إنهاك الطرفين ، والمعاناة المريرة لجماهير  سورية وعشرات الآلاف من الضحايا سيصبح التدخّل العسكري مطلباً شعبيّاً للموالاة والمعارضة لإيقاف جحيم العنف المزدوج ، وربما صارت فكرة التقسيم أو مايشبهه مستساغة لدى أوساط غير قليلة  من أبناء شعبنا بعد أنْ كانت من المحرّمات ( و يجب أنْ تبقى كذلك) ، وقد تلقى أذاناً صاغية ، ودعماً وتشجيعاً من أطراف التدخّل العسكري نفسها  . هذا هو – برأينا  -  السيناريو المفضّل إسرائيليّاً ، والذي تسعى جاهدة لدى حلفائها لتسويقه وترسيخه بصمت  بانتظار الزمن لقطف ثماره الخبيثة  ، وهذا ما سمّاه رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق /عاموس يدلين/ في محاضرة له مؤخّراً ب" الجلوس والانتظار ", وهذا ما يفسّر لنا تردّد الإدارة الأمريكية ، والتصريحات المتناقضة لمسؤوليها ، ويكشف لنا موقفها الحقيقي المضمر  . 

وأخيراً ، يجب على كلّ الشرفاء والمخلصين من أبناء سورية والأمة العربية جمعاء توحيد الصفوف ، ورفع الصوت عالياً ضدّ كلّ أشكال العنف ، ومن أيّ مصدر كان ، ودعم المبادرات السلمية للخروج من النفق المظلم والدخول في مرحلة انتقالية وبضمانات عربية ودولية ، وعدم الجلوس والانتظار لأنّنا جميعاً أم الولد ، وشركاء في الوطن ، وقدرنا أنْ نعيش معاً موحّدين لنستطيع إعادة بناء سورية من جديد بعد أنْ دمّرها الاستبداد والعنف والفساد طيلة 42 سنة ، وأنْ نساهم جميعاً في إجراء التغيير الديمقراطي الجذري الشامل المنشود ...

في : 28 / 08 / 2012