" قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية "
دستور مزيّف ،ومصادرة لإرادة الشعب العراقي ، وبذرة للفتنة
بقلم : محمود جديد *
- شكّل الاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق حلقة في مخطط امبريالي للهيمنة على العالم طيلة هذا القرن ، ومنع أيّة دولة من اللحاق بالولايات المتحدة الأمريكية ،ولتعزيز أمن الكيان الصهيوني ... وفي هذا السياق جاء تدمير كيان ومؤسسات الدولة العراقية لإعادة صياغتها وفق المتطلبات الأمريكية ، ووفقا لهذا التوجّه فقد تمّت كتابة قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية مسبقا (وحتى قبل العدوان ) وبأيد صهيونية ، وحملته إدارة الاحتلال معها ، غير أنّ اندلاع المقاومة العراقية البطلة ،وفعاليتها واستمراريتها ،والرفض الشعبي للاحتلال ،أجبر الادارة الأمريكية على إعادة تدقيق هذا القانون ، وإدخال بعض التعديلات على رزنامة تطبيقه ، وإعادة صياغة بعض بنوده بما ينسجم مع المستجدات شكلا ، ويحافظ على الجوهر مضمونا ... ويعتبر / اتفاق بريمر – الطالباني / في 15/ 11/ 2003 والذي وافق عليه ( مجلس الحكم ) محطة على هذا الطريق ،نظرا لخصوصية العلاقة الأمريكية- الكردية في العراق ، والتي تعتبر الأكراد ( الحلفاء ) الأشدّ ولاء وثقة ، والورقة الضاغطة الصالحة للاستعمال في كل حين ... وفبما يلي أهمّ الملاحظات على هذا القانون ، وفق تسلسل موادّه وترابطها :
- حدّدت الديباجة ولاية القانون " بقيام حكومة عراقية منتخبة تعمل في ظل دستور شرعي دائم" وهنا نجد شرطين لإنهاء هذه الولاية وهما: قيام حكومة منتخبة ووضع دستور شرعي دائم ، ثم جاءت آخر مادّة في القانون /رقم 62 / لتؤكّد ذلك ، وهذا ما يعني عند تعذر وجود أيّ منهما فإن هذا القانون سيبقى معمولا به بغض النظر عن أيّة توقيتات أخرى تمّ تحديدها فيه , وهذا ما سنتعرّض إليه بالتفصيل لاحقا ...
- سمّت المادة الأولى هذا القانون ب "قانون إدارة الدولة ا لعراقية للمرحلة الانتقالية " وهذه التسمية مزيّفة لأنّها استهدفت إخفاء كونه دستورا للعراق يحمل في طيّاته صفة الديمومة من خلال بعض القيود التي حدّدها في بعض موادّه ... فإذا طبّقنا عليه المفهوم العام للدستور وموضوعه وفقا لمبادىءالقانون الدستوري التي تقول بأنّ" الستور هو مجموعة القواعد التي تنظّم تأسيس السلطة وانتقالها وممارستها " فنجده دستورا بكل المقاييس ، كما اعتبرته المادّة الثالثة " القانون الأعلى للبلاد " وهذه من أهم صفات الدساتير في العالم ، والهدف من تضليل الشعب العراقي والعالم بهذه التسمية هو تخفيف وقع وانعكاسات وضعه وإصداره في ظل الاحتلال ، ومن قبل إدارة الاحتلال ، كما أنّ الحاجة الى توقيع الحاكم الأمريكي للعراق ليصبح نافذا سيكون أقلّ تأثيرا في نفوس العراقيين والعالم عندما نقول عنه قانونا وليس دستورا ، وكذلك الأمر بالنسبة للمخالفة الواضحة والصريحة لاتفاقات جنيف والقوانين الدولية ، لأنّ للدستور حرمة خاصّة لدى لشعوب والقانون الدولي .... ولذلك سنسمّيه "دستورا مؤقتا " منذ الآن ... ولم تكتف إدارة الاحتلال بتزييفه بل جعلته دستورا جامدا ( الدساتير نوعان : جامد ومرن ) يتعذر تعديله ،حيث ينص في مادّته الثالثة " لايجوز تعديل هذا القانون إلاّ بأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية ،وإجماع مجلس الرئاسة ،كما قيّدت إجراء أيّ تعديل في مجالات عديدة ، وهذه القيود تجاوزت المألوف ، فأكثرية الثلثين كافية للتعديل في معظم دساتير العالم، والأكثرية المطلوبة في هذا الستور المزيّف وغير الشرعي تمّ وضعها بشكل يتناسب مع احتمال تمثيل كردي وبعض العملاء في المناطق الأخرى في الجمعية الوطنية لايقل عن الربع ، وبذلك يسهل تأمين حصانة لهذا الدستور المؤقّت إضافة للفيتو الذي أعطي لثلاث محافظات (كما سنرى لاحقا ) وفيتو آخر لأي عضو في مجلس الرئاسة ، وكل هذا يشكّل خرقا فاضحا لكل القيم والأسس والأعراف الديمقراطية .... كما اعتبرت الفقرة :ج : من المادة الثالثة : " إنّ أيّ نصّ قنوني يخالف هذا القانون يعدّ باطلا "
- تنصّ المادة الثانية : " تبدأ المرحلة الانتقالية من /30/ حزيران /جوان / 2004 وحتى تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم ، وذلك في موعد أقصاه /31/ كانون الأول (ديسمبر) /2005/ أي عام ونصف ، إلاّ في حال تطبيق المادّة 61 من هذا الدستور المؤقّت ، وتتألف المرحلة المؤقّتة من فترتين : " الأولى تبدأ بتشكيل حكومة عراقية مؤقّتة ذات سيادة كاملة تتولّى السلطة في 30/6 / 2004 ، وستتألّف هذه الحكومة وفق عملية تداول واسعة النطاق بتشاور شرائح المجتمع العراقي يقوم بها مجلس الحكم وسلطة الائتلاف ، ويمكن التشاورمع الأمم المتحدة بذلك ، وإنّ هذه الحكومة ستمارس السلطة بموجب هذا القانون ... وملحق يتّفق عليه .. ويصدر قبل بداية المرحلة الانتقالية ، ويكون جزءا لايتجزّأ من هذا القانون "....
وهنا نلاحظ تراجع إدارة الاحتلال عن تشكيل مجلس وطني عراقي تنتخبه لجان مفبركة في المحافظات مكوّنة من 15 عضوا يتم اختيارهم من ضمن دائرة تعيينات إدارة الاحتلال ، كما نصّت عليه اتفاقية 15/11/2003 والذي كان من المفروض أن يختار الحكومة المؤقّتة ، ويبدو أنّ إدارة الاحتلال ومجلس حكمها هما اللذان سيقومان بهذه المهمة ، وبمساعدة الأمم المتحدة عند الحاجة والطلب والتي أصبحت لجانها المكلّفة بذلك تقوم بدور / المحلّل / لتأمين الزواج غير الشرعي بين إدارة الاحتلال وعملائها ،وأتباعها في العراق ... أمّا الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية :" فتبدأ بعد تأليف الحكومة العراقية والتي تتم بعد إجراءالانتخابات للجمعية الوطنية ...على أن لاتتأخّر هذه الانتخابات إن أمكن ( التسطير من قبلنا) عن 31 / 1 /2005 " وهنا نلاحظ أنّ هذه التوقيتات غير حتمية بوجود عبارة ( إن أمكن ) إذ أنّ ذريعة الوضع الأمني جاهزة للاستخدام في كل لحظة لتأخير وتعطيل تنفيذ أي انتخابات ... وتنتهي الفترة الثانية عند تأليف حكومة عراقية وفقا لدستور دائم ، وتنتهي معها المرحلة الانتقالية ، إلاّ في حال تطبيق المادة /61/ من هذا القانون " هذه المادّة التي من المفروض أن تكون جزءا مكمّلا للمادة الثانية ، ولكن يبدو أن الهدف من وضعها في آخر الدستور المؤقّت هو التضليل والتسويف والتعمية عن مضمونها الذي يقنّن لتأجيل المرحلة الانتقالية أكثر من عام ونصف لتتطابق مع وجهة نظر مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين خطّطوا للاحتلال ، وصرّحوا عن بقائه لأكثر من ثلاث سنوات ، وذلك عن طريق تفعيل الفقرة ج من هذه المادة والتي تنصّ على : " يكون الاستفتاء العام على الدستور الدائم ناجحا ، ومسودّة الدستور مصادقا عليها ،عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق ، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر " وتعتبر هذه الفقرة من أخطر ما جاء في هذا الستور المؤقت ، لأنّه أعطى حق /الفيتو / لثلاث محافظات على الدستور الدائم الذي تصادق عليه أكثرية الشعب العراقي ، أي أنّ عشرة بالمائة تتحكم بنصوص أي دستور ، والمقصود الحقيقي من ثلاث محافظات هو المحافظات الكردية بالذات ( السليمانية – أربيل –دهوك ) ، واذا أخذنا بعين الاعتبار (التحالف ) الأمريكي – الكردي في العراق ، ومراهنة الأكراد على اقتناص هذه اللحظة التاريخية لتحقيق أهدافهم القومية ، وبهذه المناسبة لابدّ من الإشارة الى أنّنا نميّز جيّدا بين الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي والتي نتفهّمها ونحترمها ، وبين أخطاء وارتباطات قادته التاريخيين ، ونهجهم السياسي الخاطىء وتحالفاتهم الدولية المشبوهة ضد المصلحة العليا للعراق وأمته العربية ... وعلى كل حال فإن هذه المادّة هي من أخطر الألغام التي ستفجّر الفتنة في العراق مستقبلا بين العرب والأكراد ، والتي ستستخدم لتمديد عمر الدستور المؤقت ، والمرحلة الانتقالية ، وبقاء القوات الأمريكية الغازية المحتّلة في العراق وطمس هويّة العراق العربية .... وتنصّ الفقرة ه من المادة 61 اذا رفض الاستفتاء مسودّة الدستور الدائم ، تحلّ الجمعية الوطنية ، وتجري الانتخابات لجمعية وطنية جديدة في موعد أقصاه 15 كانون الأول / ديسمبر/ 2005. انّ الجمعية الوطنية والحكومة الانتقالية الجديدتين ستتوليان عندئذ مهامهما في موعد أقصاه 31 / 12/ 2005 ،وستستمران في العمل وفقا لهذا القانون ، إلاّأنّ المواعيد النهائية لصياغة المسودّة الجديدة قد تتغيّر من أجل وضع دستور دائم لمدّة لا تتجاوز سنة واحدة ،وسيعهد للجمعية الوطنية الجديدة كتابة مسودّة لدستور دائم آخر "
وهذه الفقرة تشير الى إمكانية استنساخ مرحلة انتقالية جديدة ، وتدويخ الشعب العراقي بمسودّة دستور دائم جديد وانتخابات جديدة ، وهذا كلّه يستهدف استمرار العمل بالدستور المؤقّت المزيّف ، وإطالة أمد بقاء القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات فوق الأرض العراقية ، والتحكّم بمصير العراق ، واستمرار العربدة والبلطجة في المنطقة ...ولهذا أسرع السيد : السيستاني ، وهيئة علماء المسلمين ، والأغلبية الساحقة من الأحزاب والتنظيمات العراقية الى رفض الدستور المؤقّت بصيغته التي وافق عليها (مجلس الحكم ) ، والإصرار على إجراء تعديلات على بعض موادّه ، وخاصّة المادّة / 61/ سيئة السمعة ...
- تنصّ المادة الرابعة على أن النظام في العراق " جمهوري اتحادي (فيدرالي ) ....الخ ، ويقوم النظام الاتحادي على أسس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات ، وليس على أساس الأصل أو العرق ،أو الأثنية أو القومية ، أو المذهب ."
إنّ التناقض واضح بين الواقع المطبّق في إقليم /كردستان / الذي يضمّ ثلاث محافظات ، والذي يقوم على أساس قومي كردي وعرقي ، وبين هذا النصّ ، ويبدو أنّ الهدف من وضع هذه المادّة هو تخدير الجماهير العربية العراقية ، وإيقاف معارضتها للفدرالية القومية التي رفضتها الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب العراقي ...
- تنصّ المادّة السابعة في الفقرة :ب على :" العراق متعدّد القوميات والشعب العربي جزء لايتجزّأ من الأمّة العربية ."
تستهدف هذه المادّة طمس هويّة العراق العربية كدولة وكيان ، وما الإشارة الى أنّ الشعب العربي فيه جزء لايتجزّأ من الأمة العربية إلاّ تخديرا وتضليلا عن هذا الطمس ، إذ لايجوز لأقليّة كردية أن تتحكّم بهويّة قطر غنيّ بتاريخ عربي مجيد على مرّ العصور ... ولكن على ما يبدو أنّ الاستهداف الأمريكي لهوية الوطن العربي ، ووحدته القومية المنشودة، ومشروعها الامبريالي لشرق أوسط كبير يتطلّب هذا الاستهداف والطمس ...
- تنصّ المادّة التاسعة على أنّ :" اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ...الخ " وطلبت إصدار قانون لتحديد نطاق المصطلح (لغة رسمية ) ، ولكنّها حدّدت إطاره بحيث يشمل : "
1- إصدار الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية) باللغتين .
2- التكلّم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كالجمعية الوطنية ، ومجلس الوزراء ، والمحاكم ،والمؤتمرات الرسمية
بأيّ من اللغتين .
3 – الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين وإصدار الوثائق الرسمية بها .
4 – فتح مدارس باللغتين وفق الضوابط التربوية .
5 – أيّة مجالات أخرى يحتّمها مبدأ المساواة مثل : الأوراق النقدية وجوازات السفر ، والطوابع .
6 - تستخدم المؤسّسات والأجهزة الاتحادية في إقليم كردستان اللغتين ."
مع الإقرار بحق الأكراد بتعلّم لغتهم ، واستعمالها في مناطقهم ، ولكن المستغرب كيف يتمادى هذا الحق ليشمل الصعيد الوطني العراقي في المجالات التي أشارت إليها هذه المادّة حتى وصل الأمر الى استعمال أوراق نقدية ،وجوازات سفر باللغة الكردية ...وهذااستهداف جديد لهويّة العراق ولغته ، وخطوة خطيرة على طريق تمزيق العراق ، إذ لاتوجد فدرالية جغرافية في العالم (حسب علمنا) لها جوازات سفر وعملة بلغتها ، ولذلك يعتبر تطبيق هذه المادّة شكل من أشكال ( تكريد ) الشعب العربي في العراق ، وخلق سوابق ثقافية وسياسية تشجّع أقليّات عديدة في أقطار عربية أخرى (للاقتداء)بها وتقليدها ، ممّا يساعد على تفتيت كياناتهاوطمس هويّتها العربية .
- تنصّ الفقرتان : ج - د من المادّة 11 على : " يحقّ للعراقي أن يحمل أكثر من جنسية واحدة ، وأنّ العراقي الذي أسقطت عنه جنسيته العراقية بسبب اكتساب جنسية أخرى يعدّ عراقيا .
ويحق للعراقي ممّن أسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية أو طائفية أن يستعيدها ."
وبناء على هاتين الفقرتين فإنّ حوالي : ثلاثمائة ألف اسرائيلي أصبحوا يمتلكون (الحق) بالعودة الى العراق ،واستعادة جنسياتهم ،وهذا يشكّل تهديدا خطيرا لأمن العراق ومستقبله وللأمة العربية جمعاء ، وقد رفضت أطراف عراقية كثيرة هذه المادّة ، وطالبت بإلغائها ... وهنا من المفيد الإشارة الى أنّ جريدة : نيويورك تايمز نقلت عن القاض الكردي : دارا نور الدين أنّ معظم أعضاء مجلس الحكم كانوا ضد ادخال (اسرائيل) في هذا القانون خوفا من ردود الفعل الشعبية والعربية ، ولكنّ /بريمر/ قال لهم :" إنّ وجود بند يتحدّث بصراحة عن منع اليهود من العودة الى العراق سيكلّفه منصبه ." وهكذا بقيت المادة عامّة دون تحديد ، وبالتالي فسحت المجال للتفسيرات والاجتهادات لصالح الصهاينة ، وهذا ما صرّح به /باول/ لوفد "الكونغرس اليهودي العالمي حيث قال: " إنّه واع للتحفظات والمطالب اليهودية ، ووعد بأنّ أمريكا لن تتسامح مع أي تميز ضد اليهود ." وبنفس الاتجاه والتوجّه أكّد وزير الإسكان العراق ي/بيان باقر صولاغ/ لوكالة فرانس برس يوم 31/3/ 2004 :" أنّ قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ضمن للجميع حق استعادة ممتلكاتهم بمن فيهم اليهود الذين كانوا يعيشون في العراق أواسط القرن الماضي ."
- نصّت الفقرة ج من المادّة 13 : "للعراقي الحق بخصوصية حياته الخاصّة "
إنّ إطلاق هذا الحق دون قيد سيفسح المجال لآفات وانحرافات أخلاقية واجتماعية خطيرة تتنافى مع الشرائع السماوية ،وتقاليد الشعب العراقي وأمته العربية ، وتخلق الظروف لحدوث مشاكل وتدخلات خارجية تلهي الشعب العراقي عن أموره السياسية والاقتصادية والأمنية ...ألخ .
- تنصّ المادّة 15 على : " براءة المتّهم حتى يدان " وهذه قاعدة حقوقية صالحة لكل زمان ومكان ، ولكن هل ما يجري الآن في ظل حكم /بريمر/ ومجلس حكمه متطابق مع هذه القاعدة ؟ ، أم أنّ الذي يتمّ فعلا هو شريعة الغاب ؟ حيث تتم مداهمة المنازل والعائلات في منتصف الليالي ، فيعتقلون ويختطفون المواطنين والذين تجاوز عددهم خمسة عشر ألف مختطف ومحتجز دون محاكمة أو السماح بالدفاع عنهم من قبل محامين أو حتى زيارتهم من قبل أهلهم ...
- تشير المادة21 الى عدم تدخّل السلطات المختصة في منع مؤسسات المجتمع المدني العراقي بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الدولية ،أو بأي شكل آخر ، وهذا يفتح الباب واسعا لنخر الشعب العراقي بمؤسسات تقيم علاقات مع أوساط صهيونية دولية ،أو اسرائيلية تحت مختلف المسميات والأغراض ، وبحماية قانونية من المساءلة ....
- تنصّ المادّة 29على :"حال تولّي الحكومة العراقية المؤقّتةللسلطة الكاملة تحلّ سلطة الائتلاف المؤقّتة ، وينتهي عمل مجلس الحكم . "
إنّ الإشارة الى حلّ سلطة الائتلاف المؤقّتة ، والتي هي إدارة بريمر ، دليل قاطع على أنّ هذا الدستور المؤقّت كتبته أياد أمريكية ، وإلا من المفروض أن لاترد هذه العبارة هنا ، غير أن الغرض من ذلك قد يكون الإشارة القانونية الصريحة لتبرئة الذمّة تجاه ما ترتبه اتفاقات جنيف على عاتق قوات الاحتلال ، وإلقائها على الحكومة العراقية المؤقتة ، وبالتالي استمرار الاحتلال دون مسؤولية تجاه القوانين والاتفاقات الدولية ...
- تحدّد المادّة 31 شروط المرشح للجمعية الوطنية بأن : " لايكون عضوا في حزب البعث المنحل بدرجة عضوقيادة فرقة أو أعلى ، إلاّ اذا استثنى حسب القواعد القانونية ." وتوجد احصاءات تشير الى أنّ هذه المادة تشمل ستين ألفا من البعثيين ، كما تشير المادة نفسها الى :" اذا كان المرشح في الماضي عضوا في حزب البعث المنحلّ بدرجة عضو عامل يجب عليه أن يوقّع وثيقة براءة من حزب البعث يتبرّأ فيها من كافّة ارتباطاته السابقة قبل أن يحقّ له أن يكون مرشحا ، وأن يقسم على عدم التعامل والارتباط بمنظمات البعث ." وهنا نلاحظ الخرق الفاضح لحرية التعبير والانتماء السياسي ولكل أسس الديمقراطية ... مادام البعثي لم يقترف جرما تجاه شعبه يحاسب عليه القانون ، لأنّ هذه الفقرة ستطال حوالي مليوني عراقي ، والهدف منها بشكل أساسي هو اجتثاث الفكر القومي من العراق لطمس هويته العربية ، وتحضيره لمشروع شرق الأوسط الكبير .....
وتنصّ الفقرة الرابعة والخامسة ، وفي السياق نفسه ، على :" استثناء منتسبي الأجهزة القمعية السابقة ، أوممّن أسهم أو شارك في اضطهاد المواطنين ،أولايكون قد أثرى بشكل غير مشروع على حساب الوطن والمال العام ." وهذه توصيفات واسعة ومطّاطة ، وغير محدّدة ، وتحت يافطتها سيتمّ اضطهاد وقمع ربع الشعب العراقي ، ولا أعني هنا عدم محاسبة مقترفي الجرائم بحق الشعب العراقي أو الثراء غير المشروع من قبل قضاء عادل ونزيه ... مع العلم أنّ معظم الشرطة العراقية الحالية ، والكثير من المتعاونين الآخرين مع مجلس المحكومين كانوا جزءا من أجهزة النظام السابق وحزب البعث ... كما أنّ قوات البشمركة الكردية ، وقوات بدر ، وميليشيات /الشلبي / تمارس الآن شتّى أنواع القمع والإرهاب للمواطنين ، وخارج إطار أي قانون وعرف ، بالاضافة الى إرهاب القوات الأمريكية لأبناء الشعب العراقي (والمحصّنة ) من أيّة محاسبة أو محاكمة ....
- تنصّ المادّة 36 – الفقرة ا : تنتخب الجمعية الوطنية رئيسا للدولة ونائبين له ، ويشكّلون مجلس رئاسة ، على شرط انتخاب مجلس الرئاسة بقائمة واحدة ، وبأغلبية ثلثي أصوات الأعضاء ، وهذا الشرط لامثيل له في العالم ، فأغلبية الثلثين تتنافى مع المبادىء الديمقراطية المطبّقة في أرقى الديمقراطيات ، والهدف منه ترسيخ التركيبة الطائفية والقومية في المؤسسة الأعلى في الدولة ، وإضعافها ، وتسهيل احتوائها ، وضبط إيقاعها ، وخاصّة أنّ الفقرة ج تفرض ضرورة اجماع الأصوات عند اتّخاذ القرارت ، وبالتالي فإنّ أي عضو من الأعضاء الثلاثة يمتلك حق الفيتو ، ممايسّهل على (التحالف)الأمريكي –الكردي تحقيق ذلك الهدف تحت مظلّة (الشرعية ) ، وقطع الطريق على أيّ رئيس يمكن أن يعبّر عن إرادة أيّة أغلبية كانت ... .
- تقلّص المادة :39 من صلاحيات مجلس الرئاسة لصالح مجلس الوزراء فيما يتعلّق بالقوات المسلّحة العراقية ، إذ يقتصر دور مجلس الرئاسة في مهمة القيادة العليا لها " للأغراض التشريفية والاحتفالية ، ولن يكون له سلطة قيادة ، وله الحق في الاطّلاع ، والاستفسار ، وإعطاء المشورة " وحصرت قيادتها من قبل رئيس الوزراء فوزير الدفاع ، فتسلسل القيادة العسكرية للقوات المسلّحة ... وهذا الموضوع له حسابات ودلالات سياسبة داخلية وعند توزيع الحصص مستقبلا .
- تنصّ المادّة : 53 على الآتي : " أ – يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفته الحكومة الرسمبة للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 / آذار / 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالي ونينوى ، إنّ مصطلح "حكومة كردستان" الوارد في القانون يعني المجلس الوطني الكردستاني،ومجلس وزراء كردستان ، والسلطة الإقليمية في إقليم كردستان ".
إنّ هذا النصّ يؤكّد على أنّ الفيدرالية القومية هي التي أعتمدت ، وبأنّ واضعي هذا الدستور المؤقت قد كذبوا على الشعب العراقي وضلّلوه بأنّ الفيدرالية الجغرافية هي المعتمدة ... كما تنصّ الفقرةج من المادة نفسها على: " حق المحافظات خارج إقليم كردستان فيما عدا بغداد وكركوك تشكيل أقاليم فيما بينها " وهذا النصّ يستهدف التغطية والتعمية على الإقراربالفيدرالية الكردية ، كما يفتح الباب مستقبلا لشرذمة العراق وتفتيته لدوافع طائفية وإثنية ...
كما نلاحظ في هذه المادة وجود إقرار بالأمر الواقع الظالم الذي نشأ عقب العدوان الثلاثيني الغادر عام 1991 على العراق ، والحماية الأمريكة خارج إطار الشرعية الدولية للمناطق التي سيطر عليها الأكراد خارج حدود ولاياتهم المعروفة( السليمانية – أربيل – دهوك ) ، كما يخلق بصيغتها العامة هذه مجالا للخلافات والصراعات بين العرب والأكراد حول تفسير مضمونها لأنّها تشمل أسماء محافظات غير كردية ( كركوك- نينوى – ديالي ) ، ويلاحظ أيضا وجود تناقض داخل نصّ هذه المادة ، فالفقرة :أ : تتناقض مع الفقرة :ب : التي تنصّ على :" تبقى حدود المحافظات الثمانية عشر بدون تبديل خلال المرحلة الانتقالية " ، وكذلك مع الفقرة :ج: التي تنصّ :" يحق للمحافظات خارج إقليم كردستان فيما عدا بغداد وكركوك تشكيل أقاليم فيما بينها ."
- تنصّ المادّة 54 – الفقرة :ب :" فيما يتعلّق بتطبيق القوانين الاتحادية في إقليم كردستان ،يسمح للمجلس الوطني الكردستاني بتعديل تنفيذ أيّ من تلك القوانين داخل منطقة كردستان ، ولكن في ما يتعلّق فقط بالأمور التي لبست ممّا هو منصوص عليه في المادة 25 وفي المادة 44 – الفقرة د من هذا القانون التي تقع ضمن الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية حصرا ."
إنّ السماح للمجلس الوطني الكردستاني بتعديل تنفيذ القوانين الاتحادية خارج مجال الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية يدعو للاستغراب والدهشة ،إذ من المفروض أن ينصّ القانون الاتحادي نفسه على أيّ استثناء من تنفيذه في أي مكان من الأرض العراقية ، ولايعطي هذا الحق لغيره منعا لتنازع القوانين الاتحادية مع قوانين إقليم كردستان لأنّ القانون الاتحادي يصدر عن السلطة التشريعية الاتحادية الأعلى ، ولايجوز لسلطة أدنى أن تعدّل قانونا صادرا عن سلطة أعلى ، والاختصاص الحصري يجب أن يطبّق على المستويات الأدنى ،والأضيق ولاية ، لأنّ جوانب الحياة المختلفة متجددة ومتطورة ومتغيّرة ولايمكن حصر كل شيء مستقبلي بشكل مكتوب ، وإنّما تجري عملية إغناء القوانين بملاحق خاصة لتواكب العصر والتطوّر والحاجات الجديدة ... هذا بالإضافة الى أنّ المادة نفسها لم تشر الى أقاليم أخرى محتملة كباقي المواد ، وهذا يؤكّد أن المقصود من خلق الأقاليم هو منطقة كردستان فقط ...
- تنصّ المادّة 55 – الفقرة :ب :" يظل المحافظون وأعضاء مجالس المحافظات الذين يشغلون مناصبهم كما هي في 1/7/2004 ، بموجب نصّ قانون الحكم المحلّي الذي يتوقّع إصداره ، لحين إجراء انتخابات حرّة مباشرة كاملة تتم بموجب قانون ..."
وهذه الفقرة تعطي حصانة للمحافظين المعينيين من الحاكم الأمريكي /بريمر/ حتى إجراء الانتخابات المباشرة ، وبالتالي استمرارالهيمنة الأمريكية على المحافظات من خلال هؤلاء الأدوات ، وتنفيذ الانتخابات تحت سلطتهم وإشرافهم ......
- تنصّ المادّة :59 – الفقرة :ب: " ... خلال المرحلة الانتقالية ستكون القوات المسلّحة العراقية مشاركا رئيسيا في القوات المتعدّدة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحّدة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1511 لسنة 2003 ، وأيّة قرارات أخرى لاحقة ، وذلك الى حين المصادقة على الدستور الدائم وانتخاب حكومة جديدة وفقا لهذ الدستور ."
وهذا يعني أنّ القوات المسلّحة العرقية الجديدة بكل تفرّعاتها(الجيش – الشرطة- الأمن – الحرس البدي ..ألخ) والتي ولدت وتدرّبت وتسلّحت ، وغَسلت أدمغتها على أيدي أجهزة الاحتلال الأمريكي ، وعملت تحت قيادتها ستصبح تلقائيا تحت أمرة القوات متعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ، وستستمر في ذلك حتى كتابة دستور دائم ، والمصادقة عليه ، وتشكيل حكومة جديدة ، وهذه المسيرة التي أشرنا اليها سابقا ستستغرق وقتا طويلا ، ويمكن أن لايتم إنجازها بسبب الصعوبات الأمنية ، والقيود القانونية التي تتحكم بها .
وتنصّ الفقرة :ج : من المادة نفسها :" حال استلامها السلطة وتماشيا مع مكانة العراق كدولة ذات سيادة ، ستكون للحكومة العراقية الانتقالية الصلاحية لعقد الاتفاقات الدولية الملزمة بخصوص نشاطات القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحّدة ، وطبقا لشروط قرارمجلس الأمن رقم 1511لسنة 2003 . وأيّ قرارات لاحقة صادرة عن مجلس الأمن ذات العلاقة لن يؤثّر أيّ شيء في هذا القانون على الحقوق والالتزامات المترتبة على هذه الاتفاقات ،أو المترتبة على قرار مجلس الأمن رقم 1511 ، أو أيّة قرارات أخرى لاحقة لمجلس الأمن بهذا الشأن ، والتي ستحكم أعمال القوة المتعددة الجنسيات الى حين دخول هذه الاتفاقيات حيّز التنفيذ ."
وهذا يعني أنّ الاتفاقات الأمنية التي كان من المفروض عقدها في شهر آذار/مارس/ 2004 بين مجلس الحكم وإدارة الاحتلال وفقا لاتفاق 15/11/2003 قد تمّ تأجيلها حتى إنشاء حكومة مؤقّتة ذات (سيادة) لإعطائها شكلا من أشكال الشرعيّة المزيّفة ، كما أنّ هذه الفقرة أعطت حصانة الاستمرارية لتلك الاتفاقات ، وخاصة ضمان بقاء القواعد العسكرية الأمريكية في العراق لآجال طويلة ... وهنالك توجّهات أمريكية جديدة عبّر عنها /باول / نفسه والتي تقضي باستصدار قرار جديد لمجلس الأمن يغطّي تواجد القوات الأمريكية وحلفائها في العراق ، وتفعيل القرار 1511 بهدف استخدام قوات متعددة الجنسيات تحت غطاء الأمم المتحدة سواء من قبل قوات حلف الأطلسي ،أومن غيره ... كما صرّح / بريمر/ :" إنّ بلاده ستتولّى قيادة الجيش العراقي والقوة متعددة الجنسيات التي ستشرف على أمن اللاد بعد تسلّم السلطة في 30/6/ 2004 " ("عن جريدة الحياة اللندنية تاريخ: 28/3/2004 ." )
وأحيرا نستطيع القول : إنّقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ( الدستور المؤقّت ) ولد في رحم الاحتلال ، وشكّل ( مجلس الحكم ) القابلة القانونية التي ولّدته في غرف مغلقة ،بعيدا عن الشعب العراقي ، والجهات والمؤسسات القانونية المختصة ، والأحزاب السياسية المعارضة والمثقفين العراقيين ، وشكّل مظلّة لفرض وقائع على الأرض لتغطية هيمنة الإدارة الأمريكية على العراق ، ونهب نفطه ، وإبقاء قواتها المحتلة فيه الى أطول أمد ممكن ، وترسيخ أقدام حلفائها وأتباعها وعملائها ريثما تعاد صياغته بشكل كامل عن طريق تأسيس بنية تحتية إدارية وأمنية وتشريعية وقانونونية وثقافية وتعليمية بما يخدم المخطط الأمريكي- الصهيوني الذي دفع الى احتلاله ..، وطمس الهوية العربية عن العراق ليكون جاهزا في هذه الصيرورة الجديدة لأن يكون عضوا فاعلا في مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وقد أعطى الكاتب الصحفي :عادل مالك في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 18/1 /2004 مثالا حيّا كيف تدار شؤون العراق في دهاليز المؤسسات الأمريكية ، حيث ذكر :" وفي دراسة أعدّتها وزارة الخارجية الأمريكية ،ووافق عليها البيت الأبيض في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني /يناير / 2004 ،ورد فيها: ( إنّ الوضع الراهن أثبت أنّه بدون مساندة إقليمية واضحة وصريحة فإنّ العراق سيعاني الكثير من المشكلات السياسية والأمنية .) وتقترح الدراسة أن يجري في شهر نيسان /أبريل/ المقبل ( عرض عشرين اسما من القيادات العراقية لاختيار أحدهم لرئاسة العراق على أن يتم هذا الاختيار بمعرفة البيت الأبيض والأمن القومي والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية ، وأنّ الشخص الذي سيتم اختياره ستتم تهيئة المسرح داخل العراق من أجل انتخابه رئيسا للبلاد ، كما سيجري اختيارثلاث شخصيات من هذه القائمة لمناصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونائبه ، وأنّه مع بداية هذه المرحلة ستنتهي مهمة بول بريمر في العراق لتبدأ مرحلة جديدة في البلاد .) "
وفي الوقت نفسه فإذا تعذّر تنفيذ المخطط الأمريكي بما يستجيب لرغبات النازيين الجدد في الإدارة الأمريكية فيستم العمل على إنبات بذور الفتنة في المجتمع العراقي ، هذه البذور المغروسة بين ثنايا بعض مواد هذا الدستور المؤقّت ، وذلك عن طريق تفجير الوضع السياسي والأمني حسب الطلب خدمة للأهداف الأمريكية والصهيونية ... غير أنّ استمرار المقاومة العراقية البطلة ، واحتمال تصاعدها وتوسّعها ، وتعمّق الوعي السياسي العراقي بشكل واسع ، وانكشاف المخططات الأمريكية ، سيخلق الظروف المناسبة ٌلإقامة تحالفات وطنية ذات قاعدة شعبية عريضة ومن مختلف الطوائف والمكوّنات العراقية تكون قادرة على إحباط هذا المخطط ودحره ، وإسقاط هذا الدستور المؤقّت ، والضغط على قوات الاحتلال للرحيل عن التراب العراقي ، واستعادة السيادة الحقيقية للشعب المبنيّة على وحدة وطنية راسخة ومتينة ، وإنقاذ هويته القومية الجريحة ، والنصر سيبقى دائما حليف الشعوب المكافحة الصابرة ،مهما عتا الطغاة وتجبّروا.
*كاتب سوري