جريمة الكيماوي اللغز

 

محمود جديد


     
 

اختلطت الأمور وتشابكت وتفاقمت فوق الساحة السورية ، ودخلنا عصر جنون العنف بكلّ أشكاله بين السلطة والمجموعات المسلّحة بكافّة تسمياتها  حتى وصل إلى الكيماوي ، والحمد لله لا يوجد في أيديها أسلحة ذريّة ، وبغضّ النظر عن الجهة المجرمة التي لجأت إلى قذارة الكيماوي فالجهات التي طالتها الاتهمامات من هذا الطرف أو ذاك عديدة ، وبالتالي لا بدّ من وقفة مع العقل والمنطق العسكري لإجراء تقدير موقف بموضوعية حتى نستطيع التفتيش  عن مرتكبي الجريمة وفكّ ألغازها ،  وفيما يلي : الجهات المتّهمة وفقاً لتسلسل توجيه التهمة  :
1 - القوات المسلّحة السورية ، وهنا نتساءل : هل فعلاً هي بحاجة للّجوء إلى الكيماوي واستخدامه في أرجاء الغوطة ( وبعضها من ضواحي دمشق ) ؟ هل تنقصها طائرات و قنابل وبراميل متفجّرة تُرْمَى منها ، أو هل فرّ طيّاروها ؟ والجواب حسب معلوماتي : لا .
- هل ينقصها مدفعية ووصواريخ ودبّابات وذخائرها حتى أصبح التفوّق في صفّ المجموعات المسلّحة بكلّ تصنيفاتها ؟ هل تمّ تدمير كلّ مستودعات أسلحة الجيش السوري ومعامل ذخيرته ومستودعاتها  ؟ هل فقدت القوات المسلّحة السوريّة قدرتها القتالية وانهارت في الغوطة أمام ضربات ( الجيش الحرّ ) وغير الحرّ ..وأصبحت أبواب دمشق مفتوحة ؟  والجواب أيضاً بلا ..
- هل يريد أصحاب القرار العسكري  تحدّي لجنة التفتيش الدولية القادمة إلى سورية بعد التفاهم معها بمذكّرة واضحة ؟ وهل وصل بهم الغباء لدرجة أنْ يوقّتوا  استخدام الكيماوي يوم وصولها حتى يقدّموا لها دليلاً ملموساً على جريمتهم ويقولوا للقوى النافذة الدولية تعالوا ضعوا حبل المشنقة حول رقابنا إذا كنتم رجالاً ، أو نحن  هسترنا ولا تستطيع أعصابنا  تحمّل رؤية الحريق الذي شاركنا في إشعاله  لأنّه سيحرقنا ، وضعونا  في مستشفى المجانين لنقضي فيه باقي أيام حياتنا وربّما نلقى تخفيفاً بأحكامكم لفقداننا أهليّتنا العقليّة ؟ والجواب أيضاً بلا .. 
- هل ضباط القوات المسلّحة جميعهم بدون مشاعر إنسانية ليستخدموا الكيماوي ضدّ الأبرياء المدنيين  من أطفال ونساء ؟ وهل سيبقون آلة عمياء صمّاء بيد صاحب القرار ؟ والجواب بلا ..  
- هل أنّ أصحاب القرار السياسي في سورية مطمئنّون إلى أنّ روسيا ستحميهم من غضب مجلس الأمن وقراراته والفصل السابع الجهنّمي إلى الأبد ، أم أنّ للصبر حدود ؟ 
-هل أطلق أصحاب القرار عنان قدراتهم العسكرية التقليدية بطاقتها القصوى على معاقل المسلّحين لإبعادهم عن دمشق وتقطيع أوصالهم وتشتيتهم ليرتاحوا من بلاويهم  ، ويحسّنوا أوراقهم قبل انضاج طبخة جنبڤ-;-2التي أصبحت أخبار دعوتها رائجة في البورصة السياسيّة ، وتحضيراتها الفنيّة والإدارية جاهزة  ؟ ، وهاهما كبيرا الطبّاخين كيري ولافروف ومساعدوهما سيجتمعون الأربعاء القادم في لاهاي لتحرير بطاقات الدعوة وأسماء المدعوييّن ؟   ، وهل ينوي صاحب القرار القول  للمعلمين الكبار : أنا باقٍ بقوّتي وجبروتي وبدعاء ودعم حلفائي من عرب وعجم  ، والجواب هذه المرّة :  نعم .
2 - " الجيش الحرّ  " ، والمجموعات المسلّحة  المتطرّفة ( بما فيها جبهة النصرة )  ، وداعش  . 
- فهل ضباط الجيش الحرّ يقدمون على اقتراف جريمة الكيماوي ضد أبناء سوريّة بهذا الشكل والكيفيّة ؟ إنّي أستبعد ذلك مادام في أيّ واحد منهم ذرة من الانتماء للوطن .. 
- هل تقدم المجموعات المتطرّفة  على عمل شنيع كهذا وهل لديها القدرة على ذلك ؟ والجواب مَن يذبح المواطنين السوريين الموالين للنظام سياسيّاً أو أمنيّاً انتقاماً وعقاباً ، أو يكفّر الناس من غير طائفته ويسبي نساءهم  ، أو يدمّر منشأة كهربائية أو يفكّك مصنعاً ويبيعه أو يدمّره أو يقصف أحياء أو مخيّمات آمنة مدنية  .. الخ فلا يُستبعَد عنه شيء ، ولكن في الحالة العينيّة أضع هذه الجهة في دائرة الشبهة حتى الوصول إلى دائرة اليقين أو الخروج منها .. أمّا من حيث القدرة فكلّ المعلومات ترجّح أنّ كيماوي خان العسل من تركيبهم وانطلق من ( إمارتهم ) وعند "جُهينة " الروسية الخبر اليقين ، ولولا ذلك لما أسرع النظام السوري طالباً لجنة تحقيق دولية وقتذاك ، ولا صمتت الإدارة الإمريكية وحلفاؤها وغضّوا الطرف ..  
- أمّا بالنسبة لداغش فأستبعدها لأنّ سطوتها في الشرق والشمال من سورية ، وفعاليّتها ضعيفة في غوطة دمشق ..
3 - طرف ثالث يعمل بشكل مستقلّ أو مندسّ داخل المجموعات المسلّحة على شكل مفارز من أجهزة أمن أجنبية أو عناصر مندسّة تعمل لصالح مخابرات أجنبية تشجّع وتزيّن وتشرّع استخدام الكيماوي وتبرّره بهدف استدراج التدخّل العسكري الخارجي ، والذي له مريدون ومؤيدون بين أوساط ليست قليلة من (المعارضة ) حتى من المعارضين العلمانيين واليساريين السابقين مع الأسف ..  وهذا الطرف تحوم حوله الشبهة أيضاً .. 
 وإزاء هذا الغموض الذي يكتنف جريمة الكيماوي الشنعاء وصورضحاياها وأماكن إقامتهم وأسمائهم ، ولماذا معظمهم من الأطفال ؟ يصبح لا مفرّ من تفعيل لجنة التفتيش الدولية على الرغم من نقدنا وحذرنا من مثل هذه اللجان ودروس وعبر العراق الشقيق لم ننسها بعد ، وتضافر الجهود الدولية وخاصة الروسية والأمريكية لفحص وتدقيق مالديها من صور لأقمارها التجسسية التي لاتفارق سماء دمشق ، والتي ترصد بعضها تخزين وتحريك الأسلحة الكيماوية على وجه الخصوص .. وقد أشار لتلك الصور  الناطق باسم وزارة خارجيّة  روسيا وممثلها في مجلس الأمن ، ويُقال أنّه عرضها في جلسة المجلس الخاصة  الأخيرة حول الموضوع ، دون اعتراض أو تقديم وثائق تدحضها من قبل باقي دول المجلس .. 

 هذا وكلّنا أمل أن تتمكّن الجهود الدولية على كشف الحقيقة كلّ الحقيقة ومتابعة ومعاقبة المجرمين أشدّ العقاب ، وأن لا تُطمَس معالم الجريمة النكراء وتُميّع السبل اللازمة لكشفها كما حدث بالنسبة لجريمة خان العسل ، وبالتالي يفسح الباب لتكرارها مرّات ومرّات أخرى بحق أبناء شعبنا وتحت ظلال التواطؤ والصراعات الدولية والألاعيب الكيدية وشماتة الأعداء  ...
وأخيراً ، فإنّ إيقاف الحرب العبثية المجنونة الراهنة والانتحار الذاتي بالصوت والصورة سيبقى هو الهدف المباشر والخطوة الأولى الملحّة لإيقاف مسلسل الدم والدمار والخراب حتى تصحو العقول وتتّفق على أفضل وأسلم الطرق والحلول ، فسورية الحبيبة مجنيّ عليها وتستحقّ غير هذا المصير المأساوي ، كما تستحقّ نظاماً  أفضل ، ومعارضة أفضل من أجل تأمين مستقبل جديد يليق بها .. 
في : 24 / 8 / 2013