الثورة الشعبية المصرية المجيدة   

المخاض الطويل ...والآفاق المحتملة

                  محمود جديد

        عاش شعب مصر العظيم ، وجماهير الأمة العربية جمعاء ليلة يوم 11-12 /02/2011 عقب الإعلان عن تخلّي مبارك عن الحكم ساعات من الفرح والبهجة لا تُنسَى ، لأنّنا جميعاً محرومون من هذه اللحظات   الجميلة  إلاّ نادراً بسبب طول ليل عصر الانحطاط العربي الذي غيّب الأحلام والآمال القريبة بانبعاث فجر عربي جديد تتحقق فيه مطامح أمتنا بالتوحيد والتحرير،والحياة الكريمة ...ولكنّ تلك الليلة مرّت بسرعة لنصحو،ونتلمّس حجم المهام الشاقة المتبقية أمام مسيرة الثورة ومخاضها الطويل والخطير ، لأنّ علاقة جدلية تربط بين آثار ،وانعكاسات ، ونتائج استكمال تحقيقها كما يريده الشعب المصري ، وتحلم به الأمة العربية ،وبين حجم التآمر الذي سينفذه التحالف الإمبريالي - الصهيوني ،وأتباعه ،وأدواته ،وعملاؤه ...والذي يدرك ، وربّما أكثر منّا مدى خطورة انتصار الثورة على مشاريعه ،وخططه،ومصالحه غير المشروعة ...وكلّما طال مخاض الثورة توفّر الوقت لأعدائها في الداخل والخارج من أجل السعي لاحتوائها ، وإجهاضها ،وفسح المجال للثورة المضادة لإفشالها ،وحتى نتمكّن من التكهّن بمصيرها النهائي المحتمل ،لا بدّ لنا من إلقاء الضوء على بعض التطورات والمواقف والعوامل المؤثرة على تحديد مسارها ، وآفاقها المحتملة .....

أولاً : العوامل الخارجية :   إنّ مايهمّنا هنا هما الموقفان : الأمريكي ،والإسرائيلي .

1 - الموقف الأمريكي :  حتى نتعرّف على الموقف الأمريكي الراهن لا بدّ لنا من العودة قليلاً إلى الوراء ، واستعراض ردود أفعال الإدارة الأمريكية على تطورات الأوضاع الداخلية في مصر منذ انطلاقة الثورة الشعبية المصرية في 25/01/2011 ، وكان أبرز ما طفا على السطح هو الشعور بالمفاجأة ،والتردّد في التعبير عن موقف محدّد إزاء ما جرى في اليوم الأول للثورة ، ولكنّ الحشد الجماهيري الكبير للثوار في ميدان التحرير بتاريخ 28/01 /2011 أجبر وزارة الخارجية الأمريكية على التعبير عن موقف علني حول الحدث ، وذلك على لسان السيدة كلينتون ،حيث أطلّت على وسائل الإعلام وهي مكمودة ، وكأنّها خرجت للتوّ من مأتم فقدت فيه كلّ أفراد أسرتها ، وهذا تعبير عن مدى خشية الإدارة الأمريكية الحقيقية  على نظام تابع لها استغلته ،وسخّرته لتأمين مصالح التحالف الإمبريالي - الصهيوني على حساب مصالح الشعب المصري العظيم ، ومصالح أمته العربية جمعاء ، وبالتالي أخرجته واقعيّاً من عمقه العربي ليتحوّل إلى أداة طيّعة تعمل في الخندق المعادي للعرب ، وهكذا أصبحت الخسارة مضاعفة ، حيث خسر العرب مصر مرتين ، ففي الأولى فقدوا دور الدولة العربية الأكبر والأهم ، والتي تشكّل العمود الفقري لأمتنا ، والركيزة الأساسية التي لابديل عنها ، وفي الثانية ، عند تحوّلها وانتقالها إلى الخندق المضاد لأمتنا ، ولمصالح مصر الحقيقية داخلياً وعربياً ودولياً ، وبشكل يتناقض مع مشاعر الجماهير الشعبية المصرية ، ونخبها الشريفة ... وكانت إطلالة الرئيس أوباما التي ذكّر فيها الشعب المصري بأنّه كان من الناصحين للرئيس المصري في ضرورة إجراء إصلاحات ديمقراطية ،كنوع من رفع العتب ،وتبرير للقرار الأمريكي بالتخلي عن مبارك ،وتبرئة الذمة من دعم هذا النظام  وتقديم معونة مسمومة له طيلة سنين طويلة ، ثمّ قدّم نصائحه بنقل السلطة بصورة سلمية وسريعة ، وخاصة بعد أن اطمأنّ على البديل بتولّي اللواء عمر سليمان نائباً للرئيس المصري ، هذا الرجل الذي كان المرشّح المفضّل للكيان الصهيوني كخليفة لحسني مبارك كما أكّدته علاقته الطيبة مع المسؤولين الإسرائيليين ، و تسريبات / ويكيليكس / ، وما هو مفضّل إسرائيلياً سيكون معتمداً أمريكياً ...ثمّ تتالت المواقف الأمريكية بين الإسراع في نقل السلطة ،وبين النكوص عن ذلك ، والعودة للانسجام مع الموقف الإسرائيلي المطالب بالتمسك بحسني مبارك حتى انتهاء ولايته ، بحجة ضرورة وجوده على رأس الدولة كضمان للاستقرار والهدوء في إتمام نقل السلطة وسلميتها ، وهذا التردّد والتذبذب في المواقف الأمريكية نجم عن تصاعد وتوسّع انتفاضة الشعب المصري على طريق إنجاز ثورته من جهة ، والضغوط الإسرائلية ، كما سنرى لاحقاً من جهة أخرى...وعلى كلّ حال فإنّ الإدارة الأمريكية تسعى جاهدة الآن لتقليل حجم خسائرها قدر الإمكان في الساحة المصرية بعد رحيل مبارك، وستفتش عن قوى الثورة المضادة في كل أرجاء مصر ، لتبعث فيها الحياة من جديد، وتستخدمها وفقاً للحاجة   ...

2 - الموقف الإسرائيلي :  بالرغم من الانتشار المريع لعمل الشبكات الأمنية الإسرائيلية في الساحة المصرية ،وعلى صفحات الفيسبوك ،وتويتر فإنّ الحكومة الإسرائيلية فوجئت أيضاً بقوة وسرعة انتشار الثورة في مصر ، وذُعِرت من فقدان مبارك ونظامه الذي كانت تعتبره كنزاً استراتيجياً لا يُقدَّر بثمن ، كما عبّر عن ذلك الوزير الإسرائيلي /بن أليعازر/ ، ولم يهدّئ من ذعرها تعيين مرشحها المفضّل عمر سليمان كنائب لرئيس الجمهورية وإمكانية إحلاله مكان مبارك ،لأنّ هذا الاختيارالمفضّل لديها كان بشرط انتقال السلطة إليه بصورة هادئة وطبيعية ،أي في حال وفاة مبارك ، أو بعد انتهاء ولايته ،وعدم ترشيح نفسه مجدّداً ،أي في حال استمرار النظام ، وليس في ظلّ ثورة شعبية مجهولة التوجهات والمفتوحة على كلّ الاحتمالات ...وقد بدا نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين بمنتهى القلق والعصبية ،والخوف على مستقبل اتفاقية/ كامب ديفد/... وهكذا بدا التناقض واضحاً بين الموقف الأمريكي والإسرائيلي في البداية ،ممّا حدا برئيس الحكومة الإسرائيلية الاتصال بالرئيس الأمريكي مطالباً إيّاه بالتراجع عن موقفه ، وبدعم استمرار مبارك في رئاسة الجمهورية ،وكما أُشيع ، لقد كان نتنياهو بعيداً عن الكياسة الدبلوماسية في هذا الاتصال ،وكأنّه هو رئيس الدولة العظمى ،وليس أوباما ، كما اتصل نتنياهو برؤساء دول وحكومات فرنسا وألمانيا وانكلترا وإيطاليا طالباً منهم دعم وجهة نظره الداعية باستمرار مبارك في السلطة ، كما أوعز للّوبيات الصهيونية في أمريكا وخارجها للتحرك والضغط في هذا الاتجاه ، وكالعادة رضخت الإدارة الأمريكية للمشيئة الإسرائيلية ،وعبّرت عن دعمها لبقاء حسني مبارك حتى انتهاء ولايته ...وفي هذه الأيام فإنّ الحكومة الإسرائيلية تحاول تعويض الخسائر قدر الإمكان أيضاً ، والسعي المحموم للمحافظة على اتفاقية / كامب ديفد/ والمكاسب الاقتصادية والسياسية والأمنية المترتبة عنها ، مع الرصد الدقيق والدائم لأدقّ التطورات والمستجدات في الساحة المصرية ، ومحاولةخلق الظروف الملائمة لعرقلة مسيرة الثورة الشعبية ، وحرفها عن مسارها ، وإجهاضها....

ثانياً :  أهمّ العوامل والقوى المؤثرة على مسار الثورة في الساحة المصرية :

1 - شباب الثورة :تُعتبَر مجموعة شباب 6 نيسان/ أبريل/ أشهر مجموعات شباب الثورة ، وهؤلاء سبق أن ساندوا الإضرابات العمالية في المحلة عام 2008  ، فقمعتهم الأجهزة الأمنية بعنف ممّا أجبرهم على الانكفاء واللجوء إلى الفيسبوك ،وتيوتر ، وهناك تناقشوا ،وتفاعلوا سياسياً واجتماعياً ، ووضعوا خططهم ، واتخذوا قراراتهم ، كما تلقوا خبرة شباب تونس ونصائحهم ، وتحاوروا مع مجموعات شبابية مصرية أخرى ، وخاصة مجموعة الشهيد خالد سعيد الذي قضى نحبه على أيدي الشرطة المصرية في الإسكندرية ...وهناك مجموعات أخرى مثل شباب الإخوان ، وشباب العمال وكفاية والبرادعي وغيرهم ، وقد تبلور من هؤلاء جميعاً أهمّ تجمعين شبابيين هما : ائتلاف شباب الثورة ، ومجلس أمناء الثورة ... ومن بعض سمات هذه التجمعات مايلي :

-  اعتمادهم شعارات ديمقراطية واضحة ومحدّدة مثل المطالبة بالحرية والكرامة ،وبالعدالة الاجتماعية  ، ومحاربة الفساد ، والوقوف بشدة ضدّ التوريث ،وهذه الشعارات لا يمكن أن تكون محلّ خلاف مع أيّ انسان شريف  داخل مصر ،أو في خارجها ،وتأجيلهم بحث المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية ، أو بقضايا الأمّة ،مثل اتفاقية / كامب ديفد / ، والقضية الفلسطينية ،علماً أنّ هذه القضية تعيش في كلّ خلية من خلايا أبناء الشعب المصري ، وقد شكّل الموقف الخاطئ للنظام المصري  على الصعيد الفلسطيني ، وخاصة بالنسبة إلى غزة عاملاً مهماً من العوامل الدافعة للثورة المصرية ...كما أنّ اتفاقية / كامب ديفد/ سيأتي أوان بحثها ومعالجتها بعد استكمال مسيرة الثورة ، وقول الشعب المصري كلمته في الانتخابات المقبلة ..

- المطالبة بتغيير النظام منذ البدء ، لأنّ الجماهير الثائرة أدركت بحس سياسي وطني رائع استحالة أي إصلاح لهذا النظام المنخور بالفساد ، وبالتالي لابدّ من تغييره مهما غلت التضحيات ...ولو دخل الثوار في متاهة المطالبة بالإصلاح لاستطاع النظام أن يستوعب انتفاضتهم ، ويقضي عليها ...

- الابتعاد عن استخدام شعارات أو إبراز رموز سياسية محسوبة على هذا الحزب أو ذاك حتى لاتدخل الثورة نفسها في أتون الصراعات والحساسيات بين التيارات والقوى والأحزاب ، وتضيع في دهاليزها ، وبالتالي استحق هذا المولود الثوري أن يكون الابن الشرعي للشعب المصري بكافة شرائحه ...

-    اعتماد القيادة الجماعية للثورة ممّا أعطاها نوعاً من القدرة السريعة على تعويض العناصر القيادية المستهدفة من قبل الأجهزة الأمنية  دون ترك آثار سلبية كبيرة على ثبات واستمرار قيادة الثورة ، بالرغم من بروز الحاجة الماسة فيما بعد لوجود قيادة مركزية للثوار قادرة على توحيد الرؤى والحواروالتفاعل مع الأحزاب والمجلس العسكري ، ولدرء أيّة انشقاقات مستقبلية في المرحلة الانتقالية ،أو ما بعدها ، وصيانة وحماية أهداف الثورة ...

- القدرة الرائعةعلى استيعاب كافة فئات وشرائح المجتمع ،وتوحيد مشاعرها وتطلعاتها ، وترميم الوحدة الوطنية وتعزيزها ، وإبراز الوجه الحضاري للثورة الذي أدهش العالم أجمع من حيث التنظيم الإداري المعاشي والطبي والفني ، وتعبئة الوقت بالنشاطات السلمية ، والصبر والثبات في وجه مختلف أنواع الاستهداف من قبل الأجهزة الأمنية ،والحزب الوطني ، والبلطجية ، وغيرها ...    - النجاح في إيجاد علاقة (حسن جوار) مع القوات المسلحة بالرغم من وجود مساحة من الشك بينها وبين المجلس العسكري ،ممّا خفّف من معاناة الجماهير المصرية من مخاض المولود الثوري ، وزمن هذه الولادة ، وقلّل من النزف إلى الحد الأدنى الممكن ...

2 - المجلس العسكري للقوات المسلّحة  :     وهو القيادة العليا للجيش المصري ، وهو الآن بقيادة وزير الدفاع : المشير الطنطاوي بسبب شغور منصب رئاسة الجمهورية  ، وباستثناء وزير الدفاع ( 76 سنة)فإنّ جميعهم من سنّ متقارب ، أكبرهم وأبرزهم الفريق : سامي عنان رئيس الأركان (63 سنة )،وجميعهم درسوا حتى الشهادة الثانوية ، والتحقوا بالكليات العسكرية في الحقبة الناصرية ، وبعضهم خاض حرب الاستنزاف ضد القوات الإسرائيلية ، وجميعهم شارك في حرب تشرين الأول /أكتوبر / ،وهذه معطيات إيجابية .

- يُعتبَر هذا المجلس جزءاً لايتجزّأ من هيكلية نظام مبارك ، وهناك معايير مهنية ،وأمنية ، وسياسية لعبت في اختيار عناصره ،ووصولهم إلى هذه المراكز العليا ، كما أقاموا علاقات متينة مع الجيش الأمريكي ، وبعضهم له علاقات مع الجيش الإسرائيلي بحكم تطبيق اتفاقية / كامب ديفد / ومراقبة تنفيذها ...غير أنّ الجيش المصري يُعتبَر عبر تاريخه من أهم الجيوش المحترفة في وطننا العربي ، وهو لم يلطّخ أيديه بدماء الشعب المصري ،أو يُستخدم كأداة قمع على نطاق واسع ضدّ الجماهير المصرية ، كما أنّ القسم الأكبر منه مكوّن  من مجندين يمضون الخدمة العسكرية الإلزامية ...

-  حاول المجلس العسكري أن يمسك العصا من المنتصف منذ بدء الثورة ، فمن جهة تعهّد بعدم استخدام العنف تجاه الثوّار ، وعبّر عن تفهّمه لمطالبهم ، ومن جهة أخرى ، طالبهم بالعودة إلى منازلهم بعد أن أوصلوا رسالتهم المفهومة والمشروعة ( حسب تصريحه ) ...غير أنّ اتساع الثورة وشموليتها ،وصبر وإصرار شبابها على الاستمرارية حتى تحقيق أهدافها في عملية التغيير ،أملى هذا كلّه على المجلس العسكري التعامل مع الثوار وقيادتهم بحكمة وأناة لدرء المواجهة مع الشعب ، ولضمان سلمية وأمن الثورة والجيش والدولة ، والتبرئة من آثام نظام مبارك الفاسد ...وفي الوقت نفسه ، فإنّ الثوّار يدركون جيداً أنّ المجلس العسكري هو الهيئة المتبقية من نظام مبارك التي لامفرّ من التعامل معها لضمان صيرورتهم السلمية ،والوصول إلى أهدافهم بأمان ، ولكن في حقيقة الأمر هناك مساحة من الشك بين الطرفين : المجلس العسكري ،والقيادة الجماعية للثورة ، وقد عبّرت عن نفسها من خلال مماطلة المجلس في تنفيذ مطالب الثوّار ،وبعض الاحتكاكات السلبية والمؤسفة التي حدثت في ميدان التحرير ، وخاصة مع الشرطة العسكرية ، وما نجم عن ذلك من اعتقالات ، ومن تجليات هذه المماطلة أيضاً محاولة ربح الوقت من خلال التنفيذ المتدرّج لتغيير وزارة :أحمد شفيق بدءاً بإجراء تعديلها ،ثمّ وصولاً لحلّها ، والتلكّؤ  في تنفيذ بقية المطالب ، وخاصة فيما يتعلّق منها  بإطلاق سراح كافة المعتقلين ، وإلغاء حالة الطوارئ ، وتجاهل المطالبة بتفكيك الحزب الوطني ،  وتعيين مجلس رئاسة مكوّن من خمسة أعضاء ، أربعة منهم مدنيون لقيادة المرحلة الانتقالية ، وهذا كلّه من أجل إبقاء المجلس العسكري منفرداً بمسؤولية تسيير دفّة الحكم ، والتأثير بهذا الشكل أو ذاك على طريقة ومحتوى تعديل الدستور ،وأيّة قوانين تنظّم الحياة السياسية في مصر ، وترتكز عليها الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة بعد ستة أشهر ، ولتخفيف قلق الإدارة الأمريكية ،والحكومة الإسرائيلية ، وحسب تصوّرنا هناك تفاهمات وتطمينات سرية معهما ، ممّا يفسّر الصمت الأمريكي والإسرائيلي الراهن المريب ..

3- الحزب الوطني : وهو حزب السلطة الذي تداخل تنظيمه ونشاطه وتمويله معها ،واُستخدِم كأداة وغطاء للقوى السائدة في نظام مبارك من رجالات السياسة والمال والأعمال ، وبين صفوفه عشعش الفساد ،وتفشّى ،وهو الذي لايزال لديه من الإمكانات لأن يكون مع حزب الإخوان المسلمين القوتين الأساسيتين اللتين ستلعبان الدور الأهم في الحياة السياسية المصرية بعد الانتخابات ...

4 - قوى وأحزاب المعارضة :  ويمكن تصنيفها إلى قسمين ،الأول: أحزاب معترف بها رسمياً وهي حزب الوفد ، والتجمع ،والناصري ،وهي في الأساس المنابر الثلاثة التي شكّلها أنور السادات بعد انقلابه على خط الرئيس الراحل :عبد الناصر ، وبالرغم من هذا الاعتراف إلاّ أنّها كانت من الناحية العملية مقيّدة النشاط والحركة خارج مقرّاتها الحزبية ، وبقيت ضعيفة ، وتتحرك في الهامش الضيق المسموح لها ممّا جعلها ضعيفة التأثير والفعالية في الحياة السياسية المصرية .. والثاني : الأحزاب غير المرخّصة ، وفي طليعتها حزب الإخوان المسلمين الذي تأسّس في عام 1928 ، وقد ساعدته تجربته السياسية الطويلة على العمل والتكيف مع الظروف الصعبة التي مرّبها ممّا جعله أقوى أحزاب المعارضة انتشاراً وتأثيراً ، والذي يُحسب له ألف حساب في الانتخابات النيابية القادمة ...وهناك أحزاب غير معترف بها ،وهي تعمل كأمر واقع مثل حزب الغد والعمل وأحزاب ناصرية تحت التأسيس ...وهذه الأحزاب جميعها التفّت حول شباب الثورة ، وتفاعلت معهم بهذا الشكل أو ذاك ...

الآفاق المحتملة :

-   إنّ إصرار المجلس العسكري - حتى الآن - على التفرّد بقيادة الحكم في مصر،ورفضه تشكيل مجلس رئاسة ، واعتماده قانون أحزاب تدور حوله الكثير من الملاحظات والانتقادات ،وإبقاء حالة الطوارئ ، وتلكّؤه في تفكيك هياكل الحزب الوطني وملاحقة شاملة للفساد بين صفوفه ، يعني هذا كلّه أنّ النيّة متجهة لاستخدام هذا الحزب ثانية بعد ترميمه ( وربّما بعد تغيير اسمه) كأداة سياسية فاعلة ومؤثّرة في الانتخابات القادمة ،ومهيّأة لتحالفات سياسية مع أحزاب المعارضة الرسمية السابقة ، ومع حزب الوسط بقيادة أبو العلا ماضي ذي التوجّه الإسلامي ،والذي انشق عن الإخوان المسلمين قبل عدة سنين ، وقد لفت نظرنا إسراع المجلس العسكري بالاعتراف به مباشرة بعد تولّي صلاحيات مبارك ،ومن المحتمل أن ينال دعماً ما من هذا المجلس من أجل القيام بدور سياسي مهم من أجل مشاركة الاخوان المسلمين في استقطاب الشارع ذي التوجّه الديني  لتحجيم دورهم السياسي المستقبلي ، ومنعهم من الحصول على الأغلبية النيابية بمفردهم في البرلمان المقبل  ، ممّا يساعد المجلس العسكري على تحديد هوية ومواصفات رئيس الجمهورية القادم ، ومن هنا نجد تفسيراً لسبب تأخير المجلس العسكري موعد الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد شهرين من الانتخابات البرلمانية ، لأنّ هذا التأجيل سيعطي الوقت الكافي للقادة العسكريين كي يتعرفوا على الخريطة السياسية المجسدة ميدانياً ، والمدققة بالحقائق والأرقام ،وثمّ اعتماد المرشح الذي يرونه مناسباً لرئاسة الجمهورية ، ويسهل التعامل معه ،واحتواؤه ، ولن يكون هذا التصوّر السياسي بعيداً عن التفاعل والتنسيق مع الإدارة الأمريكية  ...

- إنّ ممارسة المجلس العسكري لسلطة رئاسة الجمهورية ربّما تفتح الآفاق لدور أكبر للجيش المصري في الحياة السياسية مستقبلاً  ، وخاصة بعد الاستمتاع ( بحلاوة السلطة ) حوالي عام ،وقد يستفيد من تجارب وخبرات جيوش عربية أو إقليمية أخرى في هذا المجال التي تقود بلدانها من وراء الستار ...

- إنّ التضييق الذي كان سائداً على أحزاب المعارضةعموماً ، وعلى الأحزاب تحت التأسيس خصوصاً ،وضيق الوقت المتبقي حتى الانتخابات المقبلة سيجعل هذه الأحزاب في موقف حرج ، وغير ملائم لخوض انتخابات تشريعية تُعتبر الأهم في تارخ مصر ،والتي ستحدّد مسارالحياة السياسية فيها إلى سنوات طويلة مستقبلاً ، وفي الوقت نفسه سيفسح المجال للحزب الوطني وللإخوان المسلمين إحراز نتائج متميّزة في الانتخابات المقبلة ..

- إنّ عناصر وقوى الثورة المضادة لاتزال تشكّل خطراً حقيقيّاً على الثورة ، فهي تمتلك من القوى والإمكانات ما يكفي للقيام بهذه المهمة القذرة ، وهي تتجسّد في بقايا الأجهزة الأمنية الفاسدة ، وقوى الفساد في الحزب الوطني ،وبين صفوف رجال الأعمال والمال والإعلام ، وأتباع وعملاء التحالف الإمبريالي - الصهيوني المكشوفين أو المستورين ، وهؤلاء جميعاً سيشكّلون أدوات الثورة المضادة التي ستعمل على حرف مسار الثورة ، ومحاولة إجهاضها ، وخاصة إذا تلقّت ضوءاً أخضر من المجلس العسكري أو من بعض أعضائه وهذا ما نستبعد حدوثه بدرجة كبيرة ما دامت الثورة محافظة على ديناميكيتها  ...

- لقد حاول البعض الاصطياد  في الماء العكر ، وتشويه سمعة الثوار بتسليط الأضواء على تجاهل شباب الثورة لمصير اتفاقية / كامب ديفد/ ،ولذلك رغبنا في إبداء وجهة نظرنا حول المصير المحتمل  لهذه الاتفاقية في المستقبل فيما يلي : تًعتبر اتفاقية /كامب ديفد / محطة سوداء في تاريخ مصر وأمتها العربية ، وشكّلت البوّابة الرئيسية لعصر الانحطاط والتبعية ،والارتهان لمشيئة التحالف الإمبريالي - الصهيوني ،وما أحلّ بأمتنا من كوارث خلال ثلاثين سنة ، ولذلك فإنّ أمريكا والكيان الإسرائيلي سيبذلان أقصى الجهود من أجل إبقاء النظام المصري قابعاً تحت مظلتها مسلوب الإرادة ، ومن هنا فإنّ التحرّر من قيودها ، والتخلّي عنها نهائياً لن يكون - حسب تقديرنا - سريعاً ودفعة واحدة ، وإنّما متدرّجاً وفق المسار المحتمل التالي :

 1- محاولة النظام المصري الجديد ( أي بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية ) التملّص من قيودها خطوة خطوة منطلقاً من إصلاح بنودها ، وخاصة فيما يتعلّق بالسيادة المصرية الناقصة على سيناء وتوزيع القوات ،بحيث تكون مبنية على أسس واحدة متساوية بين مصر و(إسرائيل ) ..

 2 - محاولة تفريغها من داخلها بالتملّص من القيود السياسية والاقتصادية والأمنية المنبثقة عها ، أو المترتبة عليها ،  وإضفاء نوع من البرودة في التطبيع الرسمي مع الحكومة الإسرائيلية ، والبطء في تنفيذها ، وإعطاء الضوء الأخضر للتشدّد في رفض التطبيع الشعبي مع الكيان الإسرائيلي أكثر فأكثر ...

 3 - استغلال أخطاء وجرائم الحكومات الإسرائلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ، والارتكاز على القانون الدولي والاتفاقات الدولية ،وحقوق الإنسان من أجل الضغط على (إسرائيل ) وتوتير الأجواء معها ...والاستفادة من نهج الحكومة التركية بقيادة أوردغان في تعكير الأجواء معها بعد العدوان على غزة عام 2008 ، وقضية أسطول الحريّة ،وخاصة سفينة مرمرة ، ومحاولة تفريغ الاتفاقيات العسكرية والأمنية المعقودة مع ( إسرائيل) من الكثير من محتواها ...

-وعلى ضوء ما تقدّم ذكره ، نرى أنّ نجاح الثورة المصرية في عبور مخاضها الطويل بأمان ، وتحقيق أهدافها الوطنية والقومية يشكّل ضرورة لاغنى عنها من أجل بناء تجربة ديمقراطية رائدة في مصر تتناسب مع عظمتها وتاريخها ، واسترجاع دورها وتعزيزه في الوطن العربي والعالم بما يليق بمكانتها ، وهذا كلّه سيساعد على إنهاض أمتنا العربية ويدفع بها قدماً على طريق الحرية والكرامة والتوحيد ، ومن هنا نسمح لأنفسنا بأن نقترح ما يلي :

- العمل الجادّ والمستمر من أجل المحافظة على حيويّة الثورة وديموميتها ويقظتها ، وهذا يتطلّب صيانة دائمة لوحدة الثوار ،وثباتهم على الأهداف ، وعدم اللهث وراء الأضواء والمناصب ، واستمرار الاعتصامات الأسبوعية ، وتجديد المطالب وفقاً لمسار الأحداث وتطوّرها ...وهذا ما هو مجسّد حتى الآن في أرض الواقع ، وما نتمنّى استمراره مستقبلاً ...

- توحيد فصائل وقوى التيّار القومي في مصر بما يعزّز مكانة هذا التيّار ودوره المهم في بناء مصر الحديثة ، والمحافظة على هويتها العربية وانتمائها القومي ، ويشكّل سنداً ودافعاً لنهضة الأمة بكاملها ، والسير بخطوات جدية وفعّالة على طريق توحيدها ، وقد أثلج صدورنا البيان المشترك لهذا التيار من قبل ستة فصائل ناصرية حول الأوضاع الراهنة في مصر ( ملحق صورة عنه مع هذا المقال ).

- تجنّب الصراعات بين التيار القومي ،والتيار الإسلامي الديمقراطي ، والسعي الجاد لتشكيل جبهة وطنية عريضة تضمّ كل الأطراف التي فجّرت الثورة ،أو ساندتها والتحقت بها ، بحيث تكون هذه الجبهة قادرة ومؤهّلة لصيانة الثورة ،وتأمين استمراريتها وحيويتها ، وحمايتها من الانحراف ،أو التآمر الداخلي والخارجي ...

-  إنّ التفاعل الديمقراطي الصادق والجاد بين شباب الثورة والساسة المخضرمين الوطنيين الشرفاء يشكّل ضرورة لتأمين كادر سياسي شاب مؤهل لحمل راية النضال لحقبة طويلة  ،وقيادة الجماهير بحكمة واقتدار على طريق تحقيق أهداف الثورة القريبة والبعيدةوبناء تجربة رائدة في وطننا العربي والعالم                                                                                                 في : 10/04/2011     

ملحق المقال :         التيار القومي العربي

لا للتعــديلات الدستـــــــورية

تطرح التعديلات الدستورية على الاستفتاء العام يوم 19 الجاري كي تضيف متغيراً إلى الحراك السياسي في مصر على غير السياق الذي أرادته الثورة الشعبية التي اندلعت في 25 يناير وحققت حتى الآن إنجازات هامة على طريق إسقاط نظام القهر والاستبداد والتبعية .

فالتعديلات المقترحة تأتي على دستور سقط مع سقوط الطاغية في فبراير الماضي حين كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد على غير سند من الدستور . من هنا فإن هذا التكليف وقع باطلاً قبل أن يحوز المجلس الأعلى شرعيته الحقيقية من رضا الشعب المصري الثائر وهذا الأمر الذي أكسبه شرعية الثورة وليس شرعية الدستور . إن إجراء هذا الاستفتاء في هذا التوقيت وما سوف يتبعه من إجراء الانتخابات لمجلسي الشعب والشورى ثم انتخابات الرئاسة , خلال فترة وجيزة , سوف يؤدى إلى إجهاض الثورة والي خلق آليات تمثل الطبقة المسيطرة إبان العهد البائد من فلول الحزب الوطني وزبانيته بالمجالس المحلية وقيادات الشرطة وقيادات الجهاز الإعلامي الحكومي ومؤسسات الإنتاج والخدمات . سيؤدي ذلك إلى إعادة إنتاج النظام السابق وعودة سيطرة الفساد ومراكز النفوذ المالي والعائلي على مقدرات مصر . سيؤدي إلى تقاسم السلطة بين بقايا النظام السابق وجماعات المنتفعين التي اتخذت موقف الدفاع عن التعديلات تحقيقاً لمصلحتها الذاتية وتناسياً لمصلحة الشعب في استمرار الثورة .

يرفض الناصريون التعديلات المقترحة التي تعيد الدستور بعد أن سقط , ويطالبون بتطهير البلاد من السفاحين الذين قتلوا الشهداء وبإجراء المحاكمات العادلة للخونة واللصوص والعملاء الذين أعملوا في مصر كل صنوف القهر والاستبداد والإفقار والتبعية.  نطالب بفترة يتم خلالها وضع دستور جديد من خلال جمعية تأسيسية ويترافق معها استكمال الجهد الثوري لإسقاط ما تبقى من النظام السابق وتهئية المناخ السياسي في مصر لإجراء انتخابات تعبر عن إرادة المواطنين وتجرى في ظل نظام برلماني ومن خلال انتخابات بالقائمة وبعد إلغاء مجلس الشورى , وتقليص صلاحيات الرئيس . هذه الفترة الانتقالية لابد وأن تسمح ببلورة قوى الثورة في أحزاب جديدة تعبر تعبيراً حقيقياً عن جموع الشعب ومصلحته وتطلعه للتغيير .

يدعو الناصريون إلى تكاتف كل القوى الوطنية حتى يتم رفض التعديلات حال الاستفتاء عليها , على أن تتخذ الإجراءات التالية :

1-      وجوب المبادرة بحل الحزب الوطني لسقوط شرعيته , ولثبوت دلائل كثيرة على وقوفه وراء التحريض على أعمال العنف والبلطجة والفوضى , وقيادة الفلول المضادة للثورة.

2-      وجوب حل المجالس المحلية القائمة والمنتشرة في القرى والمراكز والمحافظات والتي يناهز عدد أعضاء الحزب الوطني بها 52 ألف عضو وبنسبة 95% من عضويتها وقد جاءوا اليها بالتزوير الفاضح .

3-      وجوب الإلغاء الفوري لحالة الطوارئ , التي تتيح سلطات الاعتقال ووضع المواطن تحت رحمة رجال الأمن ومحاكم أمن الدولة .

4-      إصدار قانون جديد للأحزاب , يتيح حرية تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار, بالالتزام بأحكام الدستور , والخضوع للقضاء العادي . وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية, ثم إجراء الانتخابات البرلمانية بالقائمة النسبية وليس بالنظام الفردي, مع إلغاء مجلس الشورى لعدم الحاجة إليه وتوجيه الأموال الطائلة التي تخصص له لمصلحة الشعب .

5-      الإعلان الرسمي من جانب المجلس العسكري عن سقوط دستور 1971 وإصدار أعلان دستوري كامل والإعلان عن جمعية تأسيسية منتخبة  تقوم خلال الفترة الانتقالية بإعداد دستور جديد .

6-      تشكيل مجلس رئاسي انتقالي يضم  عضو عسكري وأربعة من المدنيين , يدير البلاد خلال الفترة الانتقالية لتحقيق الإنجازات المطلوبة خلال سنة على الأكثر .

7-      يتعين أن يحقق الدستور الجديد قيام " نظام جمهوري برلماني" يقلص سلطات رئيس البلاد , ويحقق الفصل الموضوعي بين السلطات تحت رقابة البرلمان .

وإلى أن تتحقق هذه المطالب , فإن ثورة شعب مصر وفي طليعتها شبابه الباسل , سوف تواصل النضال والتظاهر والاعتصام , حتى تتحقق خطوات وإنجازات حقيقية على طريق تحقيق آمال شعب مصر في الحرية والعدل الاجتماعي , والاطمئنان على المستقبل .

 لا للتعـــــــــديلات الدستـــــــــورية المعيبـــــــة .

المجــــــد والخلـــــود لشهـــــداء الثـــــــورة .  الحرية كل الحرية للشعب.

 الحزب العربي الديموقراطي الناصري

حزب الوفاق القومي

حزب الكرامة

المؤتمر الناصري العام

جماعة المحامين الناصريين

اللجنة العربية لتخليد جمال عبد الناصر