توقيت اغتيال الحريري وتداعياته
بقلم: عمر كوش
جاء
اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظروف حساسة للغاية، لبنانياً وإقليمياً ودولياً، ولا
شك في أن الذين خططوا ونفذوا جريمتهم البشعة كانوا يدركون تماماً أهمية توقيت عملية
الاغتيال، لكنهم لم يقدروا، على الأرجح، تداعياتها المحتملة على مختلف الصعد.
لبنانياً، كانت هنالك
الانتخابات النيابية، حيث لم يتم التوافق والتفاهم بعد حول قانون الانتخاب، وكانت
المشادات والتجاذبات تتمحور حول الموالاة وحول المعارضة، في حين كان الحريري يشكل
القطب المرجح، الذي ارتفع عن تلك المشادات والتجاذبات ليختار طريقاً ثالثاً،
معتدلاً في معارضته، وبعيداً عن تملق المولاة ومغالاتها، وعن لاواقعية أطروحات بعض
أطراف المعارضة وشطحاتها، فجاء اغتياله ليوجه ضربة إلى صوت الحكمة والتعقل، وإلى
تركيبة لبنان، وذلك كي يتم تعطيل وتشويش حرية الناخب، أو يثنيه عن قول كلمته في
الانتخابات القادمة. فضلاً عن أن اغتيال الحريري ستكون له تأثيراته على النموذج
المتفرد الذي خطّه في العمل السياسي اللبناني من دون إي ادعاء إيديولوجي أو عقائدي،
قوامه الاعتدال والمثابرة على الإنتاج والنجاح اعتماداً على تفرّد شخصيته، من خلال
امتلاك القدرة على العمل العام وامتلاك المبادرة الفردية، وقد امتد هذا إلى المجال
الاجتماعي إضافة إلى المجالين السياسي والاقتصادي.
قدمت الحشود الكبيرة التي
توافدت من كافة المناطق اللبنانية لتشيع جثمان الحريري برهاناً على شعبية هذا
الرجل، واستفتاء على أكبر عملية انتخاب، تجاوز الإقبال عليها كل التوقعات التي كانت
سائدة قبل اغتياله، كما تحول ضريحه في ساحة جامع محمد الأمين إلى مزار يتجه إليه
اللبنانيون من مختلف الطوائف والشرائح. فالحريري كان رجل السلام والوئام، رجل
الدولة لا رجل الطائفة، رجل الإعمار والوفاق الوطني. لم ينتم إلى فئة تجار الحرب
اللبنانية، ولم يكن أحد زعمائها الذين ما زالوا يتمتعون بالامتيازات والمكاسب. لكن
اغتيال الحريري جعل اللبنانيين في حال من الحيرّة، وترك التهكنات مفتوحة حول الجهة
الفاعلة ودوافعها وأهدافها.
عربياً، وعلى مستوى العلاقة
السورية اللبنانية، جاءت حادثة الاغتيال كي تسير بهذه العلاقة إلى مرحلة تأزم غير
مسبوقة، فقد حمّلت قوى المعارضة سوريا مسؤولية الاغتيال إلى جانب الحكومة
اللبنانية، وطالبت بانسحاب فوري للوجود العسكري السوري. ويبدو أن جريمة اغتيال
الحريري ستكلف سوريا ثمناً باهظاً، بل قد بدأت بدفع الثمن بالفعل، وذلك نظراً
لوجودها في موضع الشبهة والاتهام، والأمل معقود على توافق سوري لبناني يرسي شكل
العلاقة بين البلدين في مرحلة ما بعد الوجود السوري في لبنان التي سيسرّع اغتيال
الحريري الوصول إليها.
وإقليمياً، نشهد اشتعال
المنطقة في ظرف صار فيه الاحتلال الأميركي للعراق واقعاً، وتتزايد فيه الضغوط
الأميركية والأوروبية على إيران للتخلص من ملفها النووي، فيما تعاني الكويت
والسعودية من هجمات وأحداث دموية، ويشهد السودان مجازر ومخاطر عديدة. وعلى العموم
فإن الوضع في البلدان العربية لا يبعث على الطمأنينة والاستقرار، حيث إن المنطقة
برمتها مشمولة بالتغيير، وإعادة رسم خريطتها، بما يتوافق مع الاستراتيجية الأميركية
في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبما يجعل إسرائيل دولة فاعلة فيه. وجاء اغتيال
الحريري ليفتح الباب أمام مختلف الصراعات في داخل لبنان وفي المنطقة، الأمر الذي
يزيد من التحديات، خصوصاً بعد بروز بعض المعطيات والقرائن من خلال التحركات
الأميركية والفرنسية، التي بدأت بالمطالبة بإجراء تحقيق دولي، بما يعنيه من تشكيك
بصدقية الحكومة اللبناني، ووصولاً إلى لقاء بوش وشيراك، ومروراً بتدخلات ساترفيلد
وتصريحات كونزليزا رايس وسواهما من المسؤولين الأميركيين. لذلك، وعلى المدى القريب،
سوف تتزايد الضغوط على سوريا وعلى لبنان، بشكل يتمّ فيه تدويل عملية الاغتيال.
والخوف من أن تستغل عملية الاغتيال لتدخل دولي في شؤون لبنان بحجة تنفيذ قرار مجلس
الأمن 1559، بمعنى أن تستغل عملية الاغتيال كذريعة للتدخل في توازنات المشهد
اللبناني، وهو مشهد لم يتوحد قط كما توحد استنكاراً لعملية اغتيال الحريري. ومن
سخرية القدر أن موت الحريري فعل لبنانياً ما عجز فعله الحريري في حياته.
إذاً، من المهم أن ندرك
خطورة التداعيات المترتبة على اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري، سواء على صعيد
الداخل اللبناني، وتأثير تركيبة المعادلة الداخلية اللبنانية، وكذلك الاختلال في
المعادلة العربية المختلة أصلاً، واحتمالات التدخل الأميركي الأوروبي التي قد تصل
إلى حدّ التدخل العسكري الذي يبدو أنه بات يلوح في المدى القريب.
ومن المهم كذلك على الصعيد
اللبناني والعربي، ترجمة تداعيات عملية الاغتيال في صالح العمل على وحدة واستقلال
لبنان على أسس وطنية، لا على أسس طائفية ضيقة، وألا تقتصر على العداء الأعمى
لسوريا، ذلك أن سوريا لا تختصر في صورة التواجد العسكري والأمني، بل في شعب يربطه
الكثير بالشعب اللبناني، وإن كان إنهاء الوجود السوري في لبنان مدخلاً لإصلاح
العلاقة بين البلدين، فإن التوتر والعداء يسيئان لمستقبل هذه العلاقة ويسمّمانها.
()
كاتب سوري
|