الفصل الثالث

الاجتماعات الناقصة

عند ابن رشد

 

 

اولاً - اجتماع المجد والشرف ( التيموكراسي )

ثانيا - اجتماع المال والثراء ( القلة من الاغنياء ) ( الاولفاركي )

ثالثا - الاجتماع الجماعي ( الديمقراطي ).

رابعا - الاجتماع الاستبدادي ( الحكم الفردي المطلق )

 

تمهيد :

تحدثنا في الفصل السابق عن الاجتماع الكامل وعناصره عند ابن رشد وما هو الدستور الملائم له ، وبقي لنا ان ندرس الاجتماعات الناقصة(❊) عنده ، وكيف تتحول المدينة ( الاجتماع ) الكاملة الى اجتماعات ناقصة ، وما السبب الذي يدعو الى ذلك وما هو الاجتماع الأقرب الى الكامل ثم ما هو الاجتماع الاقصى له وما الذي يتوسط بينها من اجتماعات ناقصة اخرى . مثال ذلك اللون الابيض يضاد الاسود ، وبينها عدة ألوان بعضها أقرب الى الابيض وبعضها أقرب الى الاسود ، وهذا التشبيه هو ما يشبه حال الاجتماعات الناقصة في علاقتها بالاجتماع الكامل .

ويخصص ابن رشد للحديث عن ذلك كله المقالة الثالثة من كتابه تلخيص السياسة ويفرد لكل اجتماع حديثاً مسهباً عنه ، ويربط بين الاجتماع الناقص وبين من يرأسه أو يمثله ويدرس كذلك طبيعة أهل هذا الاجتماع ومزاياهم الخلقية . منطلقه في ذلك البحث عن الأسباب التي آدت اليه وما هي السبل الواجب تفاديها عنه .

وهذه الاجتماعات هي بحسب تسمية ابن رشد ، اجتماع المجد والشرف ، اجتماع حكم القلة الاغنياء ، الاجتماع الجماعي واجتماع الاستبداد أو الطغيان (1) .

وبذلك يصبح عدد الاجتماعات التي تحدث عنها ابن رشد ، خمسة اجتماعات واحد منها فاضل كامل واربعة ناقصة غير فاضلة .

والاجتماع الفاضل اذا ما انقسم الى حكومة الملك الواحد أو الى قيادة اكثر من واحد يكون هناك اذن ستة اجتماعات(2) . ويضيف اليهما ابن رشد اجتماعين آخرين ليصبح عدد الاجتماعات ثمانية ، وهذان الاجتماعان هما اجتماع اللذة وهو الاجتماع الذي يسعى فيه الحكام الى اللّذة فقط واجتماع الضرورة ، اي اجتماع الحاجات الأساسية (3).

وقد تحدث الفلاسفة قبل ابن رشد عن الاجتماعات الناقصة ، ومنهم افلاطون في كتابه محاورة الجمهورية (1)، والفارابي في كتابه آراء اهل المدينة الفاضلة ، وقد اعطى هذا الفيلسوف تسميات عربية اسلامية لهذه الاجتماعات (2). وسوف نشير الى كل ذلك في موضعه المحدد عند الاشارة الى كل اجتماع من هذه الاجتماعات .

ومن الذين اهتموا أيضا بذلك الفيلسوف الاندلسي ابن باجه ( ت 335 هـ ) (3) ، في كتابه تدبير المتوحد . حيث فصل القول في الاجتماعات الناقصة . في مقابل الاجتماع الكامل .

اولاً - اجتماع المجد والشرف ( التيموكراسي )

 

من الطبيعي ان المدينة الفاضلة عندما تكون موجودة لا تفنى بسهولة لكن مع الزمن يدب فيها الفساد ، مثلما هي طبيعة كل كائن حي اذ يأتيها الفساد من الطبقة الحاكمة نفسها عندما يمتزج فيها الذهب بالفضة .

ويقول ابن رشد يحدث هذا عندما لا يهتم الحكام في هذه المدينة باختيار التماثل في السجايا للتزاوج بالطريقة التي اشرنا اليها في الفصل السابق (1). فلا يتحول اولادهم الذين لا يشبهونهم عن طبقة الحراس بل يبقون حراساً وبحكم كونهم ذهباً وفضة تسيطر عليهم القوى الغضبيه والشهوية فيكرهون الموسيقى ويعشقون الرياضة ، عندها يظهر نوع من الرجال داخل طبقة الحكام يسعون الى حيازة المال والممتلكات بينما الحكام يسعون للفضائل . ومن هنا يدب النزاع بين الطبقتين لحقبة طويلة من الزمان بحيث يؤول النزاع بعدها لحل وسط بين الدستور الفاضل وامتلاك الاموال والعقار وما شابه وجمعه ، وعندها سوف يتقاسم النوع النحاسي الحديدي الأراضي والممتلكات وكل ما يقبل التحويل ويعتبرونها ملكاً خاصاً بهم . فيعطون الجند جزءاً من ذلك اجر حمايتهم لهم وبهذا يحولونهم من احرار الى ما يشبه العبيد ويقبلونهم في الحكم بسبب شجاعتهم وبسالتهم وحبهم للمجد والشرف .

وهذا النوع من الاجتماع يقع وسطاً بين الاجتماع الفاضل واجتماع القلة القائم على الثروة كما يشير الى ذلك ابن رشد وهنا تعزف الطبقة المحاربة ( الجند ) عن التملك وعن الحرف والفنون فانها تشبه الى حدما المدينة الفاضلة ، وان كان رؤساؤها غير فاضلين .

هذه هي المرحلة الأولى التي يتحول فيها الاجتماع الفاضل الى هذا النوع من الاجتماع(2)، فأهله يحبون الوجاهة والتسلط وقهر الغير ، و افلاطون يشير هنا الى انها صفة الرجل الذي تقوم سعادته على الشرف ويفضل الرياضة ويكره الموسيقى ويحب الصيد ويؤثر الغلبة ولايطلب الحكم لنفسه لفضيله وانما لقوته وبسالته في الحرب (3).

ان الذي عنده هذا الميل في نفسه يكون في أول شبابه عازفاً عن المال لكن عندما يكبر ينمو معه حب المال لأن فطرته ليست فاضله بالكامل وطبيعي سوف ينحاز لحب المال والثروة لأنه تنقصه الحماية الكافية ، وبهذا الشكل يتصرف الانسان الذي تقوم سعادته على حب المجد والشرف .

لكن كيف يظهر هذا الرجل من الرجل الفاضل بحسب وجهة نظر ابن رشد ؟

يقول مجيبا :

عندما يكون هذا الرجل من أب فاضل نما وتربى في اجتماع غير فاضل في حكمها ، وهرب من امتيازات الحكومة . اول ما يحصل لهذا الشاب انه يسمع من امه (1) اقوالاً غير مرضية عن أبيه الذي عزف عن قبول اي منصب كما يبتعد عن جمع المال والسعي وراءه لذلك هي تعاني التعاسة والبؤس هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ان والد هذا الشاب يطلب من ابنه ان يأخذ له حقه مرتين من الذي آذاه وأضره وامه تطلب منه ان يكون شجاعاً بخلاف والده وان يأخذ حقه بأي شكل ، ليكون له مكانه بين اهل مجتمعه ولأن كل من يسكت عن حقه جبان وذليل.

ان هذا الشاب تتنازعه الفطرة الفاضلة التي رباه ابوه عليها ( اي النفس العاقلة ) مع الرذائل التي يغرسها رفقاء السوء ( اي الطبيعة الشهوية و الغضبية ) مما ينجم عند تحوله الى الوسط بين حب الفضيلة وحب الرغبات وهذا الوسط هو حب الشرف . مثل هذا الشاب مثل اجتماع المجد والشرف المتحول عن الاجتماع الفاضل .

وابن رشد ، وهو يتحدث عن هذه الخصال لرجل المجد والشرف ، اعطى لنا انموذجاً من الحكم القائم في التأريخ الاسلامي باعتباره قريباً من هذا الاجتماع ، فيقول ان تحول الحكم الفاضل الى حكم المجد والشرف او تحول الرجل الفاضل الى رجل المجد والشرف هو امر يشبه ما حدث للعرب في اول عهدهم حيث اعتادوا محاكاة الحكم الفاضل الذي أشار اليه افلاطون ثم تحول حكمهم الى حكم المجد والشرف وهو ما يشبه الحكم القائم في جزيرتنا ( اي الاندلس ) .

ويتميز دستور هذا الاجتماع ، انه يعين فيه أهله بعضهم بعضاً للحصول على السمعة الحسنة والاعمال الصالحة وذلك بغية السعادة في الدار الآخرة ، وبهذا يقول ابن رشد ان الاختلاف بينه وبين الاجتماع الفاضل ان الشرف في هذا الاجتماع هو غاية لذاته وغير مرتبط بالفضيله بينما هو في الاجتماع الفاضل مرتبط بالفضيله وليس غاية بذاته .

وهنا لا بد ان نذكر رأي الفيلسوف الفارابي ، حول هذا الاجتماع ، اذ يرى ان الشرف هو اليسار والاكتفاء بالضروري ومواتاه اسباب اللذة ، اللعب بالنرد ، ان يكون مخدوماً ، ان يكون نافعاً لكن ابن رشد يضيف كلمة الحسب المشرف(1) وبلوغ اكثر الضروري وهذه الاكثر ضرورية والتي تستحق الشرف هي ان يكون الانسان مشهوراً بالغلبة في شيء او شيئين او اكثر . وقد تأتيه الغلبة من جمال او جلد و استهانه بالموت لأن ذلك من الات الغلبة (2) ويدعى كبير النفس اذا اقترنت الغلبة بأشياء كثيرة .

ويضيف ابن رشد الى ما قاله الفارابي ان الرجال الذين يحكمون بخصال الشرف والحسب سوف يقترن حكمهم بكل شيء ذي يسار ، فهم سادة من جانب وعبيد من جانب آخر ، وفي هذا الحكم يتخذ الحكام الثمين من الملابس مثل العباءات المنسوجة من الحرير والموشاة بالذهب ، ويجلسون على أرائك مصنوعة من الذهب ، وهم يظنون انها علامات الكمال والعلم (3).

ان هذا الاجتماع يبغي الفضائل التي يظن انها فضائل ، وأمثال هؤلاء الحكام يسعون الى الأفعال التي يمُدحون بها ويُجلون ويُعظمون ، وان هذا النوع من الحكم من النادر ان نجده في الأمة التي على الفطره الطبيعية ( البداوة ) ولهذا يقول ابن رشد ان هذا النوع من الحكم هو القائم بيننا غالباً ، وهو يشير بذلك الى الدولة التي قامت بعد حكم الخلفاء الراشدين ، باعتبار ان حكم هؤلاء هو الحكم الفاضل برأيه .

ثانيا : اجتماع المال والثراء ( القلة من الاغنياء ) ( الاولفاركي )

 

 

بعد ان أشرنا الى اجتماع المجد والشرف ، لا بد ان نبحث الان الاجتماع الذي ينبثق عنه ، وهو اجتماع المال ، ( مدينة القلة الأغنياء ) عندما تكون القيمة في هذا الاجتماع للدينار والدرهم فقط ، وعندما لا يهتم الحكام الا بجمع المال والاستكثار منه .

ان اجتماع المجد والشرف هذا له سيتحول الى اجتماع يلهث وراء الثروة والمال وذلك عندما يكثر فيها نوع من الرجال اباؤهم من محبي الشرف لكنهم جُردِّوا من كل منصب ومن حماية الدستور لهم فما كان منهم الا ان أخذوا بأبنائهم لبعض اصحاب النفوذ ليسلموهم بعض المناصب العالية ، وهكذا خوفاً من ان يعيشوا بقية حياتهم في الفقر والعدم كآبائهم نرى هؤلاء الأبناء يلهثون وراء تكديس المال وجمعه .

والرئاسة في هذا الاجتماع نوعان ، الاول بالطبع وهو الذي يسعى فيها الشخص من خلال الرئاسة الى المال ما ينقصه من مأكول وملبوس ومسكون وما شابه ذلك والثاني رئاسة بالتواضع او بالقرار أو بالعرف كما يقول ابن رشد ويتألف من الدراهم والدنانير وما شابهها ليست موجودة في كل المدن بل ضرورية لوجود التبادل والمقايضة بين المال والسلطة(1) لأن الدنانير مبدأ لتقويم الأشياء وقياسها وللتعويض عن الخدمات(2) ويظنون ان المال الذي يأتي عن طريق الجباية والمكوس اكثر ضماناً في تحصيله واسهل نقلاً (3).

ورئيس هذا الاجتماع هو ايسر واقدر على جودة التدبير في الاجتماع كله : واذا جمع اليها القوة بالسيف اصبح سيد المدينة ، ويحصل على المال من الأشياء الضرورية مثل الفلاحة والرعاية والصيد واللصوصية ثم المعاملات الادارية مثل التجارة والأجاره وغير ذلك(4) ، كما يشير الى ذلك الفارابي بدقة وان نوع الحكم في هذا الاجتماع ، يدعوه ابن رشد حكم الخسة والنذالة ، حكم السقوط ، اذ ينهار بسرعة تحت وطأة اي طارئ من الداخل او من الخارج . وأول شرور هذا الحكم انهم لايسلمون زمام الحكم لمن هو ماهر بينهم بل لمن هو أغنى واكثر مالاً (1 ).

ويضرب ابن رشد بذلك مثلاً كمن يسلم قيادة السفينة لمن هو أغنى وليس لمن له المام بقيادة السفينة وهذا لا بد ان يؤدي بالسفينة الى الهلاك ، وهذا يحصل لهذا الاجتماع (2).

وهذا الاجتماع ليس واحداً بل هو اثنان(3) هما: اجتماع الفقراء و اجتماع الاغنياء ومن سيئات هذا الاجتماع ان اهله غير قادرين على شن حرب على الأطلاق وان اضطروا لذلك عليهم أحد امرين : اما ان يستأجروا مقاتلين اشداء يقاتلون عنهم فينجم عن ذلك انهم يخافون منهم فيما بعد ، او يقاتلون بأنفسهم ولكن سرعان ما يهزمون بسبب تقاعسهم وبطرهم ( self - satisfied ) .

من اكبر شرور ها الاجتماع ان الحكام فيه لا يتورعون عن تحوير الدستور والنظام بما يلائم مصالحهم المالية لزيادة غناه مما يسبب زيادة عدد الفقراء وكذلك زيادة سوئهم في حين الأغنياء يزدادون غنى وينتشرون كالطاعون مثلهم مثل ذكور النحل التي تأكل العسل ولاتجنيه وتكون وبالاً على الخلية . ففي هذا الاجتماع نجد كل انواع الشرور فإلى جانب الفقراء نجد اللصوص والمتسولين واصحاب السوء وغيرهم من ارذال المجتمع (4).

أما سبب انهيار هذا الاجتماع ، انما يكون الحديث عنه في النقطة اللاحقة

ثالثا الاجتماع الجماعي ( الديموقراطي )

 

 

ان اجتماع الثراء والمال والغنى سيتحول حتماً الى الاجتماع الجماعي ( الديموقراطي ) عندما تصبح غاية الفرد فيه الحرية المطلقة دون قيد أو شرط اي ان المرء يحصل على اي شيء ترغب فيه نفسه وتقوده اليه .

ويقول عنه ابن رشد انه هو الذي تكون الرئاسة فيه ، بالاتفاق والبخت ( By chance ) لا عن استئهال اذ كان ليس في هذا الاجتماع فضل لأحد على أحد (1).

اما كيف يتحول هذا الاجتماع من اجتماع المال الى الاجتماع الجماعي ؟

يجيب ابن رشد بأن يكون ذلك عن طريق الأبناء الذين يولدون للحكام الأثرياء وللموسرين يتلقون من ذويهم التأثير حيال الدستور فضلاً عن التأثير من الخارج نحو الحرية المطلقة (2). فيميلون نحو الرغبات الضرورية التي فينا مثل المأكل والمشرب وغيرها مما يصبح معه في يوم ما عبداً لرغباته (3). ان انساناً كهذا نراه في يوم يشرب الخمر حتى الثمالة وفي آخر يشرب الماء البارد حتى تبرد اعصابه وفي ثالث يلعب الرياضة مع كل من يلعبها وفي وقت يتحمل تحمل الفلاسفة وفي آخر مهملاً متقاعساً ليس لحياته غاية او هدف .

والاجتماع الجماعي تتوفر كل الأشياء فيه من التي تتوفر في بقية الاجتماعات التي تحدثنا عنها سابقا ، ففيه اناس يرغبون بالمجد والشرف واناس يرغبون بامتلاك المال ، واناس يرغبون بالتملك والاستبداد ولربما تجد فيها من يمتلك سائر الفضائل (4)، ويقول عنه ابن رشد انه يشبه الثوب الموشى الذي تجد فيه كل الألوان مجتمعة .

في هذا الاجتماع نجد كل الصناعات والحرف والرغبات ، ونجد كل انواع الاجتماعات ما عدا الاجتماع الفاضل (1).

وهذا الاجتماع اصله يقوم من البيت او الأسره ، وهنا يفيدنا ابن رشد عن ان وجود الاجتماع الجماعي ، انما له حضور في التاريخ العربي الاسلامي فيقول ، ان معظم المدن الموجودة اليوم ( اي في زمن ابن رشد ) هي من صنف السياسة الجماعية ، كل شخص من الممكن ان يحصل على ما يرغب ويحافظ عليه (2).

والاجتماع الذي يقوم في هذه المدن الجماعية ضروري عن طريق البخت والاتفاق كما قلنا لا يقوم على غاية واحدة في اجتماعه ، فقيام السلطة اذاً بالعرض(3) ويقول ابن رشـــــد » ان الاجتماعات القائمة في العديد من الممالك الاسلامية اليوم هي الاجتماعات القائمة حصراً على البيوتات ( الأسر) فكل الملكية هنا ترتبط بالبيت الحاكم فيضطر اهلها لأخراج المال لانفاقه على من يقوم بحراستهم ومن هنا جاء اصل الغرامات والمكوس (4).ويقول ابن رشد ايضا ان الناس سينقسمون قسمين 1- صنف الجمهور - 2 - صنف السادة . كما هو الحال في بلاد فارس وفي العديد من المدن في زماننا ( اي زمن ابن رشد ) ويقول ايضا ان الجمهور سوف يُسلبون وينهبون من قبل السادة والسادة يكثرون من الاستيلاء فيتحول امر هذه المدينة الى الاستبداد كما يحصل في بلادنا وزماننا (5).

كما يقول ابن رشد ان الأساس الذي يقوم عليه الاجتماع الجماعي هو الملكية فحسب والدستور الذي تضعه يخدم هذه الغاية ، ويدفع بالعديد من الناس الى الفقر وان كان هذا لا يسري على الرجال ذوي الاصول الطيبة وعلى الشجعان كذلك .

ويقول ايضاً عندما يزداد عدد الفقراء سيكون حال المدينة كحال الجسم المريض فيقوم الفقراء بسلب الاغنياء ونهب ممتلكاتهم وطردهم فكل واحد من الفقراء حر (6). يعمل ما يشاء أهل هذه المدينة متساوون دستورهم لاسلطان لأنسان على انسان مثلها مثل الثوب المزركش الذي يلفت النظر بالوانه فقط (1) ويقول ابن رشد ايضا ان هذه المدينة تفنى بسرعة اذا لم تقم على الفضيلة والشرف كما هي الحال مع المدن الجماعية الموجودة في زماننا هذا وقبله (2).

وابن رشد يشير اشارة ذات دلالة سياسية اجتماعية ، هي انه لربما تخرج من هذه المدينة الفاضلة(3) والمدن الأخرى بأنواعها لانها موجودة فيها بالقوة ما دامت كل ميول النفس موجودة في هذه المدينة ويبدو ان المدينة التي تنمو فيها بالطبع هي مدينة الضرورة ثم تتبعها فيما بعد المدن الجماعية .

ويرى ان ابن رشد ان هذه المدينة مضاده تماماً للمدينة المستبدة وان الملكية العامة المتوارثة اسرية حقاً بسبب الأسر الحاكمة فيها وهو ما نجده اليوم بيننا (4).(= ابن رشد ).

رابعا : اجتماع الاستبداد

 

 

لقد سبق أن قلنا عن رجل السياسة الجماعية المفرط في الرغبات وبحماس كبير لأنه لم يجد شخصاً يأخذه نحو الطرف الآخر ويجبره على قمع رغباته وكبتها فيصير مثل ذكر النحل . فيزيد افراطاً في هذه الرغبات غير الضرورية مثل السكر من الخمر ودهن العطور واجتماعات المرح واللذة (1) وكل المتع الأخرى التي تذهب بعقله وتسلبه .

ويقول ابن رشد ان هؤلاء الناس السكارى المضطربي الطباع يرغبون ان يبسطوا حكمهم ليس على الناس عامة فقط بل حتى على الملائكة ان كان ذلك ممكناً لهم(2) ان همهم هو اقامة الولائم والتجمعات لاشباع ملذاتهم والتي من بينها الأسواق والحمامات والمتنزهات وكل ما يقوي حب الشهو ة ومن البديهي ان تكون هذه الملذات هي المتحكمة المسيطرة على قوى أنفسهم وتوجهها مثلما يوجه الربان السفينة .

هنا تصبح الغاية هي الحصول على المآرب الخاصة سواء بالرغبة في الغلبة فقط والرغبة في الشرف أو الرغبة في الثروة أو الرغبة في اللذة أو كلها بالجملة فاجتماع كهذا هو الاجتماع الاستبدادي ( الطرون Tyrine) واهله لا غاية لهم سوى خدمة المستبد وتنفيذ رغباته فهم اشبه بالعبيد ، وهذا الاجتماع مضاد تماماً لاجتماع اهل المدينة الفاضلة . لأن غاية هذه المدينة الأخيرة ان ينال كل واحد فيها السعادة وفقاً لقابليته الطبيعية التي تؤهله لذلك (3).

يقول ابن رشد ان غاية الصناعات والملكية فائدة الناس جميعا كما في صناعة الطب فغايتها شفاء الناس لا منفعة الطبيب وحده كذلك ربان السفينة غايته انقاذ من فيها وليس سلامته وحده . اما المستبد فغايته منفعته وحده ( أناني ) يقدم للناس الضروري مثلما هو شأن السيد مع عبيده .

ويقول ابن رشد ايضاً ان هذا الاجتماع غير عادل تماماً لأن ادارة ملكيات الأسر والصناعات والحرف ترمي كلها لهدف واحد هو أرضاء أسرة واحدة اي ارضاء المستبد بينما في الاجتماع الفاضل الجمهور والملوك كل يريد عون الآخر من أجل بلوغ السعادة . فالناس يخدمون السادة لبلوغ غاية الفلسفة ، والسادة يرشدون اهل المدينة نحو بلوغ السعادة وهو ما يسمى بالارشـــــاد ( Guide ) اي التوجيه والقيادة ( اي ان هناك علاقة جيدة بين الجمهور والسادة )

اما في الاجتماع المستبد فالأمر مختلف ، الغاية بلوغ اهداف السادة ويقول ابن رشد : اما التشابه فموجود بين المدن الكهنوتيه والمستبدة حيث تتحول الكهنونية الى مستبدة ولهذا يقال عنهم انهم ذوو سمعة رديئة كما هي الحال مع الأجزاء الكهنُوتية الموجودة في مدننا اليوم (1).

ويضيف ابن رشد واصفا طبيعة المستبد من انه يستعين بأعوان له عند الضرورة يتم من خلالهم الاستبداد بالناس(2) . وليس من أمل لوصول هؤلاء الأعوان الى رئاسة الاستبداد لأنه اجتماع مستبد بالكامل وربما يأتي ترتيبهم بما يتناسب وغايتهم في الاستبداد فهذا النوع من الاستبداد هو الأكثر ظهوراً ، فالأشداء فيها من القاهرين مع الملك يغلبون اهلها ويقهرونهم . والمغلوبون يساعدون بعضهم بعضاً لتقوية دعائم هذا الاجتماع ولقهر بعضهم بعضاً . وان سيدهم هو اقدرهم على القهر وعلى تدبير ذلك (3).

يقول ابن رشد ان تحول الدستور الجماعي الى استبدادي انما يعود الى الأفراط في طلب الحرية لأن كل ما زاد عن حده انقلب الى ضده ويقول ابن رشد ايضاً ان هذا ليس فقط في الأشياء الارادية بل ايضا في الأمور الطبيعية (1).

ويحدد ابن رشد ثلاث فئات من الرجال يكون لهم دور في تحول الاجتماع الجماعي الى اجتماع مستبد ، الفئة الأولى فئة الحكام في المدينة وهم اهل الشرف والمجد فيها وهم فئة ذكور النحل الذين استسلموا لرغباتهم بشكل مطلق ، الفئة الثانية هي الفئة التي لا هم لها سوى طلب المال وهذه الفئة مثل العسل الذي تأكله بشراهة ذكور النحل ، الفئة الثالثة هي الجمهور الذين يكرسون انفسهم لأعمالهم مغلوبين على أمرهم(2) لا يمكلون شيئاً من الأملاك ، والفئتان الأولى والثانية تسرقان وتنهبان الثالثة . الفئة الاولى تفعل ذلك ضد رغبتها اما الثانية فتهدف اخذ الممتلكات لتقوي مراكزها .

عندها لا بد للفتنه ان تهب كما يشير الى ذلك ابن رشد وعندما يعم الشقاق والنهب واللصوصية عندئذ لا همّ لعامة الناس الا ان يسلموا زمام امرهم لرجل يظنونه عظيماً لكن من فئة المستسلمين لرغباتهم وهذا الرجل لا يتوقف الى ان يستعبد معظم الناس وبهذا يصبحون هم انفسهم مستبدين تماما (3) هكذا يتحول هذا الحاكم الى مستبد ثم الى مستبد تام بعد ان صار الناس اتباعاً له فيصب اذاه على من يريد منهم ويعاقب ويقتل من يريد .

ويقول ابن رشد بهذه الطريقة لا يتورع ان يجلب الى داخل الاستبداد فئة ضد أخرى ويعزل الى خارج المدينة فئة اصحاب المال والملكية . ويضرب ابن رشد مثلاً بالحكم الموجود في قرطبة بعد سنة خمسمائة للهجرة حيث كان الحكم جماعياً وفي عام اربعين وخمسمائة تحول الى حكم قائم على الاستبداد .

يقول ابن رشد ان المستبد في الاجتماع الاستبدادي يهادن اعداء المدينة الخارجيين بتصحيح اموره مع البعض وقهر الآخرين للخضوع له ويثير الحروب لأهل مدينته بشكل دائم ليستحوذ على ما يملكون ولكي لا يبقى لهم من هم شاغل سوى لقمة العيش وهنا يستحضر ابن رشد التأريخ السياسي المعاش في زمانه ، استحضارا رائعاً ، بان يقول ان هذا النوع من الاجتماع الاستبدادي له ما يماثله في الاندلس ، بالشخص المعروف بابن غانية (1).

ويضيف ابن رشد ان المستبد يعمل ببراعة لقتل كل من يخاف منه هذا المستبد لأنه يملك الكثير من المال والأشياء المادية الأخرى والسلطة فيقتله بوضعه تحت رحمة اعدائه (2).

ولا يفوت ابن رشد ، ان يحلل شخصية المستبد وهو الذي يوطد حكمه بالاستعانة بالأشداء الشجعان والكبراء ليخدعهم ويطهر المجتمع منهم(3) وهذا التطهير يختلف عن تطهير الأطباء للأبدان من الامراض والفلاسفة للمدن الفاضلة من الاشرار . فهم يستأصلون المادة الفاسدة ويرمونها وهو يفعل خلاف ذلك ، فهو محكوم اما بعدم العيش او العيش مع الأشرار الضالين لكن يريد ان يقضي على هؤلاء الأشداء الذين شدوا أزره فيستعين بالأجانب شرط ان يجزل لهم العطاء فيشدوا أزره ويقضي بهم على كل من أوصله الى الحكم وساعده على ذلك .

ويرى ابن رشد ان هذا المستبد لا بدله من المال ليديم أمر الجند والعسكر عندئذ لا يتورع عن أخذ الأموال والهبات وسرقة بيوت العبادة ومصادرة ملكية الناس الذين جعلوه حاكماً عليهم (4).

واذا ما حاول الناس في هذا الاجتماع طرد المستبد خارج المدينة فيزداد شراسة وقهراً لهم فيأخذ منهم الأدوات والأسلحة ويصدق عليهم المثل القائل " كالمستجير من الرمضاء بالنار " اي ان الناس يهربون من العبودية اليه فيقعون في عبودية أشد (5).

ان المستبد بحاجة لنفقات كثيرة يصرفها على ملذاته فيصرف ماله ويضطر للأستدانة وقبول الأحسان وإن رفض والداه اعطاءه المال سرقهما او قتلهما وكما يفعل بوالديه يفعل بالمدينة (6).

يقول ابن رشد ان اجتماع الاستبداد اجتماع الشر والرذيلة وهو في الطرف الأقصى لذلك الاجتماع المحكوم من قبل الملك ذي الأخلاق الفاضلة والحسنة(1) وبما ان الحال في المدن مماثله لتلك الموجوده بين الرجال فانه لايوجد ثمة رجل أسعد من الملك الفاضل ولا ثمة رجل اخسأ من الرجل المستبد .

ويلاحظ ابن رشد ان مدينة المستبد هي مدينة العبودية في حدها الأقصى وبعيده كل البعد عن الحرية . وينطبق الشيء نفسه على نفس المستبد . تلك النفس الحافلة بالعبودية (2) المجردة من الحرية . حيث قواه الأدنى هي التي تسود فيها بينما قواه العليا العاقلة هي المغلوبة فنفسه فقيره وكذلك المدينة المستبدة فقيره مليئة بالحزن والتعاسة .

ولا يفوت ابن رشد ان يقارن بين هذه الاجتماعات واوساطها ، فيقول : ربما يوجد ما هو متوسط بين المدن المتضاده فالمتضادتان المدينة الفاضلة والمدينة المستبده مثلاً ليس من الضروري ان يكون التحول بينهما قائماً على نظام محدد ، ان مثل هذا يمكن ان يوجد في الجواهر الطبيعية ، ففي الطبيعة متضادات كثيرة ويوجد ما هو متوسط بينها .

ويقول كذلك ان الدستور الموضوع يؤثر في طباع وخصال من تربى فيه .

فان تحول الانسان من شكل الى آخر انما يتبع الدساتير لأن اكتساب الفضائل العملية يكون بالعادة والعلوم النظرية يكون بالتعلم (3).

ان الدساتير وخاصة في المدينة الفاضلة لا تتحول فجأة يعود ذلك للخصال الجيدة والفضائل الخيِّرة التي نشأ واعتاد عليها الناس ، انها تتحول شيئاً فشيئاً الى ما هو اقرب اليها في كل زمان ، فالخصال الجيدة والرغبات الخيرة تتحول عندما تفسد الدساتير وتصل الى حد الأفراط (4).

ويقول ابن رشد من الممكن ان تميز ذلك في الشيم والأخلاق التي ظهرت بيننا بعد السنة الخمسمائة والأربعين للهجرة ، لاسيما بين الحكام والوجهاء بسبب الاجتماع الضعيف الذي نشأ فيه والقائم على المجد والشرف ولهذا جاؤوا بمن يقيم الفضائل الخيِّرة والمتفوق فيها وفق الشريعة الاسلامية (1).

ويرى ابن رشد في ربط موضوع هذه الاجتماعات بالاخلاق من خلال فضائل النفس بقوله : ان الشيء الذي تمتلئ به النفوس لهو اكثر صحة من الشيء الذي يملأ الجسم لأن النفس اقرب الى جوهر الاشياء من الجسم ، فإن الذي يُطلب من حيث جوهره الثابت واليقيني والدائم يجب ان يكون بالضرورة هو الأكثر لذة (2).

ويقول ابن رشد هذه هي حال لذة العقل اما اللذات الأخرى فانها تفنى بسرعة بسبب اختلاط المتضادات فيها ، اما لذة العقل فليس لها اي مضاد ، فهي خالدة ، اما اذا فنت فبسبب تغير طرأ عليها وهذا القول هو القول البرهاني بعينه .

 

الهوامش

 (1) راجع ، الكتاب الثامن من المحاورة ، ص 891 وما بعدها .

 (2) راجع ، ص 701 وما بعدها ، للتفصيلات .

 (3) راجع ، ابن باجة ، تدبير المتوحد ، ضمن كتاب رسائل ابن باجة الالهية ، تحقيق ماجد فخري ، بيروت 8691.

 () الاجتماعات الناقصة imperfectsociety ، هي الاجتماعات التي لم تحقق فيها فضيلة السعادة لاهلها وابتعدت عن كل ما هو فاضل في السيرة الخلقية .

 (1) تلخيص السياسة ، ص 571 وما بعدها .

 (2) المصدر نفسه ، ص 671.

(3) المصدر نفسه ، ص 871 .

(1) تلخيص السياسة ص 791 ، الجمهورية ك 8 ، افلاطون ، ص 102(1) ابن رشد وتلخيص السياسة ، ص591 والاشارة هنا الى اختيار الخصال الحميدة الطيبة لغرض التزاوج ، لانتاج خصال مثلها.

 (2) المصدر نفسه ، ص 691.

 (3) افلاطون الجمهورية ك 8 ، ص 102.

 (1) ارسطو الأخلاق ص 781 حيث يقول " انصار الدينار بدل الذي يعطي بدل الحاجة بنوع الاتفاق «

 (2) ابن رشد تلخيص السياسة ص 381.

 (3) انظر ارسطو الأخلاق ص 881 وما بعدها .

 (4) السياسة المدنية ، ص 95(1) تلخيص السياسة ، ص 081

 (2) انظر الفارابي السياسة المدنية ص 16 وهنا ابن رشد يتابع الفارابي بدقة في هذه المسألة . بل وينقل عنه اصطلاحاته .

 (3) انظر : تلخيص السياسة ، ص 86(1) ان رشد تلخيص الخطابة ، ص 86 .

 (2) تلخيص السياسة ، ص 581

 (3) المصدر نفسه ، ص 681

 (4) انظر افلاطون الجمهورية 8 ص 902 حيث يقول " هذا الاجتماع مزخرف بكل انواع السجايا فيلوح جميلاً كالثوب المزركش بكل انواع النقوش ...

 (1) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 481 .

 (2) المصدر نفسه ، ص 481 ، وقارن الفارابي المدينة الفاضلة ص 011 وقارن ارسطو الأخلاق ص 49 اذ يصفها ارسطو بانها اردأ السياسات لأن رؤساءها يقسمون مالها على غير مستحقيه .

 (3) انظمة الجمهورية افلاطون ك 8 ص 402

 (4) انظر الجمهورية افلاطون ك 8 ص 402 -502(1) الجمهورية ك 8 ص 902 .

 (2) قارن الفارابي السياسة المدنية ص 07 لاحظ اعتماد ابن رشد على الفارابي في الوصف لكنه تميز عنه بانه يغذي فكرته السياسية المعتمده على افلاطون باسنادهما الى التاريخ الاسلامي .

 (3) انظر الفارابي السياسة المدنية ، ص 17.

 (4) تلخيص السياسة ، ص 881.(1) انظر ، ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 681 ، وقارن الفارابي المدينة الفاضلة ، ص 011

 (2) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 681

 (3) هنا تظهر تأثير ان رشد على ابن خلدون في ان مفهوم المدينة ككيان مستقل ذي قوانين وميول خاصه به .

 (4) تلخيص السياسة ، ص 781.

 (5) المصدر نفسه، ص 781 .

 (6) الجمهورية ك 8 ، ص 802 -312

(1) يشير هنا الئ دولة الفرس حيث جمعت بين جوده التسلط الكهنوتي وبين الاستبداد ، انظر ابن رشد تلخيص السياسة ص 191 .

 (2) انظر الفارابي ، السياسة المدنية ص 46

(3) انظر تلخيص السياسة ، ص 012 ، وقارن الفارابي السياسة المدنية ص 56-66 وابن رشد هنا يكرر ما ذكره الفارابي ويظهر طول باع الفارابي في السياسة المدنية وتأثيره على من جاء بعده مثل ابن رشد وابن باجه .

 (1) الجمهورية ك 9 ص 422 " صحبة اناس خضعت عقولهم خضوعاً تاماً للشهوات المستبده في داخلهم "

 (2) المصدر نفسه ، ك 9 ،ص 422 يستبدل هنا ابن رشد لفظه الالهه بلفظ الملائكه بمفهومها الاسلامي .

 (3) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 812.

 وقارن الفارابي السياسة المدنية ص 66 حيث يسميهم بالقاهرين ومدينة الغلبة والقهر ( الاستبداد ) . ونص قوله هو التالي " ربما كان القاهر واحداً فقط وله قوم هم له آلات في قهر الناس .... كذلك سائر اهل المدينة سواهم عبيداً يخدمون ذلك الواحد في كل ما فيه هوى ذلك الواحد ، اذلاء خاضعين ، لا يملكون لأنفسهم شيئاً اصلاً فبعضهم يحرثون له وبعضهم يتجرون له ويكون قصده في ذلك ليس شيئاً اكثر من ان يرى قوماً مقهورين مغلوبين اذلاء له فقط وان لم ينله نفع آخر من جهتهم ولا لذة سوى الذل اما ابن رشد يحدد طبيعة الناس المشابهه للعبيد الذين يعملون لرضا سيدهم ويشدد على التناقض مع المدينة الفاضلة كما هي الغاية عند الفارابي .

(1) ان ذكر ابن غانية له دلالته حيث حدد الاستبداد سنة 045 هـ وابن غانيه هذا هو يحيى بن علي بن يوسف المستوفي والي الأندلس من قبل المرابطين ولد بقرطبة وتوفي بغرناطة سنة 345 هـ 8111م واشتهر بابن غانية اسم امه احدى مربيات يوسف بن تاشفين . راجع تلخيص السياسة ، ص 312.

 (2) تلخيص السياسة ، ص 612.

 (3) المصدر نفسه ، ص 512 .

 (4) المصدر نفسه ، ص 512 .

 (5) المصدر نفسه ، ص 512

 (6) المصدرنفسه ، ص 912.

(1) انظر تلخيص السياسة ، ص 012 ، و الفارابي المدينة الفاضلة ص 011 حيث يسمى مدينة الاستبداد بالتغلب وهي التي قصد اهلها ان يكونوا القاهرين لغيرهم الممتنعين ان يقهرهم غيرهم ... ويكون كدهم اللذه التي تتالهم من الغلبة فقط " ونجد وصف الاستبداد في ص 46 من الكتاب نفسه . الفارابي يصف الاستبداد الهجين بأنه حسن ومدينة الفارابي قائمة على الغلبة والقهر ويقول الفارابي " وها هنا شيء آخر محبوب جداً عند كثير من اهل الجاهلية وهو الغلبة فان الفائز بها عند كثير منهم مغبوط اما ان يكون الانسان ذا حسب عندهم و وذلك ان يكون آباؤه واجداده اما موسرين واما ان تكون الاشياء التي اللذه اسبابها قد واتتهم كثيراِ واما ان يكونوا قد غلبوا من اشياء كثيرة .

 (2) راجع ، تلخيص السياسة ،ص 112.

 (3) المصدر نفسه ، ص 212.

 (1) انظر ، تلخيص السياسة ، ص 622 .

مرة آخرى يشير ابن رشد الى سنة 045 هـ وهو تاريخ تحول الحكم من دولة المرابطين الى دولة الموحدين التي ينتمي اليها ، ويريد ان يؤكد ان الموحدين أقاموا حكمهم على الشرع وهذه الفقرة تنتقد نقداً صريحاً تدهور حكم المرابطين وخلفائهم الموجودين في زمانه مما يؤهله ان يكون مفسراً وفيلسوفاً للتاريخ الاسلامي وفق منظور افلاطوني ولاسيما تلك الفترة . ان وضع هذه الدول وفق الشريعة الاسلامية والأخلاق وتقويمه لها ينطوي على اهمية بالغة . انه يؤكد على الشريعة والأخلاق بصورة واضحة وهذا ما يريده ابن رشد للمدينة الفاضلة بتشديده على وجهة نظره حيال الاسلام . اي دولة الشرع والايمان التي تتفوق بالاسلام اما عنصر التطبيق فقد اضافه عند ذكر سنة 045 هـ فاعتبرها نقطة تحول .

 (2) تلخيص السياسة ، ص 922 . وقارن افلاطون ، الجمهورية ، ص 632 ، ارسطو الاخلاق ، ص 85 .

 (1) المصدر نفسه ، ص 022

 (2) ان ابن رشد يعني بالعبودية ليس اسستعباد الغير بل يعني ان شهوات المستبد تستعبده انظر ، تلخيص السياسة ، ص 22

(3) المصدر السابق ، ص 022 ، وانظر : ارسطو الاخلاق ص 58 وما بعدها وقارن الفارابي تحصيل السعادة ( الهند ص 92 حول طرق اكتساب الفضائل النظرية عن طريق التعليم بينما نكتسب الفضائل الخلقيه بالعاده والمران والتأديب .

(4) تلخيص السياسة ، ص 622 والدساتير المشار اليها في هذه الفقرة هي التي اشار اليها ارسطو في كتاب الأخلاق ص58 وما بعدها ، وفي حالة المدينة الفاضلة كما تصورها ابن رشد هي المدينة الاسلامية القائمة على الشرع ، والتغير الذي طرأ عليها هو تغير تدريجي ولهذا اتفق ابن رشد مع افلاطون في فهمه لتحول المدينة بعضها الى بعض بدلاً من ان يكون مع ارسطو .