الفصل الثاني
الاجتماع الكامل ( الفاضل ) عند ابن رشد
تمهيد
اولاً - تعريف الاجتماع عند ابن رشد
ثانيا - عناصر الاجتماع والتربية في الاجتماع الكامل
(1) عناصر الاجتماع .
(2) التربية في الاجتماع الكامل
(3) المرأة ودورها في الاجتماع الكامل .
ثالثا - رئيس الاجتماع الكامل ( المدينة الفاضلة )
( خصالة ومزاياه )
رابعاً : الاجتماع المفتوح عند ابن رشد
خامساً : الفضائل الخلوقية ( الكمالات الانسانية ).
سادساً : الحرية الانسانية وصلتها بالاجتماع .
تمهيد
اهتم ابن رشد بتأليف ثلاثة كتب في الحكمة العملية ، التي غايتها النظر من اجل العمل ، في داخل منظومة الفكر الفلسفي العربي الاسلامي ، فألف كتاب تلخيص الخطابة سنة 075 هـ / 4711م ، وكتاب تلخيص الاخلاق لارسطو سنة 275 هـ / 6711 ، وفي السنة ذاتها اكمل مشروعه بتلخيص كتاب السياسة ، والذي ضمنه دعامات فكره الاجتماعي وتنظيراته العميقة والواقعية للمجتمع العربي الاسلامي وربط ذلك كله بمستوى التفلسف الواقعي الحقيقي .
وكما أشرنا في الفصل الاول ، فانا سنفصل الحديث عن الاجتماع الكامل عند ابن رشد من خلال المحاور الاساسية التي قدم فيها ابن رشد رؤيته لهذا الاجتماع التي تتسم بالواقعية التحليلية الموضوعية ، اي ربط النظرية بالواقع والابتعاد عن كل التهويمات والرؤيا المثالية الغارقة في الغيبيات لأن ابن رشد يتمتع بحس تجريبي واقعي علمي برهاني في هذا الجانب . اي انه حاول ان يزيح في رؤيته ومنهجه الاجتماعي كل النظريات التي تصف الواقع المعاش وصفاً دون تحليل ونقد له .
ولهذا سنجد في ثنايا هذا الفصل كيف يتعامل ابن رشد مع مفهوم المجتمع ومدى انفتاحه بعضه على البعض من الفئات التي تشكل هذا الاجتماع ، وكما وسنقف ملياً اما موقفه من المرأة وبيان دورها في المجتمع وكأنه يوجه نقداً او لوماً للافكار السائدة في عصره حول موقع ودور المرأة ونظرة المجتمع ( الرجل ) اليها .
اولاً : تعريف الاجتماع عند ابن رشد
( الانسان كائن اجتماعي بالطبع )
مثل غيره من الفلاسفة الذين سبقوه من امثال افلاطون (1) ( ت 843 ق. م ) وارسطو(2)، والفارابي(3) ( ت 933هـ / 059 م ) ، وابن سينا (4) ( ت 824 هـ / 7201 م) من الذين درسوا الاجتماع الانساني ، اهتم ابن رشد بهذا الاجتماع ، ودرس أنواعه واقسامه وكيف يتقوم هذا الاجتماع ، وما هي العوامل الواجب توفرها لقيامه وما هي عناصره الرئيسة ، وصلة ذلك كله بالسياسة والاقتصاد والاخلاق والجغرافية وغيرها من العلوم الاخرى .
اذ تميزت نظرة ابن رشد للاجتماع الانساني بالشمولية والكلية والاحاطة التامة بكل ما يتصل به .
وقبل ان يحدد ابن رشد معنى الاجتماع ، يمهد لذلك بالحديث عن العلوم الفلسفية وانواعها ، واين تقع دراسة هذا النوع من المعرفة ، فيقول ، ان الانسان يبلغ السعادة اذا ما جمع بين العلوم النظرية التي غايتها المعرفة لذاتها وطلب الحق لذاته ، والعلوم العملية التي غايتها طلب الحق عن طريق العمل ، ويضم هذا القسم الاخير العلوم السياسية والاخلاقية وتربية المنزل ( تدبير المنزل ) باصطلاح الفلاسفة القدماء .
ويستمر ابن رشد بتوضيح طبيعة قسم العلوم الفلسفية العملية ، بانه كما قلنا ينقسم الى البحث عن العادات والشيم المكتسبة والافعال الارادية بالجلمة وفيما يتعلق بعضها ببعض ، وكيف يؤثر بعضها ببعض ، اي ان مبدؤها الارادة والاختيار مثلما هو موضوع العلم الطبيعي الاشياء الطبيعية ومبدأ ما بعد الطبيعة ( الميتافيزيقا ) هو الله . هناك قسم آخر يتم فيه الفحص والبحث عن كيفية غرس هذه العادات في النفوس ، واي منها ( النفوس ) هي الحاكمة ، وايها يعني الآخرى ، كي يكون ناتج الفعل عن العادة المطلوبة في غاية التمام وناتج الفعل هذا هو الكمالات (1) .
الكمالات عند ابن رشد أربعة ، هي الكمال النظري والفضائل الخلقية ، والافعال الارادية والصناعات العملية (2) . وهذه الكمالات تتوازى مع اجزاء المدينة وترتبط بقوى النفس الانسانية ( العاقلة ، والغضبية ، والشهوية ) .
ويعد ابن رشد المدينة فاضلة والاجتماع الانساني كذلك ، بسبب تحكم القوة النظرية التأملية في باقي الأجزاء لهذا الاجتماع (3) ، شأن الانسان الذي يعد فيلسوفاً حكيماً في قوته العاقلة التي بها يسود قوى النفس المرتبطة بها أي القوة الشهوية والقوة الغضبية فالانسان عن طريق العدالة يستطيع ان يوفق بين كل القوى الموجودة في الانسان والذي هو أصل ونواة كل اجتماع (4).
وفضيلة العدالة يحددها ابن رشد تحديداً فلسفياً اجتماعياً اخلاقياً ، فيقول عنها انها ليست اكثر من ان يقوم كل فرد بالاعمال التي يصلح لها بالطبع (5) ، وان يأتمر كل جزء من اجزاء النفس بالعقل الذي يجب ان يكون حاكماً عليها .
ان وجود هذه الكمالات ( الفضائل ) في شخص واحد واكتسابها كلها أو احداها دون معونة الاقران الآخرين مستحيل . ومن هنا يتابع مع ابن رشد المقولة الاولى في اصل الاجتماع عنده ، وهي » الانسان كائن مدني بالطبع « (6) . اي لايوجد الانسان إلا وهو مفطور على حب التجمع والاجتماع مع الآخرين ، لان باجتماعه مع الآخرين يتحقق وجوده الاجتماعي الانساني وبدون ذلك لايتم اي اجتماع .
ويستمر ابن رشد موضحاً طبيعة هذه المقولة الاساسية في الاجتماع الانساني فيقول ان هذا الشيء نحتاجه ليس لكمالاتنا الانسانية فقط او انما لضرورة الحياة ، وهذا الشيء هو الذي يشترك فيه الانسان مع الحيوان ، مثل الحصول على المأكل والمأوى والمنكح والملبس والمشرب(1).
ويقول ابن رشد ، ان اي شيء يحتاجه الانسان لقوامه واستمرار حياته ونوعه انما يعود للقوة الشهوية فيه ، وهنا يبدو الأمر جلياً في ارتباط الجانب الاقتصادي بالسياسي والاخلاقي والاجتماعي . ذلك لان من المستحيل على الانسان ، اي انسان ، ان يوفر كل متطلبات عيشه بمفرده ، اذ لابد من ان يستعين الافراد بعضهم ببعض ، فهذا يزرع لذاك ، وذاك يعمل المحراث لهذا ، وهكذا يبلغ الانسان الخير الاسمى والسعادة ، ويضرب لن ابن رشد مثالاً على قوله هذا ، فيقول » انه من الممكن لزيد ان لا يحرث الارض ويبذر الحبوب ، غير انه ما حرث الارض وبذر الحبوب ، فان حياته لن تكون بتلك السهولة فحسب ، بل ان ناتج ذلك سيؤدي الى الخير الاسمى بالفعل « (2).
ونتيجة لذلك فانه كما حدد ابن رشد معنى قوله السابق ، فان الحصول على الكمالات الانسانية مجتعة ، لا يستقيم إلا لجماعة من الناس وذلك لاختلاف الافراد في ما بينهم من حيث الرغبات والميل الى هذا أو ذاك ، نظراً لاختلاف هذه الكمالات ، لانه لو كان الواحد قادراً بطبعه على بلوغ سائر الكمالات الانسانية ، فهذا يعني ان الطبيعة تفعل باطلاً . وهذا محال . (3)
ان ابن رشد أراد بهذا ان يوضح طبيعة الاجتماع الانساني وان الانسان ميال بالفطرة والغريزه الى حب الاجتماع ، وان العزلة أو التفرد هو حاله بهيمية وليست من خواص الانسان ، لان باجتماع الانسان مع أخيه الانسان ، ان يكمل بعضهم بعضاً ، ومثال ذلك هو ما يعطيه إيانا من الفروسية وصناعة اللجام ، فانهما يعضد بعضهما بعضاً ، فحرفة صناعة اللجام تمهد لفن الفروسية وفن الفروسية يرينا بأية طريقة يمكن للجام ان يكون اكثر تأثيراً وافضل حالاً ، وكيف ان صناعة اللجام وفن الفروسية يعملان لاجل غرض مشترك (1) .
ان فكرة ابن رشد هذه ، انما يتفق بها مع الفلاسفة العرب المسلمين ، وتحديداً الفيلسوف الفارابي ، حيث نظر هذا الأخير الى المجتمع من خلال حاجة الفرد للأجتماع قائلاً » يحتاج الانسان في وجوده وفي بلوغه نحو الكمال الى اشياء كثيرة لايمكن ان يقوم بها كلها وحده ، بل يحتاج الى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء مما يحتاج إليه ، ولذلك لايمكن للأنسان ان ينال كماله الا باجتماعات جماعه كثيرة متعاونين ، يقوم كل واحد منهم لكل واحد ( آخر ) ببعض ما يحتاج إليه«(2).وهذا أيضا ما يقول به افلاطون ( ت 843 ق.م ) ، من قبل ، اذ ان منشأ الدولة لديه انما يعود الى عدم استقلال الفرد بسد حاجاته وافتقاره الى معونة الآخرين ، فيتبادل الاشخاص الحاجات وأول تلك الحاجات القوت وثانيها المسكن وثالثها الكسوة ، ويقول انه اصغر ما يمكن تصوره من المدن هو اربعة رجال أوخمسة ( زارع ، بناء ، حائك ، اسكافي ، حداد .. «
واذا ما عدنا الى ابن رشد ، فانه يرى احد الباحثين (3) ، انه ( اي ابن رشد ) انما استقى ذلك ( اي حاجة الانسان للتعاون والعيش الجماعي ) ، من تراث الفلاسفة المسلمين فضلاً عن مطالعاته للفلاسفة اليونانيين . وهذا الرأي يحمل في طياته الكثير من الصحة والحقيقة .
ويهتم ابن رشد كثيراً في تحديد بقية الاجتماع الانساني ويؤكد فكرة التخصص في العمل وتقسيمة كل بحسب مؤهلاته ، وفي هذا يقول » اذا أردنا الحق فانه من المحال تماماً على الانسان ان يجيد العمل باكثر من حرفة واحده .. « (4) وان كان ذلك ممكناً فانه لن يجيد عمله بتلك الحرفة . وعليه فان الاجتماع حتى يبلغ كماله وسعادته لاهل المدينة ، لابد من ان يقوم كل انسان بالتخصص بحرفة واحدة لا اكثر ، وان يختار الحرفة التي تلائم طبيعته الجسمية العقلية والنفسية ، واذا ما اختار اكثر من حرفة فان الخراب سيسود المدينة باكملها ( 1).
ان فكرة التخصص بالعمل ضمن اطار الاجتماع الانساني ، فكرة قد وجدت لها صدى في مؤلفات الفلاسفة الأخرين امثال الفارابي الذي يقول ان المدينة بحاجة الى تقسيم العمل بين افرادها (2).
ومثل راي الفارابي هذا ،وابن رشد ، يرى اخوان الصفا ( جماعة فلسفية ظهرت في البصرة في ق 4 الهجري) ، ان تقسيم العمل يلعب دوراً رئيساً في المجتمع ويوجد حالة من الاستقرار والأمن ، كما لاحظوا انه لابد للمهنة من ان توافق المجتمع والفرد وميوله الجسمية والنفسية ، وان العمل يُقيَّم بقدر ما يبذل فيه من جهد وانه ليس هناك مهنة حقيرة ، بل اناس حقراء ، فالمهنة ترتبط بحاجات المجتمع كلما ازدادت الحاجات ارتفع شأن المهنة والعكس صحيح (3) » اي قانون العرض والطلب « .
ومن خلال ما تقدم يتضح ، ان موضوع الاجتماع الانساني لدى ابن رشد انما هو ضروري للحياة بعامة ، وانه يميل الى ان الانسان يريد ويحب الاجتماع بطبعه ويرفض فكرة العزلة عن المجتمع و العيش بمفرده ، لان الانسان لايستطيع ان يؤمن متطلبات عيشه بمفرده ولا كذلك وجوده وآمنه ونوعه .
هذا ، من جهة ومن جهة اخرى ، تبرز لدى ابن رشد موضوعة الشرائح الاجتماعية (الطبقات) ، في داخل المجتمع والدولة ( المدينة ) اذ يقسم ابن رشد هذه الشرائح الى ثلاث هي فئة الحرفيين وتشمل كل من يمكن ان يدخل تحت هذا المصطلح ، وفئة الحراس ( الحفظة ، والجند ) وفئة القادة » الرئيس ومن معه « وهنا يركز ابن رشد على ان اجادة العمل في اي تخصص لايتم إلا من خلال التربية والتدريب المستمرين ، وهو بهذا يرفض فكرة ان يولد الانسان وهو يجيد حرفة ما ، فيقول : » لايوجد كل انسان محارباً أو خطيباً أو شاعراً ، بل الاكثر من ذلك لا يوجد فيلسوف بالفطرة ..« (1) . وهذه فكرة تعد بالنسبة لفلاسفة الاجتماع الأصل الذي تنطلق منها نظراتهم حول كيفية التربية والتعليم لافراد المجتمع كله .
ولكن اذا ما عدنا لعناصر قيام الاجتماع ، نجد ان الفئات الاجتماعية والشرائح عند ابن رشد في علاقة ببعضها ببعض ، انما تمارس دوراً متكاملاً في بناء المجتمع وموسساته الدستورية والسياسية والاقتصادية ، وسنأتي الى تفصيل ذلك في فقرة لاحقة .
ان اجتماع هذه الشرائح وتعاونها فيما بينها ، لا يقوم فقط على اساس الحاجات الضرورية وغير الضرورية ، بل ان هناك عوامل اخرى يدرسها ابن رشد ويربطها بالاجتماع الانساني ككل ، ومن هذه العوامل العوامل البيئية والمناخية . فيأخذ بحسبانه تأثير المناخ على قابلية الانسان على الاجتماع والتأمل والسعادة والانتاج الفكري والفلسفي المعمق ، ويرجع ذلك ابن رشد الى ان خاصية هذا الانتاج ليس محصوراً بأمة دون اخرى ، بل ان طبيعة المناخ تلعب دوراً في المساعدة على الانتاج الفكري ، ويحصر ابن رشد ذلك بالاقليمين الرابع والخامس من الارض استناداً الى التقسيم الجغرافي القديم الى اقاليم الارض التي هي سبعة (2). ذلك لان هذين الاقليمين يتمتعان بمناخ معتدل في الخريف والربيع ، وعلى ضوء ذلك يقيم ابن رشد رؤيته الشمولية بربط المناخ كما قلنا بالانتاج الفكري والفلسفي فيقول رداً على وجهة نظر بعض المتعصبين من الذين يرون ان التفلسف خاصية من خواص اليونانيين دون غيرهم ما نصه : » اذا نزعت فئة من الرجال نحو طلب الكمالات الانسانية ولاسيما الفضائل الفكرية التأملية ، حتى ولو افترضنا انهم اكثر ميلاً واستعداداً لتقبل الحكمة ( يقصد اليونانيين ) بطبيعتهم واكتسابها ، الا ان ذلك لا يعني عندنا اننا لا نجد اناساً يماثلوا هؤلاء في الحكمة . وبوسع المرء ان يجدهم فضلاً عن اليونان والبلدان المجاورة لها في بلادنا الاندلس وفي سوريا والعراق ومصر، على الرغم من ان هؤلاء الحكماء قد وجدوا باعداد اكثر في بلاد اليونان « (1).
ومعنى قول ابن رشد ، هو ان التفلسف والحكمة ، ليس حكراً لأمة دون اخرى لانه نتاج عدة عوامل حضارية متعددة منها السياسي والثقافي والروحي والاقتصادي وغير ذلك .
ثانيا - عناصر الاجتماع الكامل
(1) عناصر المجتمع :
كنا قد أشرنا في المبحث السابق ، الى ان ابن رشد ، قد تحدث عن الشرائح الاجتماعية في الدولة ( الطبقات ) . والان سوف نشير باهتمام الى ذلك ، اذ يقسم ابن رشد المجتمع الى ثلاثة فئات ( طبقات ) ، الاولى طبقة الحكام والاداريين ، الثانية طبقة الجند ( الحراس ، الحفظه ) ، والثالثة طبقة الحرفيين بعامة (1) ( العمال ، الفلاحين الحدادين ، .. )
فمثلا طبقة الحكام تناط بها مهمة سياسة المدينة وادارتها ، ولهذا فان رئيس المدينة هو الذي يشير بالحرب والسلم ، ويأمر بحفظ الثغور ، ويعرف غلات المدينة ما يدخل منها وما يخرج ، ونوع الغلات ( نبات ، حيوان ، معدن ، أو غيرها ) ، كما عليه ان يعرف نفقات المدينة واصناف الناس وقوة من يحارب ، وان يكون على دراية بالحروب السابقة ليستفيد منها ، ويدرس حال المدينة وحال من في تخومه (2) .
كما يهتم رئيس المدينة عند ابن رشد بوضع الجند ، وهل هم متشابهون في القوة والشجاعة والرأي . فلربما كثروا أو تناسلوا حتى يكون منهم من لم يعد يصلح للحرب ، ويجب ان يكون ناظراً فيما أفضت اليه الحروب المشابهة لهم ، فان أفضت الى مكروه أشار بالسلم وان افضت الى الظفر أشار بالحرب (3).
كذلك يرى ابن رشد ان رئيس للمدينة ينبغي له ان يلم باصناف السياسات واي سُنّة تنفع في سياسة سياسة ، وأيها لا تنفع . وان يعرف الاشياء التي يدخل منها الفساد الى المدينة ، وإما في الاضداد من خارج وإمامن داخل المدينة لان سائر المدن ما عدا المدن الفاضلة قد تفسد من قبل السنن الموضوعة لها لان اَّلسنن اذا كانت مفرطة الضعف واللين أو مفرطة الشدة فانها تنحل وتفسد برأيه (4).
ويضيف ابن رشد الى ذلك كله ، هو ان الرئيس يجب ان يكون عالماً بأمزجة الناس واخلاقهم وعاداتهم مما ينتفع به في وضع السنن ، لانه هو الذي يضع السنن العادلة ، ويشير بالتزامها (1). وان كانت هذه السنن تختلف في السياسات بحسب اختلاف غايتها وعددها على عدد السياسات . وهذه برأينا نظرة واقعية علمية موضوعية لأنواع السياسات ، قد استقاها ابن رشد من خلال ملاحظاته الذكية للواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان يعيش في وسطه ، فضلاً عن حضور التأريخ السياسي قبله أمامه وهو يبحث في هذا الموضوع .
وفي اختيار الرئيس ، يرى ابن رشد على غرار افلاطون ، ان الرئيس ينبغي ان يختار بين طبقة الحراس ، حتى لا يقضي اختياره الى الانقسام والشقاق ، فيتوجب على القائمين على شؤون الدولة ان يدخلوا في اذهان الناس ، انهم جميعاً اخوة انبثقوا من بطن ام واحدة هي الارض ، وان الله قد مزج بعنصر بعضهم ذهباً وبعنصر البعض الآخر الفضة وبعنصر سوادهم النحاس ، وان الرئيس هو بالطبع من الفئة الاولى .
ويرى ابن رشد ، ان وجود الحاكم ضرورة غائية للمدينه استنادا الى رؤيته الفلسفية الكونية التي ترى ان العنصر الغائي هو الذي يسود اجزاء العالم وينظمه ، وان كل شيء ساري الى غاية (2). مما يؤدي الى ضرورة وجود حكيم واحد يصنع وحده العالم ورئيس واحد يصنع وحده المدينة ، فليس اكثر خيراً من توحيد مدن كثيرة ، وليس اشد ضرراً من تمزيق اواصر المدينة الى عدة مدن .
ويرى ابن رشد انه يأمر الملك الاول في المدينة تكون أوامره الى جميع من فيها من اصناف الناس ، وهذا هو التكليف أو الطاعة .فالحاكم الواحد أو الرئيس الواحد هو الذي يعين غايات ووظائف الرئاسات التي دونه وهو الذي يرتب الافعال التي تحقق تلك الغايات (3).
واذا كان الله هو الذي يعطي الوحدانية للعالم فالرئيس هو الذي يصنع الوحدة في المجتمع(1). واذا كان مدبر العالم واحداً فان مدبر المدينة ينبغي ان يكون واحداً بالضرورة . وهذا هو معنى قوله تعالى » لو كان فيهما الهة الا اللهُ لفسدتا «. بسبب ان كلاً منهم يؤم غاية واحدة .
أما الفئة الثانية ( الطبقة ) من فئات المجتمع في المدينة فهم طبقة الجند والحراس ، وهذه الطبقة أو الشريحة أو الفئة ، فانه يتم اختيارهم من بين المؤهلين لهذه المهنة ، ومن يجمع في آن واحد قوة الجسد وخفة الحركة وسرعة البديهه ، لكي يتقصوا بصورة متقنة ما يحسون به وما يدركونه بصورة جيدة اي ان يمتلكوا صفات [ كلب الصيد ] ، لما بين الحراس وبينه من تشابه في الخصال فالاثنان يقومان بالحراسة ويتسمان بالشجاعة بالطبع ، وهذه الصفات مطلوبة في الحراس من اجل حماية المدينة ( الدولة ) وصد الاعداء من خارج (2).
يضيف ابن رشد الى الحراس للمدينة صفات اخرى منها انهم يجب ان يتصفوا بصفتين متضادتين هما وداعة ومحبة مواطنيهم وكراهية وسخرية اعدائهم . واذا ما ظن الانسان ان ذلك الأمر مستحيلاً عند الحراس ، فمن الممكن رؤيته في العديد من الحيوانات . فمثلاً الكلب اذا ما راى شخصاً لا يعرفه يكرهه عندما يقترب منه حتى وان لم يؤذه حقاً من قبل . وان رأى شخصاً يعرفه تودد إليه وان لم يحصل منه على فائدة (3).
كذلك يرى ابن رشد انه من الضروري للحراس والجنود ( الحفظة ) ان يكونوا ذوي مواهب عقليه متجهة صوب الكمال ، فلاسفة بالطبع ، محبين للحكمة ، كارهين للجهل ، ثاقبي النظر وان لا تحزنهم المخاوف التي من المحتمل ان تواجههم بعد الموت في ساحة المعركة ، لانهم لوصدقوها فسيختارون العبودية والاستسلام على الموت واذا ما حزنوا لفقدان شخص قريب فيجب ان يكون حزنهم قليلاً . وان يصبروا على فقدان رفاقهم بكل رباطة جاش كما ويضيف ابن رشد الى هذه المسألة ، انه لا يصح ان ينسب الى الانبياء والحكام ان الخوف يتملكهم (4).
ولا يفوت ابن رشد ان يتحدث عن ملكية الحراس وما يجب ان يتملكوا وما لا يجب فيشدد على ان الحراس يجب عدم اقتنائهم للذهب والفضة ، كي لا يدنسوا الذهب الخالص الذي منحهم الله إياه في نفوسهم ، فلا يحق لهم اكتناز الذهب والفضة تحت دعامات منازلهم ولا التخزين به ولا الشرب بأواني من ذهب أو فضة .
كما لا يحق لهم اقتناء المساكن أو الاراضي والدراهم أو الدنانير لان هذا يضر بالحراس، لانهم ان احبوا الذهب لهثوا وراء اقتنائه واعلنوها حرباً من اجل الحفاظ على ملكيتهم وليس لردع عدو خارجي (1).
اما الشريحة الثالثة ( الطبقة ) ، فهي فئة الحرفيين ، وهم الفلاحون والعمال وغيرهم ، وهؤلاء يشكلون عند ابن رشد شريحة مهمة ، لان عماد الدولة الاقتصادي والانتاجي انما يقوم على وجودهم ، ويخصص مجالاً في المقالة الاولى من كتابه تلخيص السياسة للحديث عن وظيفة هذه الشريحة الاجتماعية في المدينة (2)، وما هي علاقتها بالشرائح الاخرى في المدينة ( الدولة ) . وهل يجب ان تتملك الملكية بصورة شرعية . وهذه وغيرها أجاب عنها ابن رشد ، بقوله انه يجب ان يكونوا غير مالكين لاي شيء ، لانهم ان تملكوا أصابهم الغنى مما يولد لديهم الترف والبطر والكسل عن أداء الاعمال الانتاجية المنوطة باختصاصهم ، وسينعكس ذلك الامر على المدينة بالوبال والخراب
ويضع بذلك ابن رشد تحديداً لهذا القول » انه ان نحن سمحنا للصناع وأصحاب المهن بالتملك ، فان ما يبغون في أخر الأمر هو ما تعطيه حرفتهم لهم من غنى ، مما يعزى إليه تحسين حالهم وتزيين مساكنهم مما يؤدي الى ان تكون فائدتهم لاهل مدينتهم عرضية ، وسيكون عملهم لامن اجل اسعاد المدينة وانما من اجل الاستغناء « (3)
ويقدم لنا ابن رشد قانونا تشريعياً مدنياً لهذه الشريحة ، عن طريق مقاومة فكرة التملك لدى هذه الشريحة فيقول » عندما يستغنون عن حرفتهم ، يعدون حرفيين عاطلين، لانهم ان كانوا فقراء فأن آلاتهم وما يحتاجون ستكون عزيزة عليهم« (1).
ومن مهام السياسة في المدينة ان تهتم بوضع هذه الشريحة من حيث مسآلة الانتاج وفائضه وما يجب عليها فعله ، خاصة وان هذه الفئة شريحة انتاجية خدمية ، عندها لابد للدولة ان تفكر ببناء مخزن تضم فيه الغلات الفائضة عن حاجة المدينة بعد ان أخذ أهلها كفايتهم لاجل حفظه وخزنه لامور اخرى ربما تحتاجها المدينة في وقت آخر .
والحرف عند ابن رشد منها ما هي حرف نافعة مثل الفلاحة لانها تختص بتوفير القوت لاهل المدينة ، كذلك الحياكة تعد من الحرف النافعة بنظره لانها توفر اللباس للمجتمع . وهناك حرف غير نافعة أو نفعها قليل ومحدود مثل الحلاقة والتزيين وصناعة الالجمة وغيرها . فان ابن رشد يرى ضرورة وضع عدد كافٍ من الحرفيين لها بحسب مقتضيات المجتمع وحاجاته (2).
2- التربية في الاجتماع الكامل وصلتها بالاخلاق (❊)
ذكرنا انفاً ان الكمالات الانسانية أربعة كمالات هي ، الفضائل النظرية والفضائل الفكرية والفضائل الخلقية والافعال الارادية ، وان هذه الفضائل توجد من اجل الفضيلة النظرية، اي ان التأمل النظري ارفع منزلة من العمل ، وهي الغاية القصوى التي من أجلها توجد (3) ، ويبقى لنا الآن البحث في ثلاثة أمور تستحق البحث والعناية والاهتمام :
(1) - ان نعي الشروط التي ينبغي توفرها لتميكن هذه الفضائل من العمل ، لان الغاية القصوى من هذا العلم ليست معرفة ماهية الفضائل فحسب بل العمل بها أيضاً .
(2) - كيف يمكن غرس هذه الفضائل في نفوس الشبان والبالغين ومن ثم تنميتها في مرتبة مرتبة الى ان تبلغ كمالها ، ثم كيف يمكن المحافظة عليها وكيف يمكن إزالة واستئصال الشر والرذيلة من نفوس الاشرار ، فكما ان هناك جزءً من علم الطب لحفظ الصحة من الامراض، هكذا ينبغي معالجة النفس تربوياً .
(3) - كيف تؤثر هذه الفضائل الواحدة بالاخرى ، واي الفضائل تصبح اكثر كمالاً عندما تقترن ببعضها وايها تصبح اقل كمالاً (1).
ويمكن بنظر ابن رشد معرفة ذلك من خلال معرفة الغاية من الكمالات المتعددة وغايتها كونها جزءاً من المدينة ، مثلما يفهم المرء جزءً " من الجسم من خلال معرفته باعضاء جسمه الاخرى (2).
ولهذا يضع ابن رشد دستورا لكيفية التربية في الاجتماع الكامل الفاضل ، وهو أن نبدأ أولاً بتربية الصغار ، وقد قسم هذه التربية على مراحل ، حيث في الصغر يتعلمون الرياضة لبناء الجسم السليم والموسيقى من اجل تربية الذوق السليم ويعتقد ان هذه التربية بالرياضة والموسيقى يجب ان تكون مجتمعة لا على انفراد لكل منهما (3).
بعدها يتحدث ابن رشد عن كيفية غرس هذه الفضائل تربوياً في نفوس أهل المدينة وترسيخها لديهم ، ويحددها بطريقتين ، الاولى هي الاقناع ، وذلك من خلال الاقاويل الشعرية والخطابية ( الانفعالية ) ويستند عنده الى اسباب فكرية ، ويسمح للمتكلم باستعمال الخيال والعاطفة ، لان معظم الناس لا يتأثرون إلا بالخيال والعاطفة .
وهذه الاقاويل الشعرية والخطابة خاصة عند ابن رشد بعامة الناس دون الخاصة على ما سنبين فيما بعد . لان الناس بنظره متفاوتون ومختلفون في الفطر والعقول لذلك تختلف اساليب الاقناع لديهم . مع الأخذ بنظر الاعتبار العلاقة الوثيقة بين طبقة الجمهور وحقائق المعرفة التي تعرض عليه ، وما للأنفعالات النفسية من دور مهم في استمالة الآخرين .
والطريقة الثانية ، تسمى بالطريقة الجدلية والبرهانية أما الجدلية وهي لأهل الجدل ومنهم رجال علم الكلام وهم الذين ارتفعوا مرتبة علمية عن العامة لكنهم لم يصلوا الى أهل البرهان الحقيقي ، وأما البرهانية فهذه لمحبي الحكمة وهم الفلاسفة ، ولهذا يرى ابن رشد وجوب التقيد بنوعية الجمهور ، فحرم الحديث مع الجمهور في علم الله على النحو الفلسفي (1). ولهذا يقول ابن رشد » ليس كل صنف من اصناف الناس ينبغي ان يستعمل معه البرهان في الأشياء النظرية التي يراد منهم اعتقادها وذلك اما لان الانسان قد نشأ على مشهورات تخالف الحق ، فاذا سلك بها نحو الاشياء التي نشأ عليها سهُل اقناعه واما لأن نظرته ليست معدة لقبول البرهان اصلاً ، وأما لانه لايمكن بيان له في ذلك الزمان اليسير الذي يراد منه وقوع التصديق فيه « (2).
هذا من جهة التربية للنفس والعقل ، ولكن هناك اناس لايمكن استعمال هذه الطريقة معهم ، مما حدا بابن رشد ان يهتم بوضع طريقة اخرى للتربية تصلح لغير الفاضلين وتسمى بطريقة التعليم بالقسر والاكراه باستعمال العقاب الجسدي ، وهذه الطريقة لايلجأ إليها في المدينة الفاضلة بل تستعمل مع المدن غير الفاضلة عن طريق القوة والحرب كذلك يستخدمها الحكام لاصلاح مواطنيهم من خلال تعريتهم وتعريضهم للشمس وجلدهم او قطع رؤوسهم امام العامة ، ويمكن ان تستخدم طريقة العقاب في المنازل مع من في منازلهم من الصبية والخدم وغيرهم . ويقول ابن رشد ان كلتا الطريقتين موجودتان ومقرتان في الشريعة الاسلامية (3).
واذا ما عدنا الى البدء ، وانطلقنا من الوسائل التربوية التي يراها ابن رشد نقول معه ، ان يرى ان تقوم التربية على قواعد اخلاقية ونفسية وعقلية متينة منذ البدء ، حتى تبقى هذه الفضائل راسخة في نفوس المجتمع الفاضل ولا تتغير بسهولة .
فلنبدا منذ الصغر مع الصبية ، ولنرى ما هو المناسب لهم في هذه المرحلة العمرية من وسائل تربوية تناسب مؤهلاتهم الجسمية والنفسية والعقلية ، اذ يراها ابن رشد الرياضة والموسيقى ، ويعتبرهما وسيلة لاغاية ، وهما مشتركتان عند من سيكون حارسا شجاعاً محارباً عن مدينته ، وكذلك عند الذين سيتولون قيادة المدينة وادارتها ، بمعنى ان الموسيقى والرياضة وسائل تربوية عامة لكل الصبية والاطفال منذ الصغر . فالموسيقى وسيلتها غرس محبة الجمال والتناسق في النفس وتهذب الجسد ، والهدف هنا هو انماء القوة الروحية حتى في التمرينات الرياضية الجسدية ومن لم يهذب نفسه تهزل وتعيش كما يعيش الحيوان على راي افلاطون . فالموسيقى تلطف من خشونة الطبع ، والرياضة تقوي وتبني الجسم . ولهذا يصر ابن رشد على تحاشي الاسراف في جانب منهما على آخر ، بل يؤكد الاعتدال فيهما ، لان الاسراف يقود الى نقيض ما يراد بهما (1) .
وفضلاً عن الرياضة والموسيقى ، يرى ابن رشد ان نربي ونعلم الصبيان على الاقاويل الشعرية والحكايات الصالحة التي تحكى لهم بمرافقة الموسيقى حتى يكون ذلك وقعه أقوى في نفوسهم . وعندما يكبرون ويوجد من بينهم من يتحول الى طور أعلى يسمح لهم بالاقاويل البرهانية وهؤلاء هم الفلاسفة . (2)
وبعدها يتحول ابن رشد الى الحديث عن الطبقة ( الشريحة ) الثانية في التربية والتي هي الحراس والجند ( الحفظه ) ، فيقرر ابن رشد أيضاً الاستمرار بتربيتهم وتعليمهم الموسيٍقى والرياضة حتى يستمروا على قوة جسدهم وجمال نفوسهم ويضيف الى ذلك تعليمهم علوماً اخرى منها الرياضيات ( الحساب ، الهندسة ، .. ) وعلوم الطبيعة وما شابهها للأستفاده منها في حروبهم ومعاركهم ومساكنهم .
كما ويشدد ابن رشد على تعليم الحراس الصبر والشجاعة والحب وغيرها من الفضائل الاخرى والتوجه نحو كل ما هو جميل وخير والابتعاد عن الملذات والشرور والآثام ، فالجمال والخير يكون بضبط النفس ، ولهذا يقول عن الخير والمحبة انما يكون بين المحبين كما هو الحب بين الآباء والابناء .
ويتحدث ابن رشد عن فضيلة النفس التي تلائم الحراس وهي الشجاعة وما يلائمها من الرياضة والحمية والموسيقى ، فالرياضة والموسيقى اذا استعملا بدقة وتوازن أديا الى غرس الشجاعة لدى الحراس واحبوا من خلال ذلك اهل بلدهم وتعاونوا معهم ، وتعلموا أيضا كره اعدائهم .
ويحذرنا ابن رشد من الافراط في هذين الجانبين ، لانه يقود النفس نحو الهشاشة والليونة ( الموسيقى ) ونحو الغلطة والقسوة وعدم قبول اي اقناع أو دليل ( الرياضة )(1) .
كما لا يفوت ابن رشد ان يحدد ايضا نوع الطعام الملائم لهذه الفئة حتى يبقوا متيقظين نشطين اذكياء ، فيقول ، يجب ان نعطيهم البسيط من الطعام وهو اللحم المشوي والشمندر المسلوق بالماء والملح والزيت كما حرم ابن رشد عليهم التنوع في الطعام والحلوى ، لان البسيط من الطعام يحدث التناغم في الجسم والنفس ويدفع الشرور والامراض عنها . لانه اذا ما زادت هذه الامور عن حدها فلا بد من ان يحتاج اهل المدينة للطب نظراً لتفشي الامراض بينهم وهو ما يحذر منه ابن رشد نفسه (2).
ومن الميزات الاخرى الاخلاقية التي يريدها ابن رشد لاهل المدينة والمجتمع الكامل صفة الصدق ، فالصدق ضروري لهم والكذب يقود الى الوبال والخراب بينهم ، وان اجازه ابن رشد على فئة أو شريحة الحكام فقط ، وحدده في ظروف خاصة حداً ، وسماه بالكذب البريء ، لان الحكام يلجؤون اليه لغرض المصلحة العامة ودفع الضرر عن البلاد . ولهذا فابن رشد يرى وجوب معاقبة الذي يكذب واخباره عن الضرر الذي يسببه ، مثلما هو المريض الذي يكذب بشأن مرضه على الطبيب فيضر بصحته .
هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، يرى ابن رشد تربويا واخلاقياً ، انه يجب عدم تعليم الحراس والصبيان الحكايات والقصص الواهمة ، ويجب نبذها ولا سيما تلك القصص التي تحث على طلب اللّذه ، وابتغاء المال لانها تحول دون ممارسة الحراس لوظائفهم الموكله لهم . وهنا يقول ابن رشد أيضاً يجب ابعادهم عن الاشعار المليئة بالغزل والتشبب بالنساء من التي يكثر ذكرها في أشعار العرب (3) . بل يذهب ابن رشد الى انه يجب عدم تلقينها للصبية والاطفال منذ نعومة اظفارهم .
ويعطي ابن رشد بديلاً تربوياً اخلاقياً لذلك ، بان يتعلم الحراس والجنود محاكاة الشجعان والابطال والاتقياء لان هذه المحاكاة ستجعلها سجية في انفسهم راسخة عندهم .
وعندما يتربى الحراس ( الجند ) وفق ما قدمناه ويمتلكون القدرة والمهارة على القتال وعدم السماح لهم بتملك أي شيء ، يصبحون قادرين على القتال بضعفي أو ثلاثة اضعاف عددهم ، ويمكن ان نشاهد ذلك جلياً في الجماعات الفقيرة من اهل الوبر التي نشأت وسكنت الصحراء وملكت الجمال القليلة انها قادرة على ان تقهر وبسرعة الجماعات والمدن الغنية ... مثلما فعل العرب في ملك فارس (1).
كما ان ابن رشد كثيراً ما يشير الى العلاقات الزوجية في هذا المجتمع الذي يخطط له ، فيقول عن ذلك ، ان النكاح في هذه المدينة مخطط ومشرع وغير مباح ولا يستطيع المرء في هذه المدينة النكاح عندما يرغب مع من يرغب ، وانما يشرع ذلك وفق نسب محددة ولحاجة الحفاظ على تلك الفئة ( الحراس ) التي عددها محدود في المدينة ، ولهذا نجد ان ابن رشد يتبع قول الله سبحانه وتعالى في اختيار الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات(2) والعكس صحيح ، لان الغاية هي تزويج الحراس من نساء مثلهم ومن مستواهم الفكري حتى ينجبوا اطفالاً أقوياء يصلحون فيما بعد لحراسة المدينة والحفاظ عليها .
وهذا الأمر ليس معقولاً فقط للحراس عندهم بل لكل اهل الاجتماع الكامل الفاضل ويعني هذا ابن رشد يؤمن بنقل هذه الخصال بالوراثة فضلاً عن التربية (3).
ومن هؤلاء الحراس تظهر شريحة أو فئة القادة أو الحكام الذي يسوسون المدينة ويديرونها بشكل تام . وهذا ما سنوضحه في الفقرة اللاحقة عن صفات رئيس المدينة الفاضلة الذي يتصف بالحكمة .
ويربط ابن رشد هذا الموضوع التربوي بالاخلاق ربطاً محكماً ، فيصف هذا المجتمع واهل المدينة الكاملة الفاضلة بصفات يجب ان تكون فيهم ، وهي صفات خلقية ، هي الحكمة والشجاعة والعدالة والعفة ، وهي صفات يريدها ان تكون أولاً موجودة في الانسان الفرد الذي هو نواة المجتمع الفاضل فاذا ما وجدت فيه انعكست على الاجتماع كله ، والعكس صحيح .
فيقول عن المدينة بعد مشابهتها بالفرد ، انها حكيمة اذا امتلكت العلم والحكمة وكانت ذات مشورة حكيمة بكل الدساتير والشرائع ، فالمشورة الحكيمة ضرب من العلم ، ولا يجوز ان تقول عن المدينة حكيمة سديدة في مشورتها دون ان تعنى بمعرفة الصناعات العملية مثل الفلاحة والحدادة والتجارة وما شابهها فضلاً عن امتلاكها للعلوم النظرية والعملية ، لان تمام الحكمة يكون بمعرفة الغاية الانسانية الفاضلة (1) .
وكذلك توصف هذه المدينة ( الاجتماع ) بالشجاعة ،والشجاعة هي التغلب على الخوف والألم وحب الشهوة من خلال التربية بالرياضة والموسيقى لان الرغبة باللّذات والخوف يستأصلان الفضائل من الجذور والشجعان مهمتهم الحفاظ على المدينة ، لان هذه المدينة أو هذا المجتمع لا يمكن ان يوصم بالجبن أو يقال عنها شجاعة لما فيها من اغنياء أو صناع وانما لما فيها من حراس شجعان .
أما العفة ، التي تعني إمساك الانسان عن الاندفاع وراء ملذاته ورغباته ، فهناك من يقول ان الانسان العفيف هو الانسان الاكثر شجاعة(2) ، لانه سيد نفسه ، ذلك لان الجزء العاقل عنده هو الذي يسود الجزء الادنى الشهواني وألا كان العكس ، فكان عبد نفسه (3).
وبهذا فالحكمة والشجاعة تعزيان الى اجزاء من المدينة ، أما العفة فعامه ليست مقصورة على مجتمع من مجتمعات المدينة بل كل الاجتماع مشمول بذلك من حكام الى حراس الى جمهور (4).
ويبقى لدينا فضيلة العدالة التي هي ان يؤدي كل انسان بمفرده عملاً واحداً فقط يلائم طبعه ، فالعدالة اذن تمنح التنظيم والبقاء والديمومة للمدينة ذلك من اسباب كمال المجتمع والاجتماع للمدينة ان فيها الاطفال والنساء والرجال والحكام وبالجملة كل اجزائها يقوم كل واحد منهم بالعمل الملائم له بطبعه ولا يسعى لغير ذلك .
والعدالة تتضمن ثلاث قوى متنافرة هي العقل والغضب والشهوة ، فاذا ما توافقت فيما بينها بالحد والزمان الملائمين نقول عن هذا الاجتماع انه اجتماع حكيم شجاع عفيف ، ذلك لان هذه القوى موجودة في النفس مثلها في المدينة ، ومن غير الممكن ان توجد في المدينة ان لم توجد اولاً في الانسان الفرد كما أشرنا . لان الفرد هو اساس المجتمع (1) . فالتوافق والعدالة في نفس الفرد هما نفسهما في المدينة ويضرب لنا ابن رشد مثلا من الطب باعتباره طبيباً ، فيقول وهذا يشبه الصحة والمرض فالصحة توافق الامزجة والتوافق مع الطبيعة ، والمرض اختلاط الامزجة وعدم توافقه مع الطبيعة .
ونرى ابن رشد الطبيب كيف يشبه ويقارن الصحة بالمرض ، كما نلاحظ كيف ينطلق من الجزئي الى الكلي ، من الفرد الى المدينة ( المجتمع ) كنظام سياسي متكامل ، كما يتحدث فيلسوفاً موضوعياً واقعياً تجريبياً لا مثاليا ميتافيزيقيا انه يشبه الفضيلة بالصحة والجمال ، وبما ان الصحة واحدة بالنوع ، كذلك الفضيلة واجتماعها الفاضل . بينما نجد ان المدن والاجتماعات الناقصة كثيرة ومتنوعة الرذيلة والامراض .
(3) المرأة ودورها في الاجتماع الكامل الفاضل
تحتل المرأة مكانة متميزة في داخل بنية الفكر الاجتماعي عند ابن رشد وتأتي هذه المكانة لها من خلال ما اورده ابن رشد من نصوص حول وضعية المرأة وموقعها في داخل المجتمع ، وما هو الدور الذي يجب ان يناط به مع الرجل سوية اذا ما أحسن تربيتها وتدريبها وتعليمها بشكل صحيح وسليم .
ذلك لان ابن رشد باعتباره طبيباً وفيلسوفاً وقاضياً وفقيها ، قد نظر الى المرأة بهذه الكيفية ، وعد المرأة مساوية للرجل من حيث النوع الانساني لان كليهما من هذا الجنس (2) . إلا انها مختلفة عن الرجل بالكفاءة . وان كان هذا لا يعني عند ابن رشد عدم استحالة ان تؤدي المرأة بعض الاعمال المناطة بها بكفاءة اعلى من الرجل ، كما هو الحال في فن الموسيقى، ولهذا يقال ان الالحان الجيدة أتم ان وضعها الرجل وأدتها المرأة (3).
كذلك يعتقد ابن رشد ان النساء يتشاركن والرجال في المهن سواء انهن اضعف في ذلك ، وان كن اكثر كفاءة في بعض الاعمال مثل الحياكة والنسيج وغير ذلك (4) .
ويضيف ابن رشد الى ذلك مسألة مهمة حول المرأة ، ألا وهي مسألة الحرب والدفاع عن الوطن في حالة تعرضه للمخاطر ، فيقول ، وقد تشارك في الحرب مثل الرجل وهو ما نشاهده بصورة واضحة عند نساء البراري والصحارى والثغور ، وقوله هذا يدل على ايمانه بتأثير البيئة على الطباع ، فطبيعة البراري والثغور تفرض الشجاعة والحرب على الذكور والاناث سوية (1) .
أما من حيث التربية والتدريب على العلوم والفنون وادارة الحكم والتفلسف وطلب العلم ، فان ابن رشد ينظر الى المرأة هنا نظرة ايجابية متقدمة على ما هو متداول ومتعارف في زمانه وما قبله ، بل يمكن ان يكون مفيداً لنا نحن ابناء الامة العربية الاسلامية معاصراً ، ويربط ذلك كله بنظرة اجتماعية سياسية اقتصادية نفسية عقلية ، فيقول ، طالما ان بعض النساء ينشأن على الفطنة والعقل فليس بغريب ان نجد بينهن حكيمات ( فيلسوفات ) وحاكمات ( اداريات ) . وقائدات للجيش والحرب (2) .
وابن رشد بهذه النظرة انما يخالف الفلاسفة الذين سبقوه من امثال ارسطو الفيلسوف اليوناني (3) ، والفيلسوف الفارابي، الذي وضع المرأة في مرتبة ساواها مع الصبيان والعُجم والجهال والذين هم قليلو التمييز والعقول ، فيدعو رئيس المدينة الى كتم الاسرار عن النساء وامثالهن من الصبية والجهال (4) .
في حين نجد اخوان الصفا ينظرون الى المرأة على انها تتمتع بمزايا ايجابية لا تقل عنها عند الرجال ، ورأوها تشارك الرجل الشرف والفضيلة لكنها لا تصل الى مستوى المساواة معه ، فهي تأتي بعده في المرتبة ، لا تناقض بينهما بل تعاضد ادوارهما ،ذلك لان نشأة نفس المرأة ونفس الرجل مصدرها واحد ، لان الجسد فان ، لكن النفس خالدة ، وبقدر ما يصقل الانسان نفسه ذكراً كان أم انثى بقدر ما يسمو بها الى عالمها الذي صدرت منه لكن العيب الذي يصيب المرأة هو النقص في التعليم والجهل بالتربية ، فاذا تلقت ما يتلقى الرجل من العلم والتربية والاخلاق فهي مساوية له لا تقصر عنه في شيء أو قريبة من ذلك (5) ولهذا نجد اخوان الصفا قد احتقروا المرأة المتخلية عن دورها ، اللاهثة وراء اللّذات المستسهلة للأمور المشينة ، فهذه المرأة يجب ان تنبذ ويجب ان لا تخالط ، لانها سهلة الاستقادة فتفسد العقول(1) .
أما الفيلسوف ابن سينا فيرى ان المرأة شريكة الرجل في ملكه ، وخير النساء المرأة العاقلة الودودة الدينة الوقورة ، ويقول : ويلٌ للرجل الذي يسلم زمام أمره الى أمرأة ، فعليه ان يشغل أمرأته بالمهم ويبعدها عن اضاعة الوقت بالتزين والتبرج ، لتشتغل بتربية الأولاد والاهتمام بالبيت والخدم (2) .
واذا ما عدنا الى ابن رشد ، وتابعنا معه مرة اخرى وضع المرأة في زمانه ومجتمعه وكيف عانى هو من هذه النظرة الدونية لها ، نجده يقول ، ان في مدننا ( = العالم الاسلامي في الاندلس ) ، قابلية النساء ليست واضحة ، لانهن غالباً ما يؤخذون للأنجاب ويوضعن في خدمة ازواجهن ورعاية ابنائهن ، وهذا ما يعطل افعالهن الاخرى ويبدو كما لو انهن لا يصلحن لفضيلة غير هذه ، مما جعلهن عالّه على الرجال ، يؤخذ منهن الثمرة فقط ، ولهذا فقد شبههن ابن رشد بالنبات(3) . كما ان هذا الوضع المحدد لهن بحسب ابن رشد قد جعلهن عاطلات عن العمل سوى بعض الاعمال الخفيفة التي يقمن بها في المنزل مثل الحياكة والنسج ، وهذا بالكاد يسد بعض حاجتهن الى المال مما انعكس بدوره على المجتمع بشكل عام ، وولد معه بنظر ابن رشد الفقر في هذه المدن التي أشار اليها(4) .
ولهذا يوصي ابن رشد ، لمعالجة وضعية المرأة اجتماعيا واخلاقياً وتربوياً وادارياً ان تتعلم مع الرجال سوية ، وان تشارك معه في الحروب والقتال ، حتى تكون لهن الخصال ذاتها التي للرجل ، مثل الشجاعة والاقدام والبسالة والحكمة والدراية بشؤون الدولة ككل .
كما ويستند ابن رشد الى تشريع يراه مناسباً جداً ومرجعه كما قلنا الى القرآن الكريم وما يعرفه هو من علم الطب ، فيما يخص مسألة الزواج من الرجل فيقول ، لايسمح للمرأة ان تتزوج من تشاء ومتى تشاء ، بل يجب ان يكون ذلك بتشريع وليس كيفما اتفق ، وان يشرع للحصول على الغاية القصوى من زيجات صالحات والتقليل من زيجات غير صالحات (1) وان يُترك ذلك الأمر لمشرع له الحق في هذا الأمر لكي يحافظ على النسل القوي الصالح ، ويأمر بتكثيره أو تقليله بحسب حاجة المدينة والاجتماع فيها ، بسبب الحروب أو الامراض أو الأوبئة (2) ، ويحدد سن الزواج بالنسبة للرجل ما بين الثلاثين الى الخامسة والخمسين أما للنساء فيحدها بين العشرين الى الثلاثين .
ان نظرة ابن رشد هذه الى المرأة تدل على معالجته الواقعية الموضوعية لمجتمعه وعصره الذي كان يعيش بين ظهرانيه .
ثالثاً : رئيس الاجتماع الكامل ( المدينة الفاضلة )
كنا قد أشرنا في المبحث السابق من هذا الفصل ، الى فئات ( شرائح ) المجتمع عند ابن رشد ، وهم ثلاثة ، الحرفيون ، والحراس ، والحكام وفي هذا المبحث سنخصص حديثنا الى بالاشارة الى فئة أو شريحة الحكام ، وبالذات رئيس المدينة الكاملة وما يتصف به من خصال ومزايا تجعله مؤهلاً لهذه المكانة وقد افرد ابن رشد المقالة الثانية من كتابه تلخيص السياسة لهذا الموضوع ، واهتم به اهتماماً متميزاً ، وحاول ان يوظف في ذلك كل فلسفته الاجتماعية السياسية الاخلاقية ، فضلاً عن رؤيته الفقهية القضائية ، منطلقاً من رؤيا ومنهج يميل الى اعتبار مبدأ الوحدة والتنظيم والقوة والفكر هما اساس قيادة المدينة والمجتمع . ولهذا نعتقد وقبل الدخول في موضوع خصال رئيس المدينة ، ان نتحدث عن مسألة وحدة الدولة القوية المتينة من الناحية الادارية والعسكرية والسياسية ، وما هي الاشارة الى ما يتصف به رئيس المدينة الكاملة ، وهو تعبير عن رؤية ابن رشد المتكاملة للمجتمع والاجتماع الانساني الذي يريده .
فهو نصير للتنظيم والقوة المرتبطة بالحاكم القوي الشجاع المفكر ، الذي يقود المجتمع نحو النصر والمجد وهو ضد الفوضى والضعف والجبن والتردد لان ذلك يورث التفتت في المجتمع ككل ، وهو ما سنجده في تحديد هذه الخصال التي يتصف بها الرئيس للمدينة . اذ يقول » وعلى الجملة ، فانه يجب ان تتوفر فيه الخصال الجسمانية التي أكدناها للحراس ، وهي القوة للنفس والجسد « (1).
والصفات أو الخصال التي يضعها ابن الرشد لرئيس المدينة الكاملة وهي :-
(1) ان يكون ميالاً بالفطرة الى دراسة العلوم النظرية لادراك ما هو موجود باطلاق وتمييزه عما هو موجود بالعرض .
(2) ان يكون جيد الحفظ لا يعتوره النسيان لما يراه ويسمعه ويدركه .
(3) ان يكون محباً للعلم ولتحصيل العلوم بشتى انواعها وفروعها ، لانه ان أحب شيئاً طمح الى معرفة كل اجزائه .
(4) ان يكون محباً للصدق واهله كارهاً للكذب لان الذي يحب الصدق يحب الحق والذي يحب الحق لا يكذب . ورجل هذه خصالة لن يكذب أبداً .
(5) ان يكون كارهاً للّذات معرضا عنها ، ومن يسعى الى العلم لا يسعى الى اللّذة التي تتمتع بها النفس وحدها .
(6) ان يكون غير محب للمال ، لان المال غاية كل رغبة وهذا ما لايلائم هؤلاء الرجال .
(7) ان يكون كبير النفس ، لان الرجل الذي يريد معرفة كل شيء ولا يبغي من هذه المعرفة نفعاً ، فهو كبير النفس بالطبع ، ولهذا فان نفسه الناطقة لا ترى في هذه الدنيا شيئاً يحسب له .
(8) ان يكون شجاعاً ، لان الجبان ليس له مكان في الفلسفة الحقة .
(9) ان ينحو بملء عزيمته نحو كل شيء خير وجميل بذاته ، مثل العدل وسائر الفضائل الاخرى، بعد ان تمرست نفسه بمحبة كل ما هو عقلي .
(01) ان يكون بليغاً ، حسن العبارة ، جيد الفطنة ، قادراً على اقتناص الحد الاوسط بأيسر ما يمكن (1).
ان هذه الخصال التي ذكرها ابن رشد ، يراها من الصعوبة بمكان ان تكون موجودة في شخص واحد ، ولهذا مال بنظرته الواقعية السياسية الاجتماعية الى ان شدد على خصال اساسية منها ، يجب ان تتوفر في رئيس المدينة الكاملة واهمها الحكمة (2)، فضلاً عن خصال اخرى هي جودة الفطنة ، وحسن الاقناع وقوة المخيلة ، والقدرة على الجهاد ، وان يكون تام الاعضاء الجسدية في اداء الاعمال الجهادية (3).
ان ما ذكرناه هنا ، حول موضوع الرئيس عند ابن رشد ، انما يشكل في بنيته النظرة الاجتماعية عنده المحور الرئيس الذي تتمحور حوله كل اجزاء المدينة ولهذا نجد ان ابن رشد قد اعطى لهذا الرئيس عدة مسميات كل تعني بمعنى واحد من حيث التطبيق ، وان اختلفت تحديداتها الاصطلاحية ، ولهذا يقول عن هذا الرئيس هو الفيلسوف وهو بعينه الملك والشارع والامام ، مادام الامام في لغة العرب يعني الرجل المتبوع في افعاله والذي يؤتم به ، ومن هذه صفته هو بصورة تامة فيلسوف ،وهو الامام بصورة مطلقة (1).
أما معنى الفيلسوف هنا » فهو ذلك الشخص الذي يرغب في الوصول الى الكمال التام ، فانه يحصل على ذلك عندما يكون قد امتلك معاً العلوم النظرية والعملية الى جانب الفضائل الفكرية والخلقية وبخاصة اعظمها « (2).
في حين حد الملك عنده يشير الى » الرجل الذي يحكم المدن ، .. ، شرط ان يحوي جميع الخصال في نفسه «(3).
ومثله واضع السنن أو الشرائع أو النواميس ، فهو » يشير بادى الرأى الى الرجل الذي يمتلك الفضيلة العقلية والتي من خلالها يتم النظر في الامور العملية في الامم والمدن ، ولهذا فان واضع الشرائع هو الآخر يحب ان يتصف بهذه الخصال .. « (4).
ولكن كيف يمكن لرجل واحد ان يتصف بهذه الصفات كلها العقلية منها والنفسية والجسمية ؟
وللأجابة على هذا التساؤل ، يرى ابن رشد ان رئيس المدينة هو الشخص الذي ظهر من بين فئة أو شريحة الحراس الذين وضعناهم من قبل ، وانه قد تربى منذ صغره على ما يتربى عليه ابناء المدينة من تعلم الموسيقى والرياضة فضلاً عن تفوقه واستعداده لدراسة الحكمة وما يتصل بها من علوم اخرى مثل الرياضيات والمنطق والعلوم العسكرية والجغرافية التي تخص المجتمع كله . فضلاً عن طلبه للعلوم البرهانية الحقة ونبذه للمعارف الخطابية والشعرية والانفعالية، وكل ما يتصل بها من الحكايات المزيفة والكاذبة والسوفسطائية لانها تعود الى الخطأ والجهل بالمعارف والاحكام كلها . وان تجري عملية تربيته وفق قواعد تناسب عمره واستعداداته الجسمية والعقلية (1).
ويرى ابن رشد ، ان وجود هؤلاء الفلاسفة الحكام في المدينة هو الذي يقيمها وبؤسس قواعدها المتينة ، وان عدم قيام مدينة فاضلة كاملة برأيه انما يعود اولاً لعدم تتبع أمر الفيلسوف الحق ، ويضرب بذلك مثلاً بربان السفينة الحاذق الماهر في علاقته مع من في السفينة ، فاما ان يبعدوه عن قيادة السفينة ثم يتقاتلون فيما بينهم حول قيادته ، فربان السفينة الماهر برأيه هو الفيلسوف الحق (2)،أو أن وجود هذا الفيلسوف في المدينة مثله مثل الطبيب مع المريض فعندما لا يثق المريض بما يحصل عليه من دواء من الطبيب عندها يعم المرض كل جسمه .
ويريد ابن رشد من هذه الاقوال ، ان يشير الى نفسه فيلسوفاً مشرعاً منظماً قادراً على ان يفعل كل ما هو جميل وخير لأهل مدينته ، لكن اهلها يأبون ذلك ويحاربونه ، وهو ما حدث له فعلاً في نكبته المعروفة والتي أشرنا اليها من قبل (3).
رابعاً - الاجتماع المفتوح عند ابن رشد
تشكل مقولة الاجتماع المفتوح عند ابن رشد ، أحد اهم اهتماماته الرئيسة في بناء المجتمع المتكامل ، فضلا عن العلاقة بين فئاته ( شرائح ) الثلاثة ( الحكام ، الحراس ، الحرفيين ) . من حيث تبادل الادوار في المجتمع أو ما يسمى بالحركية الاجتماعية .
ومنطلق ابن رشد في ذلك رؤيته للأنسان رؤية مرتبطة بالتربية والقدرات العقلية والنفسية والجسمية ، وموقعه داخل المجتمع . رافضاً للمقولة التي تعتمد على الوراثة في مسئلة انتساب الانسان لمهنة معينة دون غيرها يرثها عن ابويه . والذي دفع ابن رشد لهذا القول ما وجده من طروحات تخص الفكر الاجتماعي السياسي السابق له ، الذي يصرح ان المجتمع انما ينقسم على فئتين فئة الاغنياء وهؤلاء يحق لهم النظر والتأمل والتفكير ، وفئة العبيد أو العمال وهؤلاء لا يحق لهم سوى العمل الجسدي دون التأمل والتفكير العقلي بسبب ما طرحته الافكار والمنظور الاجتماعي في عصر هؤلاء الفلاسفة ومنهم الفيلسوف اليوناني ارسطو (1) .
حيث وجد ابن رشد ان القول بانغلاق الفئات على نفسها فيه اجحاف وظلم للآنسان كمكون عقلي ونفسي وجسمي ولهذا جاءت مقولة ابن رشد لترفض ما يسمى بالوراثة والفطرة ويضع بديلاً محلها قاماً كما قلنا على التربية والقدرات العقلية للأنسان .فكان تحديده واضحاً في ذلك بقوله ( لا يوجد كل انسان بالفطرة محارباً أو خطيباً أو شاعراً بل والاكثر من ذلك فيلسوفاً بالفطرة ) (2) .
ومعنى ما يريده ابن رشد هو ان الانسان يستطيع بما اعطته الطبيعة من مزايا وقدرات ان يتحول من شريحته التي ينتمي اليها الى شريحة اعلى بحسب كفائته ومؤهلاته والعكس صحيح ، اي ان الانسان ان كان من فئة او شريحة عليا ( حكام ، حراس ) ينزل الى شريحة الصناع او الحرفيين ان لم يستطع ان يتماشى مع هذه الشريحة ومتطلباتها ومزاياها العقلية والجسمية. لأن ابن الرشد قد ربط الحركية الاجتماعية بمسألة انتماء الانسان الى المهنة او الحرفة لا الى العائلة أو الوسط الاجتماعي - السياسي الثقافي الذي نشأ فيه وترعرع .
اي ان كل انسان برأي ابن رشد يجب ان يختصر على العمل بحرفة واحدة لا اكثر . وعمله بحرفته هو الذي يؤهله لبلوغ الكفاءة فيها . فأن لم يستطع نزل الى شريحة ادنى وان استطاع ان يجيد فيها ويبدع استمر في مشواره العلمي والعقلي والجسمي بحسب مراحل تربوية محددة يضعها ابن رشد لذلك اخذاً بنظر الاعتبار الفترات العمرية للأنسان في الاجتماع الكامل (1) فليس من الضروري ان يبقى ابن النجار نجاراً طوال حياته ولا ابن القائد السياسي او الاداري او غيره قائداً على طول الزمان ، بل من الممكن ان يكون ابن النجار قائداً عسكريا أو ادراريا ناجحاً اذا ما احسنت تربيته وترسيخ الفضائل الخلقية في نفسه (2) .
وما الحكاية التي يوردوها ابن رشد على لسان افلاطون (3) وهو يشرح كتاب الجمهورية الا جزءاً مما كان يراه ابن رشد في حركية الاجتماع والسماح لفئات المجتمع وشرائحه بتبادل الادوار فيما بينهم .
ولا يقف ابن رشد في مسألة المجتمع المفتوح عند هذا الحد ، بل وتذهب نظرته المنفتحة الى حد الايمان بدعم موقع المرأة التي تشكل نصف المجتمع . ويقول بتحررها ونعتاقها مما هي عليه بالتربية والتدريب المستمرين ، حتى يمكن لها ان تصل الى مرتبة الحكم او التفلسف أو قيادة الجيش كما اوضحنا سابقاً (4). فهو نصيسر للمرأة ينتقد عبوديتها وحجزها في البيت من قبل الرجل ، تلك العبودية التي ادت برأيه الى فقر وتخلف المجتمع في زمانه على حد تعبيره .
ونظرة ابن رشد للأجتماع المفتوح تأخذ ابعاداً شمولية كلية ، فالمجتمع عنده متحرك وخير دليل على ذلك حركية الدولة كأطار سياسي اجتماعي وتبدلها وتغيرها من حال الى اخر .
والذي يبدو من كل ذلك ان ابن رشد يعتقد اعتقاداً راسخاً ان الاجتماع وحركيته انما هخي مسألة مرتبطة بجملة اسباب وشروط منها ما هو خلقي تربوي ومنها ما هو عقلي نفسي ومنها ما هو جسمي ومنها ما هو بيئي جغرافي .
خامساً : الفضائل الخلقية ( الكمالات الانسانية ، العفه ، العدالة ..)
جعل ابن رشد الفلسفة الخلقية اساساً تقوم عليه الفلسفة السياسية الاجتماعية لذلك يبين وجهة نظره في الأصول الأخلاقية التي تبني عليها هذه الفلسفة (1).
كذلك فعل الفارابي من قبل حيث قسم الفلسفة الى قسمين احدهما تحصل به الأفعال الجميلة والقدرة على اسبابها وبه تصير الأشياء الجميلة قنيه لنا ، وهذه تسمى الصناعة الخلقية والثاني الأمور التي تحصل بها الأشياء الجميلة لأهل المدينة والقدره على تحصيلها لهم وحفظها عليهم وهذه تسمى الفلسفة السياسية المدنية (2).
فالقيم الخلقية ونظرتها للأنسان ولغاية وجوده ولمكانته في الوجود هو ما ينبغي ان تخدمه السياسة وكما قلت سابقاً ليست الأخلاق في خدمة السياسة فحسب بل السياسة في خدمة الأخلاق ايضاً وفي خدمة غاية وجود الأنسان.
يرى ابن رشد من جهة آخرى ان الشريعة تنقسم الى قسمين اولاً المعرفة لمعرفة الله سبحانه وتعالى ثانياً عمل كل ما أخبر به الشرع فيما يتعلق بالصفات الأخلاقية ومقاصد الشرع .
وفيما يخص العلوم فان ابن رشد يرى انها تنقسم الى ثلاثة اقسام :-
أ - آلهية تدرس العلوم التي تخص الدين .
ب - طبيعية تدرس كل ما هو في الطبيعة .
جـ - علوم عملية غرضها العمل وهذه قسمان يتناول الأول الملكات الأرادية وصلة بعضها ببعض والثاني ترسيخها حتى تصبح كاملة في النفس بحكم العادة والدربه . ويقارن ابن رشد بين هذين القسمين وقسمي الطب الخاصين بالمرض والصحة وبحفظ الصحة (3).
كماوبنى ابن رشد علم الأخلاق على مقدمات كبرى وهي ان الكمالات الانسانية اربعة اسماها العلوم النظرية . والأخرى تسخر لها كما تسخر الصناعة والمهن الدنيا للعليا . كالفروسية وصناعة السروج ، ومن مقدماته ان بلوغ الفرد بمفرده الكمالات عسير ان لم يكن مستحيلا ، لذا يحتاج لمعونة الآخرين لبلوغ الكمال (1).
فمدار فلسفة ابن رشد الأخلاقية تعريف ما هية الفضيلة وصلتها بقوى النفس كل ذلك على اسس ارسطوطاليه . يبتدئ بتقسيم قوى النفس الى عاقله وغير عاقلة .
وفي كتاب تلخيص السياسة يقارن ابن رشد بين اجزاء المدينة واجزاء النفس وفضائلها على غرار افلاطون . اي ان المدينة حكيمة بمقدار ما يحكم الجزء الناطق فيها الجزءين الأخيرين ( الغضبي والشهواني ) وشجاعة بمقدار ما تتحرك القوة الغضبية في الوقت وبمقدار ما يقضي به العقل وعفيفه بمقدار ما تتقاد القوة الشهوانية الى القوة الناطقة .
يقسم ابن رشد الفضائل الى فكرية وأخرى خلقية يُدرج في عداد افضائل الفكرية العقل الفطري ( البديهية ) والعلم اليقيني والتعقل والحكمه والصناعة وفي عداد الفكرية الفرعية جودة الرأي فجودة الظن، فالرؤية فصواب الظن وتدخل جميعاً في باب التعقل الى حدما مادامت تدور في معرفة الممكنات من افعال ارادية وصناعية خلافاً للفضائل النظرية التي تدور على معرفة الضرورات (2).
ما رأي ابن رشد في بعض الفضائل الأخلاقية ؟
تكلم ابن رشد عن فضيلة العدالة فقال ان العدالة قائمة في الدولة عندما تكون طبقات المدينة خاضعة لما يرسمه الراسخون في العلم ، ويؤدي كل فرد عملاً واحداً فقط يلائم طبعه فيفعله بالحد والزمان الملائمين . وهذا معنى العدالة التي تمنح البقاء والديمومة للمدينة مادامت قائمة فيها . والمدينة توصف بأنها عادلة عندما يوجد فيها اناس عادلون لأن العدالة موجودة في كل فرد من افرادها وهذه هي العدالة السياسية .
والناس يكونون عادلين عندما يكون كل جزء من اجزاء النفس خاضعاً للقوة الناطقة ، لذا فحال المدينة يشبه حال النفس (1).
ان ابن رشد هنا يقارن حال المدينة بحال النفس ، اي الفرد اولاً وهذا يدل على مدى اهتمام بالفرد ، بالانسان ، فيعده الأساس في المجتمع .
يرى ابن رشد ان العدالة في النفس هي ان يكون العقل هو الحاكم ، فيحكم بمساعدة القوة الغضبية على القوة الشهوانية لأنه بين العقل والقوة الشهوانية حرب لا هوادة فيها (2).
كما يرى ابن رشد ان الظلم والتعدي في نفس الفرد هما الظلم والتعدي في المدينة الجاهلة بسبب سيطرة القوى الغضبية والشهوية ... وهذا الأمر(3) يشبه الجسد في صحته ومرضه ، فالصحه تكون في توافق الأمزجة والتوافق مع الطبيعة ، بينما المرض يكون في اختلاط الأمزجة وعدم التوافق مع الطبيعة ، لهذا فصحة النفس انما تكون بالحفاظ على التوافق مع القوة العاقلة بينما مرضها يكون بالارتباط مع القوى الأخرى التي تحكمها (4) ، ويرى ابن رشد ان المال والمسكن عائقين كبيرين لتحقيق العدالة في نفوس الحراس والحكام حصراَ(5).
لقد حارب ابن رشد الظلم والتغلب والاستبداد كما حارب حكم العائلات المترفه المستأثرة بالأموال والموزعة الثروة على مسانديها . كما حارب التفسخات في المجتمع والترف في الدولة .
وعرّف الجور في كتابه الخطابة بأنه اضرار يكون طوعاً على طريق التعدي عليها للسنة . وهو الخلق الذي يأخذ به المرء الأشياء الغريبة التي ليست له أن يأخذها في السنة . وهناك الجور في المال والجور في الملذات .
،مثل هذه الأفعال الرديئة تعرف من معرفة اضدادها وهي الفضائل . هناك جور ينجم عن الغضب وغايته الأخذ بالثار وهذا شيء غير العقوبة ، وهناك جور يكون عن روية وتفكير وغايته إما الأشياء التي يُظن أنها نافعة او نافعة في الغاية النافعة .
ان جور الصديق سهل لأن الصديق لا يتحفظ من صديقه . اما الظلامةه ان يمس انساناً شيء من الجور من انسان آخر بمشيئته واختياره .
من الظلم العظيم ان يجمع على الانسان اخذ ماله وتعذيبه ومن الظلم ايضا ان يُعذب ذوو الفضائل على فضائلهم فيكون الظلم الواقع بهؤلاء فخراً لهم وكرامة ليست يسيره لذلك ترى كثيراً من ملوك الجور بقصدون اهانة العلماء بالضرب وغير ذلك من الشر فيكون ذلك فخراً لهم في الحياة وبعد الممات كما عرض لمالك وغيره من الفقهاء .
كذلك من الظلم ايضاً ان يكون نوع الظلم مبتدعاً لم يفعله غيره لاقبله ولا بعده (1). ومن الظلم ايضا الحاق الغرامة والخسران بالذين يتولون ايصال الخيرات الى الناس كالظلم الذي يقع على واضعي السنن . ومن الظلم العظيم الغدر بالأمانات والفجور في الايمان ونقض العهود، والظلم في السنن غير المكتوبة اعظم من الظلم في السنن المكتوبة .
اما السنن التي تقول هذا جور وهذا عدل منها ما هي خاصة بطائفة من أهل المدينة ومنها ما يعم اهل المدينة ، ومنها مكتوبة ومنها غير مكتوبة اي طبيعة الجميع وان لم يكن بين الواحد والآخر اتفاق او تعاقد وهي كثيراً ما تضاد المكتوبة .
اما عن فضيلة الشجاعة فقال يكون الانسان شجاعاً في الجزء الغضبي من النفس بمقدار ما تتطلبه الشجاعة وفيما يقدره الزمان والمكان والحد الذي تأمر به الحكمه (2) ويحدث الشيء نفسه وبدقة بالنسبة لضبط النفس .
اما العفة في النفس فيرى ابن رشد انها تقوم مع الاعتدال والابتعاد عن الشهوات الحسية والتحكم باللذات بدلاً من ان تحكمهم اللذات (1).
ويقول ابن رشد ان العفة تعنى التوسط بالاعتدال في الأكل والشرب والنكاح والرجل العفيف هو الذي يمكن ان يبقى على الدوام في وضع معتدل ، ولهذا يُقال ان العفة هي كف النفس ومنعها من امتلاك اللذات والرغبات ، وهناك من يقول عن الرجل العفيف انه الأكثر شجاعة وأنه سيد نفسه (2).
وتوضيح ذلك انه يوجد في الانسان جزء اكثر وقاراً هو العقل وجزء ادنى يسمى النفس الشهويه وبما ان الجزء الأكثر وقاراً هو الأكثر شجاعة وسيادة بخلاف الجزء الأدنى فلا بد من ان يخضع له وعندها نقول ان الرجل سيد نفسه واذا كان خلاف ذلك اي انه يخضع للجزء الأدنى نتيجة تعلم فاسدا أو امر آخر . قلنا ان الرجل اصبح عبد نفسه ولا يرجى شفاؤه ( وهذه المدينة هي الأكثر شجاعة لأنها سيدة نفسها ) .
ولا تقتصر العفة على فئة واحدة من الناس بل هي عامة للحكام والجمهور وبهذا الا تشبه فضيلتي الحكمة والشجاعة لأنهما تعزيان لأجزاء من المدينة اما فضيلة العفة فممتدة في المدينة وتبعث على الوفاق بين اهلها واقصاء ما هو مضاد لذلك .
فالعفة اذاً في شهوات البدن على مقدار ما تأمر به السنة والفجور(3) ضد هذا . ان محاكاة الرجال المنغمسين في الدناءه والرذائل اذا ما استمرت لزمن طويل فانها ستكون سجيه، فالممارسه والتدريب والمواظبة يكسبان المرء الفضائل الممارس عليها .
ففي تلخيص الخطابة تناول ابن رشد كل اصناف الأخلاقيات تكلم عن صلاح الحال بأنها حُسن الفعل مع فضيلة طول العمر وحياة لذيذة مع السلامة والسعة في المال مع تحصيل الأشياء الحافظه لهذه الأشياء والفاعلة لها .
واما اجزاء صلاح الحال فقال انها كرم الحسب اي ان يكونوا قدماء النزول بالمدينة وان يكونوا مع هذا حكاماً او رؤساء ذوي ذكر جميل وكثرة عدد وان يكونوا احراراً لم يجر عليهم سباء (1).
وصلاح الحال بكثرة الأولاد والغلمان وصلاحهم في فضل الجسد هي ( جزاله ، جمال ، شدة ، بطش ) وفي فضائل النفس وهي ( العفاف والشجاعة ) اما بالنسبة للأناث يكون الصلاح بالجسد بكثرة اللحم والجمال وفي النفس ( العفاف وحب الألفه وحب الكد ) (2) ابن رشد لا يدعو الى العزلة ولا الى الرهبنة بل يرى انه من دواعي الفخر كثرة الأولاد .
ويرى ابن رشد انه من صلاح الحال اليسار المادي اي كثرة الدنانير والأرضين والعقار والأمتعة والمواشي على شرط ان يتمتع بها صاحبها لا ان يكون حافظاً لها (3) فابن رشد هنا يدعو للأستمتاع بالمال وبالصحة والتلذذ(4) بالحياة لكن بعفة واعتدال .
تكلم ابن رشد عن المنزل ورأى ان حسن حاله يكون بكثرة الأولاد ، بوفرة المال ، بقوة الجسم وصحته ، بعفاف النفس وان يتمتع افراده بالفضيلة من بر ومرؤءه وعفة وحلم وسخاء ولب وحكمة ، ويرى ان بعض هذه الفضائل آثر عند قوم من قوم وفي حال دون حال كالشجاعة مثلاً اثر وقت الحرب منها وقت السلم . اما العدل فمؤثره في الحرب وفي السلم والسخاء والمرؤءه آثر عند غير المحاديج .
ان ابن رشد يتكلم عن قيم خلقية يدعو اليها ، كالخير المطلق الذي يختار من اجل نفسه ويُختار غيره من أجله ، وهو الذي يتشوق اليه الكل من ذوي الفهم الحسن والذكاء (5).
يقول ابن رشد ان فعل الخير اعظم من ارادة الخير والذي يحكم به الكل من الجمهور أو الأكثر من ذوي الألباب والأخيار الصالحين أنه خير وأفضل ، فهو أفضل باطلاق(6) ما اختاره الكل من الناس آثر مما لا يختاره الكل من الجمهور وما اختاره كثير آثر مما يختاره القليل من الناس ، وما اختاره الحكام آثرو أفضل مما لم يختاروه الفضلاء الابرار الذين جرت العادة ان يأخذ عنهم الجميع او الأكثر فحكمهم أفضل . من الصنف المعقول القول من الناس الذين كراماتهم اعظم .
فكل ما يفعله المرء من الفضائل لامن أجل نفسه مُدح به وكل فعل كان المقصود به الغير ولم ينتفع به الفاعل وكان يلحق به ضرر فهو ممدوح به . كالخجل عند ذكر القبائح . الفضيله ملكه مقدره لكل فعل هو خير من جهة ذلك التقدير ، لذلك كانت موجودة لكل فعل يقصد به نحو غاية ما ، لكل فعل جليل القدر عظيم الشأن في حصول تلك الغاية عنه (1).
ان ابن رشد تحدث عن الصداقة فقال هي ان يهوى الانسان الخير لانسان آخر من اجل ذات ذلك الانسان لا من اجل ذات نفسه (2). اما المصادقة فيقول هي ان يكون كل واحد من صاحبه بهذه الحال . فالصديق هو الذي يُحِب ويُحَبُ معاِ وان يعلم كل واحد منهما محبة صاحبه له(3) فالصديق هو الذي يستلذ الخير لصديقه ويشاركه في المؤذيات والمحزنات ليس من اجل نفسه بل من اجل ذات صديقه (4).
كما تحدث عن اخلاق الشباب وانهم يشتهون كل شيء وهم مسارعون جنوحون الى ركوب ما يشتهون ويشتهون الشيء سريعاً ويملون سريعاً آراؤهم مضطربة لم تستقر بعد على شيء في هذه الدنيا سريعو الغضب محبون للكرامة ، وأشد من ذلك للغلبه اكثر من حبهم للمال يمتعضون اذا ظنوا انهم يعابون وهو فسيح أملهم ، يعيشون للأمل ، للمستقبل ، سهل تصديقهم من غير دليل او بدليل ضعيف ، الحياء يغلب عليهم يتمسكون بالسنن يؤثرون الجميل اكثر من النافع (5).
اما اخلاق الشيوخ الذين تجاوزوا سن الكهولة اضداد اخلاق الشباب سيء ظنهم بالناس يقولون عسى ولعل لايجزمون البته ، سيئة اخلاقهم لايحبون جدا ولا يبغضون جداً وهم صغيرة نفوسهم متهاونون في الاشياء العظيمة ، يرون الاقتناء عسير والتلف يسير حبهم للحياة ليس ليتمتعوا بالشهوات الا بشهوة الطعام ، عشرتهم للناس نحو النافع لا نحو الأحسن، النافع خير للمرء والحسن خير للغير . قليل حياؤهم واكثر عيشهم بالذكر لا بالأمل ، قد يُظن بهم العفة لانقطاع شهواتهم من خلقهم الظلم لكن بالمكر والخديعة لا بركوب الفضائح والاستهتار كالحال في الشباب (1).
اما الكهول فأخلاقهم وسط بين الشباب والشيوخ فليسوا متهورين ولا جبناء لايصدقون بكل شيء ولا يكذبون بكل شيء عملهم موجه نحو النافع والحسن (2).
لم يكن ابن رشد في جميع تصانيفه. العلمية والفقهية والأدبية سوى مفكر عظيم يوجه جميع طاقاته وجهه انسانية رفيعه ، هدفها الأسمى تنمية الفضائل لدى افراد الأمة ، وتربية مجتمع اسلامي قويم كان يبغي صلاح المجتمع وسعادته وقد ختم كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد بقوله » وينبغي مثل هذا ان تعلم ان السنن المشروعة العملية المقصود منها هي الفضائل النفسانية ، فمنها تعظيم من يجب تعظيمه ، وشكر من يجب شكره ، وفي هذا الجنس تدخل العبادات ... ومنها ما يرجع الى الفضيلة التي تسميها ( عفه ) .. ومنها ما يرجع الى طلب العدل والكف عن الجور .... ومنها السنن الوارده في الأعراض ومنها السنن الوارده في جميع الأموال وتقويمها ... والزكاة . تدخل في هذا الباب من وجه وتدخلُ ايضا في باب الاشتراك في الأموال ، وكذلك الأمر في العلاقات . ومنها سنن وارده في الاجتماع الذي هو شرط في حياة الانسان وحفظ فضائله العلمية والعملية . من السنن المهمة في خير الاجتماع السنن الواردة في المحبة والبغض والتعاون على اقامة هذه السنن وهو الذي يسمى النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ..«(4).
اي انه كان يرى انه انه يجب حث الناس على الفضائل بتعليمهم البيان والعلوم التي تثقف العقل (5).
سادساً - الحرية الانسانية وصلتها بالاجتماع
اهتم ابن رشد بموضوع حرية الانسان وارادته وقضائه وقدره ، اهتماماً ملحوظاً نتيجة لما كان مطروحاً في الساحة الفلسفية والدينية الى زمانه ، من آراء وافكار حول موضوع حرية الانسان ، ولهذا نجده قد آدلى بدلوه في كتابه الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الملة عن هذا الموضوع ، بعد ان طرح للبحث آرآء الفرق الكلامية الاسلامية من التي درست موضوع الحرية مثل المعتزلة والاشاعرة . رابطاً ذلك كله بمنطلق فلسفي اجتماعي انساني ولهذا فانا درسنا هذا الموضوع من وجهة نظر الفكر الاجتماعي عنده ، لما يشكل ذلك من اهمية في تحديد موقع الانسان ضمن المجتمع وما مدى فاعليته وقدرته وارادته ونزوعه نحو التزام العرف الاجتماعي والقانون الاخلاقي الذي يسير بموجبه الموجب ، اي ان ابن رشد أراد من بحث هذا الموضوع ان يقول الانسان باستطاعته فعل كل ما هو ضمن نطاق الحرية الانسانية المسؤولة ضمن قواعد المجتمع كله . وعليه سندرس الموضوع ، وفق الكيفية الآتية :-
( أ ) العدل والجور برأي ابن رشد
لقد رفض ابن رشد الآراء الكلامية حول العدل والجور ولاسيما رأي الأشاعرة (1) لأنه يضاد الفعل اولاً ، وذلك ما تشهد به البداهة ، لأننا ندرك بحواسنا وعقولنا ان هناك اشياء حسنة وأخرى قبيحة . وان الحسن او القبح فيها لذاتها اي ليس الحسن أو القبح امرين اعتباريين - كما ظن الأشعرية - بل هما حقيقيان ، بل يخالف ايضاً رأيهم روح الشرع ثانياً، لانه يناقص كثيراً من الآيات القرانية التي تصف الظلم بالقبح والشر والتي تنفيه عن الله سبحانه وتعالى مثل قوله تعالى " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها (2) " وكقوله تعالى " وما ربك بظلاّم للعبيد " (3) وكقوله تعالى " ان الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً " (4)
و يراى ابن رشد ان رأى الاشاعرة هذا يثير عدة اشكالات ، فقد مال الى رأي المعتزلة ووافقهم بأن الله يفعل الصلاح والأصلح لعباده ، ويخالفهم في مسألة خلق الشر بأرادته (1) يصرح ابن رشد ان الله يخلق الشر كما يخلق الخير سواء بسواء ، وهو يريده ، لكنه لا يريده لذاته ، وانما من اجل ما يترتب عليه من خير وصلاح العالم ، فيخلق اسباب الخير والشر في الانسان ، والأصلح خلق الشر القليل الى جانب الخير الكثير ، لأن الله تعالى كما قال في كتابه العزيز" اني اعلم مالاتعلمون ".
فابن رشد يرى ان الله لا يرضى لعباده الكفر ولا يخلقه لهم بل يخلق لهم قدره تصلح للضدين ، لذا فهم مسؤولون عما يختارون ولهذا يرى ابن رشد ان فهم بعض آيات القران الكريم فهماً حرفياً يؤدي الى إساءه فهم كثير من نصوصه كقوله تعالى " ان الله لايظلم الناس شيئاً ولكن الناس انفسهم يظلمون (2)" وكقوله تعالى " ذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد " (3) . فالله سبحانه وتعالى يخلق للعباد القدرة على اختيار احد الضدين (4) اي يزودهم على اتباع اسباب الهداية او الضلال . وهذا هو تأويل الآيات(5) التي قد توهم ان الله يريد اضلال عباده أو كفرهم ، وليس ذلك بعسير وهذا ما يؤكده الواقع وما يتفق مع روح الدين وإلا فلا معنى للثواب والعقاب وهذا ما يوجبه العقل والحس معاً من اثبات حرية الانسان واختياره .
( ب ) القضاء والقدر عند ابن رشد ( التسيير والتخيير )
تعد هذه المسألة من أعوص المسائل الفلسفية والدينية ، عبر تاريخ الفلسفة والاديان ففي القرآن الكريم آيات تدل على ان الانسان مجبر لا شأن له بخلق أفعاله لأنها حُددت تحديداً أبدياً ولا قدرة له على تعديلها . في حين هناك آيات في القران تدل على ان الأنسان مسؤول عن افعاله ( حر ) وانه من العدل ان يثاب أو يعاقب بناء على ما قدمته يداه .
ان ورود هذه الايات بهذه الكيفية جعل علماء الكلام المسلمين ينقسمون الى فريقين رئيسين هما اهل الجبر المحض (1) واهل الحرية من المعتزلة ، في حين حاول فريق اخر التوفيق بينهما وهم الأشعرية .
اما ابن رشد فانه باعتباره فيلسوفا برهانياً لم يستخدم طرق الجدل التي رأيناها عند الفرق الكلامية آنفاً بل فحص جميع عناصر المشكلة ، واستعرض الأدلة الشرعية فضلاً عن العقلية التي تشهد لكل من القائلين بالجبر المحض او بالاستطاعة الكاملة ، فوجد تعارضاً قوياً بين الآيات التي يستشهد بها هؤلاء وبين التي يستشهد بها اولئك ، ففي القرآن الكريم آيات تدل صراحة على الجبر مثل قوله تعالى " انا كل شيء خلقناه بقدر « (2) ومثل قوله تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله بيسير " (3) كما ان هناك آيات تدل على الاستطاعة الكاملة كقوله تعالى " وما أصابكم من مصيبة فبيما كسبت ايديكم " (4) وكقوله تعالى " لا يكلف الله نفساً الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " (5) وكقوله تعالى " ولا تزر وازرة وزر أخرى " (6) وهناك آيات تؤكد الرأيين المتناقضين كقوله تعالى " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " (7) وكقوله تعالى " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرِّ وا ما بأنفسهم " . (8)
ولا تختلف الأدله العقلية عن هذه السمعية بين رأي القائلين بالأختيار من المعتزلة (1) ورأي القائلين بالجبر المحض . فلو كان الانسان يخلق افعاله لكانت ارادة الله وقدرته محدودتين وقد اجمع المسلمون ان الله خالق كل شيء . ومن جهة اخرى اذا قلنا ان الانسان عاجز عن خلق افعاله فكيف يكون هذا الانسان العاجز اهلاً للتكليف بأوامر الشرع ونواهيه ؟ وكيف يثاب ويعاقب على افعال هو عاجز عن ان يفعلها ؟
وهذا هو سبب الخلاف بين المعتزلة وبين الجبرية والأشعرية .
ان لأبن رشد رأياً ، ان الخلاف لم يأت عبثاً أو صدفة ، بل كان مقصوداً من الشارع ليحث العلماء الراسخين في العلم على فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً كل هذا التعارض ، وابن رشد يعد نفسه من هؤلاء العلماء الذين يحق لهم البحث في موضوع الحرية الانسانية.
وملخص رايه ، ان الله قد وهبنا قوة نستطيع بها فعل أحد المتضادين وهي قوة غير محدودة ، وهي التي نطلق عليها لفظ ( الارادة ) ، وهذه الارادة مخلوقة لله سبحانه ، في حين ان النتائج التي تؤدي إليها هذه القوة تعد نتائج انسانية بمعنى الكلمة ومع هذا فليس لهذه القوة غير المحددة حريتها الكاملة ، ذلك لانها تتأثر بالاسباب الخارجية التي وضعها الله في متناول أيدينا فهذه الأسباب تساعد على تمام افعالنا وتحول دون نفاذها ، وهي التي تحدد اختيارنا لاحد الحلول المختلفة .
بل يمكن القول ، ان تلك الاسباب الخارجية تدفعنا في كثير من الحالات الى عمل من الاعمال على نحو اضطراري ، مثل السعال والتثاؤب أو الهرب امام خطر محدق ، كذلك تتوقف الاعمال الارادية على الاسباب الخارجية . لكننا متى اخترنا فعلاً معيناً ونفذناه فاننا نسترد حريتنا كاملة ونصبح مسؤولين عن افعالنا .
وابن رشد يريد من هذا كله ، ان افعال الانسان ليست اختيارية تماماً ولا جبرية تماماً . انما هي تجمع كما نرى بين الاختيار والجبر في آن واحد لانها تتوقف برأيه على عاملين هما ارادتنا والاسباب أو العوامل الخارجية . وهذه العوامل تتبع نظاماً عاماً مطرداً لا يتخلف . وهذا النظام هو ما نسميه في عصرنا الراهن بالحتمية في الطبيعة (1).
ولهذا يقول ابن رشد ما نصه » ولما كانت الاسباب التي من خارج تجري على نظام محدود، وترتيب منضود لا تخل في ذلك بحسب ما قدرها بارئها عليه ، وكانت إرادتنا وافعالنا لا تتم ، ولا توجد بالجملة ، إلا بموافقة الآسباب التي من خارج ، فواجب ان تكون افعالنا تجري على نظام محدود ، اعني انها توجد في أوقات محدودة ومقدار محدود ، وانما كان ذلك واجباً لان افعالنا تكون مسببة عن تلك الاسباب التي من خارج ، وكل مسبب كون عن اسباب محدودة مقدرة ، فهو ضرورة محدود مقدر «(2) .
بعدها يوضح ابن رشد هذا الفهم للآيات القرانية في مسألة الجبر والاختيار ، عن طريق ربط الحرية الانسانية بالاسباب التي من الخارج ، وليس بنسبة الافعال الانسانية الى واحد من الأمرين دون الآخر ( الانسان ) أو ( الله) . وبهذا يقول » وهذا الجمع هو الذي قصده الشرع بتلك الآيات العامة ، ... التي يظن بها التعارض ، وهي اذا خصصت بهذا المعنى انتفى عنها هذا التعارض وبهذا أيضاً تنحل جميع الشكوك التي قيلت في ذلك .. اعني الحجج المتعارضة العقلية ... )(3) .
ومن هذه النصوص الرشدية نستنتج ان الانسان كائن اجتماعي يعيش ضمن الجماعة يعد مسؤولاً عن افعاله . اذ له الاختيار في كل لحظة بين أمور متضاربة قد يقل عددها شيئاً فشيئاً، لان هذا الاختيار يسمح للانسان ان يحدد اتجاها معيناً في حياته ضمن المجتمع .
الهوامش
(1) راجع ، كتاب الجمهورية لافلاطون ، ترجمة حنا خباز ، ط 1 ، القاهرة 9291.
(2) راجع ، كتاب السياسات ، نقله الى العربية فؤاد جرجي بربارة ، ط 1 ، بيروت 6591.
(3) راجع مؤلفات الفارابي ، ( مثال ، آراء اهل المدينة الفاضلة ، وكتاب السياسة المدنية الملقب بمباديء الموجودات ، وكتاب فصول المدني وكلها منشورة باكثر من طبعة .
(4) راجع كتاب الشفاء ، الالهيات ، الجزء الثاني تحقيق سليمان دنيا وجماعته ، القاهرة ، 0591 - الفصول الاخيرة كلها .
(1) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 86.
(2) المصدر نفسه ، ص 86 .
(3) المصدر نفسه ، ص 96 .(1) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، المقالة الاولى ( عناصر المدينة الفاضلة ) ، ص 56-66.
(2) المصدر نفسه ، ص 76.
(3) المصدر نفسه ، ص 76.
(4) المصدر نفسه ص 07.
(5) المصدر نفسه ، ص 17 .
(6) المصدر نفسه ، ص 86 . وقارن ، افلاطون ، محاورة الجمهورية ( كتاب السياسة ، ترجمة حنا خباز ، ص 04 ، كذلك ، الفارابي ، آراء اهل المدينة الفاضلة ، نشرة البير نصري نادر ، ص 99 .
(1) تلخيص السياسة ، ص 96.
(2) آراء اهل المدينة الفاضلة ، ص 69 .
(3) اخوان الصفا ، الرسائل ، ج 1 ، ص 782-882.(1) المصدر نفسه ، ص 07 ، وقارن ، ارسطو ، الاخلاق ، نقله الى العرية اسحق بن حنين وحققه عبد الرحمن بدوي ط 1 ، بيروت 9791 ، ص 45.
(2) آراء اهل المدينة الفاضلة ، ص 69 .
(3) راجع ، علي زيعور ، الحكمة العملية ، ط 1 ، بيروت 8891 ، ص 834.
(4) تلخيص السياسة ، ص 96 ، وقارن ، افلاطون ، الجمهورية ، ص 44- 54 .
(1) انظر ، تلخيص السياسة ، ص 87 ، وقارن ، مشحن زيد الحشماوي ، الخطاب الاجتماعي عند ابن رشد ، مجلة ( الموقف الثقافي ) ، العدد 61 ، السنة 8991 ، ص 82 وما بعدها .
(1) تلخيص السياسة ، ص 77 .
(2) حول هذه الاقاليم المناخية وموقعها الجغرافي ، راجع بالتفصيل ، مقدمة ابن خلدون ، ص 56 وما بعدها ، كذلك ، المقريزي ، الخطط ، ج 1 ، بيروت ( د . ت ) ص 22 .
(1) تلخيص الخطابة ، ص (6) ، وقارن ، ارسطو ، الخطابة ، ص 1-7 ، كذلك ، ابن سينا الحكمة العروضية ، تحقيق محمد سليم سالم ، القاهرة 0591 ، ص 42. أما عن عدد هذه السياسات ، فيحددها ابن رشد باربع أو خمس سياسات ، هي سياسة المدينة الفاضلة وسياسة وحدانية التسلط ، وسياسة الخسة وسياسة التسلط والقهر والسياسة الجماعية ، قارن ، تلخيص السياسة ، المقالة الثالثة كلها ، تلخيص الخطابة ، ص 16 .
(2) انظر ، تهافت التهافت ج1 ص 926 ، اذ يقول ان رشد : يل نعتقد ان كل ما في العالم فهو الحكمة وان قصرت عن كثير منها عقولنا وفكرة الغائية هذه مستمدة من ارسطو في فلسفته التي شرحها ابن رشد .
(3) المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 46.
(1) راجع تلخيص السياسة ، ص 08 وما بعدها .
(2) انظر ، تلخيص الخطابة ، نشرة سليم سالم ، ص 36.
(3) المصدر نفسه ، ص 46 ، وقارن ، تلخيص السياسة ، ص 101 وما بعدها .
(4) تلخيص الخطابة ، ص 531 ، وقارن للتفصيلات ، تلخيص السياسة المقالة الثالثة كلها لان فيها يتحدث ابن رشد عن هذا الموضوع بالتفصيل ، وقارن ، الفارابي ، آراء اهل المدينة الفاضلة ، نشرة نادر ، ص 501 او مابعدها.
(1) تلخيص السياسة ، ص 501 - 601.
(2) المصدر نفسه ، ص 701 وما بعدها .
(3) المصدر نفسه ، ص 701 .(1) المصدر نفسه ، ج 1 ( ص 073 -873 ).
(2) تلخيص السياسة ، ص 08 -18 . وقارن ، افلاطون ، الجمهورية ، ( خباز ) ، ص 05.
(3) تلخيص السياسة ، 18 وما بعدها كذلك ، افلاطون ، الجمهورية ، ( خباز ) ، ص 25 .
(4) تلخيص السياسة ، ص 18 وما بعدها . كذلك ، افلاطون ، الجمهورية ، ص 29 وما بعدها .
(1) انظر ، ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 27 ، وقارن ، ارسطو ، الاخلاق ، ص 612 وص 78 ، يعرف ارسطو الحكمة العملية ، بانها القابلية على الفعل وليس المعرفة فقط .
(2) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 37 . وقارن هذه المشابهة عند الفارابي آراء اهل المدينة الفاضلة ، ص 811.
(3) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 39-49 .
(1) المصدر نفسه ، ص 801
(2) المصدر نفسه ص 801 - 901 .
(❊) تحدث الفلاسفة قبل ابن رشد عن موضوع التربية وصلتها بالاخلاق والمجتمع ، وبما ان موضوعنا هو الحديث عن ابن رشد ، فللتوسع والمزيد ، يراجع مؤلفات هؤلاء الفلاسفة قبل ابن رشد ولاسيما الفلاسفة العرب المسلمين ، الفارابي ، آراء اهل المدينة الفاضلة اخوان الصفا ، الرسائل ، ج 1 ، ص 423 وما بعدها ، ابن سينا ، رسالة في السياسة ، ص 53 -24 الغزالي ، ميزان العمل ، القاهرة 4691 ، ص 75 وغيرها كثير .
(3) تمت الاشارة لهذا التقسيم عند ارسطو ، الاخلاق ، ص 353 ، فيما يخص الفضائل العملية ، وذكرت في كتاب الفارابي ، تحصيل السعادة ، ص 2 ، 61 ، 62 من نشرة حيدر آباد 5431 هـ .
(1) المصدر نفسه ، ص 001 - 101 .
(2) المصدر نفسه ، ص 201-301 . وقارن ، علي زيعور ، الحكمة العملية ، ص 344 .
(1) انظر ، فصل المقال ، ص 84 ، وقارن عبد الكريم خليفة ، بين الدين والفلسفة عند ابن رشد مؤتمر ابن رشد ، الجزائر 8791 ، ص 831 .
(2) انظر تلخيص الخطابة ، ص 11.
(3) تلخيص السياسة ، ص 67.
(1) المصدر نفسه ، ص 011 ، وقارن افلاطون ، الجمهورية ، ص 24 .
(2) قرآن كريم ، سورة النور آية 62.
(3) تلخيص السياسة ، ص 901 . (1) المصدر نفسه ، ص 39 ، وقارن ، افلاطون ، الجمهورية ، ص 08 .
(2) تلخيص السياسة ، ص 79 - 001 .
(3) المصدر نفسه ، ص 29 وما بعدها . ويقصد هنا ابنرشد تحديداً اشعار امرؤ القيس والنابغة وغيرهما . (1) المصدر نفسه ، ص 121.
(2) انظر ، تفيصلات ذلك كله ، تلخيص السياسة ، المقالة الاولى تحديداً . وهو ما سنعتمد عليه في عرض وتحليل فكرة ابن رشد عن اجتماعية المرأة .
(3) المصدر نفسه، ص 811 -911.
(4) المصدر نفسه ، ص 421.(1) المصدر نفسه ، ص 711 وما بعدها .
(2) ارسطو ، كتاب النفس ، نشرة الاهواني ، القاهرة 0591 ، ص 121 .
(3) ارسطو ، الاخلاق ، ص 89 .
(4) ابن رشد ، تلخيص السياسة ، ص 021.
(1) المصدر نفسه ، ج 3 ، ص 471 ، وج 4 ، ص 952.
(2) ابن سينا ، رسالة في تدابير المنزل ، ص 52-53.
(3) تلخيص السياسة ، ص 621.
(4) المصدر نفسه ، ص 621.(1) المصدر نفسه ، ص 421.
(2) المصدر نفسه ، ص 421.
(3) راجع ، هنري توماس ، اعلام الفلسفة ، ترجمة متري امين ، القاهرة 4691 ، ص 091
(4) راجع رسالة في السياسة ، ص 3
(5) رسائل اخوان الصفا ، ج 2 ، ص 9-01 ، وجـ 3 ، ص 13-23.(1) المصدر نفسه ، ص 241.
(1) المصدر نفسه ، ص 721.
(2) المصدر نفسه ، ص 721.
(1) المصدر نفسه ص 931.
(2) المصدر نفسه ، ص 831.
(3) المصدر نفسه ، ص 931.
(4) المصدر نفسه ، ص 931 ، وقارن ، في ذلك كله ، الفارابي ، تحصل السعادة طبعة الهند ، 6431 هـ ، ص 34 وما بعدها
(1) المصدر نفسه، ص 041- 141 ، وقارن للتفصيلات حول هذه الخصال ، افلاطون ، الجمهورية ، الكتاب السادس كله، الفارابي ، آراء اهل المدينة الفاضلة ، ص 501-111.
(2) تلخيص السياسة ، ص 241 ، حيث يشير ابن رشد ، حول الخصال التي ذكرها للرئيس ، من انه يجب ان تكون فيه مجتمعة ، لانه قد تربى عليها منذ نعومة اظفاره .
(3) المصدر نفسه ، ص 671 .
(1) راجع ، ارسطو ، السياسيات ، ترجمة بربارة ، الباب الثالث ص 321 وما بعدها . وهنا يتناول ارسطو بالتساؤل هل اهل الصناعات ( الحرف مواطنون صالحون اما لا . فيجيب ( بلا ).
(2) تلخيص السياسة ، صفحة 96.(1) تلخيص السياسة ، ص 731- 831 ، وقارن ، افلاطون ، الجمهورية ص 631 وما بعدها .
(2) تلخيص السياسة ، ص 341.
( 3) راجع ، الفصل الاول ، مبحث نكبة ابن رشد للتفصيلات .
(1) تم تحديد هذه المراحل بدقة عنده ، راجع المقالة الاولى من تلخيص السياسة .
(2) المصدر نفسه ، ص 47.
(3) انظر ، افلاطون ، الجمهورية ، ك 3 ، وقارن ، ابن رشد تلخيص السياسة ، ص 301.
(4) راجع الفقرة ثانيا ( 3 ) من هذا الفصل (1) المصدر نفسه ، ص 07 وما بعده .
(2) هنا يبين اثر ارسطو فالفضيلة احدى السبل المؤدية الى الخير الانساني الاسمى وسخر له ارسطو جميع الافعال الأخرى والخيرات من ثروة وجاه ونشاط سياسي وعسكري واجتماعي . راجع ، الاخلاق ( بدوي ) ، ص 66.
اما الفارابي فقد تطرق لذلك في عدد من كتبه الالهية والخلقية ورد سعادة الانسان لضرب من الاتصال بالعقل الفعال .
ويعرف افلاطون العدالة فيقول ان اعظم اسباب كمال الدولة هو تلك الفضيلة التي تجعل كلاً من الاطفال والنساء والعبيد والأحرار والصناع والحاكمين والمحكومين يؤدي عمله دون ان يتدخل في عمل غيره ، وفي الموضع نفسه يقول » انما العدالة ان يمتلك المرء ما ينتمي فعلاً اليه ويؤدي الوظيفة الخاصة به «. راجع الجمهورية ( خباز ) كتاب الاول .
(1) الفارابي التنبيه على سبيل السعادة ، رسائل الفارابي ، حيدر آباد الدين 5431 هـ
(2) راجع مقدمة المقالة الأولى من كتاب تلخيص السياسة .
(3) راجع تلخيص السياسة ص 66 وما بعدها وقارن د، ماجد فخري الاخلاق عند ابن رشد ( من اعمال مؤتمر الجزائر ) 5891 ،ص 991.
(1) تلخيص الخطابة ، ص 611 .
(2) تلخيص السياسة ، ص 911(1) تلخيص السياسة ، ص 17 .
(2) انظر ، ابن رشد ، تلخيص السياسة ، المقالة الاولى وقارن ارسطو في كتابه السياسة باب اول فصل 31 ان الرق عدل وانه متفق مع الطبيعة وليس مجرد نظام فرضه القانون .
ويرى افلاطون في نظريته السياسية انه ليس هناك فارق بين علاقة السيد بالعبد وعلاقة الحاكم بالمحكوم
Vlastos , slavery In plato' s Thought In Slavery In Antiquity op cit , p. 137.
(3) تلخيص السياسة ، ص 121 ، وقارن افلاطون ، الجمهورية ك 4 ، ص 011 .
(4) المصدر نفسه ، ص 221 .
(5) تلخيص الخطابة ، ص 98 .(1) تلخيص الخطابة ، ص 07
(2) المصدر نفسه ، ص 24
(3) المصدر نفسه ، ص 34
(4) المصدر نفسه ، ص 44 قارن ابن سينا الحكمة العروضية تحقيق محمد سليم سلم ص 5 وما بعدها .
(5) تلخيص الخطابة ، ص 27
(6) عباس محمود العقاد ابن رشد ، ص 19 (1) تلخيص السياسة ص 811.
(2) المصدر نفسه ، ص 811
(3) ارسطو الأخلاق ص 9 " واما العفة ففضيلة يكون بها المرء في شهوات البدن على مقدار ما تأمر به السنه وأما الفجور فخلاف ذلك .
(1) تلخيص الخطابه ، ص 991-002.
(2) المصدر نفسه ، ص 102 - 202
(3) المصدر نفسه ، ص 102- 202
(4) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج 2 ، ص 464 .
(5) رينان ، ابن رشد والرشدية ، ص 071 ، فرح انطون ، ابن رشد وفلسفته ، ص 95 .(1) تلخيص الخطابة ، ص 051.
(2) المصدر نفسه ، ص 941.
(3) المصدر نفسه ، ص 841.
(4) المصدر نفسه ، ص 611.
(5) المصدر نفسه ص، 691- 791.
(1) المصدر نفسه ، ص 29-39 ،
المعتزلة يسمون انفسهم اهل توحيد وعدل ، توحيد لانهم يكثرون تعدد الصفات واهل عدل لأنهم ينقضون الفكرة التي تقول ان الله سبحانه وتعالى يرتكب الظلم ، بمعنى ان العاصي او الكافر ليس مسؤولاً عن عصيانه وكفره.
فالعدل عند المعتزلة صفة من صفات الله لأنها صفة الكمال . ولايمكن ان تكون افعاله مخالفة لما يقتضيه العقل الذي يفرق بين الحسن والقبيح ، ويقرر ان هناك اشياء قبيحة في ذاتها واشياء حسنة في ذاتها . فالشريعة يجب ان تكون مطابقة لما يقرره العقل من الأمر باحسن والخير و النهي عن المنكر والشر وهكذا جاءت الشرائع تأمر بالفضائل وتنهى عن الرذائل . اي ان العقل اساس لتقرير القيم الاخلاقية . راجع المصدر اعلاه
(2) 01 يونس 44.
(3) 8 الانفال 15 .
(4) الكشف عن مناهج الأدلة ص 601.
(5) التأويل ، بتعريف ابن رشد هو اخراج اللفظ من دلالته الحقيقية الى دلالته المجازية ، انظر ، فصل المقال ، نشرة عمارة ، ص 22 .
(1) الكشف عن مناهج الأدلة ، طبعة محمود قاسم ، ص 49 -101 ،
والأشاعرة يرون ان ارادة الله مطلقة مالك الملك وحده يفعل فيه ما يشاء . فلا يوصف فعله الذي قد يخالف العقل بأنه قبيح او ظلم أو شر ، هم يقولون ان الله يخلق الخير والشر ويريدهما ... الشرع يحدد طبيعة الحسن والقبيح - وان العقل لا دخل له في التمييز بين هذين الأمرين .
(2) 42 فصلت 64.
(3) 42 فصلت 64.
(4) 4 النساء 04.
(1) المعتزلة - ترى ان الانسان له قدرة على افعاله الاختيارية التي يتردد فيها أمام الفعل والترك فاذا فعلها كانت مخلوقه له . اما الافعال الاضطرارية التي تتم دون تدخل الاراده ليست من صنعه واختياره . الافعال الأولى مخلوقه للأنسان فيثاب ويعاقب عليها . اذ لا يجوز ان يثاب ويعاقب على افعال اجراها الله على يديه . العبد اذاً خالق لأفعاله قارن ، كتاب البير نصري نادر ، فلسفة المعتزلة ، بغداد 0591 .
(1) الكشف عن مناهج الأدلة ص 701-801.الجبرية - يميل اهل الجبر وعلى رأسهم جهم بن صفوان ، الى ان افعال الناس ليست من صنعهم ، فالله يخلقها ، ولا فرق بين افعالهم الاضطرارية وافعالهم الأخرى فالانسان مجبر تمام الجبر ، لأنه مجرد من كل قدرة وارادة . الله يخلق افعاله ثم يجبرها على يديه فهو كريشة في مهب الريح يقولون ان افعاله تنسب اليه مجازاً . كما نقول سقط الحجر ، واستدلوا ببعض الآيات كقوله تعالى » الله خالق كل شيء " وكقوله تعالى " والله خلقكم وما تعملون " . انظر مقدمة كتاب الكشف عن مناهج الادلة .
(2) 45 القمر 94.
(3) 72 الحديد 12
(4) 24 الشورى 03.
(5) 2 البقرة 682
(6) 71 الاسراء 51
(7) 4 النساء 97.
(8) 31 الرعد 11.
(1) انظر ، الكشف عن مناهج الادلة ، ص 622 وما بعدها ، وقارن ، رؤوف عبيد ، في التسيير والتخيير ، القاهرة 6791 ، ص 542 .
(2) الكشف عن مناهج الادلة ، ص 822.
(3) المصدر نفسه ، ص 922 .