حرب حزيران


مروان حبش
- 22/06/2008

 

 

 



ما يثير الدهشة ، والزمن يقترب من نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، وجود أشخاص نشؤوا على عبادة الفرد ومازالوا يجهدون أنفسهم لإسقاط كل أخطائه على معاونيه


 

وأن الآخر هو من ارتكب الآثام بحق معبودهم ، وما معبودهم ، هذا ، إلا المعصوم والحكيم والمنزه الذي يرون فيه ضربا من عبق الألوهية ، ويغيب عن بالهم المقولة التي تقول : إذا كان الحاكم يعرف ما يرتكبه معاونوه ويصمت فتلك مصيبة ، أما إذا كان يجهل ما يرتكبوه فالمصيبة أعظم .
وإذا لم يكن من اللائق اتهام عبدة الأصنام هؤلاء ، ولكن من الواجب دحض تهيوآتهم وإسقاطاتهم وتبريراتهم بالحقائق ، حتى نقدم للأجيال تقييما موضوعيا يساعدهم على معرفة ما حدث .
كتب أحدهؤلاء : الأكثر قربا من المنطق ـ وإلى أن يثبت العكس ـ أن النظام السوري آنذاك دبت في أوصاله مخاوف الرعب من أن تتصاعد الأزمة بعد حشد القوات المصرية في سيناء ، وهو أدرى الناس بمحدودية قدراته على الانخراط في حرب نظامية مع إسرائيل وأحوال الجيش السوري في الدرك الأسفل بعد التسريحات الكثيفة و المتعاقبة لخيرة كوادره بعد 8 مارس/آذار 1963 ووصولا إلى سبتمبر/ أيلول 1966... آلاف من كوادر الضباط وجدت طريقها إلى المنازل خلال تلك السنوات الثلاث لتفرغ الجيش السوري من أي قدرة ملموسة له على القتال .
وحسب معلوماتي أن عدد ضباط الجيش السوري قبل آذار 1963 لم يبلغ الآلاف المؤلفة التي يذكرها ذلك الكاتب .
كما أن الجيش المصري الذي حافظ على كوادره ، ولم تطله التسريحات انسحب من ميدان القتال منذ الساعات الأولى لبدء الحرب .
إن هزيمة 1967 قد أصبحت واقعا تاريخيا في المجرى العام للصراع العربي / الصهيوني ، ولقد كتب الكثير عن حرب حزيران 1967 وعن أسباب الهزيمة التي ألحقها جيش الصهاينة بالجيوش العربية , ورغم اعتراف الزعماء الصهاينة بمذكراتهم ، ورغم ما كشفته الوثائق التي نشرت وكلها تشير إلى أن قادة الكيان الصهيوني بالتنسيق مع إدارة جونسون ، هم الذين خططوا ومهدوا للعدوان وهم الذين بدؤوا الهجوم ، وهذا أمر بديهي ، لأن الحرب بين الكيان الصهيوني والعرب لم تكن قد انتهت ، ولن تنته حتى يعود الحق العربي ، والأجيال العربية ، بشكل عام ، والأجيال الفلسطينية بشكل خاص تعي ما هي الأطماع الصهيونية ، وما هي الحقوق العربية في فلسطين وتعي أن الصراع بين الحركة الصهيونية وحركة القومية العربية هو صراع وجود .
ومن طبيعة هذا الصراع كان لا بد من التخلص من حملة راية حركة القومية العربية بضربها المستمر لاستئصالها من جذورها وإخراج مصر من دائرة الصراع ، وتأسيس أنظمة قطرية تتخلص رويدا رويدا من ارتباطها القومي ومن التزامها بالقضية الفلسطينية خاصة وبالقضايا العربية بشكل عام .
ويجب أن نتذكر دوما أن الكيان الصهيوني قد أنشئ في منطقة مصالح الاستعمار الاستراتيجية والبترولية ، بعد أن صدرت أوربا الغربية المسألة " اليهودية " التي وفدت إليها من روسيا وأوربا الشرقية ، إلى فلسطين العربية ، أنشئ هذا الكيان وعلى الغرب توفير كل عوامل الدعم له لحمايته ، الدعم العسكري والتقاني والمالي غير المحدود .
كان لابد من البحث عن أساليب تتلاءم مع واقع العرب الاجتماعي والعسكري تمكنهم من استعادة حقهم في فلسطين وتمكنهم من تحقيق دولة الأمة .
لم تكن تلك العوامل خافية عن مناقشات القيادات الحزبية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وأدرك الحزب أن لا التسليح الحديث وحده هو الذي يصنع الجيش الحديث ، ولا الانضباط العسكري وحده يحل محل وعي الجندي بمهمته ، ولا ينتزعه من أفاعيل التخلف الاجتماعي ، ولا يزوده بالإعداد التكتيكي والقدرة على المبادرة .
لقد أدرك الحزب ضرورة إعادة النظر في البنى الهيكلية للجيوش العربية وفي تحديث تسليحها وتدريبها إلى جانب اللجوء إلى حرب غير الحرب بين الجيوش النظامية ، إلى حرب الشعب أي حرب التحرير الشعبية .
ولقد ورد في مذكرة لقيادة الحزب القومية بتاريخ 31/12/1961 ، حول قضية فلسطين، وجهتها إلى مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في بغداد <إن إبعاد جماهير الشعب عن قضاياها الأساسية يفقد هذه القضايا الوعي والكفاءات والقوة الضرورية لانتصارها ، ويحول دون بناء مجتمع ديمقراطي شعبي قوي قادر على مواجهة خطر إسرائيل وتحمل مسؤولية تحرير فلسطين وتصفية الاستعمار . وورد < إن حزب البعث العربي الاشتراكي يطالب مؤتمركم باتخاذ قرارات تلزم جميع الحكومات العربية ب : إطلاق الحريات لأبناء فلسطين المقيمين في جميع الأقطار العربية لتنظيم صفوفهم في جبهة تحرير فلسطين ، وتقديم كافة المساعدات المادية والقانونية التي تكفل لهذه الجبهة ممارسة عملها النضالي ، واعتبارها ذات اختصاص مباشر في جميع الشؤون المتعلقة بقضية فلسطين >.
وإن حزب البعث في مؤتمره القومي التاسع الذي انعقد في نهاية شهر أيلول 1966 قد أقر تبنى أسلوب الحرب الشعبية ، كبديل لسباق التسلح ورديف للحرب النظامية في الوقت الملائم ومن هذا المنطلق ، استقبلت سورية منذ أواخر عام 1964 منظمات العمل الفدائي الفلسطينية وقدمت لها كل الإمكانيات المتاحة لتأهيل نفسها وممارسة نشاطها ، وأعلنت حركة تحرير فلسطين < فتح > من دمشق، عن قيامها بأول عملية لها في فلسطين المحتلة في الأول من كانون الثاني 1965 ، واعتبرت ذلك التاريخ يوم بدء العمل المسلح الفلسطيني ( الثورة الفلسطينية ) .
وكان الحزب يرى أن الشعارات الداعية إلى التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني " وهو لن يتحقق أبدا " تهدف إلى استنزاف الموارد الاقتصادية وخلق اليأس للوصول إلى تسويات على حساب الحق العربي ، ومن هذا الإدراك
رفضت سورية في مؤتمر رؤوساء الحكومات الذي انعقد في القاهرة ما بين 14 / 3 و17 / 3 عام 1966 دعوة توازن القوى واعتبرته وسيلة لدعم العدوان الصهيوني ، ودعت الدول العربية إلى تنظيم علاقاتها مع الدول الأجنبية على أساس مواقفها من قضية فلسطين
لقد حدد مجلس الوزراء الصهيوني برئاسة بن غوريون بجلسة له عام 1949، استراتيجية < اسرائيل > ب:
-
إخراج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني .
-
تأمين أنظمة في الدول العربية تقبل الاعتراف ب < اسرائيل > .
ومن المعلوم في تلك الفترة ، أن < اسرائيل > بكل حروبها كانت تسعى للوصول إلى اعتراف العرب بها .
وأن تأمين الأنظمة الموالية يعني إزالة الأنظمة الرافضة .
وهنا يأتي دور ملكي السعودية والأردن " فيصل والحسين " ، من نقلهما مع ملك المغرب تفاصيل الخطة المقدمة من قائد القيادة العربية الموحدة للجيوش العربية لتحرير فلسطين والتي أقرها مؤتمر قمة الدار البيضاء ( أيلول 1965 ) إلى الولايات المتحدة وإلى حكومة الكيان الصهيوني ، رغم الاتفاق على أن يبقى هذا القرار في غاية السرية ، ويأتي دورهما في المساعدة على التعبئة ضد نظامي الحكم في ال ج . ع . م وسورية .
وتبدأ الممهدات لحرب حزيران باتفاق عام 1965 بين أنجلتون ، وهو مدير العمليات في وكالة ال C I A ، وبين مسؤولين من الموساد هدفه التخلص من ناصر من خلال مواجهة عسكرية لا يستطيع الانتصار فيها ، ولهذه الغاية يتم استغلال الوضع في سورية وعلاقة مصر مع الاتحاد السوفييتي كمبرر للمواجهة ، ولكنها مواجهة يمكن احتواؤها لإبقاء علاقات وثيقة مع الملكين فيصل وحسين ، ولتحقيق ذلك أعلم ضباط المخابرات المركزية في عمان الخطة للملك حسين تاركين له حرية أن يقرر كيف يتصرف .
وتستمر الممهدات بتصريحات القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة بإسقاط نظام الحكم في دمشق لدعمه العمل الفدائي الفلسطيني .
فأوردت وكالة يونايتد برس بتاريخ: 13 أيار (مايو) 1967 نبأ عن لسان مسؤول إسرائيلي في القدس، قال فيه : إنه إذا استمرت سورية في حربها التخريبية ضد <إسرائيل > فإنها ستتسبب في عمل عسكري من جانب < إسرائيل > يستهدف القضاء على نظام الحكم الحالي في دمشق ، وأضافت الوكالة: أن إسقاط حكم البعث في دمشق قد يلقى ترحيبا لدى الدوائر الرجعية العربية .، كما أن المراقبين في القدس المحتلة يرون أن السوريين يعتزمون تحويل إسرائيل إلى فيتنام ثانية كمقدمة للحل الذي يرونه لقضية فلسطين ، وقالت الوكالة أن التفسير الوحيد لموقف سورية هو أن أكثر أعضاء الحكم الحالي في دمشق من الشباب العقائديين الذين يعطون مضمونا ثوريا للقومية العربية، والذين يرون في إسرائيل عدوتهم اللدودة.
تذرعت < إسرائيل > بدعم سورية للمقاومة الفلسطينية وباشرت تطلق ، تهديداتها بغزو دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها ، كما كثفت من اعتداءاتها في المناطق المجردة لزيادة تبادل إطلاق النار .
وتناقلت وكالات الأنباء ، يوم 14 / 5 ، في القدس المحتلة وتل أبيب ، الأخبار عن تصعيد المسؤولين < الإسرائيليين > لهجة تهديداتهم ، فما أن سلمت < إسرائيل > ردها إلى السفير السوفييتي الذي أوردته وكالة يونايتد برس : ( أن إسرائيل سلمت أمس إلى السفير السوفييتي رد حكومتها على الإنذار الذي وجهته حكومة الاتحاد السوفييتي إلى < إسرائيل > في الشهر الماضي عن قيام إسرائيل بأعمال انتقامية ضد سورية ) . حتى تتالت التهديدات ، فأوردت وكالة رويتر في برقية لها ، أن المراقبين في تل أبيب صرحوا بأن لهجة الخطب العامة للمسؤولين في < إسرائيل > قد ازدادت حدة بصورة كبيرة في الأيام القليلة الماضية عقب وقوع مزيد من هجمات الفدائيين آخرها انفجار في طريق طبريا . وفي نبأ لوكالة الأنباء الفرنسية ، أن ليفي أشكول عاد إلى تهديداته ضد سورية وقال أنه لابد من حدوث صدام مسلح خطر بين < إسرائيل > وسورية إذا لم يكف الفدائيون الفلسطينيون عن نشاطهم داخل < إسرائيل > . وأضاف رابين تهديدات أخرى فقال : إن < إسرائيل > سوف تتصرف بازاء سورية ولكن بطرق مغايرة لتلك الطرق التي انتهجتها < إسرائيل > بهجماتها السابقة على الأردن ولبنان ، وأضاف : أن أهداف الرد الإسرائيلي سوف تكون مغايرة أيضا .
في 13 أيار أبلغ الاتحاد السوفييتي سورية والمتحدة عن وجود حشود عسكرية < إسرائيلية > على الجبهة السورية ، وأن < إسرائيل > تستعد لبدء عملية واسعة لقلب النظام في دمشق .
انتقلت إدارة الأزمة وقيادة المعركة إلى القاهرة ،بعد أن أعلن الرئيس عبد الناصر، يوم 23 أيار ( مايو) إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة (الإسرائيلية)، دون إطلاع القيادة السورية، أو التشاور معها لتنسيق الخطوات اللاحقة ، ولمعرفة ما يجري وما يفكر به قادة الـ ج.ع.م، وما هو المطلوب من سورية للمشاركة في دعم ما تريده المتحدة، وتنفيذ ما يقع عليها من مسؤوليات، قررت قيادة الحزب في نفس اليوم 23 أيار ، إرسال وفد سوري إلى القاهرة، ضم رئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس و رئيس الأركان العامة اللواء أحمد سويداني .
ابتدأ العدوان على المتحدة صبيحة يوم الخامس من حزيران ، وكان من نتيجة التأخير ـ بسبب الشلل والذهول الذي أصاب لعدة ساعات القيادة العسكرية في المتحدة ـ
في تحقيق الاتصال مع رئيس هيئة الأركان المشتركةفي القاهرة ، عدم معرفة أية خطة عسكرية " دفاع أم هجوم أم تعرض" يجب تنفيذها ، كما أدى ذلك إلى اضطراب وتشوش في بنى الخطط ، واكتفي في الساعات الأولى بالقصف المدفعي .
بدأ العدوان صبيحة الخامس من حزيران
وانتقلت على الفور ، بعد سماع نبأ بدء القتال من الإذاعات ، القيادة الميدانية المكونة من رئيس الأركان أحمد سويداني ونائبه اللواء عواد باغ ورؤوساء الإدارات في الجيش انتقلت هذه القيادة فورا إلى غرفة العمليات في القنيطرة ، بينما بقي وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد يساعده بعض المعاونين في دمشق لقيادة القوات وإدارة المعارك .
تجاه الوضع الحرج على الجبهة الأردنية ، طلب الفريق عبد المنعم رياض ، بصفته قائد الجبهة الشرقية ، من قيادة الجيش السوري نجدة الأردن عسكريا وبسرعة ، مما اضطرها إلى سحب تشكيل عسكري مع حماية بمدافع م/ط بقيادة ضابط كفء" المقدم صلاح نعيسة "، من مواقعه في الجبهة ، وتحريكه يوم 8 / 6 وفي وضح النهار وتحت رحمة الطيران المعادي ،وحين وصل التشكيل إلى الأردن كان قد بدأ تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بينها وبين < إسرائيل > - التي كانت قد أتمت سيطرتها على كامل الضفة الغربية إضافة إلى مناطق أخرى في الغور - ، وعاد التشكيل ، بناء على أمر من الفريق عبد المنعم رياض ، بعد أن فقد بعض آلياته ، وهو في حالة إنهاك ، إلى مواقعه التي تحرك منها ، وحاول سليم حاطوم بتوجيه من وصفي التل السيطرة على اللواء والدخول به إلى سورية لاستلام السلطة .. وليس كما كتب ذلك الكاتب : ( المضحك هو أنهم وهم فيما هم فيه من رعب شل تفكيرهم ، أرسلوا لواء مشاة لنصرة الأردن فذهب ليقيس الأرض ذهابا و إيابا دونما قتال ولاما يحزنون ) .
نتيجة، لما حدث، قرر قادة ال ج.ع.م وملك الأردن و< إسرائيل > ، قبول قرار وقف إطلاق النار الذي يجب أن يدخل إلى حيز التنفيذ في الساعة 2 و20 د من يوم الخميس 7 حزيران ، ولكن <إسرائيل > وبدعم من أمريكا ، استغلت هذا القبول ، وواصلت عدوانها في يوم 8 / 6، حتى بلغت أهدافها التي كانت قد حددتها سابقا على الجبهتين المصرية والأردنية .
أعقب ذلك ، إعلان الرئيس عبد الناصر في كلمته إلى الأمة عن استقالته من مناصبه ، كما أكد في هذه الكلمة عن تحمله مسؤولية ما حدث بشكل كامل، ثم عودة الرئيس عن الاستقالة تحت ضغط الشعب العربي في مصر، ورؤساء بعض الدول العربية التقدمية. وبعد عودة الرئيس ناصر لتحمل مسؤولياته من جديد، أرسل مساء 8/ 6 /1967إلى الرئيس نور الدين الأتاسي، برقية حملها إليه أحمد جبة سفير ال.ج .ع.م في سورية ،
وهذا نصها :
الأخ الرئيس نور الدين الأتاسي:
إنني أعتقد أن < إسرائيل > على وشك حشد كل قواتها ضد سورية من أجل تدمير الجيش السوري، وأنا أرى لنفس الأسباب التي دفعتني إلى ذلك، أن أنصحك بالموافقة على قرار قبول وقف إطلاق النار ، وإنهاء كل الأعمال الحربية، وإخطار يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة، على الفور، من أجل الحفاظ على جيش سورية العظيم.
لقد خسرنا هذه المعركة، وعسى الله أن يوفقنا في المستقبل.
أخوك
جمال عبد الناصر
أما النص الذي ذكره هيكل ، وان كان المضمون واحدا ، فهو :
"
إننا هزمنا في هذه الجولة ، والواجب يحتم علي في هذه الأوقات الحزينة أن أرجوكم في قبول وقف إطلاق النار على الجبهة السورية ، فقد قررنا في مصر قبوله بعد الخسائر التي لحقت بنا ، وإني أفعل ذلك بحس المسؤولية القومية وبقلب مثقل بالهموم ، ودافعي إلى هذا الطلب هو الحرص على سلامة الجيش السوري ، وعلينا أن ندخر ما تبقى من قوانا لمرحلة أخرى
جمال عبد الناصر
لقد قررت القيادة السورية ، ليل 8 / 9 حزيران ، و بعد مناقشتها رسالة الرئيس ناصر، وبأغلبية أعضائها ـ تم الاتصال ، هاتفيا ، مع الأعضاء الموجودين في مراكز المحافظات لمعرفة وجهة نظرهم ـ موافقتها على قرار مجلس الأمن، أيضا ، كما أبلغت الخارجية السورية هذه الموافقة إلى أوثانت وإلى القيادة السوفييتية بواسطة السفير السوفييتي بدمشق ، ولكن( إسرائيل ) بالتواطؤ مع الولايات المتحدة لم تلتزم بما كانت قد أبلغت به مجلس الأمن بالموافقة ، واستمرت في عدوانها حتى ليل يوم 10 حزيران " يونيو" وأتمت تنفيذ خططها باحتلال جزء من الهضبة ..
توقفت الأعمال القتالية في الساعة 6 و 30 د من مساء يوم 10 / 6 ، ورغم ذلك قام العدو ، في يوم 12 / 6 بإرسال وحدة محمولة بطائرات الهليو كبتر للسيطرة على إحدى قمم جبل الشيخ
أصدرت القيادة القومية يوم الخميس 15 حزيران 1967بيانا سياسيا، ورد في بدايته :
<
منذ العدوان الإسرائيلي الغادر على القطر العربي السوري في 7 نيسان الماضي ، بدأت تتوضح المخططات الاستعمارية والصهيونية ، وتتصاعد أخطار العدوان المباشر على شعبنا ، وتتالت تصريحات المسؤولين الاسرائيليين باحتلال دمشق واسقاط نظام الحكم الثوري فيها ....>
ولقد حدد البيان المذكور الأغراض التي يهدف العدوان لتحقيقها ب :
1 –
إيقاف المد الشعبي التقدمي وإسقاط إرادة الكفاح الجماهيري لبناء دولة العرب الحديثة
2 –
إعادة الوطن العربي إلى مناطق نفوذ الاستعمار المباشر وتأمين حماية مصالحه البترولية
3 –
تحطيم الجيوش العربية التي بناها الشعب بجهده وتضحيته بعد أن شعر العدو بتزايد خطرها على وجوده .
4 –
تحقيق أحلام الصهيونية في التوسع وترسيخ وجودها المفروض في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية
بعض أسباب الهزيمة
لا مبرر للدخول في سجال حول المدة الزمنية التي حسمت فيها المعركة ، وهذا ، بالطبع ، لا يقلل من أهمية عامل الزمن فيما لو استمر القتال لفترة أطول ، ولكن ذلك لن يغير من النتيجة ، أي أن الجيوش العربية النظامية لن تستطيع الصمود أمام الجيش الصهيوني .
كما لا يجوز كيل الاتهامات بالخيانة على شخصيات اختارها هذا الرئيس أو ذاك لتكون دعائمه في الحكم ويعتمد عليها في إدارة شؤون البلد ، وتحميلها مسؤولية الهزيمة ولو بشكل جزئي
إن للهزيمة أسبابها ، ومن المفيد البدء بذكر ما أوردته مجلة دير شبيغل:
ورد في العدد 18 لعام 1998 من مجلة دير شبيغل الألمانية : ( بعد النصر الإسرائيلي السريع جدا عام 1967 الذي لا نريد مناقشة أسبابه ولا التعرض للمؤامرات السوفييتية والأمريكية معا لخديعة السوريين والرئيس عبد الناصر والمساعدات الأوروبية التي رتبت هذه الحرب لتحصل
هذه النتائج المحبطة للعرب وظن الإسرائيليون أنهم انتصروا نتيجة حربهم الخاطفة ) .
ومن الأسباب التي أدت إلى الهزيمة:
عدم وجود تكافؤ في القوى ، لا من حيث العدد ولا من حيث كمية السلاح ونوعيته .
عدم وجود خبرات قتالية عند الجيوش العربية ، ومنها جيشي مصر وسورية ، كما يوجد تباين واضح في مستوى القيادات العسكرية العربية مقارنة بالقيادة العسكرية الصهيونية .
عوامل التخلف ( الاجتماعي والاقتصادي والتقاني والعلمي ) التي تسود المجتمعات العربية مقارنة بعوامل التقدم الحضاري التي يتمتع بها الكيان الصهيوني .
طبيعة أنظمة الحكم التي تسود في الأقطار العربية
الدور غير العسكري الذي تصدت الجيوش العربية للقيام به مما أدى إلى نتائج سلبية على الدور الرئيس للجيش ، وإلى استنزاف إمكانياته والتسريح المستمر لكوادره .
إن ما يضعف من كفاءة الجيوش العربية ، هو أنها ترتبط بمهامها بإرادة السلطة الحاكمة ، وهي سلطة فرد أو عدد من الأفراد ، بينما رباطها يجب أن يكون بنظرية أمن قومي راسخة في المستوى الوطني
ويمكن أن نضيف أيضا :
1
ـ عدم تمكن القيادة الموحدة من التنسيق بين الجبهتين المصرية والسورية ، إضافة إلى العبء الذي كونته الجبهة الأردنية على رئيس أركان الجبهتين ، وهذا سمح للعدو بأن يستفرد كل جبهة على حدة ويحقق تفوقا مطلقا بغياب الغطاء الجوي العربي .
2
ـ عدم قدرة القيادات العسكرية في البلدين على استخدام قواتهما ووسائلهما العسكرية ، لا في خطط هجومية شاملة أو محدودة بسبب التراجع عنها وعدم البدء بإطلاق النار ، ولا في خطط الدفاع التي كان للتفوق الجوي < الإسرائيلي > دور كبير في تدمير القوات المدافعة.
3
ـ عدم التكافؤ في نوعية الأسلحة وتنظيم القوات وهيكلتها وفقدان القيادات العسكرية لحرفتها ، الأمر الذي حقق للعدو تفوقا ، خاصة بعد تدمير المطارات وأسلحة الجو في المتحدة وسورية، وانهيار معنويات القيادات العسكرية التي أمرت قواتها بالانسحاب غير المنظم رغم أن بعض القطع كانت لا تزال سالمة .
إن حرب الأيام الستة ، هي حرب الطيران < الإسرائيلي > ، فلقد توصل هذا الطيران إلى شل الطيران العربي بتخريب منشآته ومدارج مطاراته وبتدمير القسم الأكبر من مطارداته وقاذفاته وشاحناته ، وأتاح التقدم المنظم لقوات العدو البرية وترجم إلى الواقع مذهب الحرب المنقولة إلى أرض الخصم . وكان النجاح الذي حققه هذا الطيران منذ ال 80 دقيقة الأولى من القوة بحيث أنه قرر مصير المعركة التي لم تكد أن تبدأ .
كشفت هزيمة حزيران عن عجز وتخلف القيادات العسكرية العربية ، وخاصة في دول المواجهة العربية ، وعن عدم قدرة القيادات السياسية في الوقت ذاته على إدراك حقيقة عدم صلاحية وكفاءة قياداتها العسكرية أو عدم قدرتها على تدارك وضع القيادات المذكورة في الوقت المناسب .
يمكن القول أن كل هذه الأسباب أدت إلى الهزيمة ، ولكن لا بد من طرح بعض التساؤلات :
هل هزيمة العرب عام 1948 كانت بسبب الأنظمة الاستبدادية ؟

-
هل انتصار النازية واحتلالها أكثر الدول الأوربية كانت بسبب غياب الديمقراطية وتغييب المجتمع المدني والقضاء على الطبقة الوسطى في تلك الدول المهزومة، وبالتالي هزيمة لأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتوافرها في ألمانيا النازية ؟
-
هل وصول القوات الألمانية إلى مشارف موسكو ولينينغراد وفولغا غراد سببه النظام الستاليني وحكم الحزب الواحد ، ثم تحرير الجيش السوفييتي لبلاده تم بواسطة نظام ديمقراطي جاء على أنقاض حكم الحزب الواحد؟
-
هل تحققت هزيمة القوات الفرنسية في الجزائر على يد قوات جبهة التحرير الجزائرية لأنها أكثر حداثة وأكثر تقانة وأكثر تقدم في بناها الاجتماعية والسياسية ؟
-
هل تحققت هزيمة الولايات المتحدة في فييتنام على يد نظام ديمقراطي – صناعي – تقاني في فييتنام الشمالية يمد القوات الشعبية المقاتلة في الجنوب؟
-
هل ما تلحقه المقاومة العراقية بالقوات الأمريكية نتيجة لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي متقدم ؟
والأمثلة كثيرة ، وإنني أحسب أن الانتصارات أوالهزائم في الحروب أمر له أكثر من سبب ، أي أنه أمر أكثر تعقيدا مما أوردته كتابات بعض من كتبوا عن أسباب هزيمة حزيران ، ولا بد من التأكيد الدائم على أن الحرب التي تنتصر فيها الدول الضعيفة عسكريا والدول التي لا يسمح لها بتحقيق توازن استراتيجي في المجال العسكري ، والدول ذات البنى الاجتماعية المتخلفة ، هي الحرب الشعبية ، الحرب طويلة الأمد التي تنهك فيها قوات العدو وتنهار ماديا ومعنويا ، وبعد تحقيق هذه المعادلة يأتي دور الجيش النظامي في التحرير .

مروان حبش : ( كلنا شركاء ) 22/6/2008