تعقيب على د.الحمش واقتصاد السوق الاجتماعي
مروان حبش
( كلنا شركاء) 10-07-05
تعقيب على ورقة الدكتور منير الحمش المنشورة على موقع < كلنا شركاء > بتاريخ 2/7/2005 حول < اقتصاد السوق الاجتناعي >
لابد أن الأفكار والتساؤلات والمخاوف التي طرحتها ورقة الدكتور منير جاءت في مكانها وكانت تعبيرا عن قلق قطاعات واسعة من الشعب الذين يتساءلون : إلى أي مجهول نسير ؟ يتساءلون وهم ينحدرون نحو خطي الفقر والجوع ، وحسب إحصاء تم إعداده بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وأعلن يوم 7/7 2005 فإن 3 ' 5 مليون مواطن سوري هم تحت خط الفقر .
لقد تطرق الدكتور منير في ورقته إلى ضرورة العودة للتاريخ الاقتصادي العالمي ، وسأتطرق ، أنا ، إلى بعض النقاط من التاريخ القريب لاقتصادنا ، وهدفي من ذلك ، توضيح أن الاستثمار الأجنبي والوطني في سورية ساهما في نهب الدخل القومي وزيادة عدد الفقراء وتدني دخل الفرد ، ورغم ذلك فليست العلة فيهما ، فيما حصل ، بل لنبحث عنها في مكان آخر .
حينما صدر المرسوم التشريعي133 لعام 1964 بإلغاء امتياز منهل للتنقيب عن النفط وعدم منح أي امتياز لشركات أجنبية ، كان بهدف استثمار النفط وطنيا ولم تكن الغاية تصديره بل سد حاجة القطر ، انطلاقا من أن احتياطينا منه محدود ومن أنه مادة استراتيجية يجب المحافظة عليها ولأطول زمن ممكن ، واكتفي في عقد الستينيات من القرن الماضي بتصدير النفط الثقيل ريثما يتم تعديل مصفاة حمص لتكريره وبناء مصفاة جديدة لتكرير هذا النوع من نفطنا . وكان التصدير يتم بطريقة المقايضة لسد بعض حاجات الخطة الخمسية الثانية .
وأيضا لم تكن السلطة في حالة عجلة من أمرها لإصدار قرارات التأميم في 1965 إلا بعد التأكد بأن أصحاب الشركات لم يعيدوا أموالهم المهربة منذ عهد الوحدة وهم يقترضون من البنوك ويهربون أرباحهم ويتهربون من تسديد ما عليهم من قروض ، كما أن بعضهم كان قد سجل منشآت كبيرة برأس مالها وعدد عمالها ، بعكس ما نفذه ، وسببت هذه الخديعة إدراجها في عداد الشركات المؤممة ، ولابد من التنويه بأن القطاع العام الصناعي ساهم بشكل فعال في تمويل خطة التنمية ، وخاصة الخطة المتعلقة بالقطاع الصناعي والتي كانت تطمح في الخطة الخمسية الثالثة الوصول إلى الصناعة الثقيلة وإنتاج آلات الإنتاج .... الخ .
إذن ، وكما أن العلة فيما نحن فيه ليس بسبب الاستثمارات الوطنية والأجنبية ، فهي ، أيضا ، ليست في القطاع العام .
إن العلة تكمن في نظرة رجال السلطة والمتنفذين فيها ومن شاركهم من التجار والمستثمرين إلى الثروة العامة ، هذه النظرة هي التي قادت إلى سلوك النهب والفساد وتوجه استثمار القطاع الخاص إلى القطاعات الخاطئة ، وليس معنى هذا حرمان القطاع من تحقيق الربح أو تقليله بل يجب منعه من النهب .كما قادت إلى ضياع هوية الاقتصاد ، حتى أصبح اقتصادا هجينا وغير محصن ، وكل شيء يمسك بخناقه وتتفجر فيه مشكلات هائلة .
إن السؤال الآن هو : هل سيعود نبض الحياة إلى اقتصادنا ، وكيف ؟ وهل نستطيع استقبال عصر العولمة والدخول فيه ونثبت بأن لنا وجودا في كل المجالات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية ، وفي الثقافة والتكنولوجيا ، أيضا ؟
تكلمت ورقة المحاضر عن النموذج ، وأحب أن أقول بهذا الخصوص بأن مشكلات اقتصادنا ليست وليدة المصادر ذاتها التي تولدت عنها مشكلات البلدان الأخرى ، إن كانت في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية وأنتجت النظرية الكينزية ( الرأسمالية الموجهة ) لبعث القدرة في النظام الاقتصادي الرأسمالي عن طريق توجيه الاقتصاد من قبل الدولة .......وأن تزيد الدولة من الإنفاق على الأغراض اللا إنتاجية ، أو إن كانت النماذج في آسيا ( من نمورها إلى الصين ) ، إن مشاكل اقتصادنا ناتجة عن مشكلات خاصة به وبالتالي فإن لها حلولها الخاصة ، أيضا .، أي ليست لها بالضرورة حلول البلدان الأخرى .
من الطبيعي أنه لاشيء مستحيل ، وأن إرادة الإنسان بوسعها أن تتحول إلى فعل وفي حالة كحالتنا لا يمكن التفكير بإلغاء دور الدولة أو التقليل منه في التنمية وفي تحديد اتجاه النمو ومعدله ، وفي تحديث الاقتصاد ، وفي إنجاز ، وبسرعة ، الشروط الضرورية والمناخ الملائم للاستثمار المحلي والأجنبي وإصلاح المشروعات المملوكة للدولة .
إن ذلك يتطلب دولة قوية ، كما ذكر الدكتور منير ، وإن الدولة القوية برأيي .، هي دولة المؤسسات بسلطاتها المستقلة عن بعضها والمتوازنة في صلاحياتها فيما بينها ، وفيها المجتمع المدني الفعال ، الدولة التي يتحقق فيها مفهوم المواطنة ويترسخ ، ويعرف كل مواطن أن له حصة مضمونة من خيرات وطنه ، ويعيش في هذا الوطن وهو آمن على أمواله وكرامته ، وهذا ليس ، فحسب ، أحد الشروط ، بل أهمها لتحقيق الفرص وإزالة المخاطر من أمام المستثمرين ، إن كان قطاعا عاما أو خاصا .
نحن دولة نامية ـ إذا ما زالت هذه التسمية تصح علينا ـ ومشاكلنا الاقتصادية كبيرة ومتفاقمة ويزيد من تفاقمها ما تحمله إلينا الشراكات والعولمة من نذر شؤم ستنعكس أول ما تنعكس سلبا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، ومعالجتها يحتاج إلى نسب نمو عالية لترميم ما نهب ، ولامتصاص البطالة المتزايدة دوما ، واستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل ، وأظن أن فئة سياسية واحدة غير قادرة لوحدها على التصدي لهذه المشاكل ، وخاصة أنها هي المسؤولة ، بالكامل ، عما آلت إليه الأحوال ، إضافة إلى أنها فقدت كل مصداقية لها ، و أتت ورقة الدكتور منير على ذكر التناقض ، إذ لم ينته الإعلان عن الأخذ باقتصاد السوق الاجتماعي ، وقبل أن يبلور مركز القرار قصده من هذا المفهوم ، وقبل أن يعدل الدستور لتتلاءم مواده مع التوجه المتبنى ، يصرح وزير الاقتصاد بأن مجموعة من القرارات والقوانين الاقتصادية ستصدر حتى نهاية العام الحالي .
إن التصدي لما نواجهه لا يحتمل التجربة والخطأ ، كما أن مجابهة العولمة يكون بتطوير المحركات الأساسية لدينامية التنمية المستقلة بحيازة القدرة التقانية والعلمية والعمل على إنتاج سوق فعلية عبر الزيادة في الدخل القومي وتطوير معدلات النمو وتحقيق الاستقرار السياسي الديمقراطي والاعتماد الجماعي على النفس ، وهذا يحتاج إلى تعبئة كل قوى المجتمع السياسية والاقتصادية الوطنية والجمعيات المدنية والأهلية ، هذه القوى ومن خلال مؤتمر وطني ،هي القادرة وهي صاحبة الحق في تقرير أي اقتصاد تريده للشعب ، وقوننته في عقد اجتماعي جديد ، لكي يتحمل كل المواطنين وعن وعي مسؤولية إنجازه ، وعلى أساس هذا النموذج تضع الأحزاب السياسية برامجها المعلنة وتلتزم بتنفيذها في حال وصولها إلى السلطة بشكل ديمقراطي عبر العملية الانتخابية.