_حـول المعـارضـة السـوريــة_

بدر الدين شنن : كاتب ونقابي سوري - هولندا

أخبار الشرق - 5 نيسان 2004

لا ريب أن المعارضة السورية قد حققت في السنوات الأخيرة، بنضال وتضحيات ومبادرات مختلف أطرافها، عدداً من الخطوات المتميزة في نضالها لإسقاط الاستبداد، وبناء سورية جديدة ديمقراطية منفتحة على استحقاقات العصر. واستطاعت بدعم مؤثر من منظمات حقوق الإنسان المحلية والعربية والدولية أن تكرس شرعيتها، وأن تحظى بتعاطف خارجي معها، وأن تفرض على النظام السوري الاعتراف الصريح بوجودها، واحتلت بامتياز ساحة واعدة في الخريطة السياسية؛ إن على المستوى السوري أو على المستويين العربي والدولي.

غير أن ما تم إنجازه حتى الآن، رغم أهميته، غير كافٍ. لا زال مجرد عدد من الخطوات على درب شاق طويل، وتشوبه نقاط ضعف، إذا لم تُعالج في وقت مناسب، فإنها ستتحول إلى عوائق صعبة التجاوز، وتجبر قوى المعارضة على المراوحة في مكانها، وتتيح فرص تدجينها وانكفائها. لا سيما وأن المهام المطروحة أمامها، لم تعد، بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وما تبعه من تهديد جدي للكيان السوري ضمن مخطط الهيمنة الصهيو - أمريكية على الشرق الأوسط؛ قاصرة على إسقاط الاستبداد وبناء البيت الداخلي، وإنما اتسعت لتندمج فيها المهام الوطنية بالمهام الديمقراطية، وكبرت بذلك المسؤولية التاريخية، وانفتح الصراع على مدى لم يكن بهذا الوزن وهذه الخطورة من قبل.

_إن أولى نقاط الضعف هي:_ الرهان على دور الخارج في عملية التغيير الديمقراطي، الذي وصل لدى البعض إلى حد اعتباره البديل عن الدور الوطني، وبدونه لا تغيير في سورية. بل وراح بعض آخر، تحت غطاء سياسي ذرائعي متعدد الألوان، يبرر ويستدعي "المنقذ" الأمريكي الهمجي على الطريق الأمريكية، أو "فارس الأمل" الأوروبي على الطريقة البلقانية، لإسقاط الاستبداد .. وإقامة دولة الحق والقانون والديمقراطية على الأرض السورية.

إلا أنه، من سوء حظ هؤلاء وأولئك، ومن حسن حظ الشعب السوري، أن المقاومة العراقية بتصديها البطولي للاحتلال الأمريكي وتوابعه، قد كشفت زيف وكذب الديمقراطية الأمريكية، وعرّت الدور الاستعماري للاحتلال، وأجبرت كل الطامعين والمعنيين بالشرق الأوسط على إعادة النظر بحساباتهم، وجعلت مسألة الاجتياح العسكري الأمريكي لأي بلد عربي آخر، خاصة بحجم سورية، مسألة مثيرة للتردد وتطرح جدياً على بساط البحث خيارات أخرى. وبسبب الهم الذاتي لـ "فارس الأمل" الأوروبي النابع من تشابك المصالح الدولية، ولرغبته في إيجاد صيغة واقعية جديدة لإعادة رسم خريطة المنافع الدولية مع القطب الأمريكي الأعظم؛ أحجم عن الإقدام الحاسم على تنفيذ وعوده في ما يتعلق بالشأن السوري.

يُضاف إلى ذلك في هذا السياق، وهذا على جانب كبير من الأهمية؛ أن النظام السوري ما زال يمتلك الأوراق الهامة، التي تساعده على ضمان التواصل والتفاهم مع القوى الأوروبية الفاعلة، وضمان الرضى الأمريكي، الأمر الذي يوفر له ضمان التوازن الداخلي لصالحه، إلى أجل غير مسمى، مع بعض التحسينات "الديكورية".

إن الرهان على الدور الخارجي أدى إلى عدم الاهتمام جدياً بتعزيز التحالفات القائمة وتوسيعها وتوحيدها. وأدى إلى الوقوع في نقطة أخرى من الضعف هي: بروز نوع من الشعور بالرضى عن الذات، وسيطرة النزعة الإرادوية لدى معظم قوى المعارضة. فعدا عن عقد البعض المؤتمرات، وإضافة كلمة الديمقراطية إلى اسم الحزب، أو التبني المؤدلج للديمقراطية في سياق التوجهات المستقبلية، لم يحدث أي فعل حقيقي يوحي بالتجديد الحقيقي في بنية ورؤى هذه القوى. وبقيت الديمقراطية عارية دون كساء .. دون برنامج لتحقيقها. واقتصر الحراك من أجلها على الأوساط الثقافية والنخب السياسية. ومن خطا أبعد من ذلك قليلاً، أضاء القناديل، وحث الخطى بحثاً عن الطبقة الوسطى ليحملها شعاراته وطموحاته. وظل تقديم العرائض الموقعة باسم المثقفين، والتعاطي مع الإعلام الفضائي، وعقد منتدى هنا .. وإلقاء محاضرة هناك؛ هو سيد الأساليب في الفعل الديمقراطي، باستثناء الاعتصام الذي تم في الثامن من آذار 2004 أمام مجلس الشعب، واعتصام محدود لبعض الطلبة في جامعة حلب.

وثالث نقاط الضعف في حركة المعارضة السورية، أنها لم تضع في أولوياتها التوجه إلى القوى الشعبية .. عمالاً وفلاحين وموظفين ومنتجين صغاراً، الذين هم دون خط الفقر، ويشكلون 80 في المائة من الشعب. ولم تضع الدراسات الجدية عن الخرائط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقومية والثقافية والمذهبية. لم تطرح مجتمعة أو منفردة مشروعاً واحداً لحل مشكلة من المشكلات التي تعاني منها البلاد، مثل: البطالة والسكن والغلاء والفساد والأجور والأسعار والطبابة والمواصلات والأقليات القومية والحريات النقابية. وإذا كان هناك استثناء في هذه الظاهرة، فهو بروز من يطالب، عندما يحاول مقاربة المستقبل، بخصخصة المؤسسات الخدمية للدولة وبيع القطاع العام، دون أي حساب اقتصادي حقيقي، ودون أي اعتبار إنساني لمصير ملايين العاملين في هذا المجال، الذين سيكون مصير معظمهم الجوع والتشرد. وغاب بالتالي حضورها وفاعليتها وسط ملايين مقهورة ناقمة، هي صاحبة المصلحة الأساسية الحقيقية في الديمقراطية والإصلاح والعدالة.

إن السؤال الآن: هل يمكن للمعارضة السورية، على ضوء تجربتها في السنوات الماضية، أن تتلافى نقاط ضعفها والارتقاء إلى مرحلة جديدة في معركتها الكبرى بأبعادها الوطنية والديمقراطية والاجتماعية، إن على مستوى بناها التنظيمية والفكرية والسياسية، أو على مستوى تفاعل قوى الداخل مع حقوق الإنسان في الخارج، أو على المستوى الشعبي؟

بمعنى آخر .. هل المعارضة السورية قادرة، بوقت متوازن، على أن تقدم نفسها للشعب، أكثر من مجرد معارضة .. تتعاطى شعارات التحريض والاحتجاج. بل مشروع عهد جديد، ديمقراطي شفاف عادل، متطابق الشعار والمضمون، يملك البرامج العلمية الملموسة المفهومة من جموع الشعب، المطابقة بوضوح وصدق لأحلامه وحاجاته ومصالحه؟

الرجاء، كل الرجاء، أن يكون الجواب قيد التطبيق.