آرييل شاروون والتحلي بضبط النفس
بقلم: عبد الباري عطوان
التحلي بضبط النفس، والردود الانتقامية المعتدلة ليست من صفات ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي، واكتفاؤه بغارتين جويتين
استعراضيتين علي مواقع لحزب الله في جنوب لبنان كرد علي تدمير بلدوزر
وقتل جندي اسرائيلي، ما هو الا دليل افلاس، وعلامة ضعف، وانعدام
الخيارات الاخري، لخطورتها او لنتائجها العكسية اذا ما تم اللجوء
اليها.
فشارون يعيش مأزقا صعبا، متشعب الاطراف، ففي الداخل يواجه
اقتصادا متدهورا، وانتفاضة فلسطينية متواصلة، وعمليات استشهادية باتت
محل تسابق بين الرجال والنساء، وتحقيقات قانونية بالفساد، وفي الخارج
يواجه تصاعدا مرعبا للكراهية والقرف من كل شيء اسمه اسرائيلي وصهيوني
بسبب المجازر اليومية التي ترتكبها قواته في حق العزل في الضفة الغربية
وقطاع غزة.
المتحدثون باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي هددوا بالانتقام
من سورية ولبنان بعد عملية تدمير البلدوزر وقتل قائده، واصابة مساعده،
ولكنهم بلعوا هذه التهديدات وقالوا يوم امس ان اسرائيل لا ترغب في
التصعيد العسكري في جنوب لبنان، وتعتبر ان الغارة الجوية التي شنتها
امس هي رد معتدل علي الهجوم الذي قام به حزب الله.
سبحان الله، متي
كانت ردود فعل شارون معتدلة ، ومتي اكتفي بغارات استعراضية جوية.. انه
الخوف من فتح جبهة جنوب لبنان، في الوقت الذي تتصاعد فيه عمليات
المقاومة الفلسطينية في الداخل، وتتدهور سمعة اسرائيل وتصل الي الحضيض
علي مستوي العالم بأسره.
شارون يدرك جيدا انه لا يستطيع اعادة
احتلال جنوب لبنان، وتكرار خطيئته الكبري التي اقترفها عام 1982، تلك
الخطيئة التي ادت الي ادانته، والاطاحة به، واصابة رئيسه في ذلك الوقت،
مناحيم بيغن باكتئاب مزمن وانهيار عصبي انتهي به بالموت في مصحة عقلية
قهرا واحباطا.
مثلما يدرك ايضا ان حزب الله الذي ألحق الهزيمة
الاكبر بالدولة العبرية، واجبرها علي سحب قواتها من طرف واحد، ودون
شروط، لن يسكت علي اي هجمات او توغلات اسرائيلية، فصواريخ الكاتيوشا
بعيدة المدي جاهزة لقصف المستوطنات في الجليل الاعلي.
فتوغل بلدوزر
اسرائيلي لبضعة امتار داخل الحدود اللبنانية لم يقابل بالصمت، وجاء
الرد علي هذا الانتهاك فوريا ومزلزلا في الوقت نفسه، ورسالة واضحة
العنوان والتوقيت، ومثل هذه الردود هي التي يفهمها شارون وكل اركان
حكومته من المتطرفين العنصريين.
ملك اسرائيل كما يحلو لاتباعه وصفه
يواجه الاهانة تلو الاخري، والفشل تلو الآخر، بسبب سياساته الحمقاء،
والارهابية، حتي انحصر زئيره في التهديد باغتيال الشيخ الجليل المقعد
احمد ياسين، زعيم حركة المقاومة الاسلامية حماس .
فبعض سفرائه
يتصرفون كفتوات الملاهي الليلية وليس كدبلوماسيين حضاريين، وشاهدنا
الفضيحة الكبري في السويد، عندما اقدم احدهم علي تدمير عمل فني بطريقة
مخجلة، وامام عدسات التلفزة، لانه لا يروق له، معتقدا انه يقف علي ظهر
دبابة تقتحم احد مخيمات اللاجئين في جنين او جباليا، وليس في عاصمة
اوروبية تشتهر حكومتها بالحيادية، والنزاهة، ودعم مشاريع السلام
والوئام في العالم بأسره.
والسور العنصري الذي يبنيه طمعا في التهام
بعض اراضي المزارعين الفلسطينيين المسحوقين بسبب الحصار التجويعي الذي
يفرضه عليهم، بدأ يرتد عكسيا، وبشكل سلبي، ليس فقط علي حكومته، وانما
علي ابناء الديانة اليهودية السمحاء في العالم بأسره.
وعندما يقول
ستون في المئة من الاوروبيين ان اسرائيل هي الخطر الحقيقي علي سلام
العالم واستقراره، ومصدر كل الارهاب فان هؤلاء لم يقولوا الا نصف
الحقيقة، وهو قدر كاف علي اي حال لدق ناقوس الخطر، وفتح اعين العالم
علي مستودع الشر الحقيقي.
شارون ربما ينجح في اغتيال الشيخ احمد
ياسين، وتدمير المزيد من المنازل في رفح ونابلس، وارهاب اطفال جنوب
لبنان وترويعهم في غارات اخري، ولكنه قطعا لن يوفر الامن والطمأنينة
لناخبيه.
السور العنصري لن يحمي الاسرائيليين، ولن يوقف العمليات
الاستشهادية، فمثلما نجح المجاهدون في حفر الانفاق تحت اقدام الجنود
الاسرائيليين علي حدود رفح، سيفعلون الشيء نفسه تحت هذا السور، وسيصل
الاستشهاديون الي اهدافهم.
فالعقل العربي المؤمن الجبار لن تعوزه
الحيلة لهزيمة هذا الجدار واصحابه، مثلما هزم امثاله في خط بارليف
والجدار الاليكتروني في جنوب لبنان، ومثيله علي طول حدود قطاع غزة. وما
صواريخ القسام التي وصلت الي صدروت و اسدود في العمق الاسرائيلي، ورغم
بدائيتها الا بداية الغيث.
سور الصين العظيم، الذي يعتبر احد عجائب
العالم السبع، لم يحم البلاد من غزو المغول، وحائط بارليف لم يمنع
الاختراق العظيم للقوات المصرية في حرب العاشر من رمضان، وسور شارون
سيحاصر اسرائيل ويحولها الي غيتو الكراهية في العالم
بأسره.
الوحيدون الذين يقاتلون الي جانب شارون، هم الزعماء العرب
المتخاذلون المهرولون نحو التطبيع والتفاوض معه، هؤلاء هم الذين يوفرون
له اسباب البقاء خاصة في ركوعهم امام الولايات المتحدة، والتهافت
لارضائها، وانجاح مشاريعها في اذلال هذه الامة، وتبنيهم بالكامل لثقافة
الضعف والاستسلام.
مشكلة شارون، وكل زعماء اسرائيل، انهم يخلطون بين
الزعماء العرب، والشعوب، ويعتقدون ان ضعف الزعماء هو دليل علي ضعف
الشعوب، وكم هم مخطئون، فنماذج الشعوب العربية هم اياد المصري، وهنادي
جرادات، وريم الرياشي، واشقاؤهم في العراق الذين يقاومون الاحتلال
الامريكي ويسقطون طائراته.
السلام الحقيقي هو عجلة الانقاذ الوحيدة
لشارون ومستوطنيه، والسلام الذي نتحدث عنه هو السلام مع الشعوب، وليس
السلام مع انظمة فاقدة
الشرعية.