أضواء
على أهم المراجع والقوى السياسية الفاعلة
في الساحة العراقية
بقلم : محمود جديد
- يشهد القطر العربي الشقيق أهم وأخطر وأعقد المراحل منذ نشوء كيانه السياسي وحتى الآن ،وعيون كل العرب والمسلمين ،والكثير من شعوب العالم مشدودة الى أحداثه وتفاعلاتها الداخلية والعربية والدولية ،لأنّ نتائج الصراع ا لمحتدم فوق أرضه بين التحالف الامبريالي – الصهيوني واتباعه وعملائه من جهة ،وبين القوى الحيّة والشريفة المناضلة من أبنائه من جهة ثانية ،ستحدّدليس مصير ومستقبل العرب فحسب ،بل سترسم المعالم الرئيسية لاستقطابات وتشكّلات دولية جديدة تساعد على إنقاذ البشرية من الهيمنة الأمريكية المتوحّشة الراهنة ، أوتثبيتها كقدر لامردّ له حتى آجال طويلة لاحقة ... وقبل التطرّق لدور المقاومة العراقية البطلة ، وآفاقها (في مقال مستقلّ)،وتصميم الشعب العراقي على استعادة حريته وسيادته ،لابدّ من إلقاء نظرة موجزة وسريعة على أهمّ المراجع الدينية والقوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية ...
ا – أهم المرجعيات الشيعية ودورها السياسي :
- مرجعية السيستاني : ورث السيّد: علي السيستاني الإيراني الأصل مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي ونهجه السياسي المحافظ،وخلال معايشته حكم /صدّام/ كان يشكّل مرجعية اولئك الذين لايرغبون أو يخشون التدخّل في الشؤون السياسية سواء داخل العراق أم خارجه ،وقد يكون بطش النظام أحد العوامل الرئيسية الدافعة لاعتماد هذا النهج ،وتمثّل هذه المرجعية كما يقال حوالي نصف شيعة العراق ... ولكنّ الحديث عن تطبيق الديمقراطية في العراق ،وتطلّع الشيعة للعب دور بارز في الحياة السياسية العراقية يتناسب مع النسبة العددية التي يتحدّثون عنها (60 بالمائة) من الشعب العراقي فإنّ مؤشّرات جديدة بدأت تظهر على احتمال تبدّل نهج المرجعية ،والانغماس شيئا فشيئا في الحياة السياسية وا لاجنماعية ،حيث حاولت المرجعية بالتعاون مع المرجعيات والقوى الأخرى تعبئة الفراغ الأمني والاداري في النجف وكربلاء وغيرهما بعد الإطاحة بالنظام العراقي من أجل فرض الأمن وتسيير الحياة العادية اليومية في تلك المدن ،كما أنّه دعا الى تسلّم الأمم المتّحدة إدارة العراق بشكل مؤقّت من القوّات المحتلّة ،ريثما يضع الشعب العراقي دستورا عراقيا ،ويصادق عليه ،وينتخب ممثّليه بشكل ديمقراطي ،كما أصدر بيانا حول كيفيّة وضع الدستور العراقي ،واعتبر صياغته من قبل الأمريكيين لاتجوز شرعا ،ولابدّمن وضعه من قبل أطراف عراقية ، والمصادقة عليه من الشعب العراقي ،كما أصدر فتوى بتحريم بيع الأراضي لليهود ... ودعا الى عدم الانتقام والثأر من البعثيين ، وإنّما لاقتصار على محاسبة الذين اقترفوا جرائم بحق الشعب العراقي ,وفق محاكمات عادلة ....
وعلى كل حال ، لقد أصبح السيستاني بمثابة هيئة رقابة على بعض القرارات التي تصدر عن سلطات الاحتلال ،وقد كان لرأيه المتعلّق بوضع الدستور العراقي دور هام في التخلّي عن طرح المشروع الذي أعدّته أمريكا مسبقا قبل الاحتلال،وها هو الآن يقف في وجه اتفاق نقل السلطة بين إدارة الاحتلال وتابعها وصنيعها /مجلس لحكم /أو ما يطلق عليه " اتفاق يريمر- الطالباني / ، ويطالب بإجراء انتخابات شعبية لاختيار أعضاء المجلس الوطني الانتقالي ... هذا وقد رفض السيستاني مقابلة /بريمر/ ووزير خارجية بريطانيا ، وأيّ مسؤول أجنبي في إدارة الاحتلال ، ولكنّه قابل بعض أعضاء من مجلس الحكم الذي يحسب أعضاؤه ألف حساب لمواقفه وآرائه ،وسنتعرّض لمزيد من التفصيل لها في المقال اللاحق المتعلّق بالمقاومة العراقية ...
ونظرا لهويّة السيستاني الإيرانية يظنّ البعض بأنّ الدور الإيراني سيكون مؤثّرا في العراق من خلاله ،وعبر / المجلس الأعلى للثورة الاسلامية/... فإذا كان الأمر ينسحب علىالمجلس الأعلىفإنّ المتتبّعين لمسيرة المراجع الشيعية يرون أنّ مرجعية النجف تشكّل مرجعية منافسة لمرجعية /قم / في إيران ،وقد حسمت الأمور بينهما منذ حوالي عقدين ، فمن كان يرغب في التغيير والعمل السياسي اتّبع ولاية الفقيه (أو مرجعية الخميني )،ومن كان لايرغب في التدخّل بالسياسة لأيّ سبب كان فإنّه اتّبع مرجعية السيستاني ...
-المرجعية الناطقة : تطرح هذه المرجعية نهجا مناقضا لنهج مرجعية السيستاني في المجال السياسي ، ولكنها تدرك أنّها غير قادرة على منافستها في المجال الفقهي ،ويمثّل هذه المرجعية جماهيريا وسياسيا الشاب : /مقتدى لصدر/ الذي برز بعد سقوط بغداد كمعارض للاحتلال ،ولنهج /المجلس الأعلى للثورة الاسلامية/ويعتمد في شعبيته على تاريخ وتراث والده محمد صادق الصدر، وعمّه محمد باقر الصدر ، وتعتبر مجموعة الصدر أكثر التنظيمات الشيعية وضوحا في رفض الاحتلال ،والمطالبة بإنهائه ،وقد نزلت الى الشارع بمظاهرات كبيرة ضدّ الاحتلال الأمريكي وممارساته ، ولكنّها لم ترق الى المقاومة المسلّحة (حسب علمنا) ،أي بقي نشاطها محصورا ضمن دائرة (الشغب) ضدّ الأمريكان ،وبالرغم من الانطباع الأوّلي الذي يشير الى مظاهر التعصّب المذهبي لهذه المجموعة ،إلاّ أنّها في واقع الأمر قد لاتكون كذك ،لأنّ مقتدى الصدر له علاقات طيّبة مع/رابطة علماء لمسلمين/ ،وخاصّة الشيخ :أحمد الكبيسي ،ويدعو الى الوحدة الوطنية بين السنّة والشيعة ،وكان مؤيّدوه يصلّون في مساجد السنّة ،كما يصلّي السنّة في مساجده ...
ونظرا لكون مقتدى الصدر قد اعتمد خطابا سياسيّا معارضا أشدّ لهجة ضدّ الأمريكان ، وأنشأ (جيش المهدي ) للدفاع الذاتي الذي انخرط فيه عشرات الألوف /كما يدّعون / ،وبالاستناد على تراث والده فقد استطاع استقطاب تيّارات واسعة من الجماهير الشعبية الشيعية الفقيرة الشابّة ،ممّا أعطته حضورا مميّزا في الشارع العراقي ،وقدرة على التعبئة الشعبية بسرعة عند الحاجة والطلب ،لاتتوفّر لدى القوى الأخرى ، ولكن نقص خبرته السياسية والفقهية جعلته متناقضا في خطابه السياسي الى درجة السذاجة أحيانا،كما أنّ ضعف المر جعية التي يرتكز اليها من الناحية الفقهية مقارنة بالمرجعيات الأخرى جعله لايطرح نفسه زعيما لكافّة الشيعة ... علما أنّ الشيخين : الخالصي والحائري هما أهم مراجعه ...
- مرجعيةّ الشيرازي : تولّى السيّد: صادق الشيرازي المرجعية من أخيه محمد الشيرازي الذي أسّسها منذ الستينات ،وقد ظهرت كردّ فعل على المرجعية الشيعية المحافظة ،وتتميّز بالدعوة الى الانفتاح السياسي والاقتصادي والفكري ،على أن لايتعارض ذلك مع منهج أهل البيت ، وهو لايقبل المساومات السياسية ،ويرفض حتى الآن التعاون مع الأمريكيين ،ويضمّ هذا التيّار العديد من المرجعيات الأخرى : كمرجيّة المدرّسي والقزويني ،ويتّبعها مجموعة من الأحزاب الشيعية ...
- وبالرغم من الانطباع الأولي بأنّ الشيعة أكثر وحدة وانضباطا وعملا بتوجيهات وفتاوى مرجعياتهم ،إلاّ أنّ باب الاجتهاد المفتوح والمتجدد داخل المذهب الشيعي فسح المجال لتنوّع المرجعيات ،وبالتالي لتنوّع أتباعها ،ولذلك فالشيعة ليسوا كتلة واحدة كما يتصوّر البعض ،ولكن خلافاتهم الفقهية والسياسية غير تناحرية ، وغالبا ما تجد الحلول مع احتفاظ كل مرجعية بوجهة نظرها ....
ب :أهمّ الأحزاب الشيعية :
- حزب الدعوة : يعتبر محمد باقر الصدر المؤسس الفكري والتنظيمي لهذا الحزب في عام 1957 ، وقد مرّت صيرورته كحزب في مراحل عديدة ،وكان آخر برنامج سياسي أعلنه في عام 1992 والذي يحصر حرية اختيار شكل الحكم بالشعب العراقي ، ويدعو الحزب في برنامجه الى أفكار متقدّمة في الجانب الديمقراطي وحقوق الانسان ،ويعتقد إنّ صيانة حقوق الأقليّات الدينية والقومية من أوليات أي نظام سياسي عادل يحكم العراق ،سواء أكانت سياسية أم دينية ،وقد تحوّلت شعاراته السياسية في الفترة الأخيرة باتجاه الواقعية ،وخفّض سقف أهدافه المعلنة ، ولم يعد يطرح مسألة الدولة الاسلامية ،ولا ولاية الفقيه ،ونتيجة لهذا التطوّر في الحزب تعرّض لإنشقاقات تمثّلت في التيّارات التي بقيت محافظة على طابعها الاسلامي الشيعي ..... وعموما ليس لحزب الدعوة الذي يقوده /ابراهيم الجعفري / مرجعية دينية محدّدة ومعروفة الآن ،ولكن يقال : بأنّه بدا مؤخّرا يروّج لأفكار السيد: / محمد حسين فضل الله / ... وهو يعتمد على النخبة العلمية والمثقّفة المنفتحة على روح العصر ... هذا وقد حاول هذا الحزب أن يبقى خلال معارضته قبل الإطاحة بالنظام العراقي بعيدا عن التعامل المباشر مع الأمريكان وحلفائهم وعملائهم ، وكان متردّدا في المشاركة في مجلس لحكم ، ولكنّه وافق في النهاية ...
- المجلس الأعلى للثورة الاسلامية : تأسّس هذاالحزب في فترة الحرب العراقية – الإيرانية ،وعمل بقيادة / محمدباقر الحكيم / الذي اتّخذ من طهران مقرّا له،وأنشأ قوات بدر ،وتمّ تدريبها وتسليحها في إيران ، وشكّل ورقة ضاغطة على النظام العراقي مقابل حزب /مجاهدي خلق / الإيراني المعارض الذي تمركز وتدرّب وتسلّح في العراق ضدّ النظام الإيراني ... هذا وقد حاول المجلس الأعلى أن يبقى على مسافة ما من الأمريكان في نشاطه السياسي في الوقت الذي عمل فيه مع القوى والتيارات المتعاونة معهم ،أوالعميلة لهم ...وقد أطلقت على هذا النهج في مقالات سابقة ب "النفاق السياسي " ، وعلى كل حال لقد رفض في البدء الاتصالات المباشرة مع أطراف أمريكية ، ولكنّه رضخ لإغراءات السلطة عندما أحسّ بأنّ الإدارة الأمريكية جاذّة في الإطاحة بصدّام ،فشارك في مؤتمر واشنطن للمعارضة العراقية ,وأجرى هناك اتصالات مع مسؤولين أمريكيين ،وقد حاول الدخول بقوات /بدر / من إيران الى العراق أثناء الغزو الأمريكي في الربيع الماضي ، ولكن السلطات الإيرانية منعته من ذلك حتى انتهاء الحرب ... وبعد عودة قيادته الى العراق أقام محمد باقر الحكيم في النجف مدّعيا تخلّيه عن النشاط السياسي ،والتفرّع للأمور الدينية ، وفي آخر خطبة له قبيل اغتياله دعا الى خروج الاحتلال من العراق ،واعتبر أن المطالبة السلمية أوّلا هي الطريق الصحيح للتعامل مع المحتل مع إبقاء الباب مفتوحا لأساليب أخرى مستقبلا اذا تعذّر ذلك ... ويشارك المجلس الأعلى في مجلس الحكم ، ويعتبرمن القوى المهتمّة بملاحقة البعثيين إضافة للأكراد وجماعة الشلبي .. .
- هذا وتوجد أحزاب شيعية أخرى أقلّ شعبيّة وفعالية مثل :حركة الوفاق المشاركة في مجلس الحكم ، والتي يقودها / إياد علاّوي / وهوبعثي سابق انتقل قبل سنوات الى المعارضة ، والجبهة الوطنية الإسلامية ،ومنظمّة العمل الإسلامي ،وحركة الجماهير ،وهذه الأحزاب الصغيرة تعتبر قريبة من مرجعية الشيرازي وتفرّعاتها ...
ج – العشائر العراقية : لم يتمكّن النظام العراقي السابق من صياغة وحدة وطنية حقيقية تذوب داخلها العائلية والعشائرية والمذهبية والطائفية ، لا بل غزّى الروح والروابط العشائرية ،وأعاد الاعتبار للعشيرة بهدف الاستقواء برؤساء العشائر لحماية النظام ،وأغدق عليهم الهبات والامتيازات ،وقد أدّى الانتعاش العشائري الى ضعف الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى ،وخاصّة في وسط العراق ... ولكن في الوقت نفسه فإنّ التقاليد والأعراف العربية الأصيلة بقي بعضها متجذّرا داخل العشيرة ، كالأنفة والشجاعة والعزّة والكرامة الوطنية ... كل هذه الصفات يمكن توظيفها في المعركة الراهنة للشعب العراقي ضدّ قوى الاحتلال ، وقد برزت في التوجّهات التي أقرّتها لقاءات رؤساء العشائر التي رفضت الاحتلال ، وفي مشاركة بعض أبنائها في أعمال المقاومة الراهنة ضدّ الاحتلال دفاعا عن الشرف والكرامة والعرض والمال ...كما أنّ التداخل المذهبي بين أفراد العشيرة نفسها يشكّل عاملا مساعدا لحماية وصيانة الوحدة الوطنية ، وعائقا ضدّ الفتنة الطائفية والمذهبية والتقسيم ، لأنّ كثيرا من العشائر العراقية ينتمي أفرادها للطائفتين السنيّة والشيعيّة ...
د – الأحزاب السنيّة :
- الإخوان المسلمون :بدأ الاخوان المسلمون العمل في العراق عام 1944 باسم " جمعيّة الإخوة الإسلامية"، وفي عام 1960 تحوّلت الى حزب سياسي باسم " الحزب الإسلامي " وبعد مجيء صدّام الى الحكم تعرّض الإخوان المسلمون للملاحقة والاعتقال ، فتحوّلوا الى العمل السرّي وبعد العدوان الأمريكي على العرا ق عام 1991 زاد نشاطهم الدعوي تحت اسماء جمعيات دينية مختلفة ، ولكنّ تنظيمهم بقي مفكّكا كحزب حتى سقوط بغداد في 9/4/2003 حيث ابتدأ عملهم العلني تحت قيادة / محسن عبد الحميد / الذي يشارك الآن ف يمجلس الحكم الانتقالي ، أمّا في الخارج فقد تابع الحزب الاسلامي نشاطه بعدتقييد حركته السياسية في الداخل، ومن أبرز قادته : إياد السامرائي ، ومحمد أحمد الراشد أهم منظّريه ، وأسامة التكريتي ...
يدعو الحزب الاسلامي الى التعددية السياسية والديمقراطية ،ويعتمد المقاومة السلمية ضدّ الاحتلال الأمريكي ،ويرى أنّ صيغة الحوار والتفاهم مع الأمريكان يمكن أن يوصل العراق الى استعادة استقلاله ... وفي الوقت نفسه فهناك الاتحاد الاسلامي الكردستاني ، والاتحاد الاسلامي التركماني اللذان يعتبران فرعين للحزب الاسلامي العراقي ، وبنشطان في الوسط الكردي والتركماني ، ويعتمدان المقاومة السلمية ضد الاحتلال ...
- رابطة علماء المسلمين :ومن أبرز قادتها الشيخ :أحمد الكبيسي ، وتمثّل التيّار الديني المتنوّر ، وتطالب بالتآلف الطائفي والعمل المشترك مع المذاهب ، وتؤمن بالتعددية والديمقراطية وبالحرص على الوحدة الوطنية العراقية ، وتدعو الى اتّباع الطرق السلمية لمقاومة الاحتلال حتى انقضاء عام ، وبعد ذلك تلوّح بالانتقال الى أسليب أخرى لإخراجه ،ولهذه الرابطة علاقات طيّبة مع جماعة مقتدى الصدر في مدينة الثورة ، ممّا يساعد على احتواء أية خلافات طائفية يمكن أن تطفو على السطح في بغداد ....
- ه – الأحزاب الكردية : وتتمثّل بشكل رئيسي بالاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعّمه /جلال الطالباني / ،وتتركز قواه في المناطق الشمالية الشرقية من العراق المتجاورة مع إيران ،ويشكّل مايشبه الاقطاعية أو الإمارة هناك ،وعاصمتها السليمانية ... والحزب الديمقراطي الكردستاني ،ويتزعّمه / مسعود البرازاني ، وتتركز قواه في المناطق الشمالية والشمالية الغربية من العراق المتجاورة مع تركيا ،ويشكّل أيضا إقطاعية أوإمارة ثانية ، وعاصمتها اربيل ، وهذان الحزبان يمثّلان الغالبية الكردية ، وقد (تحالفا) مع الأمريكان سياسيا وعسكريا ، وشاركا فعليا في القنال الى جانب القوات الأمريكية ضدّ القوات العراقية في منطقتي كركوك والموصل ، وقد استقبلا المسؤولين الأمريكيين بالورود والرياحين ،وهما يشكّلان عنصرين فاعلين في مجلس الحكم ،ويطالبان بفدرالية قومية في العراق كأقصى ما يمكن الحصول عليه في هذه المرحلة على طريق بناء الدولة الكردية التي ينشدانها لاحقاوقد سمحت إدارة الاحتلال للقوات ا لكردية في الاحتفاظ بأسلحتها الثقيلة والخفيفة بينما نزعتها من الميليشيات الأخرى ، كما أنّ القوات الكردية بقيت تمارس دورها السابق منفردة ، ومتعاونة مع القوات الأمريكية في حفظ الأمن ومتابعة عناصر المقاومة العراقية ، وقد لعبت دورا رئيسيّا سلبيا في إلقاء القبض على العديد من رموز النظام السابق وفي طليعتهم صدّام ، وطه ياسين رمضان ،وغيرهما ... وقد وصلت بهم التبعية والتعاون الى رفع الأعلام الأمريكية والكردية في مظاهراتهم وتغييب العلم الوطني العراقي ....
غير أنّ تراجع بعض أعضاء مجلس الحكم عن تطبيق مفهوم الفيدرالية القومية واستبدالها بفدرالية جغرافية لجميع محافظات القطر العراقي ، واعتماد هذا التراجع من /بريمر / أصاب الأكراد بالاحباط ، ويحتمل أن يكون سبب التراجع رغبة أمريكية لمنع تأزيم الموقف مع الأتراك الذين يرفضون هذه الفدرالية بشكل قاطع ومصممون على منعها، وربّما أرادت قطع الطريق على حدوث مشاكل داخلية إضافية ضدّ قوات الاحتلال بسببها ، لأنّ المزاج الشعبي الرافض لها أخذ يعبّر عن نفسه يصوت عال في المرحلة الأخيرة في كل المناطق العراقية الأخرى ... وقد عبّر مسعود البرزاني في مقال كتبه في صحيفة /برايه تي / الناطقة باسم حزبه الى " أنّه أخذ يشعر بالقلق وعدم الارتياح إزاء مسألة الفيدرالية ومستقبل العراق والأكراد ، فالأكراد لم يعملوا من أجل إعادة ترتيب محافظاتهم ، ولم يقدّ موا التضحيات من أجل تحقيق هذا الهدف ، وإنّما عملوا طوال القرن الماضي من أجل نيل حقوقهم السياسية والقومية التي وعدتهم بها بريطانيا ، والدولة العراقية الحديثة في أعقاب ألحرب العالمية الأولى "
هذا مع العلم أنّ الأكراد يطالبون ليس فقط بالمناطق التي تحت سيطرتهم الآن ، وإنّما بضمّ مناطق أخرى خارج مناطق الحكم الذاتي ،مثل كركوك ذات الأغلبية العربية والتركمانية الآن ، ومدينة طوز خرماتو ، وهي مدينة ذات أغلبية ساحقة تركمانية ، وبقرى مسيحية تابعة للموصل ، وباخرى عربية أومختلطة في محافظة ديالي ، وبتهجير كل العناصر العربية والتركمانية التي سكنت مناطقهم خلال فترة الحكومات السابقة ....
و-الأحزاب الوطنية ، والقومية ، واليسارية :
حزب البعث : يعتبر حزب البعث من أكثر الأحزاب العراقية تضرّرا بسبب الحكم الفردي الذي ساد العراق مدّة طويلة لأنّه فرّغ الكثير من أفكاره ومنطلقاته السياسية الي تأسّس عليها ، وتحمّل أوزار الحكام الذين حكموا باسمه ، وهذا الأمر ينسحب على حز ب البعث الآخرالذي يحكم سورية الآن ... وقد تعرّض البعث في العراق لتصفيات داخلية أزاحت منه خيرة المناضلين في العراق وفي طليعتهم المرحوم : عبد الخالق السامرائي ...
والآن وبعد الزلزال الهائل الذي أحلّ به ، وما يتعرّض له من إرهاب وملاحقة شرسة من قبل القوات الأمريكية وحلفائها وعملائها ، فإنّ الشرائح الانتهازية والوصولية التي تسللت إليه في فترة الحكم ستركب موجة التغيير والتبدّلات التي حدثت لتتسلّق ثانية على ظهور جديدة ،سواء بالتعامل المباشر مع العدو المحتّل ،أم بالالتصاق مع أحزاب وقوى أخرى فاعلة في الساحة العراقية ، كما سيحاول البعض الاحتماء والاستنجاد بالعائلة والعشيرة والطائفة ،وإيجاد موطىٍٍٍِِءقدم له في العراق ، وهذه الصيرورة الجديدةالمؤلمة للحزب ستخلّصه ممّن علق به من شوائب ،ولن يبقى بين صفوفه سوى المؤمنين الصادقين بأفكاره ومنطلقاته الأساسية ... ولكنّه سيبقى قوّة يحسب لها حساب في المجتمع العراقي ، بالرغم ممّا تعرّض له من ضربات ، ومن قرار مجلس الحكم الأخير الخاص " باجتثاث البعث " والذي يشمل حوالي ثلاثين ألفا من أعضائه ، وما سيشهده من انشقاقت محتملة في صفوفه ، وتشكيل أحزا ب جديدة من قاعدته الحزبية العريضة في فترات لاحقة ،وتحت تسميات جديدة ...وبالرغم من الظروف المريرة التي يعيشها فإنّه يساهم بشكل فعّال في المقاومة العراقية البطلة ، وتتابع قيادته إصدار البيانات السياسية ...
الحزب الشيوعب العراقي : لعب الحزب الشيوعي العراقي دورا نشطا في الحياة السياسية العراقية ، وقد برز هذا الدور خلال حكم عبد الكريم قاسم ، فبالإضافة الى صراعه المعروف مع البعث العراقي قبل وصول صدّام الى السلطة ،ففي الثمانينات تعرّض لحملة اعتقالات وملاحقة ، فتشتّت قياداته في الخارج ، وتزعزع تنظيمه في الداخل ،ممّا خلق مناخا ملائما للانقسامات داخل الحزب ، وقد شكّلت المنطقة الكردية معقلا هامّا له ، وشارك في التمرّد الكردي على النظام في بغداد ، وهو يدعم فكرة الفيدرالية القومية الكردية ، ويؤمن بالمقاومة السلمية طريقا لتحرير العراق ،ويشارك في مجلس الحكم الانتقالي ، وبذلك يكون قد خرج من جلده ، وتنكّر لتاريخه كحزب مناهض للامبريالية ، وقد تعرّض لنقد قاس من أجنحة شيوعية عراقية أخرى ، ومن معظم الأحزاب الشيوعية واليسارية الأخرى في الوطن العربي ...
أحزاب أخرى صغيرة : منها ما كان قائما قبل الاحتلال ، وخاصة في الخارج ، ومنها ماتشكّل بعد الاحتلال ، وهي تمثّل أطياف الشعب العراقي وتيّاراته الوطنية والديمقراطية والقومية والاسلامية ، وقد وصل عددها الى ما يزيد عن مائة حزب ، وهي تحاول التعبير عن ذاتها الآن ، وتفتّش عن صيغ جماعية للعمل الوطني ، لتقوم بدور معارضة وطنية ديمقراطية ، وبعضها يؤيّد المقاومة المسلّحة ...
وأخيرا نستطيع القول : إنّ العراق يعيش مخاضا حقيقيا يتوقّف على مساره ونتائجه ليس هويّة ومستقبل العراق فحسب ، وإنّما أيضا مصير القضية الفلسطينية ، ومستقبل الأمة العربية ، والعالم الاسلامي أجمع ، إضافة الى تدعيم ، أو احباط القوى المناهضة للعولمة ، وللهيمنة الأمريكية على العالم ..
الهوامش: أهمّ مراجع المقال :
- الحركة الشيعية في العراق .. . التاريخ والمستقبل بقلم : ابراهيم غرايبة .
- أمريكا والشيعة تحالف محتمل ، أم حقيقي بقلم : صالح السيد باقر
- موقع قناة الجزيرة .
- العراق والأكراد والبرزاني نبقلم سامي شورش . .... – الى أين تمضي زعامات أكراد العراق يقلم :عبد الرحمن الربيعي .
-