الرفيق مالك حسن ... وداعا

 

 

 

  بتاريخ 10-04-2004  رحل عنّا الرفيق : مالك حسن بعد صراع مرير مع مرض عضال ، وبعد مسيرة نضالية غنيّة ، ابتدأها وهو طالب في حزب البعث العربي الاشتراكي في الستينات من القرن الماضي ، ثمّ وهو مدرّس في محافظة طرطوس .... وبعد الردّة التشرينية في 13/11/ 1970التي قادها حافظ الأسد ، كان اختيار الفقيد الراحل واضحا جليّا هو الاستمرار في حمل راية حركة 23/ شباط ، والوفاء لقيادتها الثورية ، ولمنطلقاتها الفكرية والسياسية التقدمية ، بالرغم من صعوبة هذا الاختيار وتبعاته في ظلّ نظام ديكتاتوري من جهة ، ولوعورة الانتقال الى العمل السرّي بسبب التشابك والتداخل اللذين كانا قائمين عقب الردّة عام 1970 داخل الحزب من جهة ثانية ... هذا وقد استطاع الرفيق الفقيد مع رفاقه الآخرين أن ينظموا صفوفهم داخل محافظة طرطوس ، وأن يتواصلوا مع المحافظات الأخرى ، وخاصّة مع دمشق ... ونظرا لإخلاصه لحزبه ، ومستوى وعيه ، وفهمه العميق لمنطلقات حزبه اختير في المكتب السياسي القطري للحزب ...

    -  بعد عام 1976 والتدخّل السوري في لبنان لضرب القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية ، ولجم مسيرتها النضالية المتصاعدة ، وقطع الطريق على حسم معركتها مع القوى الانعزالية في القطر اللبناني ، حدثت عملية فرز داخل الأحزاب التي (شاركت)حافظ الأسد حكمه وتبلورت تيارات شيوعية وناصرية واشتراكية معارضة ،ممّا خلق مناخا ملائما لعمل جبهوي داخل القطر السوري ، وقد سعى حزبنا مع الفصائل الأخرى في أواخر السبعينات من القرن الماضي في دفع الأمور باتجاه إقامة التجمّع الوطني الديمقراطي ..... ونظرا لهذه النقلة النوعيّة على الصعيدين التنظيمي والجبهوي وجّه النظام الديكتاتوري الحاكم ضربة لرفاقنا في عام 1980 ، اعتقل خلالها العشرات من قيادييه ، وكان الرفيق مالك أحدهم ...                                          

    - أثيت الرفيق الفقيد صلابته النضالية داخل معتقلات النظام لعديدة التي سجن فيها ،فبقي كما عهدناه متساميا في أخلاقه ووعيه ،وعلاقته مع رفاقه ،ومع معتقلي القوى الأخرى ،فأحبّه واحترمه الجميع ، ونظرا لمرور فترة طويلة وهو معتقل مع رفاقه دون أحكام ،وملاحقة منظمات حقوق الانسان خارج القطر لموضوع المعتقلين السوريين في سجون النظام السوري ،والمطالبة بالإفراج عنهم ،أو إحالتهم الى محاكم عادلة ،فقد أحالهم هذا النظام الديكتاتوري الى محكمة عسكرية خاصة ،والتي أصدرت أحكاما جائرة بحقّهم تتجاوز السبب الحقيقي لاعتقالهم وهو:" إقامة تنظيم سياسي معارض " ، وكان نصيب رفيقنا الراحل خمسة عشر عاما سجنا ، وقد قضاها كاملة دون تخفيض يوم واحد .......

 ، ودون أن تشمله هو وجميع معتقلي الرأي في سورية مراسيم العفو الرئاسة التي كان يصدرها حافظ الأسد بين فترة وأخرى لصالح محكومي " الحق العام "، أي المجرمين العاديين (قتل –مخدرات –سرقات...الخ).                                       

    -  خرج الرفيق مالك من السجن عام 1995 بعد أن قضّى زهرة شبابه في غياهب سجون ومعتقلات النظام السوري ،تعرّض جسده خلالها بسبب هذا السجن المديد , وظروف الاعتقال القاسية ، والتعذيب الجسدي والنفسي الى الكثير من المتاعب الصحية ، فأجهد قلبه ، وأغلقت بعض شرايينه ، فتوجّه الى دمشق ، وهناك وبمساعدة وجهود الرفيق الراحل الرائد المتقاعد: المرحوم ابراهيم جرجس عبّود عرض حالته الصحية على عدد من الأطبّاء ، وقد أجمعوا على أنّه لابدّ من إجراء عملية جراحية لقلبه الذ ي أرهقته سنوات السجن الطويلة ، ونظرا لوجود أخ طبيب له في فرنسا توجّه الى عنده للمعالجة في صيف عام 2001 ،بعد عناء طويل من الأجهزة الأمنية قبل أن توافق على خروجه من القطر السوري ،وهناك أجريت له عمليّة ناجحة ، عاد بعدها الى القطر ليمارس حياته العادية في قريته ، وفي أرضه التي أعانته على تأمين الحدّ الأدنى لمتطلبات معيشته.                                                                   

   -  تزوّج الرفيق الراحل بعد خروجه من السجن و’رزق بطفلين / غيث وعادل / ،وبالرغم من قساوة الحياة من الجوانب المعاشية ،ووضعه الصحّي ، وانقطاع السبل أمامه للعمل بسبب تبعات الأحكام الجائرة التي صدرت بحقّه ،إلاّ أنّ إخلاصه لوطنه وأمته جعله يعيش أحداثهما ،ويتحسّس آلامهما يوما بيوم ، وعبّر عن ذلك في مقالاته القيّمة التي كتبها في مجلاّت لبنانية تقدمية ويسارية ،وفي موقع الرأ ي،والديمقراطي ، وموقع الحوار الدمقراطي ،وغيرها ... وكان آخر مقال كتبه ونشره في هذا العام بعنوان " العيش على الأرشيف والكتيك السالب " (مرفق مع هذا المقال) ،كما شارك في الحراك السياسي داخل القطر السوري بالرغم من ظروفه الصحية الصعبة ،وقد حظيت آراؤه ونشاطاته كل احترام وتقدير من القوى السياسية المعارضة ...وفي غمرة كفاحه السياسي والمعاشي هذا تسلّل السرطان الى أمعائه ، وانتشر قبل أن ’يكتشف ممّا جعل إمكانية المعالجة ميؤوس منها ،ورفاقه وأصدقاؤه يتألّمون لألمه ، ويرصدون معاناته ،وصراعه المرير مع هذا المرض العضال الذي فتك به بتاريخ 10/4/2004 وهو في الخمسينات من عمره ، وفي يوم 12/4 ووري الثرى وسط حشد ضخم من أبناء سورية الحبيبة، ومن مختلف الاتجاهات السياسية ،وذلك في قرته /بسنديانة عين حفّاض التابعة لمنطقة الشيخ بدر محافظة طرطوس .....                                                    

  -  فوداعا أبا غيث،ونم قرير العين في مرقدك الأخير مطمئنّا أنّ الأهداف الوطنية الديمقراطية والقومية التي آمنت بها، وناضلت من أجلها حتى الرمق الأخير ستبقى في صدور وعقول ودماء كل الشرفاء من أبناء أمتنا العربية حتى إقامة نظام ديمقراطي في سورية وغيرها من الأقطار العربية ،و سيستمرّ النضال ويتصاعد حتى التحرير والتوحيد.