إنهم يسوّقون اللبن الأسود والإرهاب الأخضر!

 نصر شمالي


 

ينهض المنهج الثقافي والسياسي الأميركي على الإملاء القسري، أي على اللا منطق الذي يفرض بالإرهاب، فاللبن يصيح أسوداً لأن الأميركيين يريدونه كذلك، ولا مجال لمجرّد إظهار بعض الاستغراب، والإسلام يصبح مصدر الإرهاب وينبوعه الذي ينبغي تجفيفه، ويتوجب على المسلمين قبل غيرهم أن يقرّوا بذلك ويعملوا على أساسه! وعندما اقترح الرئيس الباكستاني إقامة جدار بين باكستان وأفغانستان لتجفيف ينابيع الإرهاب فلا بد أنه قال ذلك متهكماً بلا شك وإن هو لم يظهر تهكمه، غير أن وزيرة الخارجية الأميركية، التي كانت تطالبه بالمزيد من محاربة الإرهاب، لم تستطع إظهار غضبها المكتوم على تهكمه المكتوم، لأن الإسرائيليين أقاموا فعلاً مثل هذا الجدار العجيب، الذي يستدعي السخرية المريرة على الأقل، دون أن يجرؤ أحد على السخرية منهم، ولأن الرئيس الباكستاني مدّ يده مؤخراً وصافح الإسرائيليين بناة الجدار!

ولقد كان اجتماع رؤساء العالم مؤخراً في نيويورك مناسبة للرئيس الأميركي كي يستعرض مزاياه الإمبراطورية، حيث راح يتعامل مع الرؤساء عموماً مثل قيصر من قياصرة روما القديمة البائدة، فيملي عليهم أن اللبن أسود، وأن الإرهاب، الذي تنطبق صفته على كل من يطالب بحقوقه، يجب أن يكون شغلهم الشاغل، أما مصدر هذا الإرهاب فهو الإسلام الذي أصبحت محاربته قضية الأميركيين الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث لم يعد الخطر أحمراً بل غدا أخضراً!

60 ألف كتاب ضدّ الإسلام!

في عقد الثمانينات الماضي كان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان يتحدث علناً عن قناعاته التلمودية بقرب نشوب حرب ضدّ الشيوعيين السوفييت الكفرة، وأن ميدان الحرب هو فلسطين، وأن الظهور الثاني للسيد المسيح سوف يلي هذه الحرب، لتبدأ الألف عام السعيدة! أما في عهد الرئيس الأميركي الحالي فقد أصبح العرب والمسلمين هم العدو الأكبر، وأصبح العراق هو ميدان الحرب الرئيس ضدّهم، وقد أعلن القس اللوثري فرانكلين جراهام في خطابه بمناسبة تولّي الرئيس بوش السلطة ما يلي: " إن إله الإسلام ليس هو الإله نفسه، فهو ليس ابن الله كما في العقيدة المسيحية، بل إله مختلف، وأنا اعتقد أن الإسلام دين شرير يدعو لإيذاء الغير"!

وفي تلك الفترة بالذات، فترة تنصيب بوش رئيساً، كتب المحرر في مجلة (ناشيونال ريفيو)، المدعو ريتش لوري، يقول:" إن ضرب مكة بقنبلة نووية سوف يكون رسالة للمسلمين"!

وكان فرنسيس فوكويوما قد تنبأ بأن حركة التاريخ انتهت لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة بالقرار، مضيفاً أن الصراع القادم سوف يكون بين الغرب من ناحية والإسلام والمسلمين من ناحية أخرى! ولم تقتصر التعبئة ضدّ العرب والمسلمين على ميدان واحد، أو على عدد منطقي من الكتابات، فقد أعلن وزير الأوقاف المصري، في ربيع عام 2004، أن أكثر من 60 ألف كتاب في الغرب مكرسة للهجوم على الإسلام، وقال أن الذين ينكرون وجود هذا العداء يتهربون من مواجهة الحقيقة التي تفرض عليهم واجب الدفاع عن الإسلام!

الشمس تشرق من الغرب!

في كتابه الهام (صناعة العداء للإسلام) نقل الأستاذ رجب البنا عن رئيس وزراء ايطاليا تصريحه الشهير الذي جاء فيه:" تتسم الحضارة الإسلامية بالانحطاط والجهل، وبأنها حضارة متخلفة لم تقدم للبشرية شيئاً"! وبالطبع فإن هذا التصريح هو من طراز القول بأن اللبن أسود، وأن الشمس تشرق من الغرب، فهو غير خاضع للمنطق وغير قابل للنقاش، بل إملاء قسري على الطريقة الأميركية.

غير أن الأمر لا يقتصر على مجرّد تصريح سياسي أرعن، فقد نقل الأستاذ البنا عن تقرير نشرته مجلة (الإيكونوميست) الرصينة جاء فيه أن في الغرب شعوراً بالقلق والخوف من الإسلام والمسلمين، لأن المسلمين لا يندمجون في المجتمعات الغربية، والغرب لا يريد منهم مجرّد التواجد أو التعايش بل يريد منهم الاندماج والذوبان بحيث يصبحون غربيين يتحدثون لغة البلاد التي يعيشون فيها ويعتنقون أفكارها وقيمها ويسلكون سلوكها، ولا مانع أن تكون ديانتهم الإسلام شرط أن يكون إسلاماً غربياً!

وينقل المؤلف البنا نتائج ندوة عقدت في واشنطن حول (الصحوة الإسلامية في الشرق الأوسط) فكانت خلاصتها أنه لا أمل للمسلمين في تعاون الغرب معهم ما لم يكونوا مثلنا. وقد أوضح الباحث الأميركي جون بوترو ذلك بقوله: إن الفارق كبير بين الغرب والإسلام، والتقارب غير ممكن، لأن الأساس في الإسلام هو الطاعة في جميع الأحوال، بينما الطاعة ليست من القيم الغربية، حيث القيمة الأولى في الغرب هي الحرية في التفكير والتصرّف، وهي إيمان الفرد بما يمليه عليه عقله وضميره، فالغرب والإسلام ينظران إلى الله وإلى العالم بمنظارين مختلفين، وهذا الاختلاف هو المصدر الرئيس للاحتكاك والانقسام! وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام قصة اللبن الأسود كاتجاه إملائي قسري غير مطروح للنقاش!

ليست ضدّ المسلمين فقط!

وقد كشف بول كروغمان حقيقة الاتجاه الإملائي القسري الأميركي، في مقالة له نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) بتاريخ 28/10/2002 تحت عنوان (اختراع الحقائق عند الضرورة) مؤكداً أن هنتنغتون صاحب كتاب "صدام الحضارات" ليس وحده الذي بحث عن عدو ووجده في الإسلام، ويفهم من ذلك أن صناعة العداء للإسلام – حسب الأستاذ البنا- تتحقق بإتقان يفوق إتقان الغرب في صناعة منتوجاته التكنولوجية، بل إن صناعة الكراهية تبدو صناعة كبيرة تستخدم جميع وسائل التأثير، وتعمل بإلحاح على إثارة مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين!

غير أن ما يتوجب عدم إغفاله هو أن صناعة الكراهية ليست موجهة ضدّ العرب والمسلمين وحدهم، فهذه الصناعة موجهة ضدّ جميع الأعراق والأديان في جميع القارات، بما فيها أوروبا والمسيحيين، لا تستثني سوى اللوثريين الأنكلوسكسون واليهود الصهاينة، وإذا كانت الأولوية اليوم للعرب والمسلمين فقد كانت الأولوية قبل الأمس للألمان، وبالأمس للروس ومعهم الصينيين، حيث نال كل نصيبه من حملات الكراهية الشعواء عبر الكتب والسينما ومختلف أجهزة الدعاية، وهكذا فإن المنتظر من العرب والمسلمين في مواجهة حملات الكراهية الأميركية الصهيونية ليس تفنيد ما يقال، لأنه غير مطروح للتفنيد وغير قابل للنقاش، بل الارتقاء بخطابهم السياسي إلى مستوى أممي يفضح الدوافع والأهداف الحقيقية لهذه الحملات، سواء أكانت ضدّ العرب أم ضدّ غيرهم، ويدعو إلى التحرر من هيمنة هذه الديكتاتورية العالمية الأنكلوسكسونية الصهيونية عن طريق المقاومة بجميع أشكالها وأساليبها المشروعة والواجبة، ويدعو كذلك إلى التأسيس لعلاقات دولية إنسانية عادلة، نظيفة من الاحتكار والتمييز، ومتحررة من الديكتاتورية والربا.