حرب العراق وفناء العالم أو حياته!
نصر شمالي
خلافاً لما توحي به الظواهر العالمية، السطحية على ضخامتها وفظاعتها، فإن التغيير في أوضاع العالم لصالح الأمم لم يكن في أية مرحلة مضت أكثر وضوحاً وضرورة وقرباً مما هو عليه اليوم، ولا يغيّر في هذه الحقيقة الصخب والضجيج والغموض السائد والبلبلة الواسعة النطاق، وإنه لمن الممكن تقديم ما لا يحصى من البراهين التي تؤكد أن البشرية توشك أن تدخل، بل لعلها دخلت، مرحلة الانتقال التي تفصل بين العصر الحالي وبين العصر التالي، وأن العالم يوشك أن يتغيّر كما يفترض، حيث احتدام الأزمات وتعاظم الانتهاكات، وشدّة العويل والصراخ، تؤكد جميعها ذلك ولا تنفيه!
نضوب الذهب وزوال الغابات!
في عام 1989 أعلن أن مخزون الذهب في مناجم جنوبي أفريقيا يبلغ 15 ألف طن، وأنه سوف يستخرج حتى آخر ذرة على مدى ربع القرن المقبل، أي حتى عام ،2015 ولكي نرى ما يعنيه ذلك على الصعيد الدولي نذكر أن حجم هذا الذهب يشكل 49% من المخزون العالمي الإجمالي، ويشكل 61% من احتياطي الدول الصناعية الثرية، و45% من كمية الذهب المتداولة سنوياً في أسواق العالم!
وفي العام المقبل نفسه ،2015 الذي سوف ينضب فيه ذهب جنوبي أفريقيا، يفترض أن تزول الغابات الاستوائية من الوجود، حيث أكثر من 20 مليون هكتار منها ينقرض سنوياً، وبهذه الوتيرة يمكن أن يصبح الافتراض واقعاً في العام 2015، أما الذي سوف يترتب على زوال الغابات الاستوائية فهو مدمّر على الصعيد العالمي: انقلابات سلبية خطيرة في نظام الأمطار، وشيوع الجفاف والتصحّر، وتوالي الفيضانات المدمّرة، وتدهور المناخ، ونقص المياه نقصاناً فادحاً، وتدنّي خصوبة الأراضي، وانخفاض الإنتاج الزراعي إلى حدّ مريع، وانقراض كثير من الكائنات الحيوانية والنباتية انقراضاً سريعاً وعلى نطاق واسع، ونحن نرى اليوم بالعين المجرّدة بدايات حدوث كل ذلك!
هل سنعيش أم سنفنى؟
في العام 2000 وصل عدد الجياع في العالم إلى 1300 مليون، هلك منهم مئات الملايين، بينما كان عدد الجوعى في عقد الثمانينات الماضي حوالي 500 مليون هلك منهم سنوياً عشرات الملايين! وفي العام نفسه 2000 كان عدد الأميين في العالم أكثر من مليار إنسان، أي أكثر من 20% (بالمناسبة، الأميون العرب اليوم 20%!) وعدد العاطلين عن العمل في جنوبي العالم فقط حوالي 900 مليون، و هذه الأرقام الرهيبة زادت اليوم بالطبع، وبينما كان الفارق في متوسط الدخل للفرد الواحد بين دول الشمال والجنوب يقدّر بأربعين مرة في عقد الثمانينات فإن هذا الفارق قد ازداد اليوم، وهو في ازدياد مستمر!
وفي حال حسن النية ببرامج النمو التي يسهر المرابون الظالمون على تحقيقها، وفي حال أخذت هذه البرامج باعتبارها ردم الهوة وإن على المدى البعيد، ففي ظل وتائرها السائدة اليوم في العالم سوف يحتاج تساوي متوسط الدخل الفردي العالمي ما بين ألفين إلى أربعة آلاف عام كي يتحقق طوعاً! غير أن الفارق لا يسير في اتجاه تقليص الهوة بل في اتجاه توسيعها! وعندما طرح الرئيس الكوبي كاسترو سؤاله الرهيب على دول عدم الانحياز في مطلع الثمانينات: هل سنعيش أم سنفنى! كان محقاً ودقيقاً بالطبع.
أكذوبة التجارة الدولية الحرة!
إن واشنطن وحليفاتها يتحدثون ويعملون طوال الوقت من أجل تعميم اقتصاد السوق ومن أجل التجارة الحرّة، غير أن اقتصاد السوق الذي يقصدونه هو اقتصادهم، وحرية التجارة التي يريدونها هي حريتهم وحدهم، وها هي واشنطن تفرض تعرفتها الجمركية على وارداتها من دول العالم الثالث متجاوزة بها عشرين ضعف ما تفرضه على حليفاتها الثريات! وبالمقابل، فإن أحداً لا يستطيع معاملتها بالمثل، أو لا يجرؤ، خوفاً من العقاب الذي قد يبلغ حدّ التدمير الشامل!
إن سدس العالم من الدول الثرية ينفق سنوياً 300 مليار دولار لدعم منتوجاته الزراعية، ولتأمين سيطرتها على السوق الدولية عموماً، وبالفعل فإن هذه المنتوجات المدعومة من حكوماتها تغلق الأسواق بشبه إحكام أمام منتوجات بلدان الجنوب، فأية تجارة حرة هذه التي يتشدّق بها الأمريكيون وحلفاؤهم؟
الكنز العراقي ولصوص النفط!
في ميدان الطاقة تستهلك الولايات المتحدة الأمريكية اليوم لوحدها 26% من منتوج النفط العالمي! إنه نهم وشراهة وتبذير وتبديد لا مثيل له، حيث الفرد الأمريكي الواحد يستهلك من النفط إثنى عشر ضعف ما يستهلكه الفرد الواحد في جنوبي العالم! وهذا التبذير المتلاف الوحشي يهدّد بنضوب سريع لاحتياطات النفط العالمي، وهو المورد الحيوي الاستراتيجي غير القابل للتجدد، يقوم بارتكابه الأمريكيون الذين لا يتجاوز تعدادهم 5% من سكان العالم!
غير أن النفط ليس سلعة تجارية فحسب، بل سلعة استراتيجية يتوقف عليها مصير الحياة القائمة من جهة، ويحقق التحكم بها التحكم بالعالم أجمع من جهة أخرى، وإن هذا ما يفسّر لنا بالدرجة الأولى أسباب احتلال العراق! وبالطبع، فإذا كان النفط أداة للسيطرة العالمية فليس ثمة دولة تسيطر عليه كالولايات المتحدة!
وباحتلالها للعراق وضعت واشنطن يدها على المصدر الأعظم من مصادر النفط في العالم، فالعراق الذي ينتج مليوني برميل يومياً مؤهل لرفع إنتاجه إلى ستة وثمانية أضعاف هذا الرقم، وهو كنز تتشبث به واشنطن كما يقول الباحث الأمريكي روبرت دريفوس، وهذا الكنز يمكنّها من السيطرة على العالم، ولذلك تعتبر إدارة بوش كل دعوة للانسحاب من العراق في مستوى الخيانة!
الصين ضحية احتلال العراق!
يوجد في السعودية والعراق معاً ما يعادل تقريباً نصف مخزون العالم من النفط، وهذه النسبة قابلة للزيادة بسبب استهلاك الدول النفطية لاحتياطيها، كما هو الحال في الولايات المتحدة وغيرها، والولايات المتحدة لا يهمها استكمال احتياجاتها النفطية من السعودية والعراق فحسب، وكهدف أساسي، بل يهمها السيطرة على العالم بالسيطرة على نفط العرب وغيرهم، وقد أكّدت ذلك صحيفة (الواشنطن بوست) حين قالت أن الصين ركّزت انتباهها على العراق قبل الاحتلال، وتطلعت إلى المساهمة في مزيد من تطوير إنتاجه النفطي، وعملت على رفع الحصار الطويل عنه، لكن الاحتلال الأمريكي جاء لينسف مصالح الصين ومشاريعها المستقبلية، فأخرجت من العراق وتقهقرت في المنطقة عموماً، واشتدت مخاوفها من نجاح الولايات المتحدة في حرمانها من مصادر الطاقة، فانطلقت تبحث بدأب في أماكن أخرى عن علاقات دولية جديدة، لأن حاجتها إلى النفط سوف تبلغ حوالي 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، أي أكثر من إنتاج السعودية اليومي بخمسة ملايين برميل، ولذلك نراها تبحث في كل مكان عن النفط، من السودان إلى فنزويلا إلى آسيا الوسطى إلى إيران، وأينما توجهت تجد الولايات المتحدة لها بالمرصاد، تعترض طريقها وتدمّر البلدان التي تتعاون معها، كما هو الحال في السودان أيضاً! وهكذا فإن الصين كانت بدورها هدفاً وضحية لاحتلال العراق!