الموقف الأمريكي من الحركات الإسلامية (2)

أحمد منصور



في شهر فبراير الماضي عقدت لقاء مطولا مع أليستر كروك، من أجل الترتيب لحلقة معه في برنامجي التليفزيوني 'بلا حدود' وأليستر كروك هو أحد رجال الاستخبارات البريطانية السابقين، وقد تخصص في بدايات عمله في العمل في أنشطة تتعلق بالدول الاسلامية وكانت مهمته الأولي إلي أفغانستان أثناء الاحتلال السوفيتي بين عامي 1979 و1990، وقضي مدة هناك تعرف فيها علي كثير من قادة المجاهدين منهم أحمد شاه مسعود القائد الميداني الشهير الذي اغتيل في سبتمبر من العام 2001 في ظروف مازال يكتنفها كثير من الغموض، واستطاع كروك من خلال مهمته الأولي أن يتعرف علي المجاهدين والجهاد والمقاومة في المنظور الاسلامي من التجربة الافغانية، والتجارب الأولي لرجال المخابرات عادة ما تكون مفعمة بمحاولات اثبات الذات وارضاء المسئولين وتحقيق الأهداف المرسومة للعميل حتي يستطيع أن يحوز علي رضا قادته، ورغم أن الساحة الأولي التي عمل فيها كروك كانت مليئة بالمخاطر وكانت في ظل أوج الحرب الباردة بين أمريكا والغرب والاتحاد السوفيتي إلا أنها تركت اثرا كبيرا في نفسه، وعاد كروك بانطباعات ليست سلبية عن الجهاد والمجاهدين والاسلام بشكل عام، وبقي كروك يعمل في مهام أخري عديدة حتي تم انتدابه في نهاية التسعينيات ليعمل في الاتحاد الأوربي مساعدا لخافيير سولانا في بعض الشئون الاستخباراتية في المنطقة العربية، وحينما وقعت مشكلة كنيسة المهد التي حوصرت من الإسرائيليين بعدما لجأ إليها بعض شباب المقاومة الفلسطينية ورفض الرهبان تسليمهم كان كروك هو المبعوث الاستخباراتي الأوربي للوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبعد مفاوضات مطولة بين الطرفين استطاع أن ينهي الأزمة في النهاية، لكنه للمرة الأولي استطاع أن يفهم المطالب العادلة للشعب الفلسطيني والأكثر من ذلك أنه تعرف بقرب علي حركات المقاومة لاسيما الاسلامية منها حماس والجهاد الاسلامي، وأدرك كروك الذي كان يعمل طوال سنوات عمله كرجل استخبارات ينفذ مهام محددة ولا يخرج عنها أن هناك جهلا مطبقا حتي علي مستوي أجهزة الاستخبارات الغربية بفهم الحركات الاسلامية في المنطقة والتعامل معها بمنطق يقوم علي الفهم السليم وليس علي المفاهيم المغلوطة أو التقارير الموجهة، أو المصادر الإسرائيلية، وعاد كروك إلي عمله بمفاهيم جديدة سعي إلي اقرارها، في تعامل أجهزة الاستخبارات الغربية مع الحركات الاسلامية في فلسطين تحديدا في البداية لكنه وجد صدودا شديدا من قادته في العمل، وقالوا له ليس المطلوب أن نفهم هؤلاء أو نتعامل معهم من خلال الفهم ولكن المطلوب دائما أن نقمعهم ولا نقيم معهم حوارا ولا نسمح لهم بالاستقرار أو فرض وجودهم، ليس هناك سياسة حوار مع هؤلاء ولكن هناك دائما سياسة قمع، لكن كروك لم يقبل فأقالته الحكومة البريطانية من مهام عمله في الاتحاد الأوربي كمبعوث استخباراتي خاص للمفوضية الأوربية، ثم ضيقت عليه، فقدم كروك استقالته من جهاز الاستخبارات البريطاني، لعدم قناعته بأسلوب وأجندة أجهزة الاستخبارات الغربية في تعاملها مع الحركات الاسلامية، وقرر أن يشكل مجموعة ممن هم علي قناعة بفكرته من رجال استخبارات سابقين وإعلاميين ومفكرين غربيين.
وكان من أهم ما توصل إليه كروك ومن معه أن معظم الدراسات التي تنشر في الغرب عن الحركات الاسلامية، تعكس توجيها وجهلا مطبقا ليس بالحركات الاسلامية فحسب بل وربما حتي بالشعوب، كما أنها تقوم علي صورة نمطية مسبقة وموجهة تستند علي سياسة 'فرق تسد' التي لم تفارق التصورات الغربية للتعامل مع دول المنطقة وشعوبها حتي الآن،، وبعد جهد استمر ما يقرب من عامين نجح كروك في عقد مؤتمره الأول في بيروت في شهر مارس الماضي وكانت له أصداء واسعة سوف نفصل خلفياتها وأبعادها في الأسبوع القادم.