ملاحظات وتعقيب على رباعية
الدكتور : كمال خلف الطويل حول اللجنة العسكرية
بقلم : محمود جديد 1-4
- أصبح الحديث عن اللجنة العسكرية بورصة سياسية تزدهر كلّما مرّ النظام السوري بمنعطف خطير ، وكان أهمّها الفترة التي اشتدّ فيها المرض على حافظ الأسد في عام 1984 ، وعقب وفاته وتوريث ابنه ، وفي هذه الأيام العصيبة التي يمرّ بها النظام السوري والتحوّلات السياسية المحتملة التي يراهن البعض عليها نتيجة انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم حيث انبرى الأخ الدكتور : كمال خلف الطويل لكتابة أربعة حلقات وتعقيب حول اللجنة العسكرية ، وذلك على حساب وقته الثمين ، لكونه يتصدّى لمهام بمنتهى الأهمية والضرورة ( وهو مشكور على هذه المهام ) وهي : رئاسة جمعية الخريجين العرب الأكاديميين في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعضو مجلس أمناء اللجنة العربية – الأمريكية لمكافحة التمييز العنصري ، وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي ، إضافة إلى كونه فلسطيني وقضيته أمّ القضايا بالنسبة لكل مخلص غيور في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي ، وهي تمرّ بأدهى المخاطر في عصر الانحطاط العربي الراهن ... وهو ليس الوحيد الذي تبرّع للكتابة عن اللجنة العسكرية ، والتركيز بشكل واضح على الشهيد صلاح جديد ، وإنّما آخرون أمثال السيد : زهير سالم الذي وضع في موقع معهده صفحة مسمومة ظالمة دائمة ، والسيد نضال القادري الذي غرف منها مؤخراً مقالاً بالتمام والكمال ، والسيد : طاهر إبراهيم ، والدكتور محمد بسام يوسف ...الخ ، وحتى لا أظلم الدكتور كمال الطويل لابدّ لي من الاعتراف أنّ ما كتبه هو الأقلّ سوءاً وتحاملاً من الآخرين ...ولكنّها تلتقي معهم في الجوهر ، وهو التصميم على وضع صلاح جديد في كيس واحد مع حافظ الأسد ، وتحميله زورا وبهتاناً الكثير من التهم والأخطاء ، لاستهداف ما تبقى من شرفاء تيار حركة 23 شباط ، ومنطلقاتهم الفكرية والسياسية والمسلكية ...
الملاحظات والتعقيبات :
- إنّي أشهد للدكتور الطويل أنّه امتلك زاداً غزيراً من المعلومات والأسماء والتواريخ ، ولا غرابة في ذلك لأنّ أرشيف الدوائر الأمريكية المعنية ، والكتب والمراجع التي ذكرها في تعقيبه على الرفيق: مروان حبش تقدّم للكاتب مادّة تفيض عن الحاجة ، وعلى كلّ حال سأتابع بعض ما كتبه وفقاً لتسلسل وروده ، ولكن أريد مسبقاً أن أوضح صادقاً بأنّ الدافع للكتابة ليس بسبب صلة القربى التي تجمعني بصلاح جديد ، والتي أعتز وأفتخر بها ، وإنّما لشعوري العميق ومعرفتي الأكيدة بمدى الظلم والافتراء اللذين تعرّض لهما المرحوم :صلاح جديد في حياته ومماته ، من داخل الحزب وخارجه ، لأنّني أدرك المعدن الأصيل المجبول به هذا الرجل ،والذي قلّ وجود أمثاله في هذا العصر ، وكنت على دراية عميقة ودقيقة بوجهة نظره في معظم الأمورالأساسية المثارة ضدّه ظلماً وافتراء سواء عن جهل ،أو قصد ، و لتصفية حسابات سياسية ، والتعبير عن أحقاد طائفية بغيضة ...
-حول الحلقة الأولى:
يقول الدكتور الطويل عن اللجنة العسكرية :" إنّ هذه اللجنة السرية والتي حكمت سوريا ما بين 8 آذار/1963 وحتى 13 تشرين أول 1970 ."
وهنا أؤكّد على صحّة ما ذكره الرفيق مروان حبش في تعقيبه القيّم بأنّ اللجنة العسكرية قد انفرط عقدها منذ أواخر ربيع 1965 وفقاً لفرارات المؤتمر القومي الثامن ( نيسان-1965 ) والتي تنصّ :"
- تمارس القيادة القطرية صلاحياتها في توجيه الجيش وفي قيادة التنظيم الحزبي فيه وفي تثقيفه ، ويتم ذلك عن طريق مكتب عسكري تابع للقيادة القطرية تعيّنه القيادة ، كما تعيّن رئيس هذا المكتب من قبل أعضائها العسكريين .
- المكتب العسكري : يحلّ محل اللجنة العسكرية الحالية في كل ما يتعلّق بالقضايا الحزبية والتنظيم الحزبي داخل الجيش ويكون صلة الوصل بين القيادة القطرية وبين التنظيم الحزبي في الجيش .
- يدخل أعضاء اللجنة العسكرية الحالية جميعاً في المجلس الوطني الموسّع. "
هذا بالإضافة إلى التصدّع الذي أصابها منذ إبعاد اللواء محمد عمران وحتى قيام حركة 23 شباط ، ومروراً بالانقلاب الأبيض الذي تمّ من خلال ما سُمِّيَّ " بالقفزة النوعية" التي قفز بها تحالف : عفلق – الرزاز- البيطار – الحافظ فوق النظام الداخلي للحزب بحلّه القيادة القطرية بشكل يتعارض مع بنود هذا النظام ، وحلّ مجلس الرئاسة ، ومجلس الوزراء ، والمجلس الوطني بشكل يخالف الدستور المعتمد ، ولكن على ما يبدو يحاول الدكتور الطويل اختزال اللجنة وتجسيدها بشخص الشهيد : اللواء صلاح جديد الذي هو المستهدف الأساسي من رباعيته، والتي يتقاطع فيه مع سهام طائفية كريهة وجهها إليه آخرون.
- ينصّب الدكتور الطويل نفسه وكيلاً في التفكير عن اللجنة العسكرية في الكثير من الأحيان بغض النظر عن ملامسته الحقيقة أحيانا ليضفي على رباعيته شيئاً من الموضوعية ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قوله :" وهم قابعون في الكنانة ، كانوا يتخندقون في انتظار "غودو" مراهنين على أنّ عبد الناصر سيكشف عقم تعاونه مع بعض شرائح اليمين السوري على حساب البعث وسيكتشف عدم جدارة الضباط المحايدين- اليمينيين بالثقة الممنوحة لهم بلا حدود بقرار من مشيره عامر . كانوا أيضاً يشعرون بأنّ خروجهم من المولد بلا حمّص – كما شعروا -....الخ "
إنّني ّ أجهل كيف توصّل الدكتور إلى هذا التوصيف والتعبير عن شعورهم وأحاسيسهم ، وحبّذا لو أشار إلى المصدر الذي اعتمده ، وخاصة أنّه لايعرف أحداً منهم حسب تقديري ، ثمّ يطرح تساؤلات في أماكن أخرى ليضع القارىءفي هواجس التكهنات والإشاعات عندما يتحدّث عن تشكيلة اللجنة العسكرية والانتماءات الطائفية لأعضائها فيقول :" هل كان ذلك قراراً بوعي مقصود ،أم أنّه عكس صورة تضاريس الجسم العسكري البعثي المنفي حينها ؟ أظنّ-ولا أقطع-أنّ الجواب في منزلة بين المنزلتين ، إذ أنّ جمعاً غفيراً من ضباط البعث السنّة كان متوافراً في إقليم مصر ثمّ أنّ الأجواء الطائفية التي استمرّت لاحقاً في هزيع الستينات وبعدها لم تكن بادية في مطلعها ...الخ".
إنّ الدكتور الطويل الأكاديمي القومي العربي العلماني يحاول –على ما يبدو – أن يترفع قليلاً عن التفسير الطائفي المباشر ، ولكن يضع القارىء على سكّته ...وهنا أتساءل :لماذا لم يذكر بعضاً من أسماء الجمع الغفير الذي أشار إليه سابقاً ، ثمّ يأتي لاحقاً ليقول بأن مجموع الضباط البعثيين في الجيش غشيّة 8 آذار لم يتجاوز ستة ضباط ، وعلى كلّ حال لقد لمست تركيزاً غير عادي على تشكيلة اللجنة العسكرية ودورها ،وإبراز وتضخيم ذلك الدور عن عمد أوجهل ، وأحياناً عن قصور في الفهم السياسي لتطوّر الأحداث في سورية منذ قيام الوحدة المصرية- السورية ، وحتى قيام حركة 23شباط عام 1966 ، وذلك بهدف خلق مشجب تُحَمَّل عليه مشاكل القطر السوري كلما عجز الكاتب أو السياسي عن فهم طبيعة الأحدث الداخلية وتطوّرها ، فكيف تشكّلت هذه اللجنة ، وما هي أهدافها ؟
فور قيام الوحدة بين سورية ومصر أعطى العقيد مصطفى حمدون أسماء الضباط البعثيين إلى المشير عبد الحكيم عامر بحسن نيّة مستهدفاً الاعتماد عليهم في الجيش لحماية الوحدة ، ولكن المشير نقل معظمهم للعمل داخل الجيش المصري في الإقليم الجنوبي ، وأحال قسماً منهم للعمل في وزارة الخارجية ...وبعد أن أخذت ظروف الوحدة تسوء بسبب سوء تسييرها في سورية ، ونظراً لتجمّع عدد من الضباط البعثيين في مصر ، وتعيينهم في أماكن ثانوية توفر لهم الوقت الكافي للالتقاء والتفاعل حول أوضاع الوحدة ، والتردّي الذي وصلت إليه ،والمخاطر المحيقة بها ، وحول الفراغ الحزبي في سورية ، وغياب دور حزب البعث بسبب حلّه وتشرذمه ، وابتلاع أجهزة الوحدة (الأمنية والسياسية) قسماً كبيراً من مناضليه وكوادره ...وكان هؤلاء الضباط يرصدون أخبار الإقليم الشمالي أوّلاً بأوّل ، ويلحظون المنعرج الخطير الذي دخل به المشير عامر ، والعناصر التي اعتمدها في إدارة القطر السوري ، ونتيجة إلى ذلك كلّه توصّلوا إلى قناعة بضرورة إعادة إحياء التنظيم البعثي العسكري في الجيش من أجل حماية الوحدة، والمحافظة على مصلحة الوطن والحزب ، وخاصة في ظلّ غياب دور قيادته الساسية بعد حلّ الحزب كشرط لقيام الوحدة..وإنّني أستطيع الجزم بأنّه في ذلك الوقت لم يفكّر أحد منهم بأيّة حسابات طائفية ، وإنّما كانت المعايير والمنطلقات حزبية وسياسية ووطنية ...وكأي عمل جديد كان لابدّ من بداية ونواة ، وكان المتواجدون في القاهرة تلك النواة التي شكّلت البداية مع قلّة كانت موجودة في سورية ، ومن بين الأسماء : محمد عمران ، صلاح جديد ، عثمان كنعان ،عبد الكريم الجندي أحمد الأمير ، حافظ الأسد ، حسين ملحم ،ولاحقاً في سورية : حمد عبيد، أحمد سويداني ، موسى الزعبي ، سليم حاطوم ، وآخرون...وفور تشكّلها توجّهوا إلى العقيد أمين الحافظ لترؤسها باعتباره الأعلى رتبة ، كما اتصلوا بالعقيد بشير صادق ودعوه لقيادتها، ولكنّ الحافظ وصادق لم يوافقا على العمل التنظيمي ، وهذا ما اعترف به أمين الحافظ في شهادته على العصر مع ألصحفي أحمد منصور ، وبذلك بقي عمران رئيساً للجنة باعتباره الأقدم من بين الذين وافقوا على العمل فيها . وعلى كل حال ، ولتوضيح الصورة نقول: إنّه لم يزد عدد الضباط الذين خُلِقوا من أبوين ينتميان إلى أسرة علوية عن ثلاثة في كافة مراحل عمل اللجنة، علماً أنّ عددها فاق الخمسة عشر عضواً ...ثمّ أنّ كلاًّ من هؤلاء الثلاثة أخذ مساراً خاصّاً به ، ولو كان المنطلق طائفيّاً لبقوا كتلة واحدة ، ولما صُفّي اللواء عمران جسدياً وهو مقيم في لبنان على يد النظام السوري عام 1972، ولما تخلّى اللواء صلاح جديد طواعية عن رئاسة الأركان ليتفرّغ للعمل الحزبي ...ولما قضى 23 سنة في سجون حافظ الأسد ، ثمّ اُغتِيل بإبرة مسمومة قبيل / مؤتمر مدريد / ، وسُرِّح رفاقه وشُرِّدوا ، وكان بإمكان كل ّمنهم أن يختار طريقاً آخر لو قبل التضحية بماضيه المشرّف نضالياً ووطنيّاً وشخصيّاً ...وهنا أتساءل لماذا لم يشر أحد إلى طانفية عمران وجديد والأسد ومجموعة أخرى خُلقوا في أسرة علوية عندا تمّ تسريحهم في بداية حكم الانفصال ، وثمّ سجنهم عقب المحاولة الانقلابية التي قادها جاسم لوان في حلب في 28-3-1962 ، ففي التسريح والاعتقال كانوا بعثيين بامتياز .....
- يشير الدكتور الطويل إلى وجود نفر صغير من الضباط البعثيين المتبقين في الخدمة عند بداية حكم الانفصال ، فيقول : " إضافة لكنعان والجيرودي : موسى الزعبي ، وحمد عبيد ، ومحمد ابراهيم العلي ، وسليمان حدّاد ، وموسى العلي ، وسليم حاطوم ، وعبد الحميد الجمل، وجلال الجهني ، وآخرون." وفي مكان آخر يحصرهم بستتة ضباط قبيل 8آذار 1963 نقلاً عن لسان سليمان حدّاد ، ولمّا كنت واحداً من الدورة العسكرية التي تخرّج منها ثلاثة مذكورين ضمن هذه الأسماء (حداد،والعلي،والجهني) وذلك في نيسان 1959 فإنّني أزعم أنّ هذه المعلومات قاصرة ، وأنّ الدكتور الطويل قد فهم كلام سليمان حداد خطأًً ، وربما كان المقصود هو عدد الضباط البعثيين في لواء القطاع الشمالي من الجبهة ، وفيما يلي بعض الأسماء التي لاتزال ذاكرتي تخزنها بعد مرور 42 عاما على قيام 8 آذار : : علي نعيسة ، صلاح نعيسة ، أحمد درويش ، حسين ملحم ، سلبمان العلي ، كاسر محمود ، علي الضمّاد ، خالد بدوي ، هلال رجب ، خالد الخالد، نزار الجندي ، أسعد غوثاني ،فؤاد منذر ، محمود جديد ، صيّاح الدهني ، ذكي محفوض ، أحمد نديم خديجة ، نصر فرج ، نادر منصور ، علي زيود ، عبد العزيز الحمصي ، علي حيدر، محمد الخولي ، علي غانم، ابراهيم صافي ، محمد داؤود ، يوسف عرابي ]وسف نعيسة ، نديم ناعسة ، سلامة مغوّش ، سميح عيسى ، عبد الحميد عدي ، عبد الحميد أبو علي ، عبد الكريم عمّار...وهنالك الكثيرون الآخرون ..
ولكن الحقيقة التي يجب أن نذكرها هنا أنّ معظم هؤلاء كانوا نقباء وملازمين أول عند قيام انقلاب 8 آذار ، وهذا شيء طبيعي بعد التسريحات التي شملت الضباط البعثيين أيام الوحدة ، وأثناء حكم الانفصال ، ولأنّ تأسيس حزب البعث تمّ في نيسان عام 1947 ...
في 28-5-2005 - يتبع في حلقة قادمة-