حرب حزيران 1967
مروان حبش
المقدمات والوقائع
بعد انتهاء معارك حرب حزيران 1967، ووقف إطلاق النار، انطلقت أبواق الدعاية الصهيونية والطابور الخامس بالتنسيق مع الرجعية العربية، تشوه الحقائق وتحاول دق إسفين بين ألـ ج. ع. م، وسورية، وتعمل علي تخريب العلاقات الودية بين القطرين، وكان كل ذلك معروفا وواضحا في أغراضه ومراميه، حتى لا يعـــود البلدان إلى التنسيق بينهما لإزالة آثار العدوان وتحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق العربية المشروعة .
إن هزيمة 1967 قد أصبحت واقعا تاريخيا في المجرى العام للصراع العربي – الصهيوني ، ومضى على حدوثها 38 عاما ، وان الهدف من الكتابة بشأنها هو أن بعض السياسيين والكتاب العرب الملتزمين سياسيا درجوا على إسقاط ما يحملونه من أفكار مسبقة في تصريحاتهم أو كتاباتهم على تحميل أسباب حرب حزيران إلى تلك القيادة السياسية العربية أو [B1]غيرها ، ولولا معرفتنا بهم ، لقلنا وكأنهم بذلك يبرؤون الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية من مطامعهما وعدوانيتهما تجاه الوطن العربي ، ولقد نشر الكثير من الوثائق التي تكشف أسرارها ، إلا أن بعضهم ما زال يجتر مواقفه رغم اعتراف الزعماء الصهاينة علنا بأن < إسرائيل > ، لم تكن تواجه أي تهديد مباشر لوجودها ، وهي التي خططت ومهدت للعدوان بالتنسيق مع إدارة جونسون، وهي التي بدأت بالهجوم.
هدفت الحركات القومية العربية وكافحت لتحقيق تحرر وحرية وطموحات الشعب العربي المشروعة وسيادته على أرضه وثرواته وترابه الوطني ، ومن الطبيعي أن تتعارض هذه الأهداف مع مطامع القوى الاستعمارية ، بكل أسمائها ، وخاصة الاستعمار الصهيوني الاستيطاني ، في وطننا العربي0 ومنذ أن وصلت بعض هذه الحركات في بعض الأقطار العربية إلى السلطة بدأ التآمر للإطاحة بها بدءا من سياسة الاحتواء إلى حياكة المؤامرات إلى العدوان العسكري المباشر. ومن الماضي القريب لا يغيب عن ذاكرتنا محاولات احتواء ثورة يوليو في مصر لمنعها من دعم ثورة الجزائر والوقوف إلى جانب القضايا القومية وحركات التحرر في العالم ، ولما فشلت تلك السياسة قطعت الولايات المتحدة عنها المعونات الغذائية وتمويل مشروع السد العالي ، وكان الرد الوطني للثورة هو إعادة قناة السويس إلى السيادة الوطنية ، واتخذت قوى الاستعمار البريطاني – الفرنسي بالتحالف مع الكيان الصهيوني من ذلك ذريعة لعدوانها الثلاثي في6 تشرين الأول1956 ، كما أن المؤامرات على سورية ازدادت بعد العدوان الثلاثي وكان مآلها الفشل رغم شدة حياكتها وتنسيقها مع بعض الأحداث الدولية ولا سيما الاعتداءات الصهيونية ورغم الأموال الباهظة < عربية وأجنبية > التي أنفقت عليها .
كان أشهر هذه المؤامرات تلك التي عرفت باسم رجل المخابرات في السفارة الأمريكية بدمشق < ستون > واستخدم فيها أديب الشيشكلي وإبراهيم الحسيني ووضع تحت تصرفهما مبالغ كبيرة من الدولارات لشراء ذمم الضباط والسياسيين للقيام بانقلاب يطيح بحكومة التجمع الوطني ذات السياسة القومية والتحررية ، المدعومة من حزب البعث ومن الجيش الذي يسيطر عليه الضباط التقدميون ، وبعد فشل تلك المؤامرات ، ظهرت فجأة، ودون مقدمات ، أزمة على الحدود التركية – السورية , فكثرت التحرشات التركية بالرعايا السوريين وقطعت تركيا مياه نهر جغجغ وبدأت الدوريات التركية تتسلل إلى داخل سورية وتطلق النار على بعض القرى الحدودية ، وأبدى بعض المسؤولين الأتراك تصريحات تدعي قلقهم من تفشي "الشيوعية " في سورية وخطر ذلك على أمن بلادهم وأنهم لن يسمحوا " للشيوعيين" المسيطرين على سورية بأن يطعنوهم من الخلف وحشدوا جيشهم على الحدود بالتوازي مع ظهور الأسطول السادس الأمريكي في المياه الإقليمية السورية ، وكان الفشل مصير هذا التهديد ، أيضا ، بفضل تعبئة الشعب والموقف العربي الشعبي والإنذار السوفييتي لتركيا والكيان الصهيوني بتعرضهما لتدخل عسكري سوفييتي في حال تعرض سورية لأي عدوان .
لقد توج المد القومي لثورة يوليو وللشعب العربي في سورية بتحقيق الوحدة 1958، التي لاقت صدى كبيرا لدى الشعب العربي على امتداد الوطن الكبير ، وفي نفس الوقت أرعبت بعض الحكام العرب ، مما دفع الملك سعود للعمل بكل الوسائل للحيلولة دون تنفيذها ووضع مبالغ مالية كبيرة مقابل قيام بعض الضباط في سورية بحركة عسكرية تعرقل قيام الوحدة أو بإسقاط طائرة الرئيس ناصر وهو في طريقه إلى دمشق، أو بأية وسيلة أخرى لمنع الوحدة والتخلص من عبد الناصر .
كما أرعبت الوحدة الدوائر الاستعمارية والكيان الصهيوني ، واستمر التآمر عليها حتى
انتهى بالانقلاب الانفصالي في28 أيلول1961 .
لقد وضع الرئيس عبد الناصر المصلحة القومية فوق كل اعتبار سواء أكان قطريا أم مرحليا ، وتحول في خضم الأحداث التي واجهها ومعه مصر والأمة العربية إلى النموذج الوطني والاستقلالي الحر بين حركات التحرر في العالم ، وفي هذه الفترة 1957 ، قبل الملك سعود بمبدأ أيزنهاور ، ونجحت الإدارة الأمريكية في ظل الضغوط على الرياض ، في إبعادها سياسيا عن القاهرة ، والتوصل لتقارب سعودي ـ هاشمي ( العراق والأردن ) وخروج المملكة السعودية عن الدائرة المصرية ـ السورية ، وانقسام النظام العربي إلى معسكرين ، أحدهما "ثوري " تقوده مصر والآخر " محافظ "تقوده المملكة السعودية وتدعمه الولايات المتحدة .
ولا بد أن انتصار ثورة الجزائر وانتقالها بكل زخمها الثوري من المغرب إلى المشرق، وكذلك مجيء البعث إلى السلطة في سورية 1963 أدى إلى تعزيز المعسكر " الثوري .
وبوصول فيصل بن عبد العزيز إلى الحكم عام 1964 بدأ يعمل على الحد من النفوذ "الثوري " في الأوساط الشعبية بعد أن أصبح يهدده حتى داخل النظام والأسرة المالكة ، وظهور اضطرابات داخلية في أوساط العمال والجيش والموظفين .
أجرى الملك فيصل في 21 حزيران 1966 مباحثات في واشنطن مع الرئيس الأمريكي جونسون وبعد أن أوضح له بأن هناك " تيارات ومبادئ تهددنا "طلب منه ضمانات للأنظمة العربية التي ترتبط بأمريكا .
وبمناسبة عيد العمال 1 أيار " مايو " 1967 ، قال الرئيس ناصر في خطابه : ( إن الأمريكيين والإنكليز وجدوا في فيصل وحسين أحسن عميلين لهم ) .
وفي 4 أيار " مايو " 1967 وصل الملك حسين بشكل مفاجئ إلى طهران ، وقام بزيارة لقاعدة الحلف المركزي في الوقت الذي تشمل المنطقة العربية تحركات استعمارية مشبوهة .
كما قرر الملك ، والأزمة بين العرب و" إسرائيل " في ذروتها ، قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية ، وترحيل الرعايا السوريين من الأردن ، وحشد قسم من جيشه على الحدود السورية ، متخذا من الانفجار الذي حصل بالرمثا يوم 21 أيار ذريعة لتصرفاته .
مشروعات التحويل
إن كل عربي على معرفة بالحلم الأسطوري للصهيونية< دولة يهودية على كل أرض فلسطين >، ولتحقيق ذلك ، يجب توفر بعض الشروط، من بينها :
1- استقدام أكبر عدد ممكن من الملتزمين بالحلم الصهيوني ، وتوفير الأراضي اللازمة لإقامتهم ، وتأمين المياه اللازمة لريها ، وفي هذا السياق اعتبر وزير خارجية <إسرائيل >" شاريت " أن عدم إدراج نهر الليطاني في مشروعاتهم المائية بمثابة خطيئة أساسية ارتكبتها حكومته ، ويأتي حديث ليفي أشكول لسارتر ، ليؤكد تلك المطامع ، إذ قال : ( إن إسرائيل قسمت ثلاث مرات ، وكانت المرة الأولى عندما وضع نهرا الحاصباني وبانياس خارجها . ومن هنا كانت مطامعهم في مياه الهضبة
ويربط المعلق الإسرائيلي أربين أفنيري بين تنفيذ المشروع العربي وبين احتلال الجولان فيقول إن وجود الجولان بيد السوريين معناه ترك خيار مصادر المياه تحت رحمتهم ، ...وان بإمكاننا القول أننا سنضطر في النهاية لشن حرب ضد سورية لو نفذ مشروع تحويل روافد الأردن حتى لو لم تنشب حرب الأيام الستة ) .
2ـ أن يبقى الكيان الصهيوني مخزن أسلحة يحتوي من البندقية إلى القنبلة الذرية.
3ـ أن تضرب حركة القومية العربية ، باستمرار ، حتى يتم اجتثاثها من الجذور .
ومن هذا المنطلق كان الهدف الاستراتيجي الصهيوني هو إسقاط نظامي الحكم في أل . ج .ع.م (ناصر) وفي سورية (البعث) بالاتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكي جونسون ، وبمعرفة نظامي الحكم في السعودية والأردن . وبذلك يربح جونسون في الشرق الأوسط ( الصوت اليهودي في الانتخاب ) ، ما يخسره في الشرق الأقصى ، أي في فييتنام .
طرحت حكومة الكيان الصهيوني عام 1953 فكرة تحويل مياه نهر الأردن وروافده إلى صحراء النقب لريها بهدف إقامة مستوطنات جديدة فيها ، ولكن الدول العربية عارضت ذلك بقوة ، مما حدا بالرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى التدخل وإرسال المبعوث الخاص < إيريك جونستون > إلى المنطقة ونتج عن تلك الزيارة مشروع جونستون لاقتسام مياه النهر والروافد ، إضافة إلى :
إنشاء سد على نهر الحاصباني في الأراضي اللبنانية لتخزين الفائض السنوي للنهر وتحوله إلى ترعة لري أراضي حوض الحولة وتلال الجليل في فلسطين المحتلة .
إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من مياه هذا النهر تقام داخل فلسطين المحتلة
قدمت الإدارة الأمريكية عام 1954 ، هذا المشروع إلى الدول المعنية ، ولاقى رفضا حازما من الجانب العربي ، في قرار موحد اتخذ في شباط 1955 ، وكانت < إسرائيل > قد رفضته قبل ذلك لأنه لا يتضمن نهر الليطاني .
ومنذ 1956 باشر الكيان الصهيوني بتنفيذ ما عرف باسم < مشروع المياه الوطني > بهدف تحويل مياه نهر الأردن العلوي إلى المنطقة الساحلية ومنها إلى صحراء النقب ،وقد تضمن المشروع عدة مراحل ؛ منها تجفيف بحيرة الحولة ، وتحويل نهر الأردن قبل دخوله بحيرة طبرية وضخ مياه البحيرة في قنوات عبر سهل بيسان ، وكان هذا المشروع يعني الاستيلاء على ما يساوي 50% من مياه النهر وروافده ، ويجسد الأطماع الصهيونية في مياه هضبة الجولان ،
وضع العرب ، بالمقابل ، مشروعا عربيا لاستغلال مياه الروافد يقضي بإنشاء سدود وخزانات على أنهار اليرموك والحاصباني والبانياسي ، ولم ينفذ العرب شيئا مما قرروه ، بينما مضى الكيان الصهيوني ، قدما ، في تنفيذ مشروعه الذي أوشك في نهاية 1963 على الانتهاء ، وهذا دفع بالرئيس ناصر في خطابه في بور سعيد يوم 23/ 12 / 1963الى دعوة ملوك ورؤساء العرب ، رغم التناقضات القائمة بينهم ، لعقد اجتماع لهم في إطار الجامعة العربية في القاهرة ، لتدارس أمر مشروع سرقة المياه ، والتأم عقد المؤتمر < مؤتمر القمة العربي الأول > في الفترة ما بين 13-16 كانون الثاني 1964 ، ومما قرره :
اعتبار أن قيام < إسرائيل > هو الخطر الأساسي الذي أجمعت الأمة العربية بأسرها على دفعه ، وبما أن وجود < إسرائيل > يعتبر خطرا يهدد الأمة العربية ، فان تحويلها لمياه الأردن سيضاعف من أخطارها على الوجود العربي .
إقرار مشروع تحويل روافد نهر الأردن في المنطقة العربية لقطع الطريق على المشروع الصهيوني .
إنشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية، فورا ، وتشكيل جيش عربي موحد مزود بأحدث الأسلحة والمعدات تجعله قادرا على حماية المنشآت التي ستقام على روافد نهر الأردن وردع أي عدوان صهيوني محتمل .
وكان الهدف من انعقاد المؤتمر الثاني للقمة 5-11 أيلول 1964 في الإسكندرية ، هو البحث عن ما تم تحقيقه من مقررات المؤتمر الأول ، وخاصة :
إعداد مشروع عربي لتحويل مياه روافد نهر الأردن وتنفيذه بدءا من شهر مايس 1964 وخلال مدة لا تزيد عن 18 شهرا .
ومما قرره هذا المؤتمر، أيضا :
البدء الفوري بتنفيذ مشروعات استغلال مياه روافد نهر الأردن ، وإعطاء المقاولين الأذن بالمباشرة فورا .
قيام منظمة التحرير الفلسطينية واعتمادها ممثلة للشعب الفلسطيني .
وفي مؤتمر القمة الثالث الذي انعقد في الدار البيضاء في المغرب ما بين 13-17 أيلول 1965 ، تابع المؤتمرون ما أنجز في موضوع استثمار المياه وقرروا :
استمرار الدول المعنية < سورية – الأردن – لبنان > في أعمال المشروع العربي الموحد لاستثمار مياه النهر وروافده وفقا للخطة المرسومة ، وطبقا لما تقرر بشأن الحماية العسكرية للمشروع .
الموافقة على خطة تحرير فلسطين المقدمة من قائد القيادة العربية الموحدة للجيوش العربية الفريق علي علي عامر . وكان هذا القرار في غاية السرية ، ولكنه وصل فور إقراره إلى الولايات المتحدة الأمريكية من قبل ثلاث دول عربية ، لا تخفى أسماؤها على القارئ المتتبع < الأردن ، السعودية ، المغرب > ، كما وصل بنفس الوقت إلى حكومة < الكيان الصهيوني > .
ورد في مذكرة حول قضية فلسطين، لقيادة الحزب القومية بتاريخ 31/12/1961 ، وجهتها إلى مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في بغداد <إن إبعاد جماهير الشعب عن قضاياها الأساسية يفقد هذه القضايا الوعي والكفاءات والقوة الضرورية لانتصارها ، ويحول دون بناء مجتمع ديمقراطي شعبي قوي قادر على مواجهة خطر إسرائيل وتحمل مسؤولية تحرير فلسطين وتصفية الاستعمار . وورد < إن حزب البعث العربي الاشتراكي يطالب مؤتمركم باتخاذ قرارات تلزم جميع الحكومات العربية ب : إطلاق الحريات لأبناء فلسطين المقيمين في جميع الأقطار العربية لتنظيم صفوفهم في جبهة تحرير فلسطين ، وتقديم كافة المساعدات المادية والقانونية التي تكفل لهذه الجبهة ممارسة عملها النضالي ، واعتبارها ذات اختصاص مباشر في جميع الشؤون المتعلقة بقضية فلسطين >.
وإن حزب البعث في مؤتمره القومي التاسع الذي انعقد في نهاية شهر أيلول 1966 قد أقر تبنى أسلوب الحرب الشعبية ، كبديل لسباق التسلح ورديف للحرب النظامية في الوقت الملائم
من هذا المنطلق ، استقبلت سورية منذ أواخر عام 1964 منظمات العمل الفدائي الفلسطينية وقدمت لها كل الإمكانيات المتاحة لتأهيل نفسها وممارسة نشاطها ، وأعلنت حركة تحرير فلسطين < فتح > من دمشق، عن قيامها بأول عملية لها في فلسطين المحتلة في الأول من كانون الثاني 1965 ، واعتبرت ذلك التاريخ يوم بدء العمل المسلح الفلسطيني ( الثورة الفلسطينية ) .
كانت قيادة الحزب بعد حركة الثالث والعشرين من شباط (فبراير)1966 ، في اجتماع لها في شهر نيسان "ابريل " 1966 ، استعرضت وضع الجيش , و أنه بعد انتهاء حرب 1948 وفشل استراتيجية الهجوم التي اتبعتها الدول العربية لإحباط مشروع التقسيم ، تركزت الاستراتيجية ووضعت الخطط العسكرية لدول المواجهة الجغرافية العربية ضمن اتفاقيات الهدنة التي وقعت في رودس في العام 1949 تجاه الدولة الصهيونية في محاولة الحفاظ على " الوضع الراهن " الذي يهدف دون مزيد من التوسع < الاسرائيلي > في الأراضي العربية على فكرة الدفاع وامتصاص الضربة الأولى ولذلك تمركزت القطع العسكرية في خنادق ومواقع على الحدود تساندها في العمق العملياتي والاستراتيجي قوات احتياطية ، وهذا ما أثر على مستوى تدريبها وبالتالي على كفاءتها ، و قد قررت القيادة إعادة هيكلة القوات المسلحة وبناء جيش ميكانيكي بكافة أسلحته يتمتع بسرعة الحركة وكفاءة التدريب ، ويعتمد على النقاط والمواقع الحاكمة ـ بدلا من انتشار الجيش في خنادق على طول خطوط الهدنة ـ لتأخير أي عدوان ورده ، تساندها في العمق العملياتي والاستراتيجي قوات احتياطية من المشاة والمدفعية والمدرعات ، وأن ينطلق هذا الجيش في تنظيمه وتدريبه بما يتلاءم مع استراتيجية الحزب في حرب التحرير الشعبية ، مع إدراكها التام بأن التسليح الحديث ليس وحده هو الذي يصنع الجيش الحديث ، وكذلك لا يحل الانضباط العسكري محل وعي الجندي بمهمته، وأن الجندي العربي ما زال إلى حد ما ضعيف الحس المدني وهو لم يصل بعد إلى انتزاع نفسه من سلسلة طويلة من أفاعيل التخلف الاجتماعي ، وهو يفتقر إلى الإعداد التكنيكي والقدرة على المبادرة .
سافر، ٍفي 19 نيسان 1966 ، وفد إلى موسكو برئاسة رئيس الوزراء يوسف زعين وفي عضويته
وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد وعدد من الوزراء وكبار الضباط المختصين لإبرام
العقود اللازمة
،وإدراكا
بالمخاطر التي تواجهنا قال الدكتور يوسف زعين يوم 22 نيسان في حفل التوقيع على
اتفاقية التعاون الاقتصادي بين سورية والاتحاد السوفييتي : " نحن نقاتل في منطقة
مصالح الاستعمار الاستراتيجية والبترولية". كما طلبت قيادة الحزب إلى قيادة
الجيش العمل مع قوات المراقبة الدولية لإحياء لجنة الهدنة المشتركة التي كانت
<إسرائيل
>قد قاطعتها منذ زمن ، وذلك
لتفويت
الفرصة عليها ـ
وهي
التي كانت تفتعل حوادث الحدود كتمهيد لعدوانها ـ، قبل أن يتم تحديث
الجيش تسليحا وتشكيلا وتدريبا .
و كانت قيادة الحزب تسعى باستمرار لتصفية الأجواء مع الجمهورية
العربية المتحدة وإقامة أمتن الروابط معها ، ولقد تحقق ذلك بعد حركة 23 شباط 1966 ،
لأن الرئيس عبد الناصر كان يرى أن الحساسيات التي كانت بينه وبين قيادة الحزب قبل
الحركة ، لم يعد لها وجود مع القيادة الجديدة .
عزز وصول البعث إلى السلطة في سورية ، ما عرف ب" المرض السوري " أي ( قصف المواقع العسكرية الصهيونية وتهديد المستوطنات ) الذي أصاب الكثير من كبار ضباط الجيش < الإسرائيلي > الذين كانوا مصممين على العدوان
وعندما دخل المشروع العربي للتحويل مراحله التنفيذية لجأ الكيان الصهيوني في الأعوام 1964 ـ 1965 على التوالي إلى أعمال القصف الجوي لمنشآت المشروع وآلياته في الجولان بقصد تعطيله واستحالة تنفيذه .
بدأ التوتر الشديد وساد على الحدود السورية والأردنية مع فلسطين المحتلة مناخ ملتهب ، ومنذ شهري تموز وآب 1966 كثرت الاعتداءات < الإسرائيلية > على سورية ، وتعددت الاشتباكات المسلحة ، ففي يوم 14 تموز 1966 قام سلاح الجو < الإسرائيلي > بهجوم كبير ضد منشآت ومعدات تحويل المياه ، ودارت معركة جوية بين سلاح الجو السوري والسلاح الجوي الصهيوني فوق مواقع التحويل ، وتجددت المعارك الجوية في 15 آب ، ورافقتها اشتباكات برية .وفي 14 تشرين الأول ناقش مجلس الأمن الدولي شكوى تقدم بها الكيان الصهيوني ضد سورية ،وكانت تلك الشكوى غطاء لعدوان جديد يخطط له الصهاينة . وفي 13تشرين الثاني تذرعت حكومة الكيان الصهيوني بمقتل ثلاثة من جنودهم في حادث انفجار لغم على خطوط الهدنة باتجاه وادي عربة ،وقامت بهجوم كبير على قرية السموع في منطقة الخليل < الأردنية > ارتكب فيه جيش الصهاينة ، بما عرف عنه من وحشية ، قتلا للسكان وتدميرا للمنازل ، وعلى أثر ذلك عمت المظاهرات في الضفة الغربية ضد حكومة الأردن التي لم تتخذ أي إجراء لحماية مواطنيها .
وفي التوازي مع هذه الاستفزازات ، بدأ من كان يطلق عليهم < عرب أمريكا > ينفذون دورهم في الخطة ، وأورد الأستاذ هيكل ( وقد كثف خصوم مصر السياسيين في الأردن والسعودية حملاتهم ضد مصر لما اعتبروه تقاعسا من جانبها عن مساعدة الأردن في السموع ، وقد وصل هؤلاء الخصوم إلى حد اتهام مصر بالخوف والجبن والتواري خلف قوات الطوارئ الدولية في سيناء ، كما وصلت بهم الحال إلى اتهام الرئيس ناصر ب "التواطؤ مع الصهيونيين " بهدف القضاء على رصيده لدى الجماهير العربية " وأمام هذه الحملات فقد كان من المستحيل سياسيا وإنسانيا على القيادة المصرية أن تقف موقف المتفرج حيال ما يجري في سورية).
وبما أن منطقة التحويل وما يتطلبه التحويل من منشآت وآليات موجودة على الجبهة السورية ، أدى ذلك إلى اشتباكات مستمرة على خطوط الهدنة ، وفي فترة الاشتباكات المتكررة هذه ، وجه الرئيس نور الدين الأتاسي بتاريخ 27 أيلول 1966 ، رسالة إلى الرئيس عبد الناصر ، ورد فيها :
"سيادة الرئيس " إن المسؤولية التاريخية تحتم علي أن أخطركم بأن المعلومات المتوافرة لدينا تجعلنا نتوقع هجوما إسرائيليا كبيرا في الجو في الأيام القليلة القادمة . وطبقا لما لدينا من معلومات فان <الإسرائيليين> يريدون أن ينتهزوا فرصة إعلاننا عن استئناف خططنا لتحويل مياه الأردن كحجة لاستئناف الهجوم على مشروعات التحويل ، على أن يتطور هذا الهجوم علينا إلى ضربة جوية شاملة لا تترك هدفا داخل حدودنا إلا وقد دمرته . وقد قررت القيادة ضرورة التوصل إلى تنسيق كامل مع الشقيقة الكبرى الجمهورية العربية المتحدة .ونحن نقترح فتح خط لاسلكي مباشر بين قيادة الجيش في سورية وفي الجمهورية العربية المتحدة ،ونرى أيضا ضرورة تغيير الشفرات المستعملة الآن لتأمين الاتصالات وحتى يكون في وسعنا إخطاركم دقيقة بدقيقة عن تطورات الحوادث المحتملة .ونعتقد أنه لابد للبلدين اللذين وضعت عليهما المقادير مسؤولية قيادة القوى التقدمية في الوطن العربي من حماية آمال الأمة وتجسيد قواها الفعالة والرادعة ."
إن الموقف الجديد للرئيس عبد الناصر حيال قيادة الحزب بعد 23 شباط ، سهل حدوث انفراج تدريجي ولكنه واضح ، ولقد توج هذا الانفراج باتفاقية الدفاع المشترك بين القطرين والتي تم التوقيع عليها في القاهرة يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1966.
سافر إلى القاهرة في 30 تشرين الأول وفد من قيادة الحزب تألف من رئيس الوزراء الدكتور يوسف زعين ،رئيس مكتب الأمن القومي عبد الكريم الجندي ،وزير الخارجية الدكتور إبراهيم ماخوس ، ورئيس الأركان العامة اللواء أحمد سويداني . وجرت محادثات مع وفد الجمهورية العربية المتحدة برئاسة الرئيس عبد الناصر وعضوية نائبي رئيس الجمهورية المشير عبد الحكيم عامر و زكريا محي الدين , رئيس الوزراء صدقي سليمان ، وزير الخارجية محمود رياض ، والممثل الشخصي للرئيس حسن صبري الخولي طرح الوفد السوري موضوع الحرب الشعبية وضرورة تفجير طاقات الشعب العربي وتدريبه ، وأبدى وفد أل ج.ع.م رأيه بأن الموضوع ضخم وحيوي (الحرب الشعبية ) ويجب أن يدرس جيدا ويوضع له تخطيط سليم تكون احتمالات نجاحه أكثر من احتمالات خسارته .وأن مسألتي الحرب مع < إسرائيل > بدون حسابات دقيقة ، و التعرض للبترول ، معناه الاصطدام مع أمريكا . ونتج عن المحادثات اتفاقية للدفاع المشترك ، وهي إعادة إحياء لميثاق الدفاع المشترك الذي كان قد عقد بين البلدين سنة 1955، بصيغة تتلاءم مع التطورات التي حدثت ، وورد في مقدمة الاتفاقية:
إن حكومتي أل ج. ع. س والـ ج. ع. م، استجابة منهما لرغبة الشعب العربي في كل من القطرين الشقيقين، وانطلاقا من إيمانهما المطلق بالمصير المشترك وبوحدة الأمة العربية، وتوحيدا لجهودهما في تأمين وحماية سلامتهما ومثلهما القومية، قد اتفقتا على عقد اتفاق دفاع مشترك تحقيقا لهذه الغايات .
كان الاتحاد السوفييتي قد وصل إلى استنتاج عام بأن النظام الجديد في دمشق، لن يرتمي في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإنها ستحاول التخلص منه بمساعدة حلفائها المجاورين لسورية /إسرائيل، تركيا ، الأردن/ الذين تتطابق مصالحهم لجهة معارضة نظام الحكم الجديد في سورية. وكانت صحيفة الأزفستيا السوفييتية، قد أوردت بتاريخ 11 أيار " مايو " 1967 نبأ عن محاولة الولايات المتحدة الأمريكية قلب نظام الحكم الثوري في القطر العربي السوري، وأن واشنطن ترى في سياسة سورية المستقلة خطرا على مصالحها في المنطقة، وحين بدأت التصريحات المعادية تنطلق من حكومة الكيان الصهيوني مهددة بإسقاط نظام الحكم في دمشق، كان الحزب قبل ذلك قد اتهم الأردن بالتدخل في شؤون سورية الداخلية، كما أن الاتحاد السوفييتي كان قد سبق سورية في اتهامه لنظام الحكم الأردني بالتآمر لقلب نظام الحكم في دمشق
و في كتابه مؤامرة الصمت ذكر أندريه بيرسون : ( في سنة 1965 عقد مدير العمليات في وكالة المخابرات المركزية " جيمس آنجلتون "عددا من اللقاءات السرية مع مسؤولين من الموساد ، وكان موضوع بحثهم هو كيف ومتى يمكن التخلص من ناصر ، وقد اتفق رأيهم على أن الحل الوحيد يجب أن يجيء من خلال مواجهة عسكرية مع < إسرائيل > تضعه في موقف لا يستطيع الانتصار فيه ، وتتالت الاجتماعات ، بعدها ، في واشنطن وتل أبيب بين ممثلين من المخابرات المركزية وعدد مختار من ضباط أركان حرب الجيش < الإسرائيلي > ،وقلة من السياسيين < الإسرائيليين > ومستشار الأمن القومي الأمريكي والت روستو وشقيقه يوجين روستو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ، وقد تقرر في هذه الاجتماعات إثارة حرب بين مصر و < إسرائيل > لا تشمل تأثيراتها خطوط الهدنة مع سورية والأردن ، واتفقوا أن سياسات أل ج.ع.م مع التأييد السوفييتي لها ، وكذلك الوضع في سورية ـ يمكن استغلالها لإثارة رأي عام مهيأ للحرب ـ وفي هذا الجو يكون الجيش < الإسرائيلي > المتأهب للعمل على استعداد لاستغلال أية خطوة من دمشق أو من القاهرة بحيث يمكن للكنيست الإسرائيلي أن يوافق على شن الحرب ، على أن تكون الحرب في حد يمكن احتواؤه ، لأن هناك ضرورة لإبقاء علاقات وثيقة مع كل من الملك حسين والملك فيصل ، وقد قام ضباط من المخابرات المركزية في عمان بشرح الخطة لملك الأردن تاركين له حرية أن يقرر كيف يتصرف ) .
في بداية عام 1967 واصلت إسرائيل الزراعة في المناطق المنزوعة السلاح وتصاعدت اعتداءاتها خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 1967 ، بذريعة منع سورية عن مساندة عمليات المقاومة الفلسطينية .
وكانت سلسلة الاعتداءات البرية والجوية التي وقعت بدءا من صباح 7 نيسان 1967 هي قمة عمليات التحرش الإسرائيلية ، وبداية العد التنازلي لحرب حزيران ، ففي الساعة 9 و 45 د دفعت < إسرائيل > للمرة الثالثة ، خلال أسبوع ، بجرار زراعي إلى المنطقة المجردة مما أدى إلى تبادل إطلاق النار وتدمير الجرار ، وفي الساعة 13و40 د أغارت الطائرات الإسرائيلية على مطار الضمير وأسفرت هذه الغارة عن تدمير 6 مقاتلات ميغ 21 واستشهاد خمسة طيارين ،
واجتازت يوم 11 نيسان " أبريل " دورية إسرائيلية خط الهدنة في القطاع الشمالي من الجبهة .
وفي أعقاب ذلك حذر المندوب السوري في الأمم المتحدة الدكتور جورج طعمة ، مجلس الأمن من الأهداف التي ترمي إليها < إسرائيل > من اعتداءاتها المستمرة ، واتهم الدول الاستعمارية وقوى الرجعية بتشجيع < إسرائيل > على العدوان ، في مذكرة رسمية تقدم بها يوم السبت 14 / 4 / 1967 ، بأن سورية لن تتخلى عن واجبها المشروع في الدفاع عن النفس ، وأعلنت المذكرة أن التكوين < الإسرائيلي > في أساسه يستخدم كأداة من أجل تنفيذ مؤامرة كبيرة ضد القوى التقدمية في الوطن العربي .
ونتيجة لذلك ، حذر الاتحاد السوفييتي في بيان رسمي سلمه يوم الأربعاء 26 نيسان " إبريل " إلى سفير إسرائيل في موسكو ، و ندد البيان بالعدوان الذي ارتكبته إسرائيل ضد سورية يوم 7 نيسان وأكد أن الحكومة السوفييتية لفتت نظر < إسرائيل > مرارا إلى خطورة الوضع في منطقة الشرق الأوسط والناجم عن السياسية التي تنتهجها < إسرائيل > والقوى الإمبريالية الخارجية ضد سيادة واستقلال الدول العربية ، ووصف البيان < إسرائيل > بأنها ألعوبة في أيدي القوى الاستعمارية والإمبريالية .
وتجاه هذا التصعيد الصهيوني ، استدعى رئيس الأركان السوري يوم 28 نيسان الجنرال أود بول رئيس هيئة الرقابة الدولية " ومقره القس الشرقية " وبحث معه الوضع المتوتر على خط الهدنة .
وردا على الطلب السوري بإحياء لجنة الهدنة ـ ولكن طبعا مع الاحتفاظ بالحقوق الوطنية ـ صرح بتاريخ 15 نيسان " أبريل " 967 ناطق رسمي سوري يرد على دسائس وتخرصات دويلة العصابات : (أذاع راديو العصابات الصهيونية مساء 14 الجاري الساعة 11 خبرا ملفقا يوحي بأن وفدنا إلى الأمم المتحدة قد ألمح عن استعداد سورية لاستئناف الاجتماعات المشتركة إذا ما أعلن " أود بول " كبير المراقبين الدوليين أنه ليس لسورية أو < إسرائيل > حقوق سيادة في المنطقة المجردة ، إن رأي سورية الثورة واضح في هذا الموضوع كل الوضوح وقد أعلناه رسميا على الرأي العام وهو أنه لا مناص لدولة العصابات من الاعتراف الصريح بصلاحية لجنة الهدنة على الأرض المجردة ومن انسحابها من المنطقة المجردة انسحابا كاملا ونسف جميع المنشآت العسكرية وشبه العسكرية القائمة فيها التزاما بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن .
إن هذا الموقف < الإسرائيلي > يؤكد على استمرارها في عدوانها وتنفيذ مخططها ، من أجل استفزاز الجيش السوري للاشتباك معه و تصعيد الصراع العسكري لجر الجمهورية العربية المتحدة وسورية إلى الحرب .
وفي لقائه مع وفد الصحفيين اللبنانيين يوم 20 نيسان أوضح رئيس الأركان السوري اللواء أحمد سويداني تفاصيل الاعتداءات الصهيونية الأخيرة وغايتها ، وأن أمريكا وبريطانيا مرتاحتان تماما لسلوك < إسرائيل > العدواني وقد قامتا بالفعل بتشجيعها ودفعها للعدوان ، كما أن ملك الأردن سمح لطائرات العدو بالمرور عبر أجوائه إلينا وهدر طاقات الجيش الأردني .
بدأت < إسرائيل > في افتعال المعارك عمدا ، ويأتي التأكيد لذلك من سلسلة الحوارات الخاصة التي أجراها الصحفي " رافي تال " مع " موشيه ديان " في عام 1976 ونشرت في الملحق الأسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت ، وقد بدأ تال حواره : إن السوريين كانوا يجلسون على قمة مرتفعات الجولان ( أي يهددون المستوطنات التي يشرفون عليها من عل ) ، وقاطعه ديان قائلا : لا تفكر في ذلك أبدا ، قبل كل شيء ، إنني أعرف كيف بدأت 80% من الاشتباكات هناك على الأقل ، ففي رأيي أن النسبة تزيد على 80 % ولكن دعنا نتحدث عن هذه النسبة ، لقد حدثت على هذا النحو : كنا نرسل جرارا لكي يحرث مكانا ما حيث لم يكن من المسموح فعل أي شيء ، وذلك في المنطقة منزوعة السلاح ، وكنا نعرف مقدما أن السوريين سوف يبدؤون إطلاق النار ، وحينئذ نستخدم المدفعية وبعد ذلك القوات الجوية أيضا ، لقد فعلت ذلك ، وفعل مثلي زائيف تسور " رئيس الأركان قبل يتسحق رابين " وفعل ذلك رابين ، وكان أكثر من استمتع بهذه " اللعبة " دافيد أليعازر " قائد الجبهة الشمالية 1964-1969 .
بدأ الكيان الصهيوني يمهد لعدوانه ، وفي قول للجنرال أهارون ياريف رئيس المخابرات العسكرية ( الإسرائيلية ): في الشام صيد بالشبكة لا تقتل ولا تسيل دما، وفي مصر صيد بالرمح يقتل أو يجرح، و الأستاذ هيكل في سلسلة مقالاته < سياحة صيف في الوثائق الإسرائيلية > التي نشرها عام 2000 ، أورد وثيقة استشهد بها < أفي شلايم > في كتابه عن علاقات < إسرائيل > بالعالم العربي ، والوثيقة منسوبة إلى الجنرال < ليور > المستشار العسكري لرئيس وزراء<إسرائيل> و نصها : ( كانت هناك بالفعل عند شمالي < إسرائيل > حرب يقودها رئيس الأركان الجنرال < اسحق رابين > ويساعده فيها قائد الجبهة الشمالية الجنرال < دافيد أليعازر > وكان رابين وأليعازر لا يكفان عن تحريك عمليات قتالية حول منابع المياه وفي طلب السيطرة على المناطق المنزوعة السلاح ... ويضيف < شلايم > على لسان < موشي ديان > ما نصه< لم يكن السوريون مسؤولين بصفة عامة عن نشوب العمليات في الشمال ، نحن كنا نستفز السوريين عمدا ، وفي 80 بالمائة من عمليات القتال كنا نحن الذين بدأنا ، كان أسلوبنا هو استفزازهم عندما نريد سهلا ، في العادة كنا ندفع بجرار لحرث أرض في المنطقة المجردة ،وعندما كان رد الفعل السوري يتأخر كنا نأمر قائد الجرار أن يتقدم أكثر نحو المواقع السورية حتى يصبح الاستفزاز إثارة لا تحتمل ، وعلى أي حال فانه إذا تأخر الرد السوري في إطلاق النار كنا نحن نطلق ، وعندما يردون مضطرين تتدخل المدفعية الثقيلة والطيران لتوسيع نطاق المعارك إلى الحد الذي يلائم أهدافنا السياسية ) .
تجاه هذه الاستفزازات ، وفي محاولة لتأخير العدوان الصهيوني الذي اتضحت معالمه ، قررت القيادة السورية ، مجددا التهدئة ، و العمل على إحياء لجنة الهدنة التي كانت < إسرائيل > قد قاطعتها ، كما ذكرت ، منذ أن باشرت التخطيط و التمهيد لعدوانها ، ولكن لم تفلح ، لا جهود الأمم المتحدة ولا جهود الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة التي كان رئيسها قد أعطى ( إسرائيل ) حرية العمل اعتبارا من أول عام 1967 حسب ما تؤكده الوثائق .
في عام 1968 قال اسحق رابين ، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي : ( لا أصدق أن ناصر كان يريد الحرب ، فالفرقتان اللتان أرسلهما إلى سيناء في 14 مايو / أيار ، لم تكونا كافيتين لشن هجوم ضد < إسرائيل > ، وهو يعلم ذلك ، ونحن نعلم ذلك ) . و قال عايزرا وايزمن في 1972:( انه لم يكن هناك أي تهديد بتدمير إسرائيل من قبل العرب ) وقال الجنرال مانتياهو بيليد في عام 1972 : ( إن الزعم بأن القوات المصرية التي احتشدت على حدودنا ، كانت قادرة على تهديد < إسرائيل > ، لا يلحق الإهانة فقط بذكاء أي شخص قادر على تحليل هذا النوع من الأوضاع ، بل وبالجيش ) ، وقال مناحيم بيغن خلال رئاسته لمجلس الوزراء في العام 1982: ( أن حرب عام 1967 كانت "خيارنا " عندما قررنا مهاجمة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ) . وفي وقت لاحق ، قال الوزير < الإسرائيلي > موردخاي بنتوف : ( إن إسرائيل اخترعت قصة " خطر الإبادة " الذي تتعرض له وضخمتها لتبرير ضم أراضي عربية جديدة ) .
هذا بالإضافة إلى أن المخابرات المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية كانت قد استنتجت ، في وقت مبكر ، ( أن إسرائيل لا تواجه تهديدا وشيكا ، وأنها إذا هوجمت فباستطاعتها أن تهزم أي دولة أو دول عربية مجتمعة ) . وبإصرار < إسرائيلي > لطمس الحقائق عن بعض الدوائر الأمريكية التي لم تكن على دراية بالتواطؤ بين البيت الأبيض والأركان الإسرائيلية للقيام بالعدوان جاء الهجوم الإسرائيلي ، يوم 8 حزيران، بالطائرات وقوارب الطوربيد على سفينة المخابرات الأمريكية " ليبرتي " ـ التي كانت تقوم بمهمة فك الشيفرة والتنصت لمعرفة تحرك وتقدم القوات < الإسرائيلية >على الجبهتين السورية و الأردنية في الضفة الغربية أو في اتجاه المدينة القديمة في القدس ، ولربما ، أيضا ، لطمس التعليمات التي كانت تصدر من قادة الجيش < الإسرائيلي > بقتل أسرى جيش المتحدة ـ مما أدى إلى قتل 34 وجرح 171 من العاملين عليها ، وأسدلت إدارة جونسون الستار على التحقيق حول الهجوم ، رغم كل الحقائق التي تدحض الادعاء < الإسرائيلي > بأن هوية السفينة كانت مجهولة والتي وردت في تقرير سفارة أمريكا في بيروت ونصه : تم اعتراض اتصالات إسرائيلية بالراديو ، وفيها أن طيارا < إسرائيليا > قال : " إنها سفينة أمريكية " لكن القيادة <الإسرائيلية > تجاهلت ذلك وأمرت الطيار بمتابعة الهجوم .
لا يخفى على أحد مطامع < الكيان الصهيوني > في توسيع رقعة الأرض التي اغتصبها عام 1948وفي أطماعه غير المحدودة بالأرض ومصادر المياه والسيطرة على مقدرات المنطقة ، فكان مناحيم بيغن زعيم حزب < حيروت > لا يني من ترداد : ( أن على إسرائيل استرجاع الأراضي الفلسطينية الوارد ذكرها في التوراة ) ، وأن القادة < الإسرائيليين > أمثال بن غوريون وأشكول لا يسفهون نظريات بيغن بكليتها ، وكان أشكول قد أدلى إلى أريك رولو بتصريح نشرته جريدة اللوموند الفرنسية في 13 / 1 / 1967 قال فيه : " لسنا مستعدين للتنازل عن فتر من أراضينا ، وينبغي المفاوضة انطلاقا من وضع الأراضي الراهن ، لقد سبق لفلسطين أن بترت على أثر اتفاق سايكس - بيكو ، وبترت للمرة الثانية لدى خلق شرق الأردن من قبل تشرشل ، وبترت للمرة الثالثة في سنة 1948 ولن نستطيع احتمال بتر رابع ." ويضيف أشكول قائلا : " لم يبق لنا سوى عشرين ألف كيلو متر من فلسطين القديمة ويجب علينا أن نفكر في ملايين اليهود الذين سيهاجرون من روسيا وأوربا الغربية والولايات المتحدة في خلال عشرات السنين القادمة " وبعبارة أخرى يعتبر أشكول أن قسما من العراق وسورية ومن شرق الأردن < بما فيها الضفة الغربية > تشكل جزءا من فلسطين التاريخية .
إن أشكول يطالب بالعودة إلى حدود " أرض الميعاد " وأن تصريحه يظهر بوضوح أن استرجاع هذه المناطق هو " حق اختياري " ل < إسرائيل > .
وفي كتابه " إسرائيل الكفاح من أجل الأمل يقول إيغال آلون : ( فبوجود ثلثي أرض < إسرائيل > في أيدي العرب" يقصد " الضفة الغربية وشرق الأردن " ، كان ينبغي أن يعود الجزء الغربي " الضفة الغربية" من البلد إلى اليهود ) .
استدعت وزارة الخارجية السورية يوم الأربعاء 12 تشرين الأول 1966 كافة السفراء وتقدمت إليهم بمذكرة تكشف حقيقة التحرك الإسرائيلي بعد فشل المؤامرة الرجعية على الثورة ، هذه المؤامرة التي حشد لها المخططون كل الطاقات والإمكانيات، أصابت الرجعية العربية و< إسرائيل > بالذهول وفضحت وعرت بصورة خاصة الترابط الكامل بين النظام العميل في الأردن والرجعية العربية و< إسرائيل > الأمر الذي ظهر بكل صفاقة في تصريحات الملك حسين ووصفي التل وتهديدهما بغزو سورية ، وانسجام هذه التصريحات مع تصريحات اسحق رابين في استهداف إسقاط النظام الثوري في القطر العربي السوري ، وكذلك تصريحات الملك حسين الجديدة بسحب قواته من الضفة الغربية بحجة الدفاع عن سورية الأمر الذي يفضح النية المبيتة لتسليم الضفة الغربية إلى إسرائيل مقابل دغدغة أحلام الملك العميل في إقامة عرش له في دمشق .
ومما جاء فيها أيضا :
لقد سبق لإسرائيل أن احتجت بموضوع تسلل الفدائيين العرب من قطاع غزة عام 1956 لتبرر عدوانها المبيت على مصر وفي شن حرب السويس ، وهي تتذرع مجددا بالحوادث التي تقوم التي تقوم بها منظمات فتح والعاصفة والتحركات التي يقوم بها الشعب العربي الفلسطيني لتبرر عدوانها الذي تبيته ضد القطر العربي السوري لعرقلة النهضة التقدمية التحررية في هذا القطر العربي ، ولا أدل على ذلك من التصريحات المسعورة التي أدلى بها مؤخرا ً إسحاق رابين رئيس الأركان والمسؤولون الإسرائيليون لإسقاط النظام الحالي في القطر العربي السوري ، الأمر الذي لم يسبق له مثيل في العالم ، والذي يكشف عن نوايا إسرائيل العدوانية ويفضح حقيقة وجودها كأداة بيد الاستعمار يحركها متى تهددت مصالحه الاحتكارية الاستثمارية في الوطن العربي .
وعلى الرغم من إعلاننا مراراً بأننا لسنا حراساً على سلامة وأمن إسرائيل وليس من واجبنا مكافحة الشعب العربي الفلسطيني المشرد في نضاله من أجل استرداد حقوقه المشروعة بعد أن استهانت بها القوى العدوانية المحتلة وكاد ينساها الضمير العالمي ، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بمسؤولية القطر العربي السوري عن جميع تحركات الشعب العربي الفلسطيني مهما يكن مصدرها وعلى مجمل الحدود العربية إنما هي تصريحات خطيرة استفزازية لا تخفي ما وراءها من نية عدوانية مبيتة تتآمر عليها إسرائيل مع جميع القوى التي تتهدد مصالحها الاستثمارية والاحتكارية كلما خطى نظام الحكم التقدمي في القطر العربي السوري خطوة جريئة إلى الأمام نحو مجتمع عربي وحدوي اشتراكي .
وإننا إذ نلفت نظر جميع الدول المحبة للسلام الأعضاء في الأمم المتحدة إلى خطورة هذه التصريحات الاستفزازية وهذه النوايا العدوانية لنذكر بالآلاف من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي أدانتها لجان الهدنة المشتركة خلال 18 عاماً من وجود إسرائيل ، ونذكر بالاعترافات الإسرائيلية الخطية المسبقة التي تثبت تحضير الهجوم المدبر الذي حصل في عدواني 14 تموز و15 آب الأخيرين .
وأوردت وكالة يونايتد برس بتاريخ: 13 أيار (مايو) 1967 نبأ عن لسان مسؤول إسرائيلي في القدس، قال فيه : إنه إذا استمرت سورية في حربها التخريبية ضد <إسرائيل > فإنها ستتسبب في عمل عسكري من جانب < إسرائيل > يستهدف القضاء على نظام الحكم الحالي في دمشق ، وأضافت الوكالة: أن إسقاط حكم البعث في دمشق قد يلقى ترحيبا لدى الدوائر الرجعية العربية، كما أن المراقبين في القدس المحتلة يرون أن السوريين يعتزمون تحويل إسرائيل إلى فيتنام ثانية كمقدمة للحل الذي يرونه لقضية فلسطين، وقالت الوكالة أن التفسير الوحيد لموقف سورية هو أن اكثر أعضاء الحكم الحالي في دمشق من الشباب العقائديين الذين يعطون مضمونا ثوريا للقومية العربية، والذين يرون في إسرائيل عدوتهم اللدودة.
تذرعت < إسرائيل > بدعم سورية للمقاومة الفلسطينية وباشرت تطلق ، تهديداتها بغزو دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها ، كما كثفت من اعتداءاتها في المناطق المجردة لزيادة تبادل إطلاق النار .
وتناقلت وكالات الأنباء ، يوم 14 / 5 ، في القدس المحتلة وتل أبيب ، الأخبار عن تصعيد المسؤولين < الإسرائيليين > لهجة تهديداتهم ، فما أن سلمت < إسرائيل > ردها إلى السفير السوفييتي الذي أوردته وكالة يونايتد برس : ( أن إسرائيل سلمت أمس إلى السفير السوفييتي رد حكومتها على الإنذار الذي وجهته حكومة الاتحاد السوفييتي إلى < إسرائيل > في الشهر الماضي عن قيام إسرائيل بأعمال انتقامية ضد سورية ) . حتى تتالت التهديدات ، فأوردت وكالة رويتر في برقية لها ، أن المراقبين في تل أبيب صرحوا بأن لهجة الخطب العامة للمسؤولين في < إسرائيل > قد ازدادت حدة بصورة كبيرة في الأيام القليلة الماضية عقب وقوع مزيد من هجمات الفدائيين آخرها انفجار في طريق طبريا . وفي نبأ لوكالة الأنباء الفرنسية ، أن ليفي أشكول عاد إلى تهديداته ضد سورية وقال أنه لابد من حدوث صدام مسلح خطر بين < إسرائيل > وسورية إذا لم يكف الفدائيون الفلسطينيون عن نشاطهم داخل < إسرائيل > . وأضاف رابين تهديدات أخرى فقال : إن < إسرائيل > سوف تتصرف بازاء سورية ولكن بطرق مغايرة لتلك الطرق التي انتهجتها < إسرائيل > بهجماتها السابقة على الأردن ولبنان ، وأضاف أن أهداف الرد الإسرائيلي سوف تكون مغايرة أيضا .
بعد هذه التهديدات ، صرح ناطق عسكري < إسرائيلي > يوم الئلائاء 16 أيار بأن الفدائيين الفلسطينيين قد قاموا خلال الإثنتي ساعة الأخيرة بعمليتي نسف قرب تل أبيب
وصرح الناطق < الإسرائيلي > أيضا ، يوم الأحد 21 أيار : أنه عئر في الساعة الثانية بعد ظهر أول أمس على متفجرتين تحت جسر على الطريق التي تربط بيت شبع بعراض والتي تبعد حوالي عشر كيلو مترات من خط الهدنة مع الأردن ، وقال الناطق أنه قد عثر على أعقاب شخصين باتجاه الحدود الأردنية ، كما عثر على منشورات تحمل توقيع جماعة فتح في ذلك المكان .
إن التصريحات " حول التهديد العربي بتدمير <إسرائيل >، التي كان يدعيها القادة الصهاينة ، والتي كان منها الكثير، كان الهدف من ورائها تعبئة الرأي العام المحلي والدولي، تمهيدا لعدوانهم المبيت على سورية والمتحدة ، واستمر البوق الصهيوني في تصعيد حملاته الدعائية متذرعا بتسلل فدائيين من سورية عبر الحدود إلى أرض فلسطين المحتلة، وبعدها جاءت قصة الحشود الصهيونية على الحدود السورية .
في هذه الأجواء المشحونة بنذر الحرب ، جاءت أخبار الحشود < الإسرائيلية > ، ولقد جرى جدل طويل قبل وبعد عدوان حزيران ، كما كثرت الأقاويل حول صحة المعلومات الخاصة بهذه الحشود التي شكلت الشرارة الأولى لأزمة أيار واتخذت < إسرائيل > من تداعياتها ذريعة لشن الحرب ، فمنها أن عميلا مزدوجا للسفارة السوفييتية ولمخابرات < الجيش الإسرائيلي > أوعز إليه بنقل أمر الحشود إلى السفارة ، ومنها ، أنه جرت تحركات علنية للجيش < الإسرائيلي > نحو خطوط الهدنة ثم كانت هذه القوات تنسحب سرا ، ومنها أن السوفييت اختلقوا قصة الحشود بهدف تعزيز نفوذهم في كل من سورية والمتحدة ، "وهو تفسير يستبعده المنطق ، وتدحضه الوثائق التي تؤكد حقيقة القرار < الإسرائيلي > الذي كان مخططا له للقيام بالعدوان " .
يقول محمود رياض في مذكراته : ( كانت < إسرائيل > قد أتمت استعدادها مع بداية عام 1967 للقيام بالعدوان الذي كان مخططا له منذ عام 1957 ، ولم تكن لتنتظر سوى مشاركة الولايات المتحدة ، وقد
جرت مشاورات في واشنطن بين الطرفين ، وتم الاتفاق على أن يبدأ العدوان في يونيو1967
في 13 أيار أبلغ الاتحاد السوفييتي سورية والمتحدة عن وجود حشود عسكرية < إسرائيلية > على الجبهة السورية ، وأن < إسرائيل > تستعد لبدء عملية واسعة لقلب النظام في دمشق ، وعزز القادة < الإسرائيليون > بتصريحات لهم نقلتها الصحافة البريطانية في نفس اليوم13 أيار ، أكدوا فيها أن هدف الحملة العسكرية القادمة ضد سورية سيكون قلب النظام القائم في دمشق ، وظلت هذه التصريحات دون تكذيب ، وكان اسحق رابين قد عبر ، قبل ذلك التاريخ ، وأكثر من مرة عن هذا الهدف ، ويمكن إيجاز كلامه " لقد قمنا بكل شيء لمنع الفدائيين من ممارسة نشاطهم ، ولم يبق أمامنا الآن سوى قلب النظام في دمشق " ، وهناك رأي لبعض المحللين بأن الحكومة < الإسرائيلية > التي اكتفت بنفي وجود الحشود ، كان جنرالاتها يخططون لبدء حربهم في 17 أيار .
وإمعانا في التسويف اقترحت السلطات < الإسرائيلية > ـ ثلاث مرات ، حسب زعمها ـ على السفير السوفييتي في < تل أبيب > في أيام 13 و19 و 29 أيار أن يذهب لتفتيش منطقة الحدود ، والتأكد من عدم وجود حشود ، ولكن السفير رفض هذا الطلب ، على حد زعم الرواية ،
وفور تلقي خبر الحشود اجتمع وزير الخارجية السوري مع ممثلي دول مجلس الأمن في 13 أيار " إبريل " وأبلغهم بالنسبة للتهديدات " الإسرائيلية " لسورية بذريعة الأعمال الفدائية ، : ( أن الشعب العربي الفلسطيني المشرد والذي لم تستطع الأمم المتحدة حتى الآن أن تعيده إلى أرضه ، لا يمكن أن يقبل وصاية سورية أو أي قطر آخر عليه ولا يأخذ الأذن من أحد في نضاله المشروع لتحرير وطنه المغتصب ) .
وفي نفس الفترة قال يوثانت في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن الدولي يوم 19/5 /1967 ، أن تقارير مراقبي الهدنة الدوليين تفيد عدم وجود حشود وتحركات لقوات الطرفين على جانبي الحدود ، والفريق أول محمد فوزي الذي أوفده المشير عبد الحكيم عامر إلى دمشق يوم 13/5 للتنسيق مع القيادة السورية قدم ، أثر عودته ، تقريرا يوم 15/5 ا ، أوضح فيه أن صور الاستطلاع الجوي السوري للجبهة يومي 12 و 13 أيار/مايو ، وكذلك الدوريات المتسللة إلى خلف خطوط العدو ، لا تفيد بأي تغيير للموقف العسكري العادي .
لقد ابلغنا الرئيس جمال عبد الناصر، بأمر الحشود تلك، نقلا عن سفير الاتحاد السوفييتي في القاهرة، كما أن السفير السوفييتي بدمشق " أناتولي باركوفسكي "وبنفس الوقت، نقل إلى الرئيس نور الدين الأتاسي ما يتوافر عندهم من معلومات حول هذه الحشود. وأكد السوفييت ، في إجابة لهم على سؤال من المشير عامر بخصوص إعطاء صورة واضحة عن الحشود المذكورة من خلال صور أقمارهم الاصطناعية ، وجود هذه الحشود ، كما أن تقرير الاستخبارات المصرية ليوم 15/5 أفاد بأن هناك بعض التجمعات العسكرية في المنطقة الشمالية من < إسرائيل > تقدر بحوالي 5ـ7 ألوية مشاة .
وأكد كوسيغن حين اجتماعه مع وزير الحربية المصري شمس بدران في موسكو يوم 26/5 الحشود العسكرية على جبهة سورية .
كما أن الدكتور مراد غالب سفير مصر في موسكو أرسل يوم 27/5 برقية بوجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية أكدها له سيميو نيف نائب وزير الخارجية السوفييتي ، وحينما أراد أن يتأكد أكثر من غريشكو وزير الدفاع السوفييتي ، أبدى دهشته الكبرى مما يتردد عن عدم وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية ، وذكر أن لديه كشفاً بأسماء قادة الألوية وقادة الكتائب لهذه الحشود، وذلك تأكيداً لصحة معلوماته .
بداية الأزمة
اتخذت القيادة السياسية في المتحدة قرارها الاستراتيجي بمساندة سورية في مواجهة احتمالات العدوان الإسرائيلي عليها .
في الساعة 11 من صباح يوم 14/5 صدرت عن قيادة جيش المتحدة التعليمات الحربية رقم 1/67 ، وفيها : ( تؤكد المعلومات من مصادرها المختلفة نية إسرائيل في العدوان على سورية وفي ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين ال ج.ع.م وال ج.ع.س قررت القيادة العليا للقوات المسلحة في ال ج.ع.م التدخل جوا وبرا في حالة قيام < إسرائيل > بعدوان شامل على الأراضي السورية بقصد احتلالها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية السورية .
إن هذا القرار استثنى حالات الاعتداءات الإسرائيلية المعتادة " الإغارات " على سورية التي لا تستهدف احتلال أراض ، أو تدمير شامل للقوات السورية ، لإسقاط أية ذريعة للصهاينة قد يتخذونها للبدء بالعدوان
كما اتخذت كل من المتحدة وسورية عدة قرارات وإجراءات للتأهب لمواجهة التهديد بالعدوان ، ومما تضمنته : التعبئة العامة في لقوات العسكرية ـ رفع درجة استعداد القوات ـ تحريك القوات باتجاه الجبهات والتمركز في المواضع المحددة لها في الخطط العسكرية ـ تجهيز الخطط " التعرضية ، والهجومية ، والدفاعية" المتفق عليها بين قيادتي الجيشين ـ سرعة استكمال مطالب أجهزة الدفاع الوطني والمدني ،التأهب للقيام بعمليات تعرضية ذات مهام محدودة داخل < إسرائيل > ، إعداد خطة بحرية محدودة بالنسبة للمتحدة .
وبعث في 15 أيار الدكتور جورج طعمة إلى رئيس مجلس الأمن ، رسالة أعلن فيها أن تصريحات الحرب التي يدلي بها رئيس حكومة < إسرائيل > ليفي أشكول ووزير الخارجية آبا إيبان تصل إلى حد يجعلها بمثابة إعلان صريح للنية بشن أعمال عدوانية واسعة النطاق ضد القطر العربي السوري .
استدعى فلاديمير سيميونوف، نائب وزير الخارجية السوفييتي، السفير الإسرائيلي في موسكو، وسلمه بتاريخ 27 أيار (مايو) 1967، رسالة تحذير من حكومة الاتحاد السوفييتي جاء في مقدمتها : أن الحكومة السوفييتية تمتلك معلومات بخصوص القوات الإسرائيلية التي تم حشدها مؤخرا على طول الحدود مع الدول العربية، و أن حشد هذه القوات ينطوي على طابع خطير، خاصة وان ذلك يتم في وقت واحد مع حملة دعائية في إسرائيل معادية لسورية .
ولاستمرار <إسرائيل >في التمويه على قرارها في العدوان ، نقل سفيرها في واشنطن إلى دين راسك وزير الخارجية الأمريكي بأن لدى حكومته معلومات أكيدة مفادها بأن هجوما مصريا سوريا سيقع ليلة 26ـ 27 أيار " مايو " واتصلت الخارجية الأمريكية بنظيرتها السوفييتية وتم الإيعاز إلى سفيريهما في المتحدة بتسليم رسالتين إلى الرئيس عبد الناصر بعد منتصف ليلة 26ـ27 /5 تتضمنان مناشدة حكومتيهما ضبط النفس وعدم بدء مصر بالعدوان ،ومما ورد في الرسالة السوفييتية : " أن رئيس الوزراء كوسيغين ينصح الرئيس ناصر بعدم البدء بالهجوم ، وألا يستمع إلى ضباطه الذين يحرضون على البدء به.
ونتيجة لهذا التحرك الديبلوماسي السريع والمباشر للدولتين العظميين توصلت القيادة السياسية في المتحدة إلى قناعة بأن استعادتها لحق المتحدة الشرعي في ممارسة سيادتها على المضائق ستسلك طريق الحل السياسي .
في هذه الأجواء ومن خلال هذه المعلومات والتصريحات التهديدية والأعمال العدوانية اجتمع وزير الخارجية السوري يوم 13 / 5 على عجل مع سفراء الدول الكبرى لاطلاعهم على التهديدات < الإسرائيلية > بغزو دمشق ، كما نشطت الاتصالات بين القطرين، على المستويين السياسي والعسكري، لتنسيق المواقف ومواجهة العدوان المرتقب و وضع الخطط العسكرية المطلوبة، حسب اتفاقية الدفاع المشترك، لصد أي هجوم صهيوني ، وضمن هذا التوجه كانت زيارة الفريق صدقي محمود قائد السلاح الجوي قي الجمهورية العربية المتحدة يوم10 نيسان (إبريل) 1967، بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على مطار ضمير العسكري ، وصدر بيان مشترك عقب الزيارة أعلن " أن سورية والمتحدة تؤكدان تصميمهما على التصدي المشترك ل<إسرائيل> .
وأعلن الرئيس عبد الناصر في خطاب له يوم 1/5 أن مصر لم تتدخل في المعركة الجوية التي جرت يوم 7/4 بسبب أن السوريين أبلغوه بعدم حاجتهم للتدخل من جهة ، ولأن مدى مقاتلات المتحدة لا يصل إلى الأجواء السورية من جهة أخرى .
وكان
الفريق محمد فوزي، قائد القوات المشتركة حسب الاتفاقية قد زار سورية
في 16آذار " مارس " 967 بمناسبة انعقاد مجلس رؤساء أركان الجيش في
سورية والمتحدة وفقا لنصوص اتفاقية الدفاع المشترك ، وتم بحث بعض الخطط والأمور
العسكرية المتعلقة بتنسيق العمل العسكري بين المتحدة وسورية ،
وكانت
زيارته الثانية ، يوم 14 أيار (مايو)، و بحث مع وزير الدفاع ورئيس الأركان
موضوع الحشود و
الأمور المتعلقة بالخطط العسكرية لمجابهة أي عدوان صهيوني مباغت بهدف إسقاط أو
تحجيم المد القومي الذي تقوده الأنظمة التقدمية وبالتالي إظهار عجزها أمام شعوبها،
ومحاصرة هذا المد الذي بدأت ملامحه تظهر في اغلب الأقطار العربية، كما أن من أهداف
العدوان المرتقب، دفن فكرة حرب التحرير الشعبية والعمل الفدائي في مهده، إضافة إلى
الأحلام الصهيونية باحتلال أراض في المتحدة وسورية وفلسطين غير المحتلة ، للمساومة
عليها وبالتالي تنفيذ الاستراتيجية الصهيونية
بإخراج
مصر من دائرة الصراع العربي ـ الصهيوني ، والسيطرة على مصادر المياه في الجولان ،
وضم القدس غير المحتلة والسيطرة على ما تبقى من فلسطين .
انتقلت إدارة الأزمة وقيادة المعركة إلى القاهرة ،بعد أن أعلن الرئيس عبد الناصر،
يوم 23 أيار ( مايو) إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة (الإسرائيلية)، دون اطلاع
القيادة السورية، أو التشاور معها لتنسيق الخطوات اللاحقة ، ولمعرفة ما يجري وما
يفكر به قادة ألـ ج.ع.م، وما هو المطلوب من سورية للمشاركة في دعم ما تريده
المتحدة، وتنفيذ ما يقع عليها من مسؤوليات، قررت قيادة الحزب إرسال وفد سوري إلى
القاهرة، ضم رئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس و رئيس الأركان
العامة اللواء أحمد سويداني .
توالت الاتصالات وزيارات الوفود، وكان آخرها، قبل العدوان، الوفد الذي وصل من
ال ج.ع.م إلى سورية يوم 1 حزيران (يونيو) 1967 برئاسة السيد زكريا محيي الدين، نائب
رئيس ال ج.م.ع وأمين الهويدي وحسن صبري الخولي،والفريق عبد المنعم رياض ، واجتمع
هذا الوفد بالقيادة السورية السياسية والعسكرية، دعما للتنسيق على المستويين
السياسي والعسكري.
ومما أورده أمين الهويدي، في كتابه (الفرص الضائعة) عن هذه الزيارة، ما نصه
(وقد حدث شيء غريب أثناء زيارتنا سورية، فقد كان في استقبال الوفد في مطار المزة
عبد الرحمن خليفاوي وزير الداخلية، وعبد الكريم الجندي رئيس الاستخبارات <لم يكن
خليفاوي وزيرا، بل كان ضابطا عالي الرتبة في الأركان السورية، وعبد الكريم الجندي
كان عضوا في القيادة القطرية ورئيسا لمكتب الأمن القومي فيها> وقد رافقت الجندي إلى
قصر الضيافة في عربته أكد لي عدم وجود حشود إسرائيلية على جبهتهم واستنكر إثارة
الموقف بالطريقة التي تتم بها، وكان هذا تأييدا لمعلومات كان الفريق فوزي رئيس
أركان حرب القوات المسلحة قد عاد بها عند زيارته سورية في الأيام الأولى لإثارة
الأزمة، حيث تأكد من عدم وجود أي حشد عسكري على الحدود السورية الإسرائيلية)، وليس
معنى هذا أن العدوان الصهيوني لم يكن مخططا له، بل القصد أين وكيف سيقع العدوان؟
وفي خضم هذا التوتر ، وصل يوم 25 أيار ، إلى دمشق رئيس أركان الجيش الجزائري العقيد طاهر الزبيري ، حاملا إلى الرئيس الأتاسي رسالة من الرئيس بو مدين ، كما اجتمع خلال زيارته مع كل من وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد ورئيس الأركان اللواء أحمد سويداني ، وتضمنت الرسالة أن : معركة سورية هي معركة الجزائر ، ونحن طرف فيها .
كما وصل يوم 27 / 5 وفد عسكري من العراق برئاسة العميد محمود عريم ، لاطلاع القيادة العسكرية السورية على الاستعدادات العسكرية التي اتخذها العراق في مواجهة التهديدات العسكرية .
وفي هذا السياق جاءت في 30 أيار " مايو " الزيارة المثيرة للجدل ، وهي زيارة الملك حسين إلى القاهرة ، ونجم عنها توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين ، وهذه الزيارة وإن لم تكن لغزا للقيادة السورية كما كانت للرئيس أبو مدين ، ولكنها أدهشت القيادة السورية وأثارت قلقها ، ولم يكتف ملك الأردن بذلك بل أصر على اصطحاب الفريق عبد المنعم رياض معه ليكون قائدا للجبهة الأردنية ،
كان الملك حسين ، حين توقيعه على اتفاقية الدفاع المشترك ، مطلعا على الاتفاق الأمريكي الصهيوني ومطمئنا للتأكيدات الأمريكية بهدف الحرب وحدودها . وأراد من زيارته للقاهرة أن يظهر أمام الشعب في الأردن وأكثريته من جذور فلسطينية ، بأنه إلى جانب القوى العربية المعادية للصهيونية .
لم يكن في حسابات السياسية الأردنية ـ حسب رأي الفريق عبد المنعم رياض ـ أن تشارك في يوم من الأيام في معارك ضد الكيان الصهيوني ، ولكن الأردن كان يستفيد من اشتراكه بالعمل العربي لما يدره عليه من منافع خاصة ، وكانت أول خطوات الملك بعد عودته إلى عمان ، أن أصدر تعليماته بنقل طائرات أل " ستار فايتر " الأمريكية من المطارات الأردنية إلى القاعدة الأمريكية في تركيا عبر بيروت وقبرص .
وجرى تحرك باتجاه الدول الأجنبية الصديقة لاطلاعها على وجهة النظر العربية في الأحداث الجارية ، ولهذا الغرض سافر وفد سوري رفيع المستوى برئاسة الأمين العام للحزب رئيس الدولة بتاريخ 29 أيار " مايو " إلى الاتحاد السوفييتي ، ونتيجة المباحثات مع القادة السوفييت ، أعلن الاتحاد السوفييتي دعمه لموقف سورية إلى أبعد الحدود .
وكذلك كان الرئيس عبد الناصر ، بالتشاور مع المشير عامر ، قد أرسل إلى موسكو بتاريخ 25 أيار " مايو " وفدا برئاسة وزير الحربية شمس بدران لحث القادة السوفييت على تلبية طلب المتحدة المتعلق ب بتزويدها بالسلاح ، وكذلك معرفة الموقف السوفييتي من الأزمة القائمة ، وتم إبلاغه بنوايا الاتحاد السوفييتي في مساعدة الشعوب العربية ، وادعى بدران في مذكرة قدمها ، بعد عودته ، إلى الرئيس عبد الناصر ، بأن وزير الدفاع المارشال غريشكو قد أبلغه ، وهو يودعه أمام سلم الطائرة : ( أريد أن أؤكد لكم أنه إذا حدث شيء واحتجتم لنا فمجرد إرسال إشارة نحضر لكم فورا في بور سعيد أو في أي مكان ) . وقد حصل ، بعد انتهاء الحرب ، لغط وشكوك حول مصداقية شمس بدران في نقل هذا التأكيد .
وقام وزير الخارجية الدكتور إبراهيم ماخوس يوم 2حزيران ، ،بزيارة إلى باريس سلم خلالها إلى الرئيس ديغول رسالة من الرئيس الأتاسي تتناول الأوضاع في المنطقة ، والمخططات الأنكلو أمريكية ـ الصهيونية التي تحضر لعدوان واسع على الشعب العربي ، وأبلغ الرئيس الفرنسي وزير الخارجية أن فرنسا ليست طرفا مع أي من الدول المعنية ، وأن الدولة التي تبدأ باللجوء إلى السلاح لن تحصل على تأييد فرنسا .
انتقل وزير الخارجية ، بعدها ، إلى الجزائر لاستعراض الأوضاع المستجدة مع الرئيس بو مدين الذي أعلن استعداد بلاده لوضع جميع إمكانياتها لخوض المعركة الكبرى ضد العدوان الصهيوني .
وكان وزير الخارجية ، قبل ذلك ، قد استقبل في 28 أيار السفير الأمريكي الذي نقل إليه وجهة نظر حكومة الولايات المتحدة حول الوضع الراهن في المنطقة وملخصها :
أن حدة التوتر ارتفعت في المدة الأخيرة بين البلاد العربية و< إسرائيل >
أن الحكومة الأمريكية لا تعتقد بوجود نوايا لارتكاب العدوان من قبل إسرائيل .
أن الحكومة الأمريكية تشعر بالقلق الخاص مما أسمته بأعمال " الإرهاب " ـ أي العمل الفدائي الفلسطيني ـ وتعتبره مغاير لاتفاقية الهدنة .
أن الحكومة الأمريكية قلقة من انسحاب قوات الطوارىء الدولية وتعتبره عملا غير مشروع وتعمل على إعادة وجود الأمم المتحدة على خط الهدنة بين أل ج.ع.م و< إسرائيل > بأية صورة من الصور .
أن الحكومة الأمريكية تعتقد بأن حشد القوات يزيد من حدة التوتر .
أن الحكومة الأمريكية تتمسك ب " حرية المرور " في خليج العقبة أمام السفن " الإسرائيلية " وجميع الدول الأخرى وتعلن أن تدخل أل ج.ع.م ضد الملاحة " الإسرائيلية " يؤدي إلى أوخم العواقب .
أن الحكومة الأمريكية تؤكد عزمها على التدخل والمقاومة الشديدة لكل اعتداء في المنطقة بأي شكل < علني أو خفي > تقوم به مجموعات نظامية عسكرية أو غير نظامية أي ( أعمال الفدائيين الفلسطينيين ) .
ويبدو من وجهة النظر هذه ، أن ما تدعوه اعتداء ، ينطبق على ما يقوم به الجانب العربي فقط ، ولا ينطبق ذلك على ما قامت وتقوم به < إسرائيل > بدءا من اغتصاب الأرض إلى اعتداءاتها المستمرة على الدول العربية .
وأبلغه الدكتور إبراهيم ماخوس وجهة نظر الجمهورية العربية السورية ، وهي :
أن حكومة ا ل . ج .ع .س. تؤكد بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها ما يميزها عن غيرها من الدول الأعضاء حسب ميثاق الأمم المتحدة ولا تملك حق التدخل في شؤون المنطقة أو فرض وصايتها عليها .
أشارت المذكرة الشفهية الأمريكية إلى أن " التوتر قد ارتفع مرة أخرى على خطوط الهدنة بين البلاد العربية و < إسرائيل > في خلال الأيام الماضية " .ولكن الواقع أن هذا التوتر لم يرتفع خلال الأيام الأخيرة فقط وإنما لازم المنطقة العربية منذ فرض الاحتلال الإسرائيلي الذي قام على غزو جزء من الوطن العربي بالقوة وتشريد المواطنين الفلسطينيين العرب ، والذي يعتبر المصدر الدائم للتهديد والفوضى والخطر المباشر على الأمن والسلام في هذا الجزء من العالم
وأن وزارة الخارجية للجمهورية العربية السورية تؤكد نية العدوان لدى < إسرائيل > لأن مواقفها السابقة منذ الاحتلال الصهيوني عام 1948 حتى يومنا هذا شكل سلسلة من أعمال العدوان التي أدانها مجلس الأمن أكثر من مرة واعتبرها تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين ، وأما القول بأنه لا توجد لدى < إسرائيل > نية للعدوان وأن حشودها ذات هدف دفاعي فتنفيه التصريحات العدوانية الهجومية الوقحة التي صدرت عن مسؤولين بالأرض المحتلة وجميع الظروف الموضوعية التي رافقت ذلك .
أن حوادث العدوان الخطيرة التي ارتكبتها < إسرائيل > ضد البلاد العربية قد أصبحت معروفة للعالم أجمع ولا يمكن تجاهل أن العدوان الثلاثي على مصر الذي كانت < إسرائيل > أداته المجرمة العميلة ، كان سيجر العالم إلى حرب ثالثة كما أن الاعتداءات الغادرة التي اقترفتها < إسرائيل > ضد سورية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بشكل خاص والتي استخدمت فيها الطيران على نطاق واسع وألقت خلالها قنابل النابالم المحرقة مستهدفة المدنيين والمشاريع الإنمائية المدنية ، دليل قاطع على أن نية العدوان لدى < إسرائيل > مستمرة ، وكان آخر هذه الأعمال العدوانية ما حدث يوم 7/ نيسان الماضي ، ثم تهديد الناطقين الرسميين الصهيونيين المبتذل باحتلال دمشق وإسقاط نظام الحكم الثوري فيها .
أن حكومة أل ج.ع.س لجأت أكثر من مناسبة إلى مجلس الأمن الدولي لوضع حد لهذه السياسية العدوانية وإدانة إسرائيل ، فكان موقف الولايات المتحدة المنحاز باستمرار ل < إسرائيل > هو تبرير اعتداءاتها وحمايتها ، مما شجعها على المضي في هذه السياسة الخطيرة ، وان تصريحات أشكول الأخيرة والمتكررة حول وضع الأسطول الأمريكي السادس تحت تصرف السلطة < الإسرائيلية > لحماية عدوانها دون صدور أي تكذيب من السلطات الأمريكية لهذه التصريحات برهان قاطع على أن إسرائيل مطمئنة تماما إلى مساندة الحكومة الأمريكية لها في سياستها العدوانية .
إن التعبئة الشعبية والعسكرية الكاملة التي نفذت في كل من ال ج.ع.س وال ج.ع.م تنفيذا لاتفاقية الدفاع المشترك والتزاما بالمصير القومي الواحد كانت أمرا حتميا تفرضه ظروف الدفاع للوقوف في وجه التهديد بالعدوان التي تجلت في الحشود الإسرائيلية الضخمة على حدود القطر العربي السوري والتي ما كانت لتتم لولا تشجيع الإمبريالية الدولية ، وأن هذه التعبئة الشعبية في القطرين والتي التفت حولها جماهير الشعب العربي وحكوماته التقدمية نابعة من تصميم الشعب العربي على الرد على العدوان ، وان إجراءات الدفاع هذه هي حق مشروع كفله ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية بممارسة كل دولة تحترم نفسها لحماية شعبها من الخطر .
أما ما وصفته المذكرة الشفهية بأعمال الإرهاب المستمرة التي تجري ضد إسرائيل ، فان حكومة ال ج.ع.س تؤكد ما سبق وأعلنته أكثر من مرة بأنها ليست مسؤولة عما يقوم به الشعب العربي الفلسطيني المشرد الذي يناضل في سبيل استرداد حقوقه وتقرير مصيره الذي كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها بعد انتظار 19/عاما من حلول النكبة وبعد وقوف بعض الدول الكبرى وبصورة خاصة أمريكا في المنظمة الدولية دون إيصاله إلى هذه الحقوق .
والواقع أن هذا الشعب لا يزال ضحية عدوان صارخ مستمر وأن ما يقوم به من أعمال تستمد شرعيتها من حقه في الحياة الحرة الكريمة في وطنه كغيره من شعوب العالم ، ومن تطلعه إلى التخلص من المأساة التي أنزلت به والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ .
وإننا نؤكد بإصرار على الفارق الكبير بين نضال هذا الشعب من أجل التحرير وتقرير المصير وهو أمر لا يمكن أن يسمى إرهابا أو عدوانا ، وبين العدو الغاصب المعتدي الذي احتل أرضه وشرده من وطنه ، بينما ترتفع الأصوات في أمريكا وبعض الدول الغربية محاولة تشويه الصورة بحيث تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه ، وتخلق المبررات الدائمة ليستمر المعتدي في عدوانه ، في حين تجد في كل خطوة يخطوها الشعب العربي الفلسطيني المضطهد مادة للتشهير والتهويل والتهديد بالغزو .
وان هذا الشعب الذي كان ولا يزال له كيانه الخاص قبل الاحتلال وبعده والذي لا يزال في حالة حرب مع العدو المحتل ، ليس طرفا في اتفاقيات الهدنة ولا يقبل الوصاية عليه من أية جهة كانت وبالتالي فان أحكام هذه الاتفاقيات لا تنطبق عليه ولا تقيده بشيء .
ونود أن نتساءل بهذه المناسبة ماذا يكون موقف أية ولاية أمريكية مثلا ، لو فوجئ سكانها بالطرد والتشرد ليحل محلهم شعب غريب آخر ، هل يعتبر نضالهم للعودة إلى وطنهم إرهابا وعدوانا ضد الشعب الغريب المحتل ؟ ولماذا لا يتجلى كرم الولايات المتحدة الأمريكية وعطفها على اليهود بإعطائهم ولاية نيويورك مثلا بدلا من دعم الاحتلال الصهيوني في فلسطين وعلى حساب الشعب العربي الذي شرد من وطنه الأصلي ؟ .
أما ما أشارت إليه المذكرة من قلق حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من أن يؤدي انسحاب قوات الطوارىء الدولية إلى جعل مشكلة المحافظة على السلام أكثر صعوبة ، فان حكومة ال ج.ع.س تؤكد حق ال ج.ع.م المطلق في سحب موافقتها على بقاء هذه القوات حين تشاء ، وأن الأمين العام للأمم المتحدة قد التزم بهذا الحق القانوني الواضح في استجابته الحكيمة لطلب ال ج.ع.م الذي جاء منسجما مع مصلحة الشعب العربي ورحب به بحرارة ، والذي سيقاوم جميع المحاولات التي تبذل لإعادة هذه القوات بشكل أو بآخر ، لأن أية محاولة من هذا النوع تعتبر خرقا لسيادة أل ج.ع.م وتحويلا لمهمة هذه القوات إلى صفة الاحتلال ، الأمر الذي نرفضه وبحزم .
إن حكومة ال ج.ع.م قد مارست حقها المشروع في إعادة سيطرتها على خليج العقبة الذي يعتبر خليجا مغلقا من الناحيتين التاريخية والدولية ومياهه مياها إقليمية عربية ، أما وصف ممارسة ال ج.ع.م لسيادتها على هذا الخليج بأنه تدخل في شؤون الملاحة الدولية فهو محاولة مكشوفة لخلق مبررات للعدوان وتضليل الرأي العام الدولي عن حقيقة الموضوع لأن هذه الممارسة لم تخرج عن كونها إزالة لأثر من آثار الغزو الثلاثي عام 1956 والذي أدانته الأمم المتحدة ، وعودة إلى الوضع الطبيعي السابق الذي كان معمولا به قبل العدوان ، وأية محاولة لإعطاء هذا العدوان الثلاثي صفة الاستمرار والأمر الواقع والحق الدولي في الملاحة أمر مرفوض وعودة لتأكيد ذلك العدوان وتثبيته الأمر الذي نقاومه بشدة مع جماهير الشعب العربي في كل مكان .
إن السلام الذي نحرص عليه ونكافح من أجله هو السلام القائم على العدل واسترداد حق الشعب العربي في أرضه وحريته المطلقة في التخلص من جميع آثار التجزئة والتخلف ومختلف صور الاستعمار القديم والجديد في الوطن العربي .
إن السلام بالنسبة للشعب العربي هو المناخ الطبيعي لكي يبني حياته الجديدة ولكنه لا يمكن أن يتم والعدوان مستمر في الوطن العربي ، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في الحرص على السلام فيجب أن تتخلى عن انحيازها الواضح الدائم للاحتلال الإسرائيلي والعدوان الذي يتعرض له الشعب العربي من قبل < إسرائيل > وأن تمتنع عن حماية هذه القاعدة وتزويدها بالسلاح وأسباب القوة الأخرى التي تزيد من طاقتها العدوانية وتهديدها للسلم والأمن في المنطقة .
وختاما ، فإننا نكرر ما سبق وأعلنه المسؤولون مرارا برفض وصاية الولايات المتحدة أو أية دولة أخرى على الوطن العربي وعلى نضال الشعوب التحرري وحقها المطلق في تقرير مصيرها وبناء مجتمعها كما تشاء ، وأن احترام هذه القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية هو الطريق الطبيعي لحماية الأمن والسلام في العالم .
لم تكن لا سورية ولا المتحدة ترغبان في خوض حرب لم تستكملا استعدادهما لها ، ولهذا فان تحرك جيش المتحدة نحو سيناء يوم 14 أيار، كان في وضح النهار ومر في القاهرة ، وعلى مرأى من السفارات ووسائل الإعلام بهدف ردع العدوان الإسرائيلي قبل وقوعه ، ولقد صرح أحد موظفي السفارة الأمريكية إلى الصحافي أريك رولو ، الذي كان في تلك الفترة متواجدا في القاهرة : " من البديهي أن ناصر كان يريد أن يوهمنا أنه مصمم على الدفاع عن سورية مهما غلا الثمن ، كان يوجه إلينا نوعا من الإنذار وكان يعتقد أن من شأن ذلك أن يحملنا على ممارسة الضغط على إسرائيل لإنقاذ نظام دمشق . "
لما بلغ جيش المتحدة الحدود مع فلسطين المحتلة ، طلبت رئاسة الأركان في المتحدة يوم 16 أيار ، من قائد قوات الأمم المتحدة الجنرال ريكيه إبعاد رجاله عن الحدود ، مؤقتا ، وتجميعها في قطاع غزة إلى أن تنتهي الأزمة ، ولم تطلب حكومة المتحدة هذا الأمر من الأمين العام للأمم المتحدة أوثانت ، حتى لا يتخذ الطلب الصفة الرسمية التي لا رجوع عنها . لذلك لم تكن القضية إجلاء " الخوذ الزرقاء "عن المتحدة ، وكان جواب الجنرال ريكيه : أنا لا أتلقى الأوامر منك ، كما أنني لست المخول باتخاذ مثل هذا القرار ، ونتيجة ذلك طلبت حكومة المتحدة من السيد أوثانت سحب " الخوذ الزرقاء من الحدود دون الإشارة إلى سحبها من شرم الشيخ ، حتى لا تزداد الأجواء توترا ، وتبقى في حدود الضغط كي لا ينفذ العدوان .
كان جواب السيد أوثانت موجزا : " لا أستطيع الموافقة على طلبكم لأن دوري هو صيانة السلم ، فإذا كنتم تصرون على سحب القوات الدولية المرابطة على الحدود يجب أن تتقدموا بطلب سحب كل القوات الدولية عن أراضيكم .
لقد وضع أوثانت العربية المتحدة في وضع لا يمكنها فيه إلا أن توافق على طلبه ، ووصلت قوات المتحدة يوم 22 / 5 إلى شرم الشيخ واحتلت مواقعها على خليج العقبة .
وهنا يثار سؤال مهم وخطير حول الدور الذي لعبه السيد أوثانت لتهيئة العوامل للعدوان < الإسرائيلي > ومدى تنسيقه ذلك الأمر مع إدارة جونسون ، لأن واجبه كأمين عام للأمم المتحدة هو صيانة السلم وهذا يتطلب منه أن يحاول كسب الوقت ليستشير الدول الكبرى أو مجلس الأمن ، بدلا من إحراج المتحدة والموافقة الفورية على طلبها بسحب كل القوات الدولية من أراضيها ، وهناك رأي آخر يقول بأن الدافع لقرار أوثانت هو رغبته في إحراج الولايات المتحدة ودفعها للخروج من فيتنام .
على ضوء هذه التطورات ، وبعد الاتصالات المكثفة بين المتحدة وسورية أعلن البلدان عن حالة الاستنفار لقواتهما المسلحة . وفي نفس اليوم أعلن أوثانت في مجلس الأمن أنه أمر بانسحاب قوات المراقبة الدولية وأن الخطر في الشرق الأوسط هو أشد من أي وقت مضى منذ نشوب أزمة 1956 .
تجاه هذا التطور المفاجئ ، أوفدت القيادة السورية ، يوم 18 أيار وزير الخارجية إلى
القاهرة واجتمع هناك مع الرئيس عبد الناصر لمعرفة نوايا المتحدة بعد قرارها بسحب
القوات الدولية ، وأبعاد هذا القرار ، كما نقل إلى الرئيس وجهة النظر السورية
بضرورة التهدئة .
كان
الرئيس عبد الناصر يعرف أن إغلاق مضائق تيران ومنع سفن الكيان الصهيوني من عبورها
،
كما شمل هذا المنع
السفن
التابعة لجنسيات أخرى
والتي
تحمل عتادا عسكريا
أو موادا استراتيجية
إلى هذا
الكيان
ـ كان الرئيس ناصر قلقا من تدفق البترول الإيراني ، عبر الخليج ،
إلى مفاعل ديمونة ـ
ستعتبره <
إسرائيل > إعلانا للحرب غير أن قرار السيد أوثانت
" الغريب والمريب
’
والمتسرع وغير المفهوم
" ساهم في
دفع
العربية
المتحدة لاتخاذ هذا القرار . يضاف إلى هذا أن الولايات المتحدة كانت قد تعهدت عام
1956 بضمان حرية المرور في مضيق تيران ، وكانت القاهرة تعرف هذا كله ، وكانت تعرف
أن الموضوع يتعلق بأمور جدية .
ولكن كان الأمل ، انطلاقا من الأمر الواقع ،وبفضل الضغوط الدولية ، في إيجاد تسوية
تحفظ للعربية المتحدة حقوقها وتبعد شبح العدوان المخطط له من قبل إدارة جونسون
والأركان < الإسرائيلية > ، هذا العدوان الذي يستهدف النظامين في القاهرة ودمشق ،
ورغم الأمل الضعيف بأنه من الممكن تحاشي العدوان بالتأثير على الولايات المتحدة
وبريطانيا اللتين تدعمان " إسرائيل " أعلن الرئيس ناصر أن المتحدة ستغلق قناة
السويس أمام سفن الدول التي تساعد " إسرائيل " مما سيؤدي إلى قطع إمدادات البترول
عنها .
لقد تحقق لجنرالات الجيش في < إسرائيل > ما خططوا له بجر جيش ال ج . ع . م إلى المعركة ، ولقد قال دايان لرابين ، فيما بعد : أن الأركان اقترفت خطأ خطيرا بإضعافها مركز ناصر تجاه العالم العربي ، إن المستوى الذي وضعنا الأعمال الثأرية التي مارسناها ضد سورية والأردن لم يترك للرئيس من خيار سوى الدفاع عن هيبته سواء داخل بلاده أم إزاء البلدان العربية الأخرى مما تمخض عن تصعيد شبه محتوم ، وكان دايان مقتنعا من جهة أخرى بأن ناصر لن يلبث أن يتخذ إجراءات أخرى لا رجعة فيها ، كإغلاق مضائق تيران ، وبأن < إسرائيل > لن يكون لها عندئذ من خيار سوى الرد على التحديات .
طالب رابين ، فور تحرك بعض وحدات جيش المتحدة باتجاه سيناء ، بتعبئة احتياط الجيش ، ويقول في مذكراته : (ولئن رأيت نفسي ذات يوم ملوما لأني طالبت باكرا جدا بتعبئة الاحتياط ، موشكا بذلك أن أجعل وضع البلاد الاقتصادي في خطر ) ، واستغل رابين وجنرالات الجيش هذه التعبئة المبكرة للضغط على الحكومة < الإسرائيلية > لإقرار بدء العدوان فور إعلان المتحدة إغلاق مضائق تيران ، وفور قرار قيادة الجيش السوري بتعزيز مواقع قواتها ، وبحظر مراقبي خطوط الهدنة وبقية الأجانب من التوجه إلى مدينة القنيطرة ) .
قاد رابين حملة التحريض للإسراع في بدء الهجوم واعتبر أن حرية < إسرائيل > في الملاحة ليست وحدها في خطر ، بل ، أيضا ، إن عزمها وقابلية تصديقها وقدرتها على ممارسة حقوقها في الدفاع المشروع هي كلها اليوم على المحك .
وأقرت اللجنة الوزارية < الإسرائيلية > المصغرة في يوم 23 / 5 قرارا يمكن تلخيص نقاطه الأساسية ب :
1 ـ تنظر اللجنة الوزارية إلى إغلاق مضائق تيران كعمل عدواني موجه إلى < إسرائيل >.
2 ـ تأجيل القرار المتعلق بطبيعة الرد على هذا العدوان 48 ساعة .
لم يلق هذا القرار ارتياحا عند الجنرالات ، وقال رابين في رده على وزير الداخلية " شابيرا " من الحزب الوطني المتدين : ( إن ناصر قد تحدانا تحديا خطيرا ، فإذا لم نرد على تحديه فان قدرة قواتنا على الرد ستنعدم وتكون إسرائيل قد تحملت إهانة جسيمة ... إننا سنقاتل للحفاظ على حق حرية الملاحة ، لقد هدد ناصر اقتصاد إسرائيل ، ولن يلبث جيشه أن يهدد وجودنا بالذات ، لا ينفك العرب بتقوية أنفسهم مع استمرارهم في مضايقتنا مضايقة مذلة ) .
ولتفنيد حجته ، أجابه شابيرا : ( عليك أن تقدم إيضاحات ، لقد أغلقت المضائق في عام 1950 وفي عام 1951 ، أيضا ، فهل اندفعت < إسرائيل > إلى الحرب ؟ هذه المضائق نفسها بقيت مغلقة حتى عام 1956 فهل عرض ذلك أمن < إسرائيل > للخطر ؟ وحتى عندما راح المصريون يساندون علنا هجمات الفدائيين لم يشن بن غوريون الحرب ) .
لقد نقل آبا إيبان جواب وزير خارجية أمريكا دين راسك ـ لم يكن على علم بما تم الاتفاق عليه بين البيت الأبيض والأركان < الإسرائيلية ـ وملخصه : ( أن الولايات المتحدة لا تملك أية معلومات تجيز لها الاعتقاد بأن المصريين يستعدون لأعمال هجومية ، وإذا قررت إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة في القيام بعمليات فإن الولايات المتحدة ستصطدم بأعظم الصعوبات لمساعدتها ، حتى على الصعيد السياسي الصرف . ولكن الجنرالات ، وخاصة " رابين ، وايزمن ، ياريف ، بارليف ، آميت " ، استمروا في بداية الثلث الأخير من أيار ، في ضغوطهم على السياسيين ، وبالذات على " أشكول < رئيس الوزراء ووزير الدفاع > ، وإيبان < وزير الخارجية > " وكانوا يوهمونهم بأن " العالم العربي يستعد لشن حرب شاملة ضدنا " ، وأن وقت المناقشات السياسية قد مضى ، وكرر " ياريف " قوله : ( بأننا إذا لم نشن هجومنا في يوم 26 أيار فإن المصريين سيكونون قادرين على الهجوم وسيكون وضعنا حرجا جدا آنذاك ) . ولتأكيد وجهة نظرهم ، سربوا معلومات ، نقلتها حكومتهم إلى الإدارة الأمريكية ـ كما ورد ـ بأن ال ج . ع . م وال ج . ع . س ستبدأ ن هجومهما ليلة 27 أيار .
اجتمع يوم 27 / 5 أشكول مع الجنرالات ، وقدم أمين عام وزارة الخارجية تقريرا عن محادثات جونسون ـ إيبان ، كما علق على مذكرة عنيفة جدا وصلته من رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي كوسيغين ، ورسالة قاسية من ديغول تحذران < إسرائيل > من أية محاولة للقيام بهجوم وقائي ، ولكن رابين ، عاد وأكد في هذا الاجتماع ( إذا لم نرد على العدوان المصري ، فإن أمن بلادنا سيتعرض إلى خطر جسيم والزمن يعمل ضدنا ) .
بعث الجنرالات في صباح يوم 28 / 5 بدون علم رئيس الوزراء ، رئيس الموساد الجنرال " مائير آميت " إلى واشنطن ، لاستطلاع حقيقة الرأي من جيمس آنجلتون وإجلاء الملابسات ، من جهة ، ولإبلاغ مكتب الأمن القومي والسي .آي .إيه بأن الوقت المناسب لإطلاق العنان < لإسرائيل > هو هذه الساعة وليست أية ساعة أخرى .
طلب رابين مساء الأحد 28 / 5 من أشكول أن يأتي بشخصه ، ليواجه الجنرالات الذين هاجموه يشكل منظم ، واتهموا الحكومة بالعجز ، وبأن السياسيين متمسكون بالأوهام وباقون على اعتقادهم بإمكان تجنب الحرب ، وحين حاول أشكول أن يحتج ، قام وايزمن بحركة مسرحية ألهبت مشاعر زملائه " لقد هب واقفا من مقعده وخلع وساما كان معلقا على سترته العسكرية وألقاه على مكتب أشكول قائلا : إنه لا يعتقد أنه أو غيره يحق لهم الاحتفاظ بأي وسام إذا كان العجز عن العمل هو ردهم على الخطر ) . وتدخل رابين فقال : ( إنه لا يستطيع أن يضمن السيطرة على القوات إذا ما تأخر صدور الأمر لهم ببدء القتال ، وهو يضع هذه الحقيقة كرئيس لأركان الحرب أمام السلطة السياسية لكي تأخذها في اعتبارها وهي تتخذ قرارها النهائي ) .
تحقق للجنرالات ما أرادوه من حكومتهم ، وبحسب عبارات برقية الوزير المفوض < لإسرائيل > في واشنطن يوم 1 / 6 نقلا عن والتر روستو " مكتب الأمن القومي في البيت البيض " اعتبرها العسكريون الصهاينة بأنه ليس عليهم أن ينتظروا شيئا من الولايات المتحدة " .
كان لابد من تغطية تواطؤ الأمين العام للأمم المتحدة وتواطؤ الولايات المتحدة الفاضحين ، بالتظاهر بالقيام بتحرك دبلوماسي - رغم ضغط العسكريين < الإسرائيليين > على حكومتهم بضرورة المباشرة بالعدوان دون تأجيل – ، فقد وافق الرئيس عبد الناصر فورا على برقية أوثانت يوم 22 أيار والتي يطلب فيها مقابلته ، أملا من الرئيس أن يصل إلى حل مشرف ، وفي القاهرة تم تفاهم سري لم يصل إلى درجة اتفاق على الأسس بل اقتصر على التدابير التي يجب أن تتخذ للتهدئة ، وكانت أبرز نقاط التفاهم :
أن يمتنع الطرفان المعنيان عن كل إجراء من شأنه زيادة التوتر .
أن يقبل الرئيس عبد الناصر بتسمية أوثانت ممثلا خاصا يكلف بالتنقل بين القاهرة و < تل ابيب > لإيجاد مجال للتفاهم حول الخلاف على مضائق تيران .
أن يوجه أوثانت نداء إلى جميع الدول البحرية لتمتنع عن شحن المواد الاستراتيجية عن طريق إيلات ، وأن يتم الشحن عن طريق حيفا ( كما كان الأمر قبل 1956 ) بانتظار إيجاد تسوية .
لجأ الرئيس جونسون ـ قبل أن يطلق يد جنرالات إسرائيل في بدء عدوانهم ، وفي الوقت الذي كان مائير آميت في واشنطن يرتب ذلك الأمر ـ إلى التظاهر بأنه يريد الوصول إلى حل سياسي للأزمة ، لكي يوهم الرأي العام الأمريكي وأعضاء الكونغرس والرأي العام الدولي بأنه يبذل كل جهد ممكن ، كما يريد أن يصل إلى إضعاف مناورة الاتحاد السوفييتي وتحييده ، ولكي يوهم قادة ال ج.ع.م في صدق جهوده أوفد في 1 حزيران إلى القاهرة ممثله الشخصي شارل يوست ، في زيارة سرية دامت حتى يوم 3 حزيران ، واجتمع خلالها مع وزير الخارجية محمود رياض ، وتم بينهما اتفاق مبدئي على نقاط ثلاث :
أن تستمر الجهود الدبلوماسية لحل المشكلات حلا سلميا .
أن يحال الخلاف على تيران إلى المحكمة الدولية في لاهاي .
أن يقوم نائب رئيس الجمهورية زكريا محي الدين يوم 5 حزيران بزيارة إلى الولايات المتحدة للتفاوض حول إيجاد تسوية يقبل بها الطرفان .
وإمعانا في التمويه ، أكد يوست للمتحدة بأن < إسرائيل > لن تهاجم مادامت الجهود الديبلوماسية قائمة ، وهو المطلع على أن الحكومة < الإسرائيلية > كانت تؤكد بأنها قد حصلت على حق المرور في مضائق تيران بعد معركة سيناء 1956 ولن تسمح لل ج . ع . م بأن تطرح على بساط البحث مرة ثانية ثمن انتصارها .
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الأحد 28 أيار أكد الرئيس ناصر ‘ في رده على الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين كانتا تتظاهران بأنهما تسعيان إلى تشكيل قوة بحرية لفرض ، ما أطلقتا عليه ،حرية الملاحة في خليج العقبة قال :
ـ أن قرار منع السفن التي ترفع العلم< الإسرائيلي> وسفن البلدان الأخرى التي تحمل < لإسرائيل >موادا استراتيجية من المرور في خليج العقبة هو قرار لا عودة فيه .
ـ إذا تدخلت الولايات المتحدة فسنقاومها بكل قوة ، ولتكن هناك قناة سويس ثانية .
ـ لا نقبل بوصاية الدول الكبرى ولن تستطيع قوة مهما بلغ جبروتها أن تمس حقوق سيادتنا .
ـ حقوق شعب فلسطين يجب أن تعاد إليه ولا نقبل بالتعايش مع < إسرائيل > .
ـ إذا تحرشت < إسرائيل > بسورية أو أي بلد عربي آخر فسنرد بقوة وإذا أرادت الحرب فنحن مستعدون لها .
كما أكد الرئيس ناصر ، بأننا لن نكون أول من يضرب ،فنحن لا نريد الحرب ، أما إذا كنا ضحية العدوان فسيكون في ذلك تدمير دولة < إسرائيل > ) ، وقدم الرئيس اقتراحين ملموسين كان من شأنهما أن يمهدا الطريق أمام إعادة الأمور إلى وضعها المألوف ؛
1 – أن تستأنف لجنة الهدنة المصرية - < الإسرائيلية > نشاطها في الحال .
2 – أن يجري بحث إجمالي للمشكلة الفلسطينية والتفاوض عن طريق دولة وسيطة حول جميع المشكلات المعلقة .
وأكد الرئيس في هذا المؤتمر بأن الخصومة على تيران هي مظهر ثانوي للنزاع العربي < الإسرائيلي > ، لكن الحكومة < الإسرائيلية > المصممة على العدوان لم تتعاطى مع أي من الاقتراحين ، كما أن الصحافة < الإسرائيلية > لم تذكر من التصريحات سوى ما تعلق منها ب < تدمير دولة إسرائيل > .
كما صدرت في القاهرة تصريحات عديدة مفادها :" إذا تعهد < الإسرائيليون > علنا بعدم مهاجمة سورية فنحن مستعدون من جانبنا لسحب جيوشنا من الحدود" .
ٍوفي خطابه أمام مجلس الأمة يوم 29/5 أوضح الرئيس عبد الناصر استعداد العرب لمواجهة < إسرائيل > واستعادة حقوق شعب فلسطين كاملة ، وأن الاتحاد السوفييتي يقف مع العرب ولن يسمح لأي قوى خارجية بالتدخل ،وقال : إننا سنقرر الوقت وسنقرر المكان ولن نتركهم يقررون الوقت والمكان ، علينا أن نستعد لننتصر . ..وقد تمت هذه الاستعدادات ، ونحن على استعداد لمواجهة إسرائيل .
وفي سورية ، كان وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد قد صرح يوم 20 أيار / مايو عن استعداد الجيش وذكر أن القوات اصبحت مستعدة ليس لرد العدوان فقط وإنما لنسف الوجود الصهيوني .
بداية العدوان
قبل
أسبوعين من بدء العدوان ، بدأت مخابرات القوى الجوية < الإسرائيلية > تراقب عن كثب
حركات الطيارين في المتحدة ، وأفادت التقارير : ( أنهم يقلعون عند الفجر للاستطلاع
ويبقون في الجو نحو ساعة ، ثم يعودون إلى قواعدهم ويذهبون لتناول طعام الصباح ،
فبين الساعة 7 و 8 صباحا لا شيء يتحرك على مهابطهم ، لذا فان الساعة 7 و45 د هي
بالنسبة لنا الساعة المثالية ) . وكانت استراتيجية القوى الجوية < الإسرائيلية > هي
: 1 ـ قصف المطارات ومدارجها ، ثم الطائرات الجاثمة على الأرض ، وأخيرا الرادارات
ومنشآت الطيران 2 ـ التنسيق الدقيق بين القوات البرية والجوية سيتيح إلحاق هزيمة
سريعة بالعدو 3 ـ يجب أن تدور المعارك على أرض العدو 4 ـ تدمير قواته بأسرع ما يمكن
5 ـ تركيز الهجوم على جبهة واحدة ، وموقف دفاعي على الجبهتين الأخريين مع شن هجمات
صغيرة محلية من شأنها منع العدو من دخول < أراضينا > .
بدأ العدوان الصهيوني، صباح 5 حزيران (يونيو) 1967 كما هو معروف، بقصف
المطارات في ال ج.ع.م ولمدة ثلاث ساعات تقريبا وعلى ثلاث هجمات .
لقد سمعت القيادة السورية هذا النبأ من أجهزة الإعلام، و أذيع البلاغ الأول الذي يعلن بدء القتال في الساعة 8 و 50 د من راديو القاهرة ، كما يلي : ( لقد أغارت الطائرات < الإسرائيلية > على القاهرة وعلى مطارات أخرى ، ولقد مضت القوات المصرية إلى لقاء العدو وصده .
وفي إذاعة عبرية أخرى هاجم راديو القاهرة وزير الدفاع < الإسرائيلي >: أين أنت يا موشي دايان ؟ في عام 1965 سموك قائد النصر ، أما اليوم فأنت وزير الهزيمة ، لقد فقأ شعبنا السوري الشجاع إحدى عينيك ونحن سنفقأ لك الأخرى .
وفي الساعة 9 و 25 د أذاعت دمشق : نحن معكم يا رفاق السلاح في القاهرة ، نحن معكم يا رفاق السلاح في غزة وسيناء وشرم الشيخ ، نحن معك يا شعب الأردن وأنت تتقدم بشرف نحو تل أبيب ، أضربوا دون رحمة ونحن معكم .
وفي الساعة 9 و 40 د أعلن راديو عمان : أيها العرب في كل مكان ، لقد دقت ساعة التحرير واستعادة حقوقنا المهدورة ، ونحن في المعركة الحاسمة التي نخوضها حاليا ضد قوى الشر والعدوان الصهيوني وسنهدم الحدود المصطنعة ونستعيد ما سرق منا ، إلى الأمام ، إنها الحرب المقدسة من أجل النصر .
إن المفاجئة كانت مذهلة ، واستغرقت القيادة العسكرية في المتحدة وقتا دام أكثر من ساعة حتى أدركت ما حدث ، وأصبحت حسب قول الرئيس ناصر ( مثل واحد حصل له انفجار في المخ وأصاب بالشلل جسمه كله )، ووقتا أطول حتى اطلع الرئيس عبد الناصر على بعض ما حدث ، ومن نتائج هذا الذهول لم يكن هناك في المتحدة ، من يبلغ القيادتين السياسية والعسكرية في سورية عما يحدث ، كما لم يكن هناك من يجيب على نداء القيادة العسكرية في سورية التي حاولت الاتصال بقائد الأركان المشتركة في ال ج.ع.م بواسطة جهاز اللاسلكي الذي كان مفتوحا باستمرار بين القيادتين منذ بدء التحضير لمواجهة العدوان، و لم تتمكن من تحقيق الاتصال إلا حوالي الظهر، وفي هذه الفترة كان الطيران الصهيوني قد ركز غاراته على المطارات السورية ودمر الأكثرية الكبيرة من سلاح الجو السوري والطائرات العراقية العسكرية في مطار إتش 3 ، وتتالت الاتصالات بين القيادتين العسكريتين، ومع الفريق عبد المنعم رياض قائد الجبهة الأردنية الذي اتخذ من الأردن مقرا له.
وفي المساء ، توجه راديو < إسرائيل >باللغة العربية إلى جنود جيش المتحدة : إن زعماءكم يقودونكم نحو الكارثة ، لقد بدأت المعارك ، لقد دقت ساعتكم ، انهضوا وأسقطوا نظام ناصر الديكتاتوري ، لقد دقت ساعتكم ، قفوا ضد جمال عبد الناصر .
وتتالت ، بسرعة ، الأخبار عما يحدث في جبهات ال ج.ع.م والأردن، وعن تقدم قوات العدو الصهيوني السريع في سيناء وفي الضفة الغربية وغزة، مستغلا تفوقه الجوي، وعدم وجود أي تغطية للقوات العربية.
اجتمع مجلس الأمن فور بدء العدوان ، وتوصل يوم 6 / 6 إلى قرار يطلب فيه من القوات المتحاربة وقف إطلاق النار ، وهو وقف غير مقترن بشرط .
بدأ العدوان الصهيوني كما ذكرت ، في الساعة السابعة و 45د من صباح 5 حزيران (يونيو) 1967 ، ودمر خلال أقل من ثلاثة أيام الأكثرية الساحقة من أسلحة الجو في المتحدة وسورية وما أبقاه الأردن على مدارجه وسربين من سلاح الطيران العراقي ، وبلغ عدد الطائرات المصابة والمدمرة في اليوم الأول للعدوان 410 وفي اليوميين التاليين 31 طائرة .
استغل العدو تفوقه الجوي، وعدم وجود أي تغطية للقوات العربية و وفر لجيشه حرية الحركة والعمل . وتقدمت قواته بسرعة في سيناء ، متبعة تكتيك التوغل المفاجئ في العمق لإحباط قدرة جيش المتحدة القتالية .
لقد قاتل جيش المتحدة ببسالة في مواقعه الدفاعية ، ولكن أداءه لم يكن جيدا حين انتقل إلى الهجوم بدون غطاء جوي .وبعد 36 ساعة من بدء الحرب ، أي في مساء 6 حزيران " يونيو " وبعد قرار مجلس الأمن، أصدر المشير عبد الحكيم أوامره بالانسحاب الشامل غير المنظم لقوات المتحدة إلى غرب القناة ،على أن ينجز صباح يوم 7 يونيو، أي خلال 12 ساعة ، باستثناء الفرقة الرابعة التي يجب أن تبقى في حالة دفاع بمحاذاة الأطراف الشرقية للمرات ، وكانت النتيجة الأولى لهذا الأمر إخلاء شرم الشيخ ليلة 6 / 7 حزيران .
بدأت القوات < الإسرائيلية > صباح يوم 5/6 بقصف مدفعي على القوات الأردنية التي ردت عليها بقصف مماثل واستغلت قوات العدو تحرك قطعة من الجيش الأردني نحو موقع تسيطر عليه قوات المراقبة الدولية يعرف باسم " بيت الحكومة " متاخم للمنطقة الغربية من القدس ، وتحركت القوات المعادية في منتصف النهار نحو بوابة " ماندلبو " وحدث قتال بين المهاجمين والفصائل الأردنية المرابطة في بعض المواقع ، وبعد معارك قاسية وبمساعدة الطيران والمدفعية والمدرعات تمكن العدو في حوالي الساعة العاشرة من صباح يوم 6/6 من دخول القسم العربي من مدينة القدس واحتلت مدينة رام الله مساء هذا اليوم ، وبعدها نابلس واللطرون ومحور قلقيلية ـ طولكرم وتابعت قوات العدو سيرها باتجاه الغور .
تجاه هذا الوضع الحرج ، طلب الفريق عبد المنعم رياض من قيادة الجيش السوري نجدة الأردن عسكريا وبسرعة ، مما اضطرها إلى سحب تشكيل عسكري مع حماية بمدافع م/ط بقيادة ضابط كفء" المقدم صلاح نعيسة "، من مواقعه في الجبهة ، وتحريكه يوم 8 / 6 وفي وضح النهار وتحت رحمة الطيران المعادي ،وحين وصل التشكيل إلى الحدود الأردنية كان قد بدأ تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بينها وبين < إسرائيل > ، وعاد التشكيل بعد أن فقد بعض آلياته ، وهو في حالة إنهاك ، إلى مواقعه التي تحرك منها .
كانت قد تمت سيطرة العدو على كامل الضفة الغربية إضافة إلى مناطق أخرى في الغور ، وأوقع ما حدث ، الملك حسين في حاله الذهول لعدم التزام < إسرائيل > بالتطمينات الأمريكية له ، وكان ل < إسرائيل > ، بعد أن أعلن الملك دخوله الحرب ،حسابها الخاص في الاستيلاء على الضفة والقدس .لتحقق أسطورة أرض الميعاد ووجدت أن فرصتها قد حانت .
تشكلت على الفور في سورية ، بعد سماع نبأ بدء القتال ، قيادة ميدانية مكونة من رئيس الأركان أحمد سويداني ونائبه اللواء عواد باغ ومديري إدارارت العمليات العميد عبد الرزاق الدردري والمدفعية العميد عبد الله حبيشي والمدرعات العميد عبد العزيز جركس والإمداد والتموين اللواء محمد مهنا والتنظيم والإدارة العميد علي حماد وقائد الجبهة العقيد أحمد المير محمود ورئيس المخابرات العسكرية العقيد علي ظاظا وانتقلت فورا إلى غرفة العمليات في القنيطرة ، بينما بقي وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد يساعده بعض المعاونين في دمشق لقيادة القوات وإدارة المعارك .
كان من نتيجة التأخير ـ بسبب الشلل والذهول الذي أصاب لعدة ساعات القيادة العسكرية في المتحدة ـ في تحقيق الاتصال مع رئيس هيئة الأركان المشتركة ، عدم معرفة أية خطة عسكرية " دفاع أم هجوم أم تعرض" يجب تنفيذها ، كما أدى ذلك إلى اضطراب وتشوش في بنى الخطط ، واكتفي في الساعات الأولى بالقصف المدفعي .
بدأ
القصف المدفعي بغزارة عنيفة على المنشآت < الإسرائيلية > على طول الحدود وخاصة على
الوحدات العسكرية المعادية في دجانيا وروشينا رافقه هجوما جويا ، وعلى دفعتين ،
فوق خليج حيفا ، و جرت في يوم 6/5 عدة محاولات سورية لمهاجمة مستعمرات تل دان وشعار
ياشوف بانتظار التنسيق ـ لم يحصل طبعا ـ
نتيجة، لما حدث، قرر قادة ال ج.ع.م وملك الأردن و< إسرائيل > ، قبول قرار وقف
إطلاق النار الذي يجب أن يدخل إلى حيز التنفيذ في الساعة 2 و20 د من يوم الخميس 7
حزيران ، ولكن <إسرائيل > وبدعم من أمريكا ، استغلت هذا القبول ، وواصلت عدوانها
في يوم 8 / 6، حتى بلغت أهدافها التي كانت قد حددتها سابقا على الجبهتين المصرية
والأردنية .
أعقب
ذلك ، إعلان الرئيس عبد الناصر في كلمته إلى الأمة عن استقالته من مناصبه ، كما أكد
في هذه الكلمة عن تحمله مسؤولية ما حدث بشكل كامل، ثم عودة الرئيس عن الاستقالة تحت
ضغط الشعب العربي في مصر، ورؤساء بعض الدول العربية التقدمية. وبعد عودة الرئيس
ناصر لتحمل مسؤولياته من جديد، أرسل مساء 8/ 6 /1967إلى الرئيس نور الدين الأتاسي،
برقية حملها إليه أحمد جبة سفير ال.ج .ع.م في سورية ،
وهذا نصها :
الأخ الرئيس نور الدين الأتاسي:
إنني أعتقد أن < إسرائيل > على وشك حشد كل قواتها ضد سورية من أجل تدمير الجيش
السوري، وأنا أرى لنفس الأسباب التي دفعتني إلى ذلك، أن أنصحك بالموافقة على قرار
قبول وقف إطلاق النار ، وإنهاء كل الأعمال الحربية، وإخطار يوثانت السكرتير العام
للأمم المتحدة، على الفور، من أجل الحفاظ على جيش سورية العظيم.
لقد خسرنا هذه المعركة، وعسى الله أن يوفقنا في المستقبل.
أخوك
جمال عبد الناصر
أما النص الذي ذكره هيكل ، وان كان المضمون واحدا ، فهو :
" إننا هزمنا في هذه الجولة ، والواجب يحتم علي في هذه الأوقات الحزينة أن أرجوكم في قبول وقف إطلاق النار على الجبهة السورية ، فقد قررنا في مصر قبوله بعد الخسائر التي لحقت بنا ، وإني أفعل ذلك بحس المسؤولية القومية وبقلب مثقل بالهموم ، ودافعي إلى هذا الطلب هو الحرص على سلامة الجيش السوري ، وعلينا أن ندخر ما تبقى من قوانا لمرحلة أخرى
جمال عبد الناصر
و تبين فيما بعد أن المخابرات
<
الإسرائيلية > التقطت هذه البرقية التي أرسلت لاسلكيا.
لقد قررت
القيادة السورية ، ليل 8
/ 9
حزيران ، و بعد مناقشتها رسالة الرئيس ناصر،
وبأغلبية أعضائها ـ تم الاتصال ، هاتفيا ، مع الأعضاء الموجودين في مراكز المحافظات
لمعرفة وجهة نظرهم ـ
موافقتها
على قرار مجلس الأمن، أيضا ، كما أبلغت الخارجية السورية هذه الموافقة إلى أوثانت
وإلى
القيادة السوفييتية بواسطة السفير السوفييتي بدمشق ، ولكن( إسرائيل
) بالتواطؤ مع الولايات المتحدة
لم تلتزم
بما كانت قد أبلغت به مجلس الأمن بالموافقة ،
واستمرت في عدوانها
حتى ليل
يوم 10 حزيران " يونيو" وأتمت
تنفيذ خططها باحتلال جزء من االهضبة
..
كان " دايان " يخشى من تدخل سوفييتي لذا منع قائد الجبهة الشمالية " أليعازر " من تجاوز الحدود السورية حتى صباح يوم التاسع من حزيران ، وبدأ الاختراق < الإسرائيلي > للمرتفعات من جنوبي موقع تل العزيزيات وتل الفخار باتجاه موقع القلع ، وكانت معركة تل الفخار من أشد المعارك ، وقال عنها دافيد أليعازر : ( إذا ما زرتم مستشفى "رامبام " ستسمعون الكثير عن هذه المعركة ، لقد نشبت معركة بالأيدي في ذلك المكان ، وقتال بالكفوف والسكاكين والأسنان وبكعاب البنادق ، وقد استمرت هذه المعركة ثلاث ساعات ) . ودارت طوال هذا اليوم معارك ضارية ألحقت بالعدو، الذي لاقى عناء في تقدمه ، خسائر كبيرة ،وتحت غطاء جوي كثيف تابعت قوات العدو تقدمها ، ووفق ما أورده رابين في مذكراته : ( كان الجيش السوري يقاتل بضراوة ، ويلحق بنا خسائر فادحة ، وقد استعمل جنودنا كل مهارتهم وكل شجاعتهم كي يشقوا لأنفسهم طريقا في شبكة الطرق الجبلية التي تصل بين تحصينات السوريين الذين كانوا يبدون غير مبالين بالطوفان الناري الذي كان ينهال عليهم ، وقد جرى القتال بالسلاح الأبيض في أماكن عديدة ) .
أطلع وزير الدفاع مساء 9/6 القيادة السياسية ( الأعضاء المتواجدون في دمشق، لأن أغلب أعضاء قيادة الحزب كانوا قد توزعوا على المحافظات ) على مجريات المعارك والخرق الذي حصل في القطاع الشمالي وطلبت القيادة منه القيام بهجوم معاكس في منتصف ليلة 9/10 لطرد القوات المعادية ، ولكن هذا الهجوم فشل فشلا كبيرا ، لعدم التمكن من تهيئة بعض القوات المكلفة به <لم يتمكن أحد قادة الألوية من تجهيز لوائه للانتقال من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم >، والكتيبة المدرعة التي تقدمت ليلا ، ضلت طريقها وتوجهت نحو تل أحمر قرب قرية< بقعاتا> وظن قائد اللواء المرابط في المنطقة أنها قوات معادية وطلب من قيادة الجيش نقل مقر قيادته إلى خط الدفاع الثاني ، وكان من المفروض أن يتأكد من صحة ما شاهده من مقر القيادة الميدانية لتشكيله الموجودة في موقع تل أحمر غربي قرية بقعاثا ، وغرب ما ظنه تشكيلا معاديا > ، ولما أدرك قائد الكتيبة أنه ضل الطريق ، أمر كتيبته بالعودة ووصل في صباح 10/6إلى سفوح " تل أبو الندى " المشرفة على مدينة القنيطرة ومتوجها نحوها، وظنت قوات الاستطلاع أنها قوات معادية وأبلغت قيادة الجيش بمشاهدتها ، وعلى ضوء هذه المعلومات أذاع الناطق العسكري باسم قيادة الجيش البلاغ الأول حول سقوط المدينة ، وبعد قليل ، لما تبين خطأ المعلومات ، سحب هذا البلاغ .
من المؤلم ، أن أذكر ، بأن هذين القائدين ( القائد الذي لم يستطع تهيئة لوائه والقائد الذي طلب نقل مقره ) لم يحاسبا ، بل ، بعد انقلاب تشرين 1970، استلم أحدهما إدارة المدرعات ، والآخر معاونا لوزير الداخلية .
وفي اجتماع القيادة هذا ، تقرر بناء على اقتراح عضو القيادة عبد الكريم الجندي إطلاق كافة المعتقلين السياسيين " مدنيين وعسكريين " .
ورغم إعلان العدو التزامه بوقف إطلاق النار بدءا من الساعة 8 و 30 د من صباح يوم السبت 10 / 6 ، ولكنه استمر في عدوانه و تقدمت قواته على كافة المحاور من التوافيق على الحدود الأردنية إلى بانياس على سفوح جبل الشيخ ،حتى وصل إلى أهدافه ودخل مدينة القنيطرة في الساعة الثانية والنصف ظهرا ، وبعدها أذيع البلاغ العسكري 66 تاريخ 10/6 عن سقوط القنيطرة ، وعلى أثر هذا التوغل ، أصدر وزير الدفاع أوامره ، بالانسحاب الكيفي ، للقوات المحتشدة في الجبهة .
توقفت الأعمال القتالية في الساعة 6 و 30 د من مساء يوم 10 / 6 ، ورغم ذلك قام العدو ، في يوم 12 / 6 بإرسال وحدة محمولة بالهليو كبتر للسيطرة على إحدى قمم جبل الشيخ
بعض أسباب الهزيمة
ورد في العدد 18 لعام 1998 من مجلة دير شبيغل الألمانية : ( بعد النصر الإسرائيلي السريع جدا عام 1967 الذي لا نريد مناقشة أسبابه ولا التعرض للمؤامرات السوفييتية والأمريكية معا لخديعة السوريين والرئيس عبد الناصر والمساعدات الأوروبية التي رتبت هذه الحرب لتحصل هذه النتائج المحبطة للعرب وظن الإسرائيليون أنهم انتصروا نتيجة حربهم الخاطفة ) .
كشفت هزيمة حزيران عن عجز وتخلف القيادات العسكرية العربية ، وخاصة في دول المواجهة العربية ، وعن عدم قدرة القيادات السياسية في الوقت ذاته عل إدراك حقيقة عدم صلاحية وكفاءة قياداتها العسكرية أو عدم قدرتها على تدارك وضع القيادات المذكورة في الوقت المناسب .
لقد كانت نتيجة حرب حزيران (يونيو) مؤلمة جدا، والجيوش العربية التي واجهت العدوان الصهيوني، قاتلت في بعض المواقع ببسالة وأداء رائعين، ولكن أداء الجيوش بشكل عام، لم يكن بمستوي الطموحات والآمال التي كان الشعب العربي يريدها من جيوشه. ولابد من القول بأن تدمير سلاح الطيران في كل من المتحدة سورية والعراق والأردن ضمنت النصر للعدو إلى حد بعيد .
إن حرب الأيام الستة ، هي حرب الطيران < الإسرائيلي > ، فلقد توصل هذا الطيران إلى شل الطيران العربي بتخريب منشآته ومدارج مطاراته وبتدمير القسم الأكبر من مطارداته وقاذفاته وشاحناته ، وأتاح التقدم المنظم لقوات العدو البرية وترجم إلى الواقع مذهب الحرب المنقولة إلى أرض الخصم . وكان النجاح الذي حققه هذا الطيران منذ ال 80 دقيقة الأولى من القوة بحيث أنه قرر مصير المعركة التي لم تكد أن تبدأ .
إن ما يضعف من كفاءة الجيوش العربية ، هو أنها ترتبط بمهامها بإرادة السلطة الحاكمة ، وهي سلطة فرد أو عدد من الأفراد ، بينما رباطها يجب أن يكون بنظرية أمن قومي راسخة في المستوى الوطني.
إضافة إلى ذلك يمكن تكثيف بعض أسباب هزيمة حزيران إلى :
1 ـ عدم تمكن القيادة الموحدة من التنسيق بين الجبهتين المصرية والسورية ، إضافة إلى العبء الذي كونته الجبهة الأردنية على رئيس أركان الجبهتين ، وهذا سمح للعدو بأن يستفرد كل جبهة على حدة ويحقق تفوقا مطلقا بغياب الغطاء الجوي العربي .
2 ـ عدم قدرة القيادات العسكرية في البلدين على استخدام قواتهما ووسائلهما العسكرية ، لا في خطط هجومية شاملة أو محدودة بسبب التراجع عنها وعدم البدء بإطلاق النار ، ولا في خطط الدفاع التي كان للتفوق الجوي < الإسرائيلي > دور كبير في تدمير القوات المدافعة .
3 ـ
عدم التكافؤ في نوعية الأسلحة وتنظيم القوات وهيكلتها وفقدان القيادات العسكرية
لحرفتها ، الأمر الذي حقق للعدو تفوقا ، خاصة بعد تدمير المطارات وأسلحة الجو في
المتحدة وسورية، وانهيار معنويات القيادات العسكرية التي أمرت قواتها بالانسحاب غير
المنظم رغم أن بعض القطع كانت لا تزال سالمة .
تقييم
نتائج الحرب على الجبهة السورية
لابد من التأكيد بأن المعارك تم تقييمها من قبل القيادات العسكرية المختصة، وحددت المسؤوليات، وأحيل المتخاذلون إلى القضاء، ولقد تمت محاكمتهم في ال ج. ع. م، ولكن في سورية، ونتيجة للصراع الذي بدأ يتضح في قيادة الحزب، لم تجر محاكمة هؤلاء لينالوا عقابهم ، بل أن بعضهم لقي الحماية وأصبح من المقربين إلى وزير الدفاع .
عقدت قيادة الحزب ، في منتصف حزيران ، اجتماعا في مبنى القصر الجمهوري ، وبعد تقيم أولي لما آلت إليه نتيجة الحرب ، طرحت وجهات نظر متعددة ، ومنها وجهة نظر الدكتور نور الدين وشاركه فيها بعض أعضاء القيادة ، بضرورة الدعوة إلى مؤتمر وطني عام لكافة القوى والشخصيات السياسية للتداول في أسس المواجهة وتحرير الأرض ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ، وبعد نقاشات طويلة وعاصفة جدا ، حتى وصل الأمر إلى حد التلاسن بين بعض أعضاء القيادة وخاصة مع وزير الدفاع ورئيس الأركان ، أقرت القيادة أن الهزيمة يجب أن يتحملها الحزب ، وأن يتحمل مسؤولياته في إزالة آثار العدوان .
و في منتصف شهر تموز ،قدمت قيادة الجيش بناء على طلب قيادة الحزب تقريرا تقييميا للحرب، وقد بين التقرير سير المعارك و الأخطاء والخسائر البشرية والمادية ، وبعد مناقشة مطولة للتقرير ، اتخذت القيادة عددا من القرارات ،انطلاقا من أن استراتيجية " الوضع الراهن "انتقلت الى العدو المحتل ، إذ اعتبر العدو خطوط وقف إطلاق النار الجديدة خطوطا جغرافية تحقق له العمق الاستراتيجي الدفاعي الذي كان يطمع به ، وتجعله في غير عجلة من أمره لحين أن تقبل الدول العربية < السلام الإسرائيلي > الذي يوفر له وضعا مهيمنا سياسيا وعسكريا واقتصاديا ويضمن دفن القضية الفلسطينية ، لذا فإن ، لذا فإن الاستراتيجية الجديدة هي استراتيجية هجومية ، وهي الخيار الوحيد المطروح أمام القيادة السياسية والعسكرية .
وتقرر أن تركز التوجهات السياسية والعسكرية للمرحلة الجديدة على :
ـ ضرورة الصمود العسكري بسرعة في مواجهة العدو .
ـ العمل بسرعة على إعادة التماسك في القوات المسلحة والتركيز على الحرفية العسكرية ، وخاصة للضباط والقادة العسكريين .
ـ الحصول على السلاح الحديث والمتطور من الاتحاد السوفييتي , والدول الصديقة .
ـ رفض الاستسلام للهزيمة والإعداد لمعركة تحرير الأرض بالقوة .
ومن هذه المنطلقات اتخذت القرارات وأهمها :
1 ـ القيام بعملية شاملة متكاملة لإعادة بناء القوات المسلحة قيادات وتسليحا وتنظيما وتدريبا ،ووفق قرارات القيادة بعد حركة 23 شباط1966 ، على أن يصل عدده إلى نصف مليون مقاتل وبأقل عدد من الإداريين ، أي " ذيل إداري قصير " حسب التعبير العسكري .
2 ـ بناء سلاح جوي كفء بطائراته وطياريه ، يصل عدد طائراته بين 450 ـ 500 طائرة
3 ـ تمديد فترة الخدمة الإلزامية ، لتوفير عناصر كفؤة ومدربة ، وخاصة في سلاحي الدبابات والمدفعية .
4 ـ عدم السماح للمحتل بالبدء بالاستيطان ، من خلال عمليات فدائية أو عمليات تعرضية من الجيش النظامي .
5 ـ تنشيط ودعم العمل الفدائي على جبهات المواجهة .
6 ـ محاسبة المتخاذلين في المعارك ، وتقديمهم إلى محكمة ميدانية خاصة .
7ـ توفير المواد الاستراتيجية ، قبل بدء عمليات إزالة آثار العدوان .
8 ـ إعداد خطة استراتيجية للهجوم الذي سيحرر الأرض المحتلة بالقوة العسكرية بالتحالف والتعاون والتنسيق مع المتحدة ، بحيث يبدأ تنفيذها بشكل متزامن على الجبهتين .
واستمرارا في مناقشة التقرير العسكري ، طرح ، في جلسة خاصة ، موضوع تغيير قيادة الجيش " وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد ورئيس الأركان اللواء أحمد سويداني " واشترك كل أعضاء قيادة الحزب في مناقشة هذا الاقتراح ، وتبلورت المناقشة في ثلاثة اتجاهات ، وكل اتجاه يمثله عدد من الأعضاء .
اتجاه عبر عنه الأمين العام المساعد صلاح جديد ومفاده : أن الضرورة تقتضي تغيير قيادة الجيش ، إن هي هزمت ، أو هي انتصرت في الحرب ، فإن هي هزمت فستفقد ثقة الجيش بها ، لأن العسكري يخشى القتال بأمرة قائد مهزوم ، وإن هي انتصرت فستطغى على القيادة السياسية في بلدها وتصبح مركز قوة ، وضرب جوكوف كمثل على ذلك الطغيان .
أما الاتجاه الثاني ، فكان يرى أن قيادة الجيش غير كفؤة ، وبالتالي يجب تبديلها .
بينما الاتجاه الثالث وكان عبد الكريم الجندي أبرز رموزه ، دافع عن ضرورة بقاء قيادة الجيش ، منطلقا من أنه لا يجوز أن يتحمل الهزيمة " رفيقانا لوحدهما " .
ولما طرح ، اقتراح التغيير على التصويت ، حسم بأكثرية صوت واحد لصالح بقاء قيادة الجيش
تابعت قيادة الحزب جلساتها لمناقشة العوامل والأسس لإعداد القطر لمعركة إزالة آثار العدوان وتوفير الموارد المادية والبشرية لذلك ، وقررت :
ـ اشتراك المواطنين في إدارة شؤونهم من خلال مجالس محلية منتخبة على مستوى المحافظات ومجلس شعب على مستوى القطر .
ـ الاستمرار في خطط التنمية ، وإنجاز الخطة الخمسية الثانية في وقتها المحدد ، وإعداد خطة خمسية جديدة وطموحة تلحظ تهيئة البنية التحتية لإنشاء صناعة ثقيلة .
ـ إنشاء وزارة للقرى الأمامية < القرى التي أصبحت ضمن الجبهة العسكرية الجديدة في محافظات القنيطرة ودمشق ودرعا والسويداء > مهمتها تطوير هذه القرى اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا ، وتوفير موارد حياتية لسكانها ، وتحصينها وبناء قرى جديدة في النقاط الحاكمة .
ـ تدريب قيادات وأعضاء التنظيم الحزبي عسكريا ، وإشراكهم في أعمال خلف خطوط العدو .
ـ إقامة قيادات وأعضاء التنظيم الحزبي ، لفترة قصيرة ، مع السكان في الخط الأمامي ، لنشر الوعي بينهم ، ومساعدتهم في أعمالهم .
ـ تأسيس لجان الدفاع عن الوطن في محافظات القطر .
و على المستوى العربي :
استمرار العمل مع الأنظمة والقوى التقدمية العربية .
ورأت القيادة ، أنه في أعقاب نكسة حزيران ، أصبحت الحاجة إلى اتخاذ خطوات وحدوية أكثر إلحاحا .
واستنادا إلى هذا التوجه سافر ، يوم الجمعة 14 تموز " يوليو " 1967 إلى القاهرة ، وفد برئاسة الأمين العام رئيس الدولة د . نور الدين الأتاسي وعضوية الأمين العام المساعد اللواء صلاح جديد ’ ورئيس الوزراء يوسف زعين ، وحمل الوفد معه مشروعا للوحدة طرحه على الرئيس عبد الناصر الذي كانت وجهة نظره أن الوقت الآن لا يسمح بمناقشة مثل هذا المشروع ، وشاطره الرأي الرئيس هواري بو مدين الذي كان في القاهرة هو والرئيس العراقي عبد الرحمن عارف والرئيس السوداني إسماعيل الأزهري .
وتوصل وفدا المتحدة وسورية إلى ضرورة استمرار التنسيق بين الحزبين والحكومتين كمنطلق للوصول إلى خطوات وحدوية متقدمة ( ومن الضرورة أن أوضح بأن هذا الجهد قد تكلل بالنجاح في 25 حزيران 1970 وتقرر إعادة الوحدة بين البلدين ) ، كما أكد الوفدان على الثقة المطلقة في أن إمكانيات وقدرات الشعب العربي كفيلة بأن يحيل الهزيمة إلى منطلق جديد لتحقيق الأهداف القومية للأمة العربية .
كانت القيادتان السياسية والعسكرية في المتحدة تصران على سورية بضرورة قيام جبهة شرقية تضم " سورية والأردن والعراق " ولما كانت وجهة نظر القيادة السياسية السورية تؤكد على أنه لا يمكن التعاون مع ملك الأردن المتعاون مع < إسرائيل وأمريكا > في الوقت الذي نحن فيه نحاربهما ، وأن بالإمكان أن تكون العراق والأردن الجبهة الأردنية ، وتكون سورية مع القوات العربية التي ترفدها ، الجبهة السورية ، وأخيرا تم التغلب على المشكلة بأن تتكون الجبهة الشرقية ويكون قائدها أحد ضباط الجيش العراقي ومقرها في مدينة السويداء بسورية .
لقد كانت القيادة السورية متفقة مع سياسة الرئيس عبد الناصر تجاه < إسرائيل >، والتي حددها في خطاب استقالته : ( إن تصفية الإمبريالية الغربية ستدع < إسرائيل > معزولة حيال البلدان العربية ، ومهما تكن الظروف والزمن اللازم فان قوة البلدان العربية ستنتهي بالتفوق على قوة < إسرائيل> ... سنتابع إذن النضال ضد آثار العدوان الأخير الذي تعرضنا له ) .
ومن هذا المنطلق اتفقت استراتيجية البلدين على : تحرير الأرض التي تحتلها < إسرائيل >بالقوة العسكرية ـ إعادة بناء الجيش ـ تدريب الجيش على قتال فعال .
وكان الرئيس ناصر يطمح إلى بناء جيش يصل تعداده إلى مليون مقاتل .
في النصف الثاني من حزيران زار رئيس مجلس السوفييت الأعلى " بود غورني ، وبرفقته وفد عسكري على مستوى رفيع ، كلا من العربية المتحدة وسورية ، للإطلاع على حاجات البلدين العسكرية ، وبعد عودته إلى موسكو قررت قيادة الاتحاد السوفييتي تعويض كل من المتحدة وسورية عن كل خسائر الأسلحة ، وتم ، أيضا ، إبرام عقود جديدة لتزويد الجيشين بالأسلحة والخبراء وفق خطط كل من القيادتين.
لقد وضعت الخطط العسكرية في العربية المتحدة وسورية على توقع بداية معركة التحرير على جبهتي سيناء والجولان في آذار 1971 ، ووفق هذه الخطط تصل قوات العربية المتحدة الممرات والقوات السورية إلى خطوط ما قبل 5 حزيران وتكون هذه المعركة قد انتهت لصالح العرب ، ولقد كان ميزان القوى العسكرية الذي سيتم الوصول إليه " كما ونوعا " يسمح موضوعيا بنجاح هذه الخطط .
وكان من المفروض صهر فروع القوات المسلحة في بوتقة واحدة ، واختبار فعالية الأسلحة ، ونجاعة التدريب من خلال عمليات تعرضية في سورية < تأخرت كثيرا ، ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا > ، كان أهمها عملية شغاف السنديان في الثلث الأخير من حزيران 1970 ، وحرب الاستنزاف في المتحدة في عامي 1969 ـ 1970 و التي دامت 17 شهرا .
جاءت وفاة الرئيس عبد الناصر في 28 أيلول ، وانقلاب 16 تشرين الثاني 1970 في سورية لتغير كل ما كان قد تم تقريره من أهداف سياسية وخطط عسكرية .
وأخيرا لابد من القول أنه رغم الهزيمة التي لحقت بسورية والمتحدة ، بقيت < إسرائيل > بعيدة المنال عن تحقيق أي هدف من أهدافها السياسية ، وجاءت ، استراتيجية المتحدة وسورية بإزالة آثار العدوان خلال أقصر مدة ممكنة ، مضافا إليها لاءات مؤتمر قمة الخرطوم " أيلول 1967ـ شاركت فيه سورية على مستوى وزير خارجية ـ لا للتفاوض ، لا للصلح ، لا للاعتراف ، برهانا أكيدا على ذلك . مروان حبش
عضو قيادة قطرية
20/6/ 2005 ٍوزير سوري أسبق
تم الاستعانة بالمراجع التالية :
إسرائيل والعرب ، المعركة الثالثة أريك رولو وآخرون
الغطاء الأحمر أو حرب الأيام الستة ل صموئيل سيغيف
قادة حرب الأيام الستة الإسرائيليين وتقارير معاركهم
مذكرات اسحق رابين
سياحة صيف في الوثائق الإسرائيلية محمد حسنين هيكل
الانفجار محمد حسنين هيكل
من يجرؤ على الكلام بول فندلي
الخداع بول فندلي
مجلة الفكر الاستراتيجي العربي تموز( يوليو ) 1992
صحيفتا البعث والثورة السوريتان لشهري أيار / مايو وحزيران / يونيو عام 1967
PAGE
\# "'صفحة: '#'
'"
[B1]