ورقة فلسطينية ضعيفة وأفق سياسي مسدود
عدلي صادق
نستغرب فعلا، خيبة الأمل، لدي بعض الفلسطينيين والعرب، عقب
الاجتماع الأخير، بين الرئيس أبو مازن، وشارون. ويبدو أن الأمل نفسه،
لدي هؤلاء، في حاجة الي لجنة للتقييم والاصلاح، لكي يعرفوا كيف يصيغون،
آمالهم، وكيف تتحصن هذه الآمال، ضد الخيبة، أو كيف يجري تلقيحها،
بأمصال تساعد علي التوقعات الصحيحة!
وقبل أن يفهمنا أحد خطأ، فيظن
أننا ننتقد خيبة الأمل، بسبب طبيعة شارون وحدها، نسجل سريعا، أن الأمل
لم يكن جائزا ولا واقعيا، بسبب طبيعة الكيانية السياسية والفلسطينية،
وطبيعة شارون معا، لا بسبب طبيعة شارون وحده!
مسؤولية طبيعتنا
الفلسطينية، تكمن في تضييع البدايات اللازمة، لمفاعيل سريعة، لعملية
سلمية صحيّة، يفرضها، أو يساعد علي دفعها، الواقع الفلسطيني الذي
أشبعناه نقدا. بمعني أن ضعف الورقة الفلسطينية، التي يحملها المفاوضون،
يقود الاجتماعات الي مناخات شارون العقيمة. فهو يميل بتكوينه الي
الاشتراطات، والي التنصل من أية تفاهمات منزوعة الدسم السياسي، فما
بالنا إن كان المرتجي الفلسطيني، هو أن تبدأ معه المفاوضات، بقليل من
الدسم السياسي. والرجل لا يطيق طاولة المباحثات، ويسد بجسده الضخم،
آفاق كل شيء، ويسعي الي تسويق انسحابه من غزة، وكأنه يلبي مطلبا
فلسطينيا وإقليميا ودوليا، بينما هو ينسحب بموجب حساباته الأمنية والديموغرافية والحزبية، التي تفرضها مقتضيات بقاء الحكومة. وكان يمكن
زحزحته بورقة فلسطينية قوية، تستند الي التوافق علي استراتيجية نضال
وطني واحدة، وعلي ضبط إيقاع الحركة الفلسطينية، بموجب نوتة واحدة،
وتصليب عناصر الإرادة الفلسطينية، والصمود، بدل فتح أبواب جهنم، علي
الناس، بالفلتان الأمني، وبإطلاق العنان للعصابات، وبالعجز عن تطبيق
أية إصلاحات ملموسة. ولنا أن نتصور اجتماعا مع شارون، يكون فيه الجانب
الفلسطيني موحدا، ومنشغلا في تعزيز عناصر قوته وعافيته، مدركا، كله،
لحساسية اللحظة السياسية وخطورتها، ويتصرف بمسؤولية عالية. عندئذٍ
سينخفض منسوب المياه التي يسبح فيها شارون ويناور. فقد أعطي القبضايات
في غزة ونابلس ورام الله وغيرها، رزمة من المفردات التي يمكن أن
يستخدمها شارون وجنرالاته، لكي لا يغادروا جنين ومحيطها، وطولكرم
ومحيطها والخليل ومحيطها، ولكي لا يعودوا الي خطوط أيلول عام 2000!
أما الإصلاح الحكومي الذي هو في أحسن الحالات، يراوح مكانه، وفي
أقبحها يتراجع الي الوراء، فإنه يُضعف الورقة الفلسطينية، ويجعلنا غير
قادرين علي المطالبة بحقنا، في توصيف محترم، بمعايير القانون الدولي،
للأراضي التي يجلو عنها الاحتلال. فالمؤسسة التشريعية ـ مثلا ـ التي
مهمتها المراقبة بعد سن التشريعات، تنشغل رئاستها في هذه الساعات،
بتأمين عملية الحسم والنجاح، لفحوي تعميم داخلي، أو قرار، يتشدد حيال
النواب الذين يستفيدون من آخر الامتيازات، وهو استيراد سيارة كبيرة،
ذات دفع بالعجلات الأربع، يدفع المجلس رسومها الجمركية، ويمنعهم من
بيعها للاستفادة من فارق السعر. سيارات كبيرة في الزمن الضئيل، وحكاية
ترش علي الموت سكرا. فإن كان الموظف الحكومي الذي يسافر في مهمة، لا بد
أن يثبت حقيقة سفره، بالأختام وبكعب التذكرة، وهو متحايل علي القانون
ما لم يثبت العكس، وإن كان النائب، سيبيع السيارة المعفاة من الجمارك،
إن لم يثبت العكس؛ فأين الشريحة القائدة، أو النخبة، التي يمكنها العمل
علي الإصلاح ومن الذي يتابع الأداء الحكومي؟ وبسبب كل هذه الجزيئات
الكثيرة والمتناسلة، باتت الورقة الرسمية الفلسطينية، ضعيفة علي
مستويين، ضبط السلطة ومؤسساتها، لنفسها ولمنتسبيها المنفلتين الي شتي
المخالفات، وضبطها لغيرها، بوسائل الحوار والتفاهم، الذي يعززة المثل
الصالح، والأداة الأمنية المقتدرة والمحترمة!
وفي هذه الأثناء،
يتعامل شارون مع الحالة الفلسطينية، باعتبارها مكونات حالة لا ناظم
لها. حتي التهديد بالاغتيالات، وبتدخل الأباتشي لكي تقصف، يتم علي
فرضية تجزّؤ الحالة الفلسطينية. فالهجوم الذي يهدد به، هو علي الجهاد
لا علي فلسطين وشعبها. مثلما كانت هناك حرب، ضد حزب الله لا ضد لبنان
وأهله. هكذا يطرح المعادلة، عندما يفيده طرحها علي هذا النحو. وعندما
يريد توحيد الفلسطينيين، فإنه يوحدهم علي الجانب المصري من معبر رفح،
وعلي الحواجز، مثلما يحدث في هذه الساعات، ويأخذ الناس بالجملة، حتي
بعد أن يأخذ الفرز الأمني مداه، في السفر وفي الإياب. وتجربتنا تقول أن
لا أحد ينفعنا، إن لم ننفع أنفسنا ونضبط خطانا ونعزز ورقتنا!
فلا
خيبة أمل، من لقاء الرئيس محمود عباس مع شارون، لأن التوقعات لم تكن
تحتمل حرفا من كلمة الأمل. ولا ينتعش الأمل، إلا بتقوية الورقة
الفلسطينية، بكل العناصر المفتقدة، في طبيعتنا وفي أحوالنا وأوقاتنا.
وبتقويتها، ينخفض منسوب المياه، التي يسبح فيها شارون ويناور!
9