بلا حدود
الموقف الأمريكي من الحركات الإسلامية (1)

أحمد منصور



لم يتوقف كثيرون أمام تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي أدلت بها إلي صحيفة 'واشنطن بوست' الأمريكية في السادس والعشرين من مارس الماضي وقالت فيها إن الولايات المتحدة ماضية في الضغط من أجل نشر الديمقراطية في أنحاء العالم، وحينما تناولت منطقة الشرق الأوسط ركزت علي الحليفين الرئيسيين للولايات المتحدة، وهما مصر والسعودية، وقالت إن الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر 'تشكل عنصرا أساسيا من عناصر الديمقراطية' وتبعها مسئول رفيع المستوي في وزارتها فشرح مقصدها قائلا: 'إن هذه الانتخابات الرئاسية في مصر لن تكون مقبولة إذا تمت علي الشكل الذي تمت به الانتخابات الرئاسية التونسية'، لكن اللافت في حديث رايس هو ما تحدثت به في شأن الحركات الإسلامية، حيث قالت: 'إن المخاوف من وصول متطرفين إسلاميين إلي السلطة لن تغير شيئا' وأضافت أنها لا تعير اهتماما لانتصار الإسلاميين في الانتخابات وحلولهم مكان الأنظمة القمعية، وأعربت عن 'شعور قوي ومؤكد بأن الشرق الأوسط لن يبقي مستقرا في جميع الأحوال'. تصريحات رايس لم تكن نشازا وإنما جاءت في أعقاب تحركات منها ما كان سريا ومنها ما كان علنيا بغرض فتح حوار مع الحركات الإسلامية في المنطقة من أجل التعرف بداية علي أجندتها ورؤيتها لمستقبل المنطقة، والهدف الثاني هو العمل علي إشراكها في العملية الديمقراطية باعتبارها المكون الحقيقي الشعبي المؤثر في بنية معظم الأقطار العربية بعدما أصبحت أمريكا علي قناعة بأنه لا يمكن إقصاء الحركات الإسلامية عن أي تجربة ديمقراطية قادمة،
فالفترة الأولي لولاية بوش وحكم المحافظين الجدد ركزت علي ما يسمي ب'الحرب علي الإرهاب' لكنها انتهت بتصاعد كبير للإرهاب من وجهة النظر الأمريكية، ولم تستطع الولايات المتحدة وحلفاؤها السيطرة علي الإرهاب أو القضاء عليه، فأعلن بوش أن المرحلة القادمة 'هي القضاء علي الأنظمة الديكتاتورية والترويج للحرية والديمقراطية' وقد أعلنت رايس لرؤساء تحرير الصحف الأمريكية أن 'مشكلة الإرهاب والتطرف سوف تستمر حتي يظهر فكر مواز يقوم علي الحرية والتسامح' ولأن هذا الفكر القائم علي الحرية والتسامح يجب أن تقوم به الشعوب، ولأن الحركات الإسلامية هي القلب النابض للشعوب في المنطقة .. إذن لابد من فتح قنوات للحوار معها، ولأن هذه الحركات بكل أشكالها تقوم علي الكراهية للسياسة الأمريكية، إذن لابد من تقديم تطمينات، وفتح حوارات شعبية معها بداية وصولا في النهاية إلي حوارات رسمية، ومسار الحوارات الشعبية واسع كبير، فمن المؤتمرات التي ترعاها منظمات غير رسمية، إلي مستويات رجال الأعمال والممولين الذين يقودون العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، إلي الندوات المفتوحة، وصولا إلي القنوات المغلقة، وهذه اللقاءات أصبحت بالعشرات إن لم تكن بالمئات، منها ما ينعقد تحت لواء الجامعات أو مراكز الدراسات، أو مؤسسات المجتمع المدني، أما المشاركون فهم عادة ما يكونون أكاديميين وإعلاميين ومثقفين ورجال أعمال، وممثلين لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وناشطين في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية ورجال استخبارات سابقين أو عاملين تحت مسميات مختلفة، وقد تم ادراج ممثلين للحركات الإسلامية التي تصنف علي أنها معتدلة في الفترة الأخيرة في هذه اللقاءات، ومع توسيع دائرة الحوار تتسع دائرة الفهم بشكل واسع وتتقارب وجهات النظر بدلا من الحرب المعلنة بين هذه الأطراف، وقد كان لهذه الحوارات نتائج سريعة ظهرت في تصريحات رايس ومسئولين أوربيين أعلنوا أنه لابد من فتح حوار مع الإسلاميين المعتدلين في دول الشرق الأوسط، فما الذي دار في هذه الندوات المفتوحة والمغلقة؟ هذا ما سوف نكشف النقاب عنه في الأسبوع القادم إن شاء الله.