2005/06/22

logo.jpg (5438 bytes)

 

 

signature




اغتيال مقاومة مشتركة

علي بدوان
قبل ان يكون لبنانيا، كان جورج حاوي فلسطينيا خالصا حتى عظم النخاع. وقبل ان يكون نصرانياً ارثوذكسياً كان عروبياً لبنانياً فوق الطوائف. وقبل ان يكون سياسيا تقليديا مخضرما كان يساريا محترما، فمزج الكلمة بالممارسة ودفع حياته مطواعة على مذبح قناعاته التي أمن بها وبشّر بها في مجتمع وبلد تجاذبته عوامل الاهتزاز الخارجي التي ضربت المنطقة خلال العقود الماضية.
وكما لم يكن سمير قصير اخر شهيد لبناني وقف شامخا بالكلمة الحرة من اجل وطنه الصغير، لن يكون السياسي اليساري <<المعتق>> جورج حاوي اخر شهيد في مسار صعب، نحو لبنان الديموقراطي الحر. فالشهيد جورج حاوي ارتفع متساميا فوق الطوائف في بلد عربي صغير بمساحته والمقزح بلوحة التعددية، كتب له ان يكون على البوابة الشمالية لفلسطين حيث الاحتلال التوسعي الاسرائيلي الصهيوني.
في الوقت ذاته، لم يكن متوقعا على الاطلاق ان يذهب الراحل المسالم في مجتمعه الشهيد جورج حاوي، ضحية عملية اغتيال رخيصة داخل بيروت الغربية التي احبها واعطاها من جهده وعمره سنوات نهوض الحركة الوطنية اللبنانية وفي حصارات بيروت منذ العام 1982. ولم يكن متوقعا ان يترجل جورج حاوي من على ارض البسيطة بهذه الطريقة بعد ان عاش ردحا من الزمن مقاوما وفي صفوف القوى التي دافعت عن الثورة الفلسطينية وعملت على تحرير جنوب لبنان منذ ان اطلق جورج حاوي البيان الاول لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16/9/1982 الى جانب الحزب السوري القومي الاجتماعي ومنظمة العمل وحركة الناصريين المستقلين (المرابطون) ومجموعة افواج المقاومة اللبنانية (امل)... والدفق الكبير الذي تلقته المقاومة مع بروز حزب الله اللبناني عام 1984. ومن حينها انغرس جورج حاوي والحزب الشيوعي اللبناني في المقاومة المفتوحة على طول الخط ضد الاحتلال الاسرائيلي، خصوصا بعد العملية البطولية التي نفذها الشهيد ابراهيم علوان من الحزب السوري القومي الاجتماعي ضد مجموعة من ضباط الاحتلال على رصيف مقهى الويمبي في شارع الحمراء وسط بيروت بعد خروج اخر مقاتل فلسطيني من العاصمة المحاصرة.
وقبل ذلك، اذكر، وعندها لم اكن اتجاوز ال22 عاما من عمري، العلاقة الحميمية التي ربطت الراحل جورج حاوي مع الرئيس الراحل ياسر عرفات والقائد جورج حبش... وجولاتهم الميدانية اثناء حصار بيروت وغالبا ما يكون في عداد جولاتهم: محسن ابراهيم، خليل الوزير، سعد صايل، صلاح خلف، نمر صالح... وهذا الاندفاع الكبير لدى جورج حاوي وكادرات الحزب وباقي القوى الوطنية اللبنانية في العمل داخل بيروت المحاصرة من تحصين المواقع الامامية وتدشيمها امام الطرق المحتملة لتقدم آليات جيش الاحتلال الاسرائيلي خصوصا في منطقتي السفارة الكويتية والاوزاعي...
وفي دورة المجلس الوطني الفلسطيني السادسة عشرة التي عقدت في قصر الصنوبر في الجزائر في شباط <<فبراير>> 1983، بعد الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت، وقف جورج حاوي امام ياسر عرفات وبحضور قادة الحركة الوطنية اللبنانية اثناء انعقاد جلسات المجلس والدموع تترقرق من عينيه يخاطبه بعبارات المصير المشترك والمقاومة الواحدة، واضاف قائلا: <<يا قائدي ابو عمار ان المقاومة ستستمر وستتواصل حتى طرد اخر محتل اسرائيلي>>، فقد نفذ الحزب بقيادة جورج حاوي 1113 عملية فدائية ضد جيش الاحتلال بدءا من عملية جبل الشيخ بقيادة الشهيد ابراهيم نصر الله، الى العملية الاستشهادية التي نفذتها الفدائية الشهيدة لولا عبود...، وتواصل مسار الفعل والمقاومة، وارتفعت مداميك النهوض اللبناني المقاوم متراكمة رويداً رويداً، ولم توقفها حملات العدوان الاسرائيلية على لبنان وجنوبه كما لم توقفها عمليات الاغتيال الاسرائيلية. وفي ذروة الخلاف داخل منظمة التحرير الفلسطينية في ايار/مايو من العام 1983، وبعد احداث طرابلس التي نال الحزب الشيوعي نصيبا منها واصطفاف الحزب الى جانب خط القوى الفلسطينية التي ناهضت الراحل ياسر عرفات، لم يقطع جورج حاوي خيوط الود والتاريخ المشترك مع القيادة الرسمية لمنظمة التحرير، وكان سباقا في العمل لوأد <<خلاف الماضي القريب آنذاك>> بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الاولى في 7/3/1987، فكان بعمله كبيراً، منفتحاً، وبعيداً عن منطق الضغائن التي ابتلينا بشيء منها في الساحة الفلسطينية.
وعليه فإن الاهداف البعيدة التي تكمن وراء عملية اغتيال الشهيد جورج حاوي تهدف الى محو ذاكرة وطنية متقدة، لتتعدى اغراضها الآنية الهادفة الى اثارة الجو الداخلي وزيادة الاحتقان وزرع الفتن وتقويض المعادلة اللبنانية، وتعقيد العلاقة مع سوريا من خلال اطلاق بعض المواقف المتشنجة، بالرغم من السياسة الخارجية المتوازنة التي تشتقها سوريا كل يوم تجاه المواضيع الساخنة المطروحة.
ولكن من حسن سير الامور ان نسمع <<التصريحات المسؤولة وغير الموتورة>> على لسان قادة الحزب الشيوعي اللبناني وأمينه العام خالد حدادة، انور ياسين، وبعض اقطاب المعادلة اللبنانية، وهي تصريحات اصابت كبد الحقيقة في توجيه اصابع الاتهام الى العدو الاسرائيلي و<<ملوك الطوائف والمصالح والمفاسد>> الذين يستولدون الفتن ويستدرجون التدخل الخارجي بممارساتهم اللامسؤولة، ولا يروق لهم سماع المواقف الديموقراطية العقلانية المتوازنة التي كان يطلقها جورج حاوي والتيار الديموقراطي اللبناني، وفي دعوته الدائمة لاحداث الاصلاحين السياسي والاقتصادي داخل لبنان، وارساء علاقات اخوية متوازنة مع سوريا على اساس المصالح المشتركة وروح الاحترام المتبادل بعيدا الاحتواء والوصاية.
ان اغتيال السياسي اللبناني/ الفلسطيني المخضرم جورج حاوي بما يمثله من فكر نير ومساحة ديموقراطية حقيقية، ومن عقلية سياسية مشبعة بروح عملية مبادرة وشجاعة، رسالة الى اللبنانيين قبل غيرهم، لنبذ التنافر الداخلي لصالح سلم اهلي على اساس اتفاق الطائف، وفي ظل تنافس ايجابي سليم بين مكونات الخارطة السياسية والمجتمعية اللبنانية بعيدا عن سطوة القوة. ومن هنا اهمية العمل الحثيث لكشف الجناة الفاعلين واحالتهم الى القضاء، لا ان تضاف قضية جديدة الى ملف الاغتيالات داخل الادراج الى زمن النسيان. فقد دفع جورج حاوي حياته قرباناً لافكاره وطروحاته المنفتحة على الجميع، نقيضا للفكر الضيق المنغلق، والوفاء له يكون بالسعي الحثيث لملاحقة الجناة ومقاضاتهم، ومتابعة شعب لبنان مشواره الديموقراطي الحر نحو تصحيح الوضع الداخلي، وتفكيك معادلة الطوائف المقيتة.
كاتب فلسطيني دمشق
... الى منتدى الحوار
Discussion Forum
 
الصفحة الأولى| أخبار لبنان| عربي ودولي| اقتصاد| ثقافة
رياضة| قضايا وآراء| الصفحة الأخيرة| صوت وصورة
 
©2005 جريدة السفير