2005/05/20

logo.jpg (5438 bytes)

 

 

front




ضغوط اسمها نصائح

جوزف سماحة
سُئل عن <<الضغوط من جانب واشنطن>> فأجاب: <<إنني لا أصفها بالضغوط. غير أنه من المهم أن ننظر إلى الأمور في سياقها. وعندما تصف شيئاً بأنه يشكّل ضغطاً فإن الأمر سيكون له تأثير مختلف، سيكون له تأثير سلبي لأن المواطنين لا يريدون التعرّض لضغوط كما أن الدول لا تحب التعرّض لضغوط>>.
إنها ضغوط ولكنه لا يحب أن يصفها كذلك. لماذا؟ خوفاً من أن يكون لها تأثير مختلف! إنه رئيس وزراء مصر أحمد نظيف. والعبارة مستقاة من تصريحات له في واشنطن قدم فيها كشفاً بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية الجارية في بلاده. اقترح نظيف على واشنطن <<أن يكون لها دور الناصح>> وهذا هو الاسم الكودي ل<<الضاغط>>.
قال أيضاً إن جورج بوش <<حثّ>> (أي ضغَط) على المضي في الإصلاحات، وإنه <<استمع إلى نصائح الرئيس حول ما ينبغي القيام به. علينا أن نركز على غزة>>. أضاف <<الجانب الأميركي لم يطالب بالسماح بمراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات. لكنه ينصح فقط بأن يرى العالم هذه الانتخابات>>. ذكر نظيف، أيضاً، أن الأميركيين <<أعربوا عن أملهم في أن توضع مبادرة الرئيس مبارك في إطار من الإصلاح الذي يتضمن المزيد من الشفافية والفرص العادلة>>، كما أن ما أبدي <<من ملاحظات لم يتجاوز النصائح عن كيفية دعم العلاقات الثنائية>>.
<<النصائح>> هي كلمة السر الجديدة في العلاقات العربية الأميركية. إنها نصائح من طرف واحد طبعاً وهي غالباً ما تكون مرفقة بتذكير المعنيين بالمساعدات التي يتلقونها من واشنطن، أو بحاجتهم الأمنية إليها. ولقد تكبّدت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس مخاطر زيارة بغداد من أجل أن <<تنصح>> الحكومة بالاهتمام بإشراك <<العرب السنّة>> في صياغة الدستور. وهذه النصيحة التي تتناول موضوعاً بهذه البديهية، وتأتي في زمن يشهد النسيج العراقي تمزقاً في منتهى الخطورة، هي نصيحة معززة بوجود حوالى 150 ألف جندي.
تسمح الولايات المتحدة لأصدقائها بوصف الضغوط بالنصائح، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بمن تصفهم في خانة أخرى فإن النصائح نفسها تصبح تهديدات صريحة أو أوامر تنتظر التنفيذ.
لا داعي، ربما، للتذكير بالفوارق الهائلة في الحجم والوزن والدور بين مصر ولبنان ولصالح مصر طبعاً. وربما كان واجباً التنبيه إلى أن ثمة سلطة واضحة المعالم في القاهرة وهو ما نفتقده في بيروت، ومع ذلك فإن النصائح تنهال على الشقيقة الكبرى محددة برنامج العمل المقبل.
إن ما يجري في بيروت أدهى.
نحن نعاني من عوارض مرض مزمن: تضاؤل دور السلطة، الحضور الطاغي للطوائف وقياداتها،
الأدوار المضخمة للسفراء الأجانب.
ليس تعريضاً بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وصفها ب<<الغائبة>>. صحيح أنها انتقالية ولكن الأصح أنها تتصرف وكأنها انتقالية فوق اللزوم. ليس هذا ذنبها تماماً غير أنها منسحبة إلى حد بعيد من الحيز العام. إنها نوع من <<إدارة>> أو من <<مجلس مندوبين>> تحيل السلطات الفعلية إلى خارجها وتكتفي بتأمين المخارج المؤسساتية لقرارات واردة إليها من خارجها. تتجرأ أحياناً على تقديم اقتراحات (اللجنة النيابية الوزارية، تعديل التقسيمات الإدارية الانتخابية) ولكن سرعان ما يتضح أنها تفعل ذلك من باب <<رفع العتب>>. ولعل الدليل الأبرز على تضاؤل دورها هو أنها، بعدما نالت ثقة قياسية، لم تعد صالحة لأن تمارس ألف باء ما تنوجد الحكومات لممارسته: تعريف الموالاة وتمييزها عن المعارضة. فعندما يصل الاختلاط في ذهن المواطنين إلى هذا الحد، وعندما يبقى الاصطفاف السياسي معرّفاً عنه بما قبل الحكومة الحالية، يصبح واضحاً أن ثمة مشكلة ما.
إذا كان الطموح الضمني الدائم للطوائف اللبنانية وقياداتها هو ابتلاع الدولة ومنعها من أي هامش استقلالي، فإن هذا الطموح متحقق هذه الأيام. لا مجال حالياً في لبنان لمنظمات تطالب بحقوق الإنسان حيال السلطة. لا بد من منظمات تطالب بحقوق الدولة من الطوائف. ويمكن الرهان، من دون خوف الخسارة، أن لبنانيين قليلين جداً يعرفون أسماء الوزراء ووجوههم.
يحتل ممثلو الطوائف المسرح السياسي الوطني كاملاً. يطردون من بينهم كل مخالف. يقومون بعملية <<تطهير سياسي>>. يصطنعون خطاباً فارغاً حول الوحدة. ومن كان منهم ساعياً إلى زعامة عابرة للطوائف فإنه يفعل ذلك عبر نوع من الإخضاع للأقليات في مناطق نفوذه. ترتسم، يومياً، معالم الإمارات المقبلة التي تقضم المساحة المشتركة بين المواطنين.
عندما يقال إن لبنان قادم على <<مرحلة إعادة تأسيس>>، وعندما يحصل ذلك في ظل ضمور الدولة وتضخم الطوائف، عندما يقال ذلك تحضر دروس التاريخ التي تؤكد أن ثالث الأقانيم الحضور المبالغ فيه للسفراء والقناصل.
التصريحات العلنية لزعماء لبنانيين تذكر، بلا خجل، رغبات الأميركيين أو الفرنسيين وتنصّب تيري رود لارسن قيّماً على الشؤون الوطنية. وعندما يتحدث جيفري فيلتمان الأميركي، أو برنار إيمييه الفرنسي فإنهما يستخدمان لغة دبلوماسية لا تخدع أحداً وتوحي بأنهما يكتفيان بتوجيه <<نصائح>> عامة في حين أنهما، مع طاقم كل واحد، يتدخلان في أدق التفاصيل. لقد بتنا نعرف، مثلاً، أنه إذا زار فيلتمان ميشال عون فهذه رسالة إلى من يهمه الأمر. ويمكن الجزم أن محطة تلفزيونية يمكنها أن تعود إلى الحياة بعدما تفقّد <<السفير>> مكاتبها المغلقة. إلى ذلك نستطيع أن نستنتج العناوين العريضة لبرنامج الحكومة المقبلة انطلاقاً من متابعة تصريحات فيلتمان. ولذلك فإذا كان من مهمات جدية للجان الرقابة الدولية على الانتخابات فإن هذه المهمات هي تتبع نشاط بعض السفراء وتقديم التفاصيل عن أشكال التدخل التي يمارسونها.
يبقى أن هناك تدخلاً وتدخلاً. لم يكن التدخل السوري السابق، والمؤكد، ينطلق من أن دمشق تملك نموذجاً سياسياً اقتصادياً أرقى تريد فرضه على لبنان. في حين أن الولايات المتحدة وفرنسا تملكان مثل هذا الادعاء، وتستطيعان ممارسة نفوذ يوحي أنه أقرب إلى <<روحية>> التجربة اللبنانية، وراغب في تطويرها. إلا أن التسرع في الاستنتاج من ذلك ليس مفيداً. فالحصيلة الأميركية في العراق لا تبشّر بخير كثير عندما يصل الأمر إلى المساهمة في بناء الدول والأمم.
... الى منتدى الحوار
Discussion Forum
 
الصفحة الأولى| أخبار لبنان| عربي ودولي| اقتصاد| ثقافة
رياضة| قضايا وآراء| الصفحة الأخيرة| صوت وصورة
 
©2005 جريدة السفير