درس فنزويلا في حرب التلفزة ، والمنار تواجه الحصار وحدها

عدلي صادق



 يستحق هوغو شافيز، رئيس فنزويلا، أن يتزعم نادي الممانعة العميقة والجسورة، للهيمنة الأمريكية، بعد أن سجّل لصالحه، نقطة في سباق سهل، ليس فيه منافسون كُثر، علي زعامة هذا النادي، وفي السباق الذي غاب عنه العرب!
 فقد بدأت تلوح في الأفق الأمريكي الشمالي، والأفق الأمريكي الجنوبي، بوادر حرب علي صعيد الإعلام المتلفز. واشنطن، من جهتها، ترغب في استنساخ تجربة قناة الحرة الموجهة الي العرب، وشقيقتها الحرة العراق المخصصة للعراقيين، وراديو سوا الموجه الي العالم العربي، لكي تطلق محطة لأمريكا اللاتينية، وربما بعد ذلك، تطلق شقيقة صغري لها، تختص بفنزويلا. ففي شخص هوغو شافيز، تتكثف الكراهية اللاتينية للسياسة الأمريكية. والرجل، لا ترضي عنه أمريكا، لكنه يحظي بشعبية عارمة، تحميه. والولايات المتحدة، لا تستطيع أن تخالف بشكل مباشر، إرادة الناس، التي حسمت الأمر لصالح شافيز، وفي الوقت نفسه، أن تظل تزعم، بأنها صاحبة الباع الطويل، في تعميم الديمقراطية في العالم. ففي فنزويلا، هناك وسائل إعلام خاصة، ووسائل إعلام تملكها المعارضة الموالية لواشنطن. لكن الديمقراطية في البلاد، تقدم الأنموذج، علي أن صيغة الحكم الديمقراطي، في بلدان الجنوب، أو في البلدان التي تعاني شعوبها من السياسات الأمريكية، لا يمكن أن توائم واشنطن. بل إن واشنطن، لا يناسبها في كراكاس وفي غيرها، سوي الديكتاتورية، التي تعاند ميول الشعب، وبالتالي فإن هوغو شافيز، قوي بالديمقراطية الحقيقية، وبالرأي العام الفنزويلي، ولا يخشي الإعلام المضاد، في بلاده. بل إنه علّق باستهتار، علي أنباء التهيؤ الأمريكي، لإطلاق قناة مخصصة لشعوب أمريكا الجنوبية، فقال إنها فكرة إمبريالية سخيفة، لا ينبغي أن تدهشنا. فنحن نعرف ما تستطيع واشنطن أن تقوم به، وليس هناك أخطر من عملاق يائس !
 وبينما تتأهب واشنطن، لإطلاق مشروعها المتلفز، بعد أن أتمت دراسته، ولم يتبق سوي إقرار الكونغرس، أطلقت كراكاس قناتها اللاتينية تيليسور التي بدأت البث مؤخراً. وقدمت القناة نفسها، بأنها ظهرت لكي تقدم وجهة نظر، أمريكية لاتينية (توافق الرأي العام الشعبي) في الأحداث، وإنها علي ثقة بقدرتها علي مقاومة السيطرة الطاغية، للشبكات التجارية، المحلية والأمريكية، التي تغطي أحداث القارة. ولم يدع هوغو شافيز، المناسبة تمر، دون الإدلاء بدلوه شخصياً، فقال إن إطلاق تيليسور يعكس يقظة شعوب أمريكا اللاتينية، الراغبة في تكامل المصالح والسياسات. وأكد شافيز، علي أن القناة، التي تمولها الحكومة الفنزويلية، تمثل ضربة استباقية، لجهود بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي من أجل شن حرب الكترونية وإعلامية، ضد الديمقراطية الفنزويلية. أما وزير إعلام شافيز، الذي هو نفسه، رئيس تيليسور فقد أوضح بأن القناة الجديدة، تهدف الي كسر احتكار النظام الإعلامي الدولي، وتقديم رؤية وصوت ما زالا غائبين. وفسر إعلاميون لاتينيون، إطلاق هذه القناة، بإعلان الحرب، علي الإمبريالية الثقافية التي تمثلها وسائل الإعلام الأمريكية والغربية.
 في الوقت نفسه، لم تكتف كراكاس بإطلاق قناتها، وإنما مارست الضغوط النفسية، علي الأمريكيين، الذين يستعدون لإطلاق محطة مخصصة لشعوب أمريكا الجنوبية، تنطق ـ كما تيليسور ـ باللغتين الإسبانية والبرتغالية. فقد أعلنت سفارة فنزويلا، في واشنطن، بشيء من السخرية، أن علي الكونغرس أن يبحث عن طرق أقل كلفة، للمواجهة الإعلامية مع كراكاس، و نصحت السفارة، واشنطن، أن تكتفي بالإيعاز للشركات الخاصة، في فنزويلا نفسها، بإعادة بث موجات راديو صوت أمريكا لكي لا تذهب أموال دافعي الضرائب الأمريكيين هباءً. ذلك علماً بأن بث تيليسور يغطي نصف الكرة الأرضية، ويلتقطه اللاتينيون في الولايات المتحدة وكندا. وحذر شافيز أعضاء الكونغرس، المعنيين بشن الحرب الإعلامية علي بلاده، فقال إن حاولت واشنطن، التشويش علي بث تيليسور فإن كراكاس سوف تتخذ الخطوات اللازمة، لإحباط التشويش، و سنشن نوعاً من الحرب الإلكترونية . وفي هذا السياق بدأت كراكاس، في التشاور مع أصدقائها في المنطقة، حول كيفية التصدي الناجع، للتفوق التقني الأمريكي. بعدئذٍ، أصدر الرئيس بوش، في أواخر الشهر الفائت (تموز) أمراً الي هيئة البث التلفزيوني والإذاعي، التابعة للحكومة الأمريكية، بالتشويش علي تيليسور بموجب اقتراح من أحد صقوره، الذين دفعوه الي المسالك العويصة، وهو النائب الجمهوري كوني ماك. وعلي إثر ذلك، بدأت المقاومة اللاتينية، للتشويش، بدعم من كوبا والبرازيل والأرجنتين وأورغواي. وقد وصفت الإدارة الأمريكية، هذه الدول الأربع، وخامستها فنزويلا، صاحبة القناة، بأنها تمارس سياسات عدائية، ضد الولايات المتحدة.
 واللافت أن محطة تيليسور حرصت علي أن يتشكل مجلس إدارتها، من شخصيات اعتبارية وثقافية عالمية، من بينها حائزون علي جائزة نوبل، وممثلون سينمائيون وكتّاب، وشخصيات مرموقة، من بينها المفكر البريطاني المسلم والباكستاني الأصل، طارق علي، الذي دحض مقولة صدام الحضارات التي اخترعها صمويل هنتنغتون، والذي وصف الكتاب الشهير، بهذا العنوان، بالنتاج التافه، وأصدر صدام الأصوليات الذي ركز فيه المفكر طارق علي، علي فكرة مهمة، وهي أن هناك في العالم، أصولية واحدة، كبري، هي الأصولية الإمبريالية الأمريكية التي استحثت كل ما هو ضدها، من أصوليات دينية، ومنها الأصولية الإسلامية، التي هي ـ في تقديره ـ صغيرة جداً.
 
 ہہہ
 
 قناة تيليسور هي تكثيف لحالة التماهي، بين إرادة الناس، والديمقراطية الحقيقية، والحكم الذي يثق في نفسه. هي جملة اعتراضية، لا تتواري خلف ستار المهنية، الذي يضطر الي التواري خلفه، مقدمو المادة الجريئة، من العاملين في الجزيرة وهي المشروع العربي، الذي يتقصي الكثير من جوهر الحقيقة، ويقدمها للمشاهد. بل إن تجربة شافيز، وقناة تيليسور تفتح الباب للتساؤلات، عن أسباب عجز أقطار عربية مستهدفة، كان بمقدورها أن تستفيد من الليبرالية، ومن التعددية الإعلامية، لكي تدعم قناة للتلفزة، تدافع صراحة عن قضايا شعوب الأمة، وتفضح السياسات الأمريكية!
 
 قناة المنار تواجه الحصار وحدها
 
 وفي سياق شن الغرب، حرباً إعلامية، علي الشعوب وعلي ثقافتها وعلي رأيها العام، وبعد أن نجحوا في حجب المنار الزاهية، عن مشاهديها في القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية، انتقل التحالف الأمريكي المسمي تحالفاً ضد وسائل التحريض علي الإرهاب برئاسة بيل مكارثي، الي عملية منع المنار من الوصول الي آسيا، وإسقاطها من رزمة المحطات، التي تبث عبر القمر آسيا سات . وكان المجلس الأعلي الفرنسي للإعلام المرئي والمسموع قد افتتح الحرب علي المنار بتأثير الجماعات الصهيونية، ثم أعقبه المنع الأمريكي ثم الأسترالي. وتجاهد المنار حالياً، لكي تعثر علي أقمار بديلة، لكي تصل الي القارات الخمس. وهي الآن، تبث فقط، عبر القمرين العربيين نايلسات و عربسات . وفي هذا السياق، تواجه المنار حملة عدائية مكثفة، وكلما نجحت في إبرام اتفاق مع شركة أقمار اصطناعية، لكي تفتح ثغرة، في الحصار، تدخل علي الخط، الجماعات اليهودية الصهيونية، لإحباط مسعاها. وللأسف، تواجه القناة، هذا الحصار وحدها، وكأنها لا تعبر عن مشاعر ومرارات الأمة، التي استبيحت أوطانها. وتدفع المنار الثمن، في ظل غياب الحد الأدني من التوافق العربي، علي حماية مصالح شعوب الأمة، علي أي مستوي. فلو كانت هناك منظومة عربية، معنية بالدفاع عن مصالح العرب، لكان صعباً علي الأمريكيين والصهاينة، إقصاء المنار عن أي مكان، في الوقت الذي، يُتاح فيه لإعلامهم المرئي والمسموع، أن يؤسس مراكز بث في بلادنا، وأن يصل الي كل بيت في العالم العربي!
 كاتب من فلسطين
 www.adlisadek.com