شركو سروجي
لم يعد جديداً الحديث عن التغيير والقول
بضرورته وحتميته ، ويبدو لكل متابع للأوضاع والتطورات السياسية ، على الصعيد
العالمي عموماً وعلى الصعيدين الإقليمي والمحلي خصوصاً ، أن رياح التغيير تهب
بتسارع ملحوظ ، في ظل شعارات من الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب
وحل كافة المسائل العالقة التي تشكل مصدراً لعدم الاستقرار في العالم بعامة ، وفي
منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص ، بما فيها المسائل القومية والطائفية كأجزاء لا
تنفصم عن مسائل الديموقراطية وحماية الإنسان وحقوقه فرداً كان أم جماعةً .
ولعل
ما حدث في السنوات الأخيرة ، وخاصة بعد الحادي عشر من أيلول 2001م ، وتحرير العراق
من الديكتاتورية العنصرية ، وانسحاب القوات السورية من لبنان ، وما رافق ذلك من
انتفاضات وتحركات واسعة شهدتها شوارع بلدان منطقة الشرق الأوسط ( انتفاضة آذار
2004م في كردستان سوريا ، انتفاضة الشعب اللبناني في شباط 2005م ) كل ذلك يشكل
علامات لن تمحى من تاريخ هذه المنطقة ، وهي قد شكلت وستشكل مفاصل انطلاق مهمة
لبلدانها نحو إنجاز الاستقلال الجديد، استقلال الشعوب من نير الاستبداد والقمع
والتفرقة العنصرية ..
وإسقاطاً على الوضع السوري ؛ فإن المؤشرات كلها تشير – بما
لا يدع مجالاً للشك – إلى أن التغيير بات قاب قوسين أو أدنى ، وأن الشعب السوري قد
بدأ عّدّه التنازلي نحو الوصول إلى حياة جديدة يرجى لها أن تكون حياة ديموقراطية
بعيدة عن الاستغلال والاضطهاد والقمع بكافة صوره وأشكاله ..
إلاّ أن كل ذلك
الحديث عن التغيير القادم ، والحياة الجديدة التي تنتظر الشعب السوري بعربه وكرده
وأقلياته ، لا يعني أن هذا الشعب وقواه الحية ستستقبل ذلك التغيير على طبق من ذهب ،
بل مطلوب منها العمل والاستعداد لهذا الاستحقاق التاريخي، وإلا فإن التغيير القادم
سيكون على مقاسات مصالح قوى وأطراف أخرى – ربما تكون غير سورية – وليست على مقاس
مصلحة الشعب السوري وخصوصية حالته .
فإذا كان الوضع الدولي والإقليمي ، كنتيجة
للنظام العالمي الجديد ، يدعو إلى التغيير في سوريا ، وتعمل القوى الدولية الفاعلة
– بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية - على تحقيق ذلك ، فإنها لا تأخذ في عملها
هذا في الحسبان إلاّ مصالحها الخاصة بها في الدرجة الأولى ( وهذا لا يعني بالضرورة
تعارض تلك المصالح مع المصلحة الحقيقية للشعب السوري ) ، وإذا كانت السلطة السورية
– فرضاً – ستقوم بـ » التغيير « - كما يتوقع البعض من المؤتمر العاشر القادم لحزب
البعث – فإن ذلك » التغيير « لن يكون إلا على مقاس هذه السلطة ، لتمديد أجَلها
والحفاظ على هيمنتها ، بإبداء بعض التنازلات ، حتى يزول ما تعتقد هذه السلطة بأنه »
إعصار مؤقت« ، لتعود بعدها إلى فرض قبضتها السابقة ، كما عودتنا على مدى تاريخها ،
وكما قامت هي بتعريف نفسها وطبعها للشعب السوري عبر عشرات السنين .
المطلوب إذاً
، هو البحث عن بديل وطني ديموقراطي حقيقي قادر على الانطلاق نحو مرحلة تأسيسية
جديدة لصياغة دستور جديد للبلاد يعترف بكافة المكونات الوطنية السورية ويعطيها
جميعاً أدوارها الكاملة لتتمكن من حماية أنفسها وتطوير خصوصياتها في الفسيفساء
الوطني ، ولتتمكن بالتالي من أداء واجبها في الدفاع عن الوطن الذي يزنرها بشريط من
الحرير . إذ لن يستطيع الشعب ، ولن يقبل ، بالدفاع عن سلطة تلغيه وتزنره داخل سجن
كبير تسميه بـ » الوطن « .