تناقضات الخطاب السياسي السوري

 معقل زهور عدي

 


لايشعر الخطاب السياسي الرسمي السوري بالحاجة للانسجام ، ويبدو في كثير من الأحيان متسامحا مع تناقضاته التي تتعمق وتكبر دون أن يشكل ذلك مصدرا للقلق افتتاحية جريدة تشرين يوم الاثنين الموافق 13 حزيران 2005 مجرد أحد الأمثلة التي لايصعب رؤيتها تتكرر .

من يقرؤها يشعر أن المؤتمر العاشر قد اجترح المعجزات ، وأن نصرا مؤزرا قد تم انجازه ، وهذا مالايدعيه أحد سوى إعلام النظام ، باتريك سيل على سبيل المثال – وهو أقرب أصدقاء النظام في الغرب – كان متشائما ، ونظر للمؤتمر كفرصة ضائعة ، على أية حال ليست المسألة الآن تقييم أعمال المؤتمر ، في الافتتاحية هجوم كاسح على كل أصناف المعارضة حتى ( المعارضة داخل الموالاة ) وتسفيه لكل آرائها ، بل وتشكيك بها ( انتهازيو الفرص ) ، وفي نهاية المقال يتذكر الكاتب ( الحوارات الوطنية ) و ( توسيع المشاركة في صنع القرار ) ، ترى مع من يطرح الحوار الوطني ؟ ، هل يطرحه بين حزب البعث والجبهة الوطنية ؟ وأي معنى لمثل ذلك الحوار ؟ وأي ضرورة له أصلا؟

واذا كان الرأي الرسمي الذي يفترض أن تشرين تعبر عنه لايحترم رأي المعارضة ( حتى ضمن الموالاة ) ، فأي معنى بقي لتوسيع المشاركة في صنع القرار ؟ بل و( تفعيل الحياة السياسية في البلاد ) .

هكذا نريد حوارا ولانريد رأيا آخر مهما كان مهذبا ، نريد تفعيل الحياة السياسية بدون معارضة ، ويمكن ان نضيف على لسان النظام _ دون أن نبتعد عن الموضوعية_ نريد تعددية مع بقاء وحدانية قيادة الحزب للدولة والمجتمع ، ونريد ممارسة حقوق المواطنة وسيادة القانون مع الابقاء على قانون الطوارىء ، ونريد تقييد قانون الطوارىء ولكن ليس في مايخص امن الدولة ( وتعريف امن الدولة يشمل أي نشاط سياسي مهما كان بسيطا وللتذكر فقد تمت احالة 14 ناشطا رغبوا في حضور محاضرة في حلب للمحكمة رغم ان المحاضرة لم تتم بسبب نيتهم التي تدخل ضمن امن الدولة ) ، نريد محاربة الفساد ، ولانسمح بصحافة حرة تفضحه ، كما حدث مع جريدة الدومري ( روى السيد فرزات باستفاضة في قناة المستقلة كيف حورب بعنف حين تطرق لمواضيع الفساد ، وفي النهاية أغلقت جريدته ) ، نريد فتح البلد لاقتصاد السوق وبيع شركات القطاع العام والابقاء على الأهداف الاشتراكية وعلى حد تعبير تشرين ( لم يتراجع الحزب عن الاشتراكية كهدف انساني نبيل ) ، نريد مواجهة مشاريع الهيمنة الأمريكية ونحرص على اعلان رغبتنا الصادقة في ابقاء الحوار مع أمريكا التي تكيل لنا التهم كل يوم ، نريد استعادة الأرض المحتلة ، ونحن ملتزمون بالسلام مع المحتل ( نعلم موازين القوى ولكن هل من الضروري تطمين اسرائيل الى هذا الحد ؟ ) ، كل تلك التناقضات وغيرها يحفل بها الخطاب الرسمي دون أن يسبب ذلك له أي اشكال .

حسنا دعونا نفترض ان الناس عندنا لاتمتلك الذكاء الكافي لكشف تلك التناقضات التي تفقأ العين ، الى متى يعتقد الأخوة في النظام ان في الامكان الاستمرار في قول الشىء ونقيضه أمام العالم كله الذي أصبح يتلقف كل كلمة تقال عندنا ويضعها تحت المجهر ، وفي اليوم التالي تخرج مئات المقالات والمقابلات والتحليلات التي توقظ أكثر العقول بلادة .

ألا يلاحظون كيف هو ضعيف ومتهالك موقف من يتبرع بالدفاع عن تلك التناقضات لدرجة يصبح معها مستحقا للشفقة ، وان ذلك يتكرر كل مرة في الفضائيات .

ببساطة لابد من ايجاد حل حقيقي لتلك التناقضات ، فالتعددية تقتضي التنازل عن الاستئثار بالدولة والمجتمع ، والحوار يقتضي احترام الرأي الآخر ، وتفعيل الحياة السياسية بقتضي وجود حريات سياسية ، ومواجهة الفساد تقتضي السماح بصحافة حرة تفضحه ، واحترام المواطنة وسيادة القانون يقتضي الغاء حالة الطوارىء ، وهكذا ..

نعم لقد كان المؤتمر نقلة هامة من مرحلة الانسجام المغرق في الابتعاد عن الواقع الى مرحلة طرح اشكاليات ذلك الواقع ، لكن طرح الاشكاليات يقتضي حلها ، اما الوقوف عند ذلك الطرح أو الالتفاف عليه فلن يفعل سوى في ازدياد حدة الأزمة التي لاينقصها مزيد من التأجيل أو الترحيل .

"الرأي / خاص"