2005/06/11 |
|
front |
|
| ||
|
يسمح الانسحاب السوري للاجتماع اللبناني بأن يعبّر عن نفسه، انتخابياً، بحرية أكبر، ولو كان ذلك ضمن الحدود التزويرية لقانون الألفين الجامع لعدد لا يحصى من العيوب والثغرات.
ولكن ما نلحظه حتى الآن، وستؤكده الدورتان التاليتان، هو أن هذه الحرية تتيح نوعين من التحول. الأول كمي، الثاني نوعي (لا علاقة ل<<الكم>> و<<النوع>> هذين بما أعلنه ذات مرة النائب الشاب بيار الجميل).
على الجانب الإسلامي كان تيار <<المستقبل>> هو الأقوى سنياً وقد ازداد قوة بفعل موجة التعاطف الجارفة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وكان وليد جنبلاط زعيم الغالبية الدرزية وهو كذلك الآن مع قوة إضافية على الأرجح بفعل التهديدات المشينة التي يتعرض إليها. وكان تحالف <<أمل>> و<<حزب الله>> في موقع الأكثرية الساحقة شيعياً وها هو، اليوم، في موقع شبه احتكاري بفعل الهواجس المحقة التي تعيشها الطائفة.
ربما كان الجديد، هنا، أن هذه القوى، السنية الدرزية تحديداً، باتت معنية مباشرة بإدارة الشأن اللبناني من دون مرجعية سورية. هذا وضع غير مسبوق في لبنان خاصة إذا بدا أن السلطة الناشئة، بتركيبتها، هي الأكثر تلقياً ل<<النصائح>> الغربية. التغيير في الوظيفة لا يعني أن تغييراً حصل، بعد الانسحاب، في التوازنات الكبرى لدى المسلمين.
أما على الجانب المسيحي فالأمر مختلف. المسيحيون الذين كانوا مؤيدين لسوريا يواجهون امتحاناً صعباً. هناك بينهم من اجتازه بسهولة إذ نقل البندقية من كتف إلى كتف. ولكن هناك مَن استبق احتمال الهزيمة فانسحب، وهناك من أصر على إثبات أن حيثيته ليست برانية فحسب. أما المسيحيون الآخرون، وهم الأكثرية، فهم من نوعين: القوى المحجوبة عن المشاركة في السلطة، والقوى المحجوبة عن الشرعية. الأولى هي مجموعة الشخصيات الملتقية في <<قرنة شهوان>>، أو <<البريستول>> وهي أمضت السنوات الماضية خارج دائرة الحكم. إلا أنها، في معظمها، تحالفت مع الحريري وجنبلاط في <<انتفاضة الاستقلال>>. أما الثانية فمتشكلة من <<القوات اللبنانية>> التي انضمت إلى الائتلاف العريض، ومن <<التيار الوطني الحر>> الذي لم يتسع الائتلاف لطموحاته ففضّل الانفراد متحالفاً مع قوى قد لا تكون خياره الأول.
إن انتخابات الجبل، أكثر من غيرها، هي لتحديد الأحجام ضمن البيئة المسيحية. التحديد عبر عدد النواب ولكن، أيضاً، عبر عدد الأصوات. وهذه الانتخابات مهمة لأنها ستترك آثاراً لاحقة
على التوازن الناشئ ضمن السلطة. لماذا؟
<<فلسفة>> الحكم بعد <<الطائف>>، كما صاغها، وقتذاك مسؤول سوري كبير، تقضي بأن يحكم لبنان بالأقوياء بين المسلمين وبتمثيل المسيحيين بالأقل قوة بينهم. كان المسلمون المتقدمون والحاكمون معبّرين عن طوائفهم ومواكبين للسياسة السورية الإجمالية في حين كان المسيحي المتقدم (أي رئيس الجمهورية)، لأنه مطالب بدعم هذه السياسة، ولأن المناخ المسيحي العام معترض عليها، فإنه، أي الرئيس، غير معبّر تماماً عن بيئته الطائفية. لقد كانت تلك حالة الرئيس الياس الهراوي. كما أنها كانت حالة إميل لحود الذي دفع الأمر أحياناً إلى حد بدا معه أنه متصادم مع المزاج الماروني.
<<فلسفة>> الحكم هذه، لما بعد <<الطائف>>، معرّضة إلى التشكيك بحكم الانسحاب السوري الذي أدى إلى انفلات قوى من عقالها وإلى خوضها تجربة الانتخابات النيابية لأول مرة منذ 1992.
لقد أدت التطورات الأخيرة إلى إبعاد قطاعات إسلامية، سنية ودرزية، عن سوريا ووضعتها في صلب <<انتفاضة الاستقلال>>. لذا تعتبر القيادات الناطقة باسم هذه القطاعات أن لا ضرورة لتعديل جذري يطال الحصة التي اقتطعتها من السلطة.
إلا أن التطورات نفسها، التي سمحت باقتحام قوى سياسية مسيحية الميدان، ولو غير متحالفة، تفسح في المجال أمام تطور مطلب مسيحي إجمالي بتعديل التمثيل في رأس السلطة، كما في الحكومة والإدارة، باتجاه الإتيان بأشخاص نابعين من محيطهم وممثلين له، وحاملين لحساسيته. وعند التطرق إلى مثل هذا المطلب يكون في الذهن الموقع الأول في البلاد، رئاسة الجمهورية.
يفترض بانتخابات الجبل أن تحدد المزاج المسيحي. وبحكم السياق الذي اتخذته المواجهات بات الاختصار ممكناً: مع ميشال عون أو ضده. الميالون إلى عون هم كذلك لأن خطابه مسّ نقطة حساسة لديهم: الرغبة في شراكة متكافئة. المخاصمون لعون هم كذلك لأنهم واقعيون يريدون الابتعاد عن شبهة المسّ ب<<الطائف>> ومستعدون، في سبيل ذلك، لتحمّل التهمة القائلة بأنهم لا يمانعون برئيس للجمهورية تكون علاقته بالحريري وجنبلاط نسخة معدلة عن علاقة الياس الهراوي وإميل لحود بالرئيسين حافظ ثم بشار الأسد.
الترجمة العملية لذلك هي أنه إذا تعرّض عون لنكسة جدية فإنه يمكن للرئيس اللبناني المقبل أن يكون واحداً من عديدين متحالفين مع القوى الأخرى ضمن الائتلاف الواسع وحتى، عن بعيد، مع <<أمل>> و<<حزب الله>>. لن يكون ذلك معاكساً لرأي عام مسيحي قال رأيه في الانتخابات.
أما إذا خرج عون بانتصار واضح فإنه لن يحوز أكثرية نيابية طبعاً وسيكون في إمكان خصومه اختيار الرئيس. غير أنه سيكون ممتلكاً للحجة القائلة بأنه رئيس جديد بعيد عن المزاج المسيحي بما يعني أن شيئاً لم يتغيّر بعد الانسحاب السوري.
إن معركة الرئاسة ترتسم في أفق مواجهات الجبل. ومعها، طبعاً، التوازن في قمة السلطة الذي يفترض فيه أن يعدّل من وضعية سابقة مشكو منها من دون أن يخرج عن <<اتفاق الطائف>>. ولعل معركة الرئاسة المقبلة تتكوّن من محطتين: الأولى مصير الرئيس إميل لحود ومَن يقرّره، والثانية اسم الرئيس الجديد ومدى صلته ببيئته الطائفية التي سترتسم ملامحها في الأيام القليلة القادمة.
... الى منتدى الحوار |
![]() |
الصفحة الأولى| أخبار لبنان| عربي ودولي| اقتصاد| ثقافة |
رياضة| قضايا وآراء| الصفحة الأخيرة| صوت وصورة |
©2005 جريدة السفير |