صورة .... صورة :ذاكرة الماضي من أجل الحاضر و المستقبل

د. ثائر دوري

( كلنا شركاء )

 10/6/2005


 

فلسطين أولاً

فلسطين ثانياً

 

فلسطين أبدا

ستبقى فلسطين قضية العرب المركزية أبداً . و سيبقى مصير تنميتهم و استقلالهم و حريتهم معلقاً على أدائهم في الميدان الفلسطيني فبقدر اقترابهم من استعادة فلسطين ، فلسطين كاملة من النهر إلى البحر ، بقدر ما يقتربون من الحرية و الديمقراطية و التصنيع و التحديث  ، و بالعكس فإن ابتعدوا عنها ابتعدوا عن الحرية  و الديمقراطية و الحداثة و التصنيع و حتى عن ذواتهم كأفراد ..........

هذا ما كان يدور في ذهني و أنا أقرأ كتاب الدكتور عبد السلام العجيلي ، اللطيف الأنيق المفعم بالصور ، و الذي محوره تجربة جيش الإنقاذ (( جيش الإنقاذ ...صور منه ....كلمات عنه ))

يعرض الكاتب لصور و مواقف و تجربة جيش الإنقاذ في فلسطين . هذه التجارب و الصور و المواقف و الشخصيات ، التي يحاول الكثيرون تغييبها هذه الأيام من أجل أن يغيّبوا قضية فلسطين من ذاكرة الأجيال الشابة . لكن العجيلي يشحذ الذاكرة من جديد و يعود ليذكرنا بأن لنا هناك في يافا و حيفا و الجليل و طن و أرض و أهل . لا يصح لا خلقيا و لا دينيا و لا إنسانيا و لا حتى من أجل مستقبلنا، كما ذكرنا ، أن نتخلى عنهم..........

يعرض الكتاب لتجربة جيش الإنقاذ الذي تشكل من فوج اليرموك الأول و كان مركز عملياته في نابلس وسط فلسطين ، و فوج اليرموك الثاني و مركز عملياته شمال فلسطين بقيادة الضابط في الجيش السوري الذي انتدب لهذه المهمة أديب الشيشكلي ، الذي صار فيما بعد رئيساً للجمهورية .أما القيادة العامة لجيش الإنقاذ فكانت للمجاهد فوزي القاوقجي .

يروي  العجيلي أن  قصة تطوعه في جيش الإنقاذ بدأت تحت قبة البرلمان السوري . إذ قام ثلاثون نائباً بمبادرة لتوقيع عريضة يضعون فيها أنفسهم تحت تصرف وزارة الدفاع ، و دون أن يستشيروه وقع أحدهم نيابة عنه لعلمهم أنه لن يعترض . و المفارقة أنه  التزم بمضمون هذه العريضة التي لم يوقعها من بين الثلاثين نائباً الذين وقعوا ، و التزم معه نائب حماة أكرم الحوراني و النائب غالب عياشي من ادلب ، فكانوا ثلاثة نواب من المجلس النيابي السوري تطوعوا في فوج اليرموك الثاني تحت إمرة الشيشكلي و دخلوا إلى الجليل عبر الحدود اللبنانية .

و يروي العجيلي ، أمد الله في عمره و عمر أمثاله لأنهم خميرة لوعي المجتمع العربي الذي يراد له أن يفسد ، يروي ذكرياته عن الجغرافيا الفلسطينية في ذلك الوقت بالعودة إلى مذكراته هناك حيناً و بالتعليق على الصور لتي نشرها في الكتاب في أغلب الأحيان . فيستعيد صورا و أحداثا و مواقف مازجا السياسي بالإنساني العام بقلم لطيف جعلني أنكب على الكتاب عدة ساعات  متواصلة لأني لم أقدر أن أتركه قبل إتمامه .

في فوج اليرموك كان هناك ثلاثة أطباء ، الكاتب و الدكتور فيصل الركبي أمد الله في عمره أيضا و فك الله أسر مذكراته و أوراقه التي لا زالت حبيسة لديه رغم أن لديه الكثير ليقوله حول جيش الإنقاذ و حول مرحلة مهمة من تاريخ سوريا ، و الدكتور فيصل كان ينوي الذهاب إلى فرنسا للتخصص هناك لكنه فضل الذهاب إلى فلسطين ، و الطبيب الثالث هو الدكتور شوقي الأتاسي من حمص الذي ترك عمله في المشفى الجراحي ليأتي إلى فلسطين متطوعاً . و من الأسماء التي يعددها الدكتور العجيلي في الفوج ، الملازم صلاح الشيشكلي و هو شقيق لأديب الشيشكلي ، و الملازم عبد الحميد السراج ، و الملازم شفيق العبيسي الذي استشهد فبما بعد ، و الأستاذ خليل كلاس و هو محام من حماة ، و الأستاذ عبد الكريم زهور مدير تجهيز ثانوية دير الزور  و محمد عطورة و هما من حماة أيضاً ، و الملازم عمر صفر ، و فؤاد جديد الذي كان برتبة نائب في شرطة الجيش و تطوع في جيش الإنقاذ .  يقول العجيلي أنه سمع أخوه غسان جديد ، الضابط في الجيش السوري ، ينذره و هو يودعه ، قائلاً :

-        إذا جبنت يا فؤاد فأنا أقوصك .

و يقول العجيلي أن غسان جديد لم يتخلف إلا قليلاً فقاد سرايا الهجوم في معركة بيسان و دخل فلسطين إلى منطقة المثلث الخطر . يقول العجيلي :

- و قد بقي من أخوة غسان و فؤاد أربعة أشبال في سوريا يأسف فؤاد على أنهم صغار السن لا يستطيعون أن يلتحقوا بأخوتهم ليشاركوهما أمجاد الجهاد....

و أخيرا و ليس آخرا الشخصية المحورية في الفوج و قائد متطوعي حماة الذين كانوا الأكثر عددا ، النائب الأستاذ أكرم الحوراني ، الذي يشير الكاتب العجيلي أكثر من مرة إلى شجاعته الفائقة و إلى دوره المحوري في الفوج .

و لا ننسى   أن نشير إلى شهيد الفوج الملازم فتحي الأتاسي و إلى وجود السياسي المصري الشهير أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة ضمن أفراد الفوج. حيث كان يعتبر أحمد حسين وجوده ضمن الفوج تدريباً على الجهاد ليعرف متطلبات الجهاد  و عناصره قبل أن يغادر إلى مصر لإعداد حملة جهادية من هناك . و أسماء أخرى لا تغيب عن ذكر العجيلي من بسطاء الناس كعامل اللاسلكي و العريف حسين و هو كردي .....الخ

و لا ينسى أن  يشير الكاتب إلى الحوادث الطريفة بين الحماصنة و الحموية هناك ، حيث سمى الحماصنة كتيبتهم باسم خالد بن الوليد بقيادة أبو رضا حسني الرفاعي ، و هو قائد درك متقاعد و له خبرة كبيرة في الأعمال الحربية ، لكن الحمويين ينغصون على الحماصنة فيجادلوهم أن المدفون في حمص هو ابن يزيد بن معاوية و ليس ابن الوليد بن المغيرة

كتاب العجيلي يعيدنا إلى جذور قضية العرب المعاصرة فلسطين فيشحذ الوعي من جديد و يزيل ما تراكم من صدأ على وعي أمة يراد لها أن تنسى و تسلم بواقع الاحتلال و التجزئة