من مين خايفين؟
منذ أكثر من ثلاثة أشهر,
والإعلاميون السوريون لا همَّ لهم سوى المؤتمر القطري العاشر.
ثلاثة أشهر وهم يصحون على التوقعات, وينامون على التحليلات, وما
بينهما يلهثون لاستجرار نتف من تسريبات, بواسطة مكالمات خليوية
وأرضية, يسددون فواتيرها من عرقهم. ساعات طويلة, يدقون ويعصرون
الانترنيت, علّها تمن بفكرة, أو قصة تفيد في إنتاج خبطة صحفية,
أو خبر صغير, أو تقرير تلفزيوني يليق بـ«الطموحات» الموعودة,
و«التغيير» المأمول.
ثلاثة أشهر بات خلالها «المؤتمر القطري
العاشر» في حياتنا الخاصة, أهم من الحبيب اللبيب الذي من الإشارة
يفهم ويُفهّم, وعليه يتوقف مستقبل بلدنا وأولادنا, فغنينا له
سراً وعلانية اغنية فيروز «سألتك حبيبي لوين رايحين », عسى أن
نتفاهم بأغنية وليس بإشارة. لم يتأخر الجواب, بل جاء على حين غرة
مصوباً الى الاعلاميين السوريين والعرب والأجانب, وكل من وسوست
له مهنته بنقل الحدث من قلب الحدث, والسعي للوقوف على حقيقة ما
يجري في اروقة المؤتمر, لا في جلساته المغلقة. الجواب: رايحين
إلى مدينة معرض دمشق الدولي!!
ولامتصاص صدمة الاعلاميين من
المسافة الفاصلة بين قصر الأمويين مكان انعقاد المؤتمر, ومدينة
المعرض حيث المركز الاعلامي, جرت الإشارة إلى انه تم تحضير
المركز الإعلامي «خصيصاً» لهم, وجهز بكل الوسائل التي تسهل
عملهم. كما أن الناطقة الرسمية باسم المؤتمر ستزودهم بالمعلومات
اللازمة, وما عليهم ريثما تظهر سوى شرب الشاي والقهوة والمرطبات,
وتبادل الاحاديث الودية وإقامة علاقات عامة, واستعادة ذكريات
مشتركة, لا شك ستكون أوقاتاً ممتعة بعيداً عن هم وغم نقاشات
حزبية ستشوش صفاء افكارهم. وقد فات المعنيون بالتنظيم أن يكتبوا
على بطاقات دخول المؤتمر, «جنة الإعلاميين مكاتبهم» على غرار
جنات أخرى, تمنع اصطحاب الأولاد المشاغبين, بدعوى «جنة الأطفال
منازلهم», كجملة منع فائقة التهذيب.
مشي الحال ونقل اكثر من
200 صحفي, إلى الجنة الإعلامية الموعودة, دون أن يعلموا بأنه جرى
تصنيفهم على انهم مشاغبون دون فرق بين الصحفيين الدوليين والعرب
والمحليين؛ فقد نقلوا قبل اكثر من ثلاث ساعات من الافتتاح, وحكم
عليهم بانتظار ما يبثه التلفزيون السوري مباشرة. أما التجهيزات
فلم تتجاوز ثلاثة اجهزة كومبيوتر, وخط انترنيت مقطوع «خصيصاً».
وأمام هذا الواقع المفتقد لأبسط الوسائل الإعلامية اللازمة لهذا
الجمع الغفير المتوثب للعمل, حث أغلبهم الخطى وعادوا أدراجهم
احتجاجاً, على جنة خيبت آمالهم, ومما زاد الطين بلة, أنهم واجهوا
موقفاً لا يحسدون عليه, عندما وصف زملاؤهم الأجانب هذا الإجراء
انه «يسيء لصورة سوريا».
إذاً, عاد الإعلاميون إلى مكاتبهم,
وأغنية فيروز تتداعى «أنا كل مبشوفك كأني بشوفك لأول مرة حبيبي»
فثبت لديهم وبالدليل القاطع أن جنة الإعلامي السوري مكتبه, حيث
بامكانه الاتصال مع اعضاء المؤتمر مباشرة, وبإمكانه وهو مضطجع
على الكنبة الاطلاع على ما يدور ليس في الجلسات المغلقة وحسب,
وإنما إلى ما يدور في الرؤوس. ولا مناص من إعادة انتاج التكهنات
لتدبيج أخبار وتحليلات, تسكت جوع وسائلهم إلى أي جديد عن سوريا
ومنها. وبالتالي, تبقى الاتهامات ضدهم قائمة, بعدم الدقة, والنأي
عن الموضوعية, والولع بالتسريبات الخاطئة, وترويج الشائعات
المغرضة... وكل ما يحفل به قاموس مسؤولينا الأفاضل من مصطلحات
وتعريفات تنم عن تمسكهم بالصورة النمطية التي رسموها للاعلامي
الوطني. الصورة التي حددت مواصفاتها يوم صودرت فيه الصحافة
المستقلة, لتتحول الى صحافة حكومية محكومة بالتلميع مع الاشغال
الشاقة, والدليل: هل هناك شغل اكثر مشقة من تحويل اخفاقات
الحكومة الى انجازات اعجازية؟
فيروز تثابر في اغنيتها
«موعدنا بكرة وشو تأخر بكرة قولك مش جايي حبيبي» فيراودنا حلم
اليقظة بالتغيير, بعد أن بشرنا الرفاق المؤتمرون بأن واقع
الإعلام والإعلاميين في سلم أولويات التحديث؛ لا بأس إذن, لننتظر
ردحاً آخر من الزمن «عم شوفك بالساعة بتكات الساعة من المدى جايي
حبيبي» وبالتالي لا داعي لاعتبار عزل الاعلاميين عن المؤتمرين
مؤشراً سلبياً في ما يخص «الانفتاح» و«الشفافية», ولا داعي أيضاً
للظن لان بعض الظن إثم في ان ثمة تخوفاً من فسح
المجال لاعضاء المؤتمر للتصريح, وتوسيع دريئتهم اكثر مما هي عليه
في مواجهة سهام المغرضين, حتى لو كانوا مدعوين وضيوفاً معززين
مكرمين. لا مبرر لهذا الظن لان الشفافية لا تتنافى مع زيادة
الحرص وسد باب الريح الصريح, ولا تعني التعتيم لأن منافذ التسريب
أكثر من أن تعد, ويكفي نسبة 1 بالمئة من 1231 عضواً مؤتمراً على
صلة مع اعلاميين من هنا وهناك, لنشر غسيل التفاصيل وتفاصيل
التفاصيل على حبال الانترنيت المحلية والأسطح العربية والدولية,
بصيغة تستمد إثارتها من المصادر المكتومة الاسم والوثيقة
الاطلاع!! وختاماً, نجدد الدندنة مع فيروز «قللي احكيلي نحنا
مين, وليش بنتلفت خايفين ومن مين خايفين», نعم «من مين آآآآآه
خايفين!!» نحن السوريين حتى يستبعد الإعلاميون على هذا النحو
المهين لهم, ولمهنة يعول عليها «لتحسين صورة
سوريا»؟