تسوناميات العولمة
مها جديد
(بمثابة جواب توضيحي لسؤال:أي عولمة نريد .. تسونامي كنموذج)
إذا كانت ضحايا المدّ البحري الذي ضرب دول جنوب
آسيا(تسونامي) قد أودى بحياة ما يقارب
(250,000شخص) من السكان الأصليين وبضع آلاف من
سائحي دول الشمال، وسبب هذا
الهلع الكبير
مقروناً بتعاطف إنساني غير مسبوق، فإنه من
المستغرب حقاً السكوت عن (تسوناميات) صامتة مصطنعة
تضرب أرجاء بلاد كاملة في إفريقيا وآسيا حيث يقضي
ملايين البشر جوعاً أو بسبب الأوبئة.
ولإعطاء فكرة قريبة إلى الذهن عن عدد
ضحايا هذه (التسوناميات) الصامتة فإنني أقترح جعل
مصطلح (تسونامي) كواحدة قياس لضحايا العولمة يمكن
من خلالها تقريب أرقام ضحايا البشرية الناتجة عن
الفقر والأمراض والتي فاقمتها السياسات العولمية
تحت مبدأ: (الربح غاية تبرر الوسيلة).
إذا ًلنقل : (1) تسونامي =(250,000)
ضحية
فإنه:
• يموت من الجوع كل
عام (30) مليون شخص وهو ما يعادل ضحايا حدوث
(120)تسونامي / سنة.
• مات بسبب الإيدز
حتى نهاية عام 2001 حوالي (18) مليون شخص، وهو ما
يعادل ضحايا حدوث (72) تسونامي.
• يموت
بسبب استهلاك المياه غير الصالحة للشرب (5) ملايين
شخص سنوياً،وهو ما يعادل ضحايا حدوث (20)
تسونامي/سنة
• تحصد الملاريا (160,000)
ضحية كل شهر ، أي ما يعادل ضحايا حدوث (7.6)
تسونامي/سنة
• تحصد الحروب والنزاعات
العسكرية مئات ألوف البشر، وهنا نذكّر بتسوناميات
الإدارة الأميركية في فيتنام والعراق وأفغستان،
وتسوناميات شارون في رفح وخان يونس.
وبنفس الوقت لننظر إلى الأرقام
التالية:
• يعيش عالمنا اليوم في وفرة
غذائية كاملة لم تتح له في يوم من الأيام، إذ أن
الكميات المتاحة تسمح لكل فرد من (6) مليارات نسمة
على سطح الكوكب باستخدام (2700) سعرة حرارية/يوم.
• كل عام ينفق الأوربيون و سكان الولايات
المتحدة على أغذية الكلاب والحيوانات الأليفة أكثر
من المبلغ الضروري الذي يمكّن كافة سكان العالم
الاستفادة من الماء الصالح للشرب.
• إن
مجموع المساعدات الإنسانية التي قدمتها الولايات
المتحدة للدول التي ضربها تسونامي بلغت (350)
مليون دولار والتي تعادل كلفة يوم ونصف نتيجة
احتلالها للعراق.
• تبلغ خدمة الديون
المستحقة على الدول المتضررة من الكارثة (5) مليار
دولار، وهي أقل من قيمة المساعدات الإنسانية
الدولية التي قدمت لها (4) مليار دولار، وكل
النداءات التي تمّ توجيهها لدول نادي باريس كانت
تعني تأجيل تسديد هذه الدول لديونها هذا العام.
• الكلفة التقنية لإقامة نظام إنذار مبكر
للزلازل والمد البحري تبلغ (30) مليون دولار، وهي
أقل من كلفة الاستثمار في أي فندق جديد، وهنا
نلاحظ تدخل الأولويات التي تفرضها برامج التكييف
الهيكلي على حكومات الدول التي تطبق وصفات مؤسسات
العولمة.
• أرباح شركات النقل والبنوك
وشركات تحويل الأموال عبر الإنترنت قد استنزفت نصف
مساعدات المجتمع الدولي المقدمة لضحايا كارثة
تسونامي، (ذا إذا علمنا أيضاً أنّ تكاليف رحلات
المشرفين والخبراء في تقدير الاحتياجات، وكلفة
تحريك الوحدات العسكرية وتنقل الطائرات تخصم من
المساعدات) أي أنّ ما يقدم باليد اليمنى يتم
استرجاعه من قبل الشركات باليد اليسرى.
إن تسونامي الطبيعة يذكرنا بأننا
جميعنا شركاء في الكوكب، وأنّ الإرهاب البيئي
الممارس عليه في أعماقه أو على غلافه من قبل
الشركات المتعددة الجنسيات عند انفجاره لن يفرّق
في ضحاياه بين سكان شمال أو جنوب، وأن ضرورة حشد
رأي عام عالمي مناهض لهذه السياسات كما يحدث
سنوياُ في المنتدى الاجتماعي العالمي (الذي أصبح
يمثل ضمير البشرية اليقظ)، أو ما يحدث من احتجاج و
مظاهرات ضد الحرب أو عند كل اجتماع لدول مجموعة
الثماني أو عند عقد منتدى دافوس الاقتصادي هو أمر
مهم وضروري (وإن كان يقع حتى الآن في دائرة رد
الفعل على هذه السياسات) ولم ينتقل إلى مستوى
الفعل وأخذ زمام المبادرة، فإنه هام جداً لناحية
نزع شرعية قرارات ممثلي الحكومات هؤلاء ونزع شرعية
المؤسسات العولمية كصندوق النقد الدولي والبنك
الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
كما أنه
من الضروري البدء بوضع دستور عالمي جديد يتضمن
المحاسبة على الجرائم الاقتصادية والجرائم
البيئية، وملاحقة مرتكبيها من شركات وممثلي
حكومات.
إن التضامن الإنساني الذي ندعو له
هو تضامن عالمي حقيقي لا يهتز ضميره فقط تحت تأثير
وسائل الإعلام لضحايا مدّ بحري أو زلزال فقط (رغم
هولها)، وإنما ضمير يقظ يدعو( لعولمة) النضال
الكوكبي في مواجهة العولمة الرأسمالية وكل ما
تسببه من أزمات وكوارث منسية: (التسوناميات )
الصامتة من فقر ومرض وديون خارجية وعسكرة وإرهاب
بيئي.
إنه عالم آخر أفضل ممكن يجب العمل على بنائه
"الرأي / خاص"