حرب حزيران 1967
_المقدمات والوقائع ( 3 / 5 )
مروان حبش
_بداية الأزمة _
اتخذت القيادة السياسية في المتحدة قرارها الاستراتيجي بمساندة سورية في مواجهة احتمالات العدوان الإسرائيلي عليها .
في الساعة 11 من صباح يوم 14/5 صدرت عن قيادة جيش المتحدة التعليمات الحربية رقم 1/67 ، وفيها : ( تؤكد المعلومات من مصادرها المختلفة نية إسرائيل في العدوان على سورية وفي ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين ال ج.ع.م وال ج.ع.س قررت القيادة العليا للقوات المسلحة في ال ج.ع.م التدخل جوا وبرا في حالة قيام < إسرائيل > بعدوان شامل على الأراضي السورية بقصد احتلالها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية السورية .
إن هذا القرار استثنى حالات الاعتداءات الإسرائيلية المعتادة " الإغارات " على سورية التي لا تستهدف احتلال أراض ، أو تدمير شامل للقوات السورية ، لإسقاط أية ذريعة للصهاينة قد يتخذونها للبدء بالعدوان
كما اتخذت كل من المتحدة وسورية عدة قرارات وإجراءات للتأهب لمواجهة التهديد بالعدوان ، ومما تضمنته : التعبئة العامة في لقوات العسكرية ـ رفع درجة استعداد القوات ـ تحريك القوات باتجاه الجبهات والتمركز في المواضع المحددة لها في الخطط العسكرية ـ تجهيز الخطط " التعرضية ، والهجومية ، والدفاعية" المتفق عليها بين قيادتي الجيشين ـ سرعة استكمال مطالب أجهزة الدفاع الوطني والمدني ،التأهب للقيام بعمليات تعرضية ذات مهام محدودة داخل < إسرائيل > ، إعداد خطة بحرية محدودة بالنسبة للمتحدة .
وبعث في 15 أيار الدكتور جورج طعمة إلى رئيس مجلس الأمن ، رسالة أعلن فيها أن تصريحات الحرب التي يدلي بها رئيس حكومة < إسرائيل > ليفي أشكول ووزير الخارجية آبا إيبان تصل إلى حد يجعلها بمثابة إعلان صريح للنية بشن أعمال عدوانية واسعة النطاق ضد القطر العربي السوري .
استدعى فلاديمير سيميونوف، نائب وزير الخارجية السوفييتي، السفير الإسرائيلي في موسكو، وسلمه بتاريخ 27 أيار (مايو) 1967، رسالة تحذير من حكومة الاتحاد السوفييتي جاء في مقدمتها : أن الحكومة السوفييتية تمتلك معلومات بخصوص القوات الإسرائيلية التي تم حشدها مؤخرا على طول الحدود مع الدول العربية، و أن حشد هذه القوات ينطوي على طابع خطير، خاصة وان ذلك يتم في وقت واحد مع حملة دعائية في إسرائيل معادية لسورية .
ولاستمرار <إسرائيل >في التمويه على قرارها في العدوان ، نقل سفيرها في واشنطن إلى دين راسك وزير الخارجية الأمريكي بأن لدى حكومته معلومات أكيدة مفادها بأن هجوما مصريا سوريا سيقع ليلة 26ـ 27 أيار " مايو " واتصلت الخارجية الأمريكية بنظيرتها السوفييتية وتم الإيعاز إلى سفيريهما في المتحدة بتسليم رسالتين إلى الرئيس عبد الناصر بعد منتصف ليلة 26ـ27 /5 تتضمنان مناشدة حكومتيهما ضبط النفس وعدم بدء مصر بالعدوان ،ومما ورد في الرسالة السوفييتية : " أن رئيس الوزراء كوسيغين ينصح الرئيس ناصر بعدم البدء بالهجوم ، وألا يستمع إلى ضباطه الذين يحرضون على البدء به.
ونتيجة لهذا التحرك الديبلوماسي السريع والمباشر للدولتين العظميين توصلت القيادة السياسية في المتحدة إلى قناعة بأن استعادتها لحق المتحدة الشرعي في ممارسة سيادتها على المضائق ستسلك طريق الحل السياسي .
في هذه الأجواء ومن خلال هذه المعلومات والتصريحات التهديدية والأعمال العدوانية اجتمع وزير الخارجية السوري يوم 13 / 5 على عجل مع سفراء الدول الكبرى لاطلاعهم على التهديدات < الإسرائيلية > بغزو دمشق ، كما نشطت الاتصالات بين القطرين، على المستويين السياسي والعسكري، لتنسيق المواقف ومواجهة العدوان المرتقب و وضع الخطط العسكرية المطلوبة، حسب اتفاقية الدفاع المشترك، لصد أي هجوم صهيوني ، وضمن هذا التوجه كانت زيارة الفريق صدقي محمود قائد السلاح الجوي قي الجمهورية العربية المتحدة يوم10 نيسان (إبريل) 1967، بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على مطار ضمير العسكري ، وصدر بيان مشترك عقب الزيارة أعلن " أن سورية والمتحدة تؤكدان تصميمهما على التصدي المشترك ل<إسرائيل> .
وأعلن الرئيس عبد الناصر في خطاب له يوم 1/5 أن مصر لم تتدخل في المعركة الجوية التي جرت يوم 7/4 بسبب أن السوريين أبلغوه بعدم حاجتهم للتدخل من جهة ، ولأن مدى مقاتلات المتحدة لا يصل إلى الأجواء السورية من جهة أخرى .
وكان الفريق محمد فوزي، قائد القوات المشتركة حسب الاتفاقية قد زار سورية في 16آذار " مارس " 967 بمناسبة انعقاد مجلس رؤساء أركان الجيش في سورية والمتحدة وفقا لنصوص اتفاقية الدفاع المشترك ، وتم بحث بعض الخطط والأمور العسكرية المتعلقة بتنسيق العمل العسكري بين المتحدة وسورية ، وكانت زيارته الثانية ، يوم 14 أيار (مايو)، و بحث مع وزير الدفاع ورئيس الأركان موضوع الحشود و الأمور المتعلقة بالخطط العسكرية لمجابهة أي عدوان صهيوني مباغت بهدف إسقاط أو تحجيم المد القومي الذي تقوده الأنظمة التقدمية وبالتالي إظهار عجزها أمام شعوبها، ومحاصرة هذا المد الذي بدأت ملامحه تظهر في اغلب الأقطار العربية، كما أن من أهداف العدوان المرتقب، دفن فكرة حرب التحرير الشعبية والعمل الفدائي في مهده، إضافة إلى الأحلام الصهيونية باحتلال أراض في المتحدة وسورية وفلسطين غير المحتلة ، للمساومة عليها وبالتالي تنفيذ الاستراتيجية الصهيونية بإخراج مصر من دائرة الصراع العربي ـ الصهيوني ، والسيطرة على مصادر المياه في الجولان ، وضم القدس غير المحتلة والسيطرة على ما تبقى من فلسطين .
انتقلت إدارة الأزمة وقيادة المعركة إلى القاهرة ،بعد أن أعلن الرئيس عبد الناصر، يوم 23 أيار ( مايو) إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة (الإسرائيلية)، دون اطلاع القيادة السورية، أو التشاور معها لتنسيق الخطوات اللاحقة ، ولمعرفة ما يجري وما يفكر به قادة ألـ ج.ع.م، وما هو المطلوب من سورية للمشاركة في دعم ما تريده المتحدة، وتنفيذ ما يقع عليها من مسؤوليات، قررت قيادة الحزب إرسال وفد سوري إلى القاهرة، ضم رئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس و رئيس الأركان العامة اللواء أحمد سويداني .
توالت الاتصالات وزيارات الوفود، وكان آخرها، قبل العدوان، الوفد الذي وصل من ال ج.ع.م إلى سورية يوم 1 حزيران (يونيو) 1967 برئاسة السيد زكريا محيي الدين، نائب رئيس ال ج.م.ع وأمين الهويدي وحسن صبري الخولي،والفريق عبد المنعم رياض ، واجتمع هذا الوفد بالقيادة السورية السياسية والعسكرية، دعما للتنسيق على المستويين السياسي والعسكري.
ومما أورده أمين الهويدي، في كتابه (الفرص الضائعة) عن هذه الزيارة، ما نصه (وقد حدث شيء غريب أثناء زيارتنا سورية، فقد كان في استقبال الوفد في مطار المزة عبد الرحمن خليفاوي وزير الداخلية، وعبد الكريم الجندي رئيس الاستخبارات <لم يكن خليفاوي وزيرا، بل كان ضابطا عالي الرتبة في الأركان السورية، وعبد الكريم الجندي كان عضوا في القيادة القطرية ورئيسا لمكتب الأمن القومي فيها> وقد رافقت الجندي إلى قصر الضيافة في عربته أكد لي عدم وجود حشود إسرائيلية على جبهتهم واستنكر إثارة الموقف بالطريقة التي تتم بها، وكان هذا تأييدا لمعلومات كان الفريق فوزي رئيس أركان حرب القوات المسلحة قد عاد بها عند زيارته سورية في الأيام الأولى لإثارة الأزمة، حيث تأكد من عدم وجود أي حشد عسكري على الحدود السورية الإسرائيلية)، وليس معنى هذا أن العدوان الصهيوني لم يكن مخططا له، بل القصد أين وكيف سيقع العدوان؟
وفي خضم هذا التوتر ، وصل يوم 25 أيار ، إلى دمشق رئيس أركان الجيش الجزائري العقيد طاهر الزبيري ، حاملا إلى الرئيس الأتاسي رسالة من الرئيس بو مدين ، كما اجتمع خلال زيارته مع كل من وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد ورئيس الأركان اللواء أحمد سويداني ، وتضمنت الرسالة أن : معركة سورية هي معركة الجزائر ، ونحن طرف فيها .
كما وصل يوم 27 / 5 وفد عسكري من العراق برئاسة العميد محمود عريم ، لاطلاع القيادة العسكرية السورية على الاستعدادات العسكرية التي اتخذها العراق في مواجهة التهديدات العسكرية .
وفي هذا السياق جاءت في 30 أيار " مايو " الزيارة المثيرة للجدل ، وهي زيارة الملك حسين إلى القاهرة ، ونجم عنها توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين ، وهذه الزيارة وإن لم تكن لغزا للقيادة السورية كما كانت للرئيس أبو مدين ، ولكنها أدهشت القيادة السورية وأثارت قلقها ، ولم يكتف ملك الأردن بذلك بل أصر على اصطحاب الفريق عبد المنعم رياض معه ليكون قائدا للجبهة الأردنية ،
كان الملك حسين ، حين توقيعه على اتفاقية الدفاع المشترك ، مطلعا على الاتفاق الأمريكي الصهيوني ومطمئنا للتأكيدات الأمريكية بهدف الحرب وحدودها . وأراد من زيارته للقاهرة أن يظهر أمام الشعب في الأردن وأكثريته من جذور فلسطينية ، بأنه إلى جانب القوى العربية المعادية للصهيونية .
لم يكن في حسابات السياسية الأردنية ـ حسب رأي الفريق عبد المنعم رياض ـ أن تشارك في يوم من الأيام في معارك ضد الكيان الصهيوني ، ولكن الأردن كان يستفيد من اشتراكه بالعمل العربي لما يدره عليه من منافع خاصة ، وكانت أول خطوات الملك بعد عودته إلى عمان ، أن أصدر تعليماته بنقل طائرات أل " ستار فايتر " الأمريكية من المطارات الأردنية إلى القاعدة الأمريكية في تركيا عبر بيروت وقبرص .
وجرى تحرك باتجاه الدول الأجنبية الصديقة لاطلاعها على وجهة النظر العربية في الأحداث الجارية ، ولهذا الغرض سافر وفد سوري رفيع المستوى برئاسة الأمين العام للحزب رئيس الدولة بتاريخ 29 أيار " مايو " إلى الاتحاد السوفييتي ، ونتيجة المباحثات مع القادة السوفييت ، أعلن الاتحاد السوفييتي دعمه لموقف سورية إلى أبعد الحدود .
وكذلك كان الرئيس عبد الناصر ، بالتشاور مع المشير عامر ، قد أرسل إلى موسكو بتاريخ 25 أيار " مايو " وفدا برئاسة وزير الحربية شمس بدران لحث القادة السوفييت على تلبية طلب المتحدة المتعلق ب بتزويدها بالسلاح ، وكذلك معرفة الموقف السوفييتي من الأزمة القائمة ، وتم إبلاغه بنوايا الاتحاد السوفييتي في مساعدة الشعوب العربية ، وادعى بدران في مذكرة قدمها ، بعد عودته ، إلى الرئيس عبد الناصر ، بأن وزير الدفاع المارشال غريشكو قد أبلغه ، وهو يودعه أمام سلم الطائرة : ( أريد أن أؤكد لكم أنه إذا حدث شيء واحتجتم لنا فمجرد إرسال إشارة نحضر لكم فورا في بور سعيد أو في أي مكان ) . وقد حصل ، بعد انتهاء الحرب ، لغط وشكوك حول مصداقية شمس بدران في نقل هذا التأكيد .
وقام وزير الخارجية الدكتور إبراهيم ماخوس يوم 2حزيران ، ،بزيارة إلى باريس سلم خلالها إلى الرئيس ديغول رسالة من الرئيس الأتاسي تتناول الأوضاع في المنطقة ، والمخططات الأنكلو أمريكية ـ الصهيونية التي تحضر لعدوان واسع على الشعب العربي ، وأبلغ الرئيس الفرنسي وزير الخارجية أن فرنسا ليست طرفا مع أي من الدول المعنية ، وأن الدولة التي تبدأ باللجوء إلى السلاح لن تحصل على تأييد فرنسا .
انتقل وزير الخارجية ، بعدها ، إلى الجزائر لاستعراض الأوضاع المستجدة مع الرئيس بو مدين الذي أعلن استعداد بلاده لوضع جميع إمكانياتها لخوض المعركة الكبرى ضد العدوان الصهيوني .
_وكان وزير الخارجية ، قبل ذلك ، قد استقبل في 28 أيار السفير الأمريكي الذي نقل إليه وجهة نظر حكومة الولايات المتحدة حول الوضع الراهن في المنطقة وملخصها :_
أن حدة التوتر ارتفعت في المدة الأخيرة بين البلاد العربية و< إسرائيل >
أن الحكومة الأمريكية لا تعتقد بوجود نوايا لارتكاب العدوان من قبل إسرائيل .
أن الحكومة الأمريكية تشعر بالقلق الخاص مما أسمته بأعمال " الإرهاب " ـ أي العمل الفدائي الفلسطيني ـ وتعتبره مغاير لاتفاقية الهدنة .
أن الحكومة الأمريكية قلقة من انسحاب قوات الطوارىء الدولية وتعتبره عملا غير مشروع وتعمل على إعادة وجود الأمم المتحدة على خط الهدنة بين أل ج.ع.م و< إسرائيل > بأية صورة من الصور .
أن الحكومة الأمريكية تعتقد بأن حشد القوات يزيد من حدة التوتر .
أن الحكومة الأمريكية تتمسك ب " حرية المرور " في خليج العقبة أمام السفن " الإسرائيلية " وجميع الدول الأخرى وتعلن أن تدخل أل ج.ع.م ضد الملاحة " الإسرائيلية " يؤدي إلى أوخم العواقب .
أن الحكومة الأمريكية تؤكد عزمها على التدخل والمقاومة الشديدة لكل اعتداء في المنطقة بأي شكل < علني أو خفي > تقوم به مجموعات نظامية عسكرية أو غير نظامية أي ( أعمال الفدائيين الفلسطينيين ) .
ويبدو من وجهة النظر هذه ، أن ما تدعوه اعتداء ، ينطبق على ما يقوم به الجانب العربي فقط ، ولا ينطبق ذلك على ما قامت وتقوم به < إسرائيل > بدءا من اغتصاب الأرض إلى اعتداءاتها المستمرة على الدول العربية .
_وأبلغه الدكتور إبراهيم ماخوس وجهة نظر الجمهورية العربية السورية ، وهي :_
أن حكومة ا ل . ج .ع .س. تؤكد بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها ما يميزها عن غيرها من الدول الأعضاء حسب ميثاق الأمم المتحدة ولا تملك حق التدخل في شؤون المنطقة أو فرض وصايتها عليها .
أشارت المذكرة الشفهية الأمريكية إلى أن " التوتر قد ارتفع مرة أخرى على خطوط الهدنة بين البلاد العربية و < إسرائيل > في خلال الأيام الماضية " .ولكن الواقع أن هذا التوتر لم يرتفع خلال الأيام الأخيرة فقط وإنما لازم المنطقة العربية منذ فرض الاحتلال الإسرائيلي الذي قام على غزو جزء من الوطن العربي بالقوة وتشريد المواطنين الفلسطينيين العرب ، والذي يعتبر المصدر الدائم للتهديد والفوضى والخطر المباشر على الأمن والسلام في هذا الجزء من العالم
وأن وزارة الخارجية للجمهورية العربية السورية تؤكد نية العدوان لدى < إسرائيل > لأن مواقفها السابقة منذ الاحتلال الصهيوني عام 1948 حتى يومنا هذا شكل سلسلة من أعمال العدوان التي أدانها مجلس الأمن أكثر من مرة واعتبرها تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين ، وأما القول بأنه لا توجد لدى < إسرائيل > نية للعدوان وأن حشودها ذات هدف دفاعي فتنفيه التصريحات العدوانية الهجومية الوقحة التي صدرت عن مسؤولين بالأرض المحتلة وجميع الظروف الموضوعية التي رافقت ذلك .
أن حوادث العدوان الخطيرة التي ارتكبتها < إسرائيل > ضد البلاد العربية قد أصبحت معروفة للعالم أجمع ولا يمكن تجاهل أن العدوان الثلاثي على مصر الذي كانت < إسرائيل > أداته المجرمة العميلة ، كان سيجر العالم إلى حرب ثالثة كما أن الاعتداءات الغادرة التي اقترفتها < إسرائيل > ضد سورية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بشكل خاص والتي استخدمت فيها الطيران على نطاق واسع وألقت خلالها قنابل النابالم المحرقة مستهدفة المدنيين والمشاريع الإنمائية المدنية ، دليل قاطع على أن نية العدوان لدى < إسرائيل > مستمرة ، وكان آخر هذه الأعمال العدوانية ما حدث يوم 7/ نيسان الماضي ، ثم تهديد الناطقين الرسميين الصهيونيين المبتذل باحتلال دمشق وإسقاط نظام الحكم الثوري فيها .
أن حكومة أل ج.ع.س لجأت أكثر من مناسبة إلى مجلس الأمن الدولي لوضع حد لهذه السياسية العدوانية وإدانة إسرائيل ، فكان موقف الولايات المتحدة المنحاز باستمرار ل < إسرائيل > هو تبرير اعتداءاتها وحمايتها ، مما شجعها على المضي في هذه السياسة الخطيرة ، وان تصريحات أشكول الأخيرة والمتكررة حول وضع الأسطول الأمريكي السادس تحت تصرف السلطة < الإسرائيلية > لحماية عدوانها دون صدور أي تكذيب من السلطات الأمريكية لهذه التصريحات برهان قاطع على أن إسرائيل مطمئنة تماما إلى مساندة الحكومة الأمريكية لها في سياستها العدوانية .
إن التعبئة الشعبية والعسكرية الكاملة التي نفذت في كل من ال ج.ع.س وال ج.ع.م تنفيذا لاتفاقية الدفاع المشترك والتزاما بالمصير القومي الواحد كانت أمرا حتميا تفرضه ظروف الدفاع للوقوف في وجه التهديد بالعدوان التي تجلت في الحشود الإسرائيلية الضخمة على حدود القطر العربي السوري والتي ما كانت لتتم لولا تشجيع الإمبريالية الدولية ، وأن هذه التعبئة الشعبية في القطرين والتي التفت حولها جماهير الشعب العربي وحكوماته التقدمية نابعة من تصميم الشعب العربي على الرد على العدوان ، وان إجراءات الدفاع هذه هي حق مشروع كفله ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية بممارسة كل دولة تحترم نفسها لحماية شعبها من الخطر .
أما ما وصفته المذكرة الشفهية بأعمال الإرهاب المستمرة التي تجري ضد إسرائيل ، فان حكومة ال ج.ع.س تؤكد ما سبق وأعلنته أكثر من مرة بأنها ليست مسؤولة عما يقوم به الشعب العربي الفلسطيني المشرد الذي يناضل في سبيل استرداد حقوقه وتقرير مصيره الذي كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها بعد انتظار 19/عاما من حلول النكبة وبعد وقوف بعض الدول الكبرى وبصورة خاصة أمريكا في المنظمة الدولية دون إيصاله إلى هذه الحقوق .
والواقع أن هذا الشعب لا يزال ضحية عدوان صارخ مستمر وأن ما يقوم به من أعمال تستمد شرعيتها من حقه في الحياة الحرة الكريمة في وطنه كغيره من شعوب العالم ، ومن تطلعه إلى التخلص من المأساة التي أنزلت به والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ .
وإننا نؤكد بإصرار على الفارق الكبير بين نضال هذا الشعب من أجل التحرير وتقرير المصير وهو أمر لا يمكن أن يسمى إرهابا أو عدوانا ، وبين العدو الغاصب المعتدي الذي احتل أرضه وشرده من وطنه ، بينما ترتفع الأصوات في أمريكا وبعض الدول الغربية محاولة تشويه الصورة بحيث تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه ، وتخلق المبررات الدائمة ليستمر المعتدي في عدوانه ، في حين تجد في كل خطوة يخطوها الشعب العربي الفلسطيني المضطهد مادة للتشهير والتهويل والتهديد بالغزو .
وان هذا الشعب الذي كان ولا يزال له كيانه الخاص قبل الاحتلال وبعده والذي لا يزال في حالة حرب مع العدو المحتل ، ليس طرفا في اتفاقيات الهدنة ولا يقبل الوصاية عليه من أية جهة كانت وبالتالي فان أحكام هذه الاتفاقيات لا تنطبق عليه ولا تقيده بشيء .
ونود أن نتساءل بهذه المناسبة ماذا يكون موقف أية ولاية أمريكية مثلا ، لو فوجئ سكانها بالطرد والتشرد ليحل محلهم شعب غريب آخر ، هل يعتبر نضالهم للعودة إلى وطنهم إرهابا وعدوانا ضد الشعب الغريب المحتل ؟ ولماذا لا يتجلى كرم الولايات المتحدة الأمريكية وعطفها على اليهود بإعطائهم ولاية نيويورك مثلا بدلا من دعم الاحتلال الصهيوني في فلسطين وعلى حساب الشعب العربي الذي شرد من وطنه الأصلي ؟ .
أما ما أشارت إليه المذكرة من قلق حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من أن يؤدي انسحاب قوات الطوارىء الدولية إلى جعل مشكلة المحافظة على السلام أكثر صعوبة ، فان حكومة ال ج.ع.س تؤكد حق ال ج.ع.م المطلق في سحب موافقتها على بقاء هذه القوات حين تشاء ، وأن الأمين العام للأمم المتحدة قد التزم بهذا الحق القانوني الواضح في استجابته الحكيمة لطلب ال ج.ع.م الذي جاء منسجما مع مصلحة الشعب العربي ورحب به بحرارة ، والذي سيقاوم جميع المحاولات التي تبذل لإعادة هذه القوات بشكل أو بآخر ، لأن أية محاولة من هذا النوع تعتبر خرقا لسيادة أل ج.ع.م وتحويلا لمهمة هذه القوات إلى صفة الاحتلال ، الأمر الذي نرفضه وبحزم .
إن حكومة ال ج.ع.م قد مارست حقها المشروع في إعادة سيطرتها على خليج العقبة الذي يعتبر خليجا مغلقا من الناحيتين التاريخية والدولية ومياهه مياها إقليمية عربية ، أما وصف ممارسة ال ج.ع.م لسيادتها على هذا الخليج بأنه تدخل في شؤون الملاحة الدولية فهو محاولة مكشوفة لخلق مبررات للعدوان وتضليل الرأي العام الدولي عن حقيقة الموضوع لأن هذه الممارسة لم تخرج عن كونها إزالة لأثر من آثار الغزو الثلاثي عام 1956 والذي أدانته الأمم المتحدة ، وعودة إلى الوضع الطبيعي السابق الذي كان معمولا به قبل العدوان ، وأية محاولة لإعطاء هذا العدوان الثلاثي صفة الاستمرار والأمر الواقع والحق الدولي في الملاحة أمر مرفوض وعودة لتأكيد ذلك العدوان وتثبيته الأمر الذي نقاومه بشدة مع جماهير الشعب العربي في كل مكان .
إن السلام الذي نحرص عليه ونكافح من أجله هو السلام القائم على العدل واسترداد حق الشعب العربي في أرضه وحريته المطلقة في التخلص من جميع آثار التجزئة والتخلف ومختلف صور الاستعمار القديم والجديد في الوطن العربي .
إن السلام بالنسبة للشعب العربي هو المناخ الطبيعي لكي يبني حياته الجديدة ولكنه لا يمكن أن يتم والعدوان مستمر في الوطن العربي ، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في الحرص على السلام فيجب أن تتخلى عن انحيازها الواضح الدائم للاحتلال الإسرائيلي والعدوان الذي يتعرض له الشعب العربي من قبل < إسرائيل > وأن تمتنع عن حماية هذه القاعدة وتزويدها بالسلاح وأسباب القوة الأخرى التي تزيد من طاقتها العدوانية وتهديدها للسلم والأمن في المنطقة .
وختاما ، فإننا نكرر ما سبق وأعلنه المسؤولون مرارا برفض وصاية الولايات المتحدة أو أية دولة أخرى على الوطن العربي وعلى نضال الشعوب التحرري وحقها المطلق في تقرير مصيرها وبناء مجتمعها كما تشاء ، وأن احترام هذه القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية هو الطريق الطبيعي لحماية الأمن والسلام في العالم .