حرب حزيران 1967
المقدمات والوقائع ( 2 / 5)
مروان حبش
التحضير للعدوان
كان الاتحاد السوفييتي قد وصل إلى استنتاج عام بأن النظام الجديد في دمشق، لن يرتمي في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإنها ستحاول التخلص منه بمساعدة حلفائها المجاورين لسورية /إسرائيل، تركيا ، الأردن/ الذين تتطابق مصالحهم لجهة معارضة نظام الحكم الجديد في سورية. وكانت صحيفة الأزفستيا السوفييتية، قد أوردت بتاريخ 11 أيار " مايو " 1967 نبأ عن محاولة الولايات المتحدة الأمريكية قلب نظام الحكم الثوري في القطر العربي السوري، وأن واشنطن ترى في سياسة سورية المستقلة خطرا على مصالحها في المنطقة، وحين بدأت التصريحات المعادية تنطلق من حكومة الكيان الصهيوني مهددة بإسقاط نظام الحكم في دمشق، كان الحزب قبل ذلك قد اتهم الأردن بالتدخل في شؤون سورية الداخلية، كما أن الاتحاد السوفييتي كان قد سبق سورية في اتهامه لنظام الحكم الأردني بالتآمر لقلب نظام الحكم في دمشق
و في كتابه مؤامرة الصمت ذكر أندريه بيرسون : ( في سنة 1965 عقد مدير العمليات في وكالة المخابرات المركزية " جيمس آنجلتون "عددا من اللقاءات السرية مع مسؤولين من الموساد ، وكان موضوع بحثهم هو كيف ومتى يمكن التخلص من ناصر ، وقد اتفق رأيهم على أن الحل الوحيد يجب أن يجيء من خلال مواجهة عسكرية مع < إسرائيل > تضعه في موقف لا يستطيع الانتصار فيه ، وتتالت الاجتماعات ، بعدها ، في واشنطن وتل أبيب بين ممثلين من المخابرات المركزية وعدد مختار من ضباط أركان حرب الجيش < الإسرائيلي > ،وقلة من السياسيين < الإسرائيليين > ومستشار الأمن القومي الأمريكي والت روستو وشقيقه يوجين روستو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ، وقد تقرر في هذه الاجتماعات إثارة حرب بين مصر و < إسرائيل > لا تشمل تأثيراتها خطوط الهدنة مع سورية والأردن ، واتفقوا أن سياسات أل ج.ع.م مع التأييد السوفييتي لها ، وكذلك الوضع في سورية ـ يمكن استغلالها لإثارة رأي عام مهيأ للحرب ـ وفي هذا الجو يكون الجيش < الإسرائيلي > المتأهب للعمل على استعداد لاستغلال أية خطوة من دمشق أو من القاهرة بحيث يمكن للكنيست الإسرائيلي أن يوافق على شن الحرب ، على أن تكون الحرب في حد يمكن احتواؤه ، لأن هناك ضرورة لإبقاء علاقات وثيقة مع كل من الملك حسين والملك فيصل ، وقد قام ضباط من المخابرات المركزية في عمان بشرح الخطة لملك الأردن تاركين له حرية أن يقرر كيف يتصرف ) .
في بداية عام 1967 واصلت إسرائيل الزراعة في المناطق المنزوعة السلاح وتصاعدت اعتداءاتها خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 1967 ، بذريعة منع سورية عن مساندة عمليات المقاومة الفلسطينية .
وكانت سلسلة الاعتداءات البرية والجوية التي وقعت بدءا من صباح 7 نيسان 1967 هي قمة عمليات التحرش الإسرائيلية ، وبداية العد التنازلي لحرب حزيران ، ففي الساعة 9 و 45 د دفعت < إسرائيل > للمرة الثالثة ، خلال أسبوع ، بجرار زراعي إلى المنطقة المجردة مما أدى إلى تبادل إطلاق النار وتدمير الجرار ، وفي الساعة 13و40 د أغارت الطائرات الإسرائيلية على مطار الضمير وأسفرت هذه الغارة عن تدمير 6 مقاتلات ميغ 21 واستشهاد خمسة طيارين ،
واجتازت يوم 11 نيسان " أبريل " دورية إسرائيلية خط الهدنة في القطاع الشمالي من الجبهة .
وفي أعقاب ذلك حذر المندوب السوري في الأمم المتحدة الدكتور جورج طعمة ، مجلس الأمن من الأهداف التي ترمي إليها < إسرائيل > من اعتداءاتها المستمرة ، واتهم الدول الاستعمارية وقوى الرجعية بتشجيع < إسرائيل > على العدوان ، في مذكرة رسمية تقدم بها يوم السبت 14 / 4 / 1967 ، بأن سورية لن تتخلى عن واجبها المشروع في الدفاع عن النفس ، وأعلنت المذكرة أن التكوين < الإسرائيلي > في أساسه يستخدم كأداة من أجل تنفيذ مؤامرة كبيرة ضد القوى التقدمية في الوطن العربي .
ونتيجة لذلك ، حذر الاتحاد السوفييتي في بيان رسمي سلمه يوم الأربعاء 26 نيسان " إبريل " إلى سفير إسرائيل في موسكو ، و ندد البيان بالعدوان الذي ارتكبته إسرائيل ضد سورية يوم 7 نيسان وأكد أن الحكومة السوفييتية لفتت نظر < إسرائيل > مرارا إلى خطورة الوضع في منطقة الشرق الأوسط والناجم عن السياسية التي تنتهجها < إسرائيل > والقوى الإمبريالية الخارجية ضد سيادة واستقلال الدول العربية ، ووصف البيان < إسرائيل > بأنها ألعوبة في أيدي القوى الاستعمارية والإمبريالية .
وتجاه هذا التصعيد الصهيوني ، استدعى رئيس الأركان السوري يوم 28 نيسان الجنرال أود بول رئيس هيئة الرقابة الدولية " ومقره القس الشرقية " وبحث معه الوضع المتوتر على خط الهدنة .
وردا على الطلب السوري بإحياء لجنة الهدنة ـ ولكن طبعا مع الاحتفاظ بالحقوق الوطنية ـ صرح بتاريخ 15 نيسان " أبريل " 967 ناطق رسمي سوري يرد على دسائس وتخرصات دويلة العصابات : (أذاع راديو العصابات الصهيونية مساء 14 الجاري الساعة 11 خبرا ملفقا يوحي بأن وفدنا إلى الأمم المتحدة قد ألمح عن استعداد سورية لاستئناف الاجتماعات المشتركة إذا ما أعلن " أود بول " كبير المراقبين الدوليين أنه ليس لسورية أو < إسرائيل > حقوق سيادة في المنطقة المجردة ، إن رأي سورية الثورة واضح في هذا الموضوع كل الوضوح وقد أعلناه رسميا على الرأي العام وهو أنه لا مناص لدولة العصابات من الاعتراف الصريح بصلاحية لجنة الهدنة على الأرض المجردة ومن انسحابها من المنطقة المجردة انسحابا كاملا ونسف جميع المنشآت العسكرية وشبه العسكرية القائمة فيها التزاما بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن .
إن هذا الموقف < الإسرائيلي > يؤكد على استمرارها في عدوانها وتنفيذ مخططها ، من أجل استفزاز الجيش السوري للاشتباك معه و تصعيد الصراع العسكري لجر الجمهورية العربية المتحدة وسورية إلى الحرب .
وفي لقائه مع وفد الصحفيين اللبنانيين يوم 20 نيسان أوضح رئيس الأركان السوري اللواء أحمد سويداني تفاصيل الاعتداءات الصهيونية الأخيرة وغايتها ، وأن أمريكا وبريطانيا مرتاحتان تماما لسلوك < إسرائيل > العدواني وقد قامتا بالفعل بتشجيعها ودفعها للعدوان ، كما أن ملك الأردن سمح لطائرات العدو بالمرور عبر أجوائه إلينا وهدر طاقات الجيش الأردني .
بدأت < إسرائيل > في افتعال المعارك عمدا ، ويأتي التأكيد لذلك من سلسلة الحوارات الخاصة التي أجراها الصحفي " رافي تال " مع " موشيه ديان " في عام 1976 ونشرت في الملحق الأسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت ، وقد بدأ تال حواره : إن السوريين كانوا يجلسون على قمة مرتفعات الجولان ( أي يهددون المستوطنات التي يشرفون عليها من عل ) ، وقاطعه ديان قائلا : لا تفكر في ذلك أبدا ، قبل كل شيء ، إنني أعرف كيف بدأت 80% من الاشتباكات هناك على الأقل ، ففي رأيي أن النسبة تزيد على 80 % ولكن دعنا نتحدث عن هذه النسبة ، لقد حدثت على هذا النحو : كنا نرسل جرارا لكي يحرث مكانا ما حيث لم يكن من المسموح فعل أي شيء ، وذلك في المنطقة منزوعة السلاح ، وكنا نعرف مقدما أن السوريين سوف يبدؤون إطلاق النار ، وحينئذ نستخدم المدفعية وبعد ذلك القوات الجوية أيضا ، لقد فعلت ذلك ، وفعل مثلي زائيف تسور " رئيس الأركان قبل يتسحق رابين " وفعل ذلك رابين ، وكان أكثر من استمتع بهذه " اللعبة " دافيد أليعازر " قائد الجبهة الشمالية 1964-1969 .
بدأ الكيان الصهيوني يمهد لعدوانه ، وفي قول للجنرال أهارون ياريف رئيس المخابرات العسكرية ( الإسرائيلية ): في الشام صيد بالشبكة لا تقتل ولا تسيل دما، وفي مصر صيد بالرمح يقتل أو يجرح، و الأستاذ هيكل في سلسلة مقالاته < سياحة صيف في الوثائق الإسرائيلية > التي نشرها عام 2000 ، أورد وثيقة استشهد بها < أفي شلايم > في كتابه عن علاقات < إسرائيل > بالعالم العربي ، والوثيقة منسوبة إلى الجنرال < ليور > المستشار العسكري لرئيس وزراء<إسرائيل> و نصها : ( كانت هناك بالفعل عند شمالي < إسرائيل > حرب يقودها رئيس الأركان الجنرال < اسحق رابين > ويساعده فيها قائد الجبهة الشمالية الجنرال < دافيد أليعازر > وكان رابين وأليعازر لا يكفان عن تحريك عمليات قتالية حول منابع المياه وفي طلب السيطرة على المناطق المنزوعة السلاح ... ويضيف < شلايم > على لسان < موشي ديان > ما نصه< لم يكن السوريون مسؤولين بصفة عامة عن نشوب العمليات في الشمال ، نحن كنا نستفز السوريين عمدا ، وفي 80 بالمائة من عمليات القتال كنا نحن الذين بدأنا ، كان أسلوبنا هو استفزازهم عندما نريد سهلا ، في العادة كنا ندفع بجرار لحرث أرض في المنطقة المجردة ،وعندما كان رد الفعل السوري يتأخر كنا نأمر قائد الجرار أن يتقدم أكثر نحو المواقع السورية حتى يصبح الاستفزاز إثارة لا تحتمل ، وعلى أي حال فانه إذا تأخر الرد السوري في إطلاق النار كنا نحن نطلق ، وعندما يردون مضطرين تتدخل المدفعية الثقيلة والطيران لتوسيع نطاق المعارك إلى الحد الذي يلائم أهدافنا السياسية ) .
تجاه هذه الاستفزازات ، وفي محاولة لتأخير العدوان الصهيوني الذي اتضحت معالمه ، قررت القيادة السورية ، مجددا التهدئة ، و العمل على إحياء لجنة الهدنة التي كانت < إسرائيل > قد قاطعتها ، كما ذكرت ، منذ أن باشرت التخطيط و التمهيد لعدوانها ، ولكن لم تفلح ، لا جهود الأمم المتحدة ولا جهود الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة التي كان رئيسها قد أعطى ( إسرائيل ) حرية العمل اعتبارا من أول عام 1967 حسب ما تؤكده الوثائق .
في عام 1968 قال اسحق رابين ، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي : ( لا أصدق أن ناصر كان يريد الحرب ، فالفرقتان اللتان أرسلهما إلى سيناء في 14 مايو / أيار ، لم تكونا كافيتين لشن هجوم ضد < إسرائيل > ، وهو يعلم ذلك ، ونحن نعلم ذلك ) . و قال عايزرا وايزمن في 1972:( انه لم يكن هناك أي تهديد بتدمير إسرائيل من قبل العرب ) وقال الجنرال مانتياهو بيليد في عام 1972 : ( إن الزعم بأن القوات المصرية التي احتشدت على حدودنا ، كانت قادرة على تهديد < إسرائيل > ، لا يلحق الإهانة فقط بذكاء أي شخص قادر على تحليل هذا النوع من الأوضاع ، بل وبالجيش ) ، وقال مناحيم بيغن خلال رئاسته لمجلس الوزراء في العام 1982: ( أن حرب عام 1967 كانت "خيارنا " عندما قررنا مهاجمة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ) . وفي وقت لاحق ، قال الوزير < الإسرائيلي > موردخاي بنتوف : ( إن إسرائيل اخترعت قصة " خطر الإبادة " الذي تتعرض له وضخمتها لتبرير ضم أراضي عربية جديدة ) .
هذا بالإضافة إلى أن المخابرات المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية كانت قد استنتجت ، في وقت مبكر ، ( أن إسرائيل لا تواجه تهديدا وشيكا ، وأنها إذا هوجمت فباستطاعتها أن تهزم أي دولة أو دول عربية مجتمعة ) . وبإصرار < إسرائيلي > لطمس الحقائق عن بعض الدوائر الأمريكية التي لم تكن على دراية بالتواطؤ بين البيت الأبيض والأركان الإسرائيلية للقيام بالعدوان جاء الهجوم الإسرائيلي ، يوم 8 حزيران، بالطائرات وقوارب الطوربيد على سفينة المخابرات الأمريكية " ليبرتي " ـ التي كانت تقوم بمهمة فك الشيفرة والتنصت لمعرفة تحرك وتقدم القوات < الإسرائيلية >على الجبهتين السورية و الأردنية في الضفة الغربية أو في اتجاه المدينة القديمة في القدس ، ولربما ، أيضا ، لطمس التعليمات التي كانت تصدر من قادة الجيش < الإسرائيلي > بقتل أسرى جيش المتحدة ـ مما أدى إلى قتل 34 وجرح 171 من العاملين عليها ، وأسدلت إدارة جونسون الستار على التحقيق حول الهجوم ، رغم كل الحقائق التي تدحض الادعاء < الإسرائيلي > بأن هوية السفينة كانت مجهولة والتي وردت في تقرير سفارة أمريكا في بيروت ونصه : تم اعتراض اتصالات إسرائيلية بالراديو ، وفيها أن طيارا < إسرائيليا > قال : " إنها سفينة أمريكية " لكن القيادة <الإسرائيلية > تجاهلت ذلك وأمرت الطيار بمتابعة الهجوم .
لا يخفى على أحد مطامع < الكيان الصهيوني > في توسيع رقعة الأرض التي اغتصبها عام 1948وفي أطماعه غير المحدودة بالأرض ومصادر المياه والسيطرة على مقدرات المنطقة ، فكان مناحيم بيغن زعيم حزب < حيروت > لا يني من ترداد : ( أن على إسرائيل استرجاع الأراضي الفلسطينية الوارد ذكرها في التوراة ) ، وأن القادة < الإسرائيليين > أمثال بن غوريون وأشكول لا يسفهون نظريات بيغن بكليتها ، وكان أشكول قد أدلى إلى أريك رولو بتصريح نشرته جريدة اللوموند الفرنسية في 13 / 1 / 1967 قال فيه : " لسنا مستعدين للتنازل عن فتر من أراضينا ، وينبغي المفاوضة انطلاقا من وضع الأراضي الراهن ، لقد سبق لفلسطين أن بترت على أثر اتفاق سايكس - بيكو ، وبترت للمرة الثانية لدى خلق شرق الأردن من قبل تشرشل ، وبترت للمرة الثالثة في سنة 1948 ولن نستطيع احتمال بتر رابع ." ويضيف أشكول قائلا : " لم يبق لنا سوى عشرين ألف كيلو متر من فلسطين القديمة ويجب علينا أن نفكر في ملايين اليهود الذين سيهاجرون من روسيا وأوربا الغربية والولايات المتحدة في خلال عشرات السنين القادمة " وبعبارة أخرى يعتبر أشكول أن قسما من العراق وسورية ومن شرق الأردن < بما فيها الضفة الغربية > تشكل جزءا من فلسطين التاريخية .
إن أشكول يطالب بالعودة إلى حدود " أرض الميعاد " وأن تصريحه يظهر بوضوح أن استرجاع هذه المناطق هو " حق اختياري " ل < إسرائيل > .
وفي كتابه " إسرائيل الكفاح من أجل الأمل يقول إيغال آلون : ( فبوجود ثلثي أرض < إسرائيل > في أيدي العرب" يقصد " الضفة الغربية وشرق الأردن " ، كان ينبغي أن يعود الجزء الغربي " الضفة الغربية" من البلد إلى اليهود ) .
_قصة الحشود_
استدعت وزارة الخارجية السورية يوم الأربعاء 12 تشرين الأول 1966 كافة السفراء وتقدمت إليهم بمذكرة تكشف حقيقة التحرك الإسرائيلي بعد فشل المؤامرة الرجعية على الثورة ، هذه المؤامرة التي حشد لها المخططون كل الطاقات والإمكانيات، أصابت الرجعية العربية و< إسرائيل > بالذهول وفضحت وعرت بصورة خاصة الترابط الكامل بين النظام العميل في الأردن والرجعية العربية و< إسرائيل > الأمر الذي ظهر بكل صفاقة في تصريحات الملك حسين ووصفي التل وتهديدهما بغزو سورية ، وانسجام هذه التصريحات مع تصريحات اسحق رابين في استهداف إسقاط النظام الثوري في القطر العربي السوري ، وكذلك تصريحات الملك حسين الجديدة بسحب قواته من الضفة الغربية بحجة الدفاع عن سورية الأمر الذي يفضح النية المبيتة لتسليم الضفة الغربية إلى إسرائيل مقابل دغدغة أحلام الملك العميل في إقامة عرش له في دمشق .
_ومما جاء فيها أيضا :_
لقد سبق لإسرائيل أن احتجت بموضوع تسلل الفدائيين العرب من قطاع غزة عام 1956 لتبرر عدوانها المبيت على مصر وفي شن حرب السويس ، وهي تتذرع مجددا بالحوادث التي تقوم التي تقوم بها منظمات فتح والعاصفة والتحركات التي يقوم بها الشعب العربي الفلسطيني لتبرر عدوانها الذي تبيته ضد القطر العربي السوري لعرقلة النهضة التقدمية التحررية في هذا القطر العربي ، ولا أدل على ذلك من التصريحات المسعورة التي أدلى بها مؤخرا ً إسحاق رابين رئيس الأركان والمسؤولون الإسرائيليون لإسقاط النظام الحالي في القطر العربي السوري ، الأمر الذي لم يسبق له مثيل في العالم ، والذي يكشف عن نوايا إسرائيل العدوانية ويفضح حقيقة وجودها كأداة بيد الاستعمار يحركها متى تهددت مصالحه الاحتكارية الاستثمارية في الوطن العربي .
وعلى الرغم من إعلاننا مراراً بأننا لسنا حراساً على سلامة وأمن إسرائيل وليس من واجبنا مكافحة الشعب العربي الفلسطيني المشرد في نضاله من أجل استرداد حقوقه المشروعة بعد أن استهانت بها القوى العدوانية المحتلة وكاد ينساها الضمير العالمي ، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بمسؤولية القطر العربي السوري عن جميع تحركات الشعب العربي الفلسطيني مهما يكن مصدرها وعلى مجمل الحدود العربية إنما هي تصريحات خطيرة استفزازية لا تخفي ما وراءها من نية عدوانية مبيتة تتآمر عليها إسرائيل مع جميع القوى التي تتهدد مصالحها الاستثمارية والاحتكارية كلما خطى نظام الحكم التقدمي في القطر العربي السوري خطوة جريئة إلى الأمام نحو مجتمع عربي وحدوي اشتراكي .
وإننا إذ نلفت نظر جميع الدول المحبة للسلام الأعضاء في الأمم المتحدة إلى خطورة هذه التصريحات الاستفزازية وهذه النوايا العدوانية لنذكر بالآلاف من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي أدانتها لجان الهدنة المشتركة خلال 18 عاماً من وجود إسرائيل ، ونذكر بالاعترافات الإسرائيلية الخطية المسبقة التي تثبت تحضير الهجوم المدبر الذي حصل في عدواني 14 تموز و15 آب الأخيرين .
وأوردت وكالة يونايتد برس بتاريخ: 13 أيار (مايو) 1967 نبأ عن لسان مسؤول إسرائيلي في القدس، قال فيه : إنه إذا استمرت سورية في حربها التخريبية ضد <إسرائيل > فإنها ستتسبب في عمل عسكري من جانب < إسرائيل > يستهدف القضاء على نظام الحكم الحالي في دمشق ، وأضافت الوكالة: أن إسقاط حكم البعث في دمشق قد يلقى ترحيبا لدى الدوائر الرجعية العربية، كما أن المراقبين في القدس المحتلة يرون أن السوريين يعتزمون تحويل إسرائيل إلى فيتنام ثانية كمقدمة للحل الذي يرونه لقضية فلسطين، وقالت الوكالة أن التفسير الوحيد لموقف سورية هو أن اكثر أعضاء الحكم الحالي في دمشق من الشباب العقائديين الذين يعطون مضمونا ثوريا للقومية العربية، والذين يرون في إسرائيل عدوتهم اللدودة.
تذرعت < إسرائيل > بدعم سورية للمقاومة الفلسطينية وباشرت تطلق ، تهديداتها بغزو دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها ، كما كثفت من اعتداءاتها في المناطق المجردة لزيادة تبادل إطلاق النار .
وتناقلت وكالات الأنباء ، يوم 14 / 5 ، في القدس المحتلة وتل أبيب ، الأخبار عن تصعيد المسؤولين < الإسرائيليين > لهجة تهديداتهم ، فما أن سلمت < إسرائيل > ردها إلى السفير السوفييتي الذي أوردته وكالة يونايتد برس : ( أن إسرائيل سلمت أمس إلى السفير السوفييتي رد حكومتها على الإنذار الذي وجهته حكومة الاتحاد السوفييتي إلى < إسرائيل > في الشهر الماضي عن قيام إسرائيل بأعمال انتقامية ضد سورية ) . حتى تتالت التهديدات ، فأوردت وكالة رويتر في برقية لها ، أن المراقبين في تل أبيب صرحوا بأن لهجة الخطب العامة للمسؤولين في < إسرائيل > قد ازدادت حدة بصورة كبيرة في الأيام القليلة الماضية عقب وقوع مزيد من هجمات الفدائيين آخرها انفجار في طريق طبريا . وفي نبأ لوكالة الأنباء الفرنسية ، أن ليفي أشكول عاد إلى تهديداته ضد سورية وقال أنه لابد من حدوث صدام مسلح خطر بين < إسرائيل > وسورية إذا لم يكف الفدائيون الفلسطينيون عن نشاطهم داخل < إسرائيل > . وأضاف رابين تهديدات أخرى فقال : إن < إسرائيل > سوف تتصرف بازاء سورية ولكن بطرق مغايرة لتلك الطرق التي انتهجتها < إسرائيل > بهجماتها السابقة على الأردن ولبنان ، وأضاف أن أهداف الرد الإسرائيلي سوف تكون مغايرة أيضا .
بعد هذه التهديدات ، صرح ناطق عسكري < إسرائيلي > يوم الئلائاء 16 أيار بأن الفدائيين الفلسطينيين قد قاموا خلال الإثنتي ساعة الأخيرة بعمليتي نسف قرب تل أبيب
وصرح الناطق < الإسرائيلي > أيضا ، يوم الأحد 21 أيار : أنه عئر في الساعة الثانية بعد ظهر أول أمس على متفجرتين تحت جسر على الطريق التي تربط بيت شبع بعراض والتي تبعد حوالي عشر كيلو مترات من خط الهدنة مع الأردن ، وقال الناطق أنه قد عثر على أعقاب شخصين باتجاه الحدود الأردنية ، كما عثر على منشورات تحمل توقيع جماعة فتح في ذلك المكان .
إن التصريحات " حول التهديد العربي بتدمير <إسرائيل >، التي كان يدعيها القادة الصهاينة ، والتي كان منها الكثير، كان الهدف من ورائها تعبئة الرأي العام المحلي والدولي، تمهيدا لعدوانهم المبيت على سورية والمتحدة ، واستمر البوق الصهيوني في تصعيد حملاته الدعائية متذرعا بتسلل فدائيين من سورية عبر الحدود إلى أرض فلسطين المحتلة، وبعدها جاءت قصة الحشود الصهيونية على الحدود السورية .
في هذه الأجواء المشحونة بنذر الحرب ، جاءت أخبار الحشود < الإسرائيلية > ، ولقد جرى جدل طويل قبل وبعد عدوان حزيران ، كما كثرت الأقاويل حول صحة المعلومات الخاصة بهذه الحشود التي شكلت الشرارة الأولى لأزمة أيار واتخذت < إسرائيل > من تداعياتها ذريعة لشن الحرب ، فمنها أن عميلا مزدوجا للسفارة السوفييتية ولمخابرات < الجيش الإسرائيلي > أوعز إليه بنقل أمر الحشود إلى السفارة ، ومنها ، أنه جرت تحركات علنية للجيش < الإسرائيلي > نحو خطوط الهدنة ثم كانت هذه القوات تنسحب سرا ، ومنها أن السوفييت اختلقوا قصة الحشود بهدف تعزيز نفوذهم في كل من سورية والمتحدة ، "وهو تفسير يستبعده المنطق ، وتدحضه الوثائق التي تؤكد حقيقة القرار < الإسرائيلي > الذي كان مخططا له للقيام بالعدوان " .
يقول محمود رياض في مذكراته : ( كانت < إسرائيل > قد أتمت استعدادها مع بداية عام 1967 للقيام بالعدوان الذي كان مخططا له منذ عام 1957 ، ولم تكن لتنتظر سوى مشاركة الولايات المتحدة ، وقد
جرت مشاورات في واشنطن بين الطرفين ، وتم الاتفاق على أن يبدأ العدوان في يونيو1967
في 13 أيار أبلغ الاتحاد السوفييتي سورية والمتحدة عن وجود حشود عسكرية < إسرائيلية > على الجبهة السورية ، وأن < إسرائيل > تستعد لبدء عملية واسعة لقلب النظام في دمشق ، وعزز القادة < الإسرائيليون > بتصريحات لهم نقلتها الصحافة البريطانية في نفس اليوم13 أيار ، أكدوا فيها أن هدف الحملة العسكرية القادمة ضد سورية سيكون قلب النظام القائم في دمشق ، وظلت هذه التصريحات دون تكذيب ، وكان اسحق رابين قد عبر ، قبل ذلك التاريخ ، وأكثر من مرة عن هذا الهدف ، ويمكن إيجاز كلامه " لقد قمنا بكل شيء لمنع الفدائيين من ممارسة نشاطهم ، ولم يبق أمامنا الآن سوى قلب النظام في دمشق " ، وهناك رأي لبعض المحللين بأن الحكومة < الإسرائيلية > التي اكتفت بنفي وجود الحشود ، كان جنرالاتها يخططون لبدء حربهم في 17 أيار .
وإمعانا في التسويف اقترحت السلطات < الإسرائيلية > ـ ثلاث مرات ، حسب زعمها ـ على السفير السوفييتي في < تل أبيب > في أيام 13 و19 و 29 أيار أن يذهب لتفتيش منطقة الحدود ، والتأكد من عدم وجود حشود ، ولكن السفير رفض هذا الطلب ، على حد زعم الرواية ،
وفور تلقي خبر الحشود اجتمع وزير الخارجية السوري مع ممثلي دول مجلس الأمن في 13 أيار " إبريل " وأبلغهم بالنسبة للتهديدات " الإسرائيلية " لسورية بذريعة الأعمال الفدائية ، : ( أن الشعب العربي الفلسطيني المشرد والذي لم تستطع الأمم المتحدة حتى الآن أن تعيده إلى أرضه ، لا يمكن أن يقبل وصاية سورية أو أي قطر آخر عليه ولا يأخذ الأذن من أحد في نضاله المشروع لتحرير وطنه المغتصب ) .
وفي نفس الفترة قال يوثانت في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن الدولي يوم 19/5 /1967 ، أن تقارير مراقبي الهدنة الدوليين تفيد عدم وجود حشود وتحركات لقوات الطرفين على جانبي الحدود ، والفريق أول محمد فوزي الذي أوفده المشير عبد الحكيم عامر إلى دمشق يوم 13/5 للتنسيق مع القيادة السورية قدم ، أثر عودته ، تقريرا يوم 15/5 ا ، أوضح فيه أن صور الاستطلاع الجوي السوري للجبهة يومي 12 و 13 أيار/مايو ، وكذلك الدوريات المتسللة إلى خلف خطوط العدو ، لا تفيد بأي تغيير للموقف العسكري العادي .
لقد ابلغنا الرئيس جمال عبد الناصر، بأمر الحشود تلك، نقلا عن سفير الاتحاد السوفييتي في القاهرة، كما أن السفير السوفييتي بدمشق " أناتولي باركوفسكي "وبنفس الوقت، نقل إلى الرئيس نور الدين الأتاسي ما يتوافر عندهم من معلومات حول هذه الحشود. وأكد السوفييت ، في إجابة لهم على سؤال من المشير عامر بخصوص إعطاء صورة واضحة عن الحشود المذكورة من خلال صور أقمارهم الاصطناعية ، وجود هذه الحشود ، كما أن تقرير الاستخبارات المصرية ليوم 15/5 أفاد بأن هناك بعض التجمعات العسكرية في المنطقة الشمالية من < إسرائيل > تقدر بحوالي 5ـ7 ألوية مشاة .
وأكد كوسيغن حين اجتماعه مع وزير الحربية المصري شمس بدران في موسكو يوم 26/5 الحشود العسكرية على جبهة سورية .
كما أن الدكتور مراد غالب سفير مصر في موسكو أرسل يوم 27/5 برقية بوجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية أكدها له سيميو نيف نائب وزير الخارجية السوفييتي ، وحينما أراد أن يتأكد أكثر من غريشكو وزير الدفاع السوفييتي ، أبدى دهشته الكبرى مما يتردد عن عدم وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية ، وذكر أن لديه كشفاً بأسماء قادة الألوية وقادة الكتائب لهذه الحشود، وذلك تأكيداً لصحة معلوماته .