حرب حزيران1967
المقدمات والوقائع ( 4 / 5 )
مروان حبش
لم تكن لا سورية ولا المتحدة ترغبان في خوض حرب لم تستكملا استعدادهما لها ، ولهذا فان تحرك جيش المتحدة نحو سيناء يوم 14 أيار، كان في وضح النهار ومر في القاهرة ، وعلى مرأى من السفارات ووسائل الإعلام بهدف ردع العدوان الإسرائيلي قبل وقوعه ، ولقد صرح أحد موظفي السفارة الأمريكية إلى الصحافي أريك رولو ، الذي كان في تلك الفترة متواجدا في القاهرة : " من البديهي أن ناصر كان يريد أن يوهمنا أنه مصمم على الدفاع عن سورية مهما غلا الثمن ، كان يوجه إلينا نوعا من الإنذار وكان يعتقد أن من شأن ذلك أن يحملنا على ممارسة الضغط على إسرائيل لإنقاذ نظام دمشق . "
لما بلغ جيش المتحدة الحدود مع فلسطين المحتلة ، طلبت رئاسة الأركان في المتحدة يوم 16 أيار ، من قائد قوات الأمم المتحدة الجنرال ريكيه إبعاد رجاله عن الحدود ، مؤقتا ، وتجميعها في قطاع غزة إلى أن تنتهي الأزمة ، ولم تطلب حكومة المتحدة هذا الأمر من الأمين العام للأمم المتحدة أوثانت ، حتى لا يتخذ الطلب الصفة الرسمية التي لا رجوع عنها . لذلك لم تكن القضية إجلاء " الخوذ الزرقاء "عن المتحدة ، وكان جواب الجنرال ريكيه : أنا لا أتلقى الأوامر منك ، كما أنني لست المخول باتخاذ مثل هذا القرار ، ونتيجة ذلك طلبت حكومة المتحدة من السيد أوثانت سحب " الخوذ الزرقاء من الحدود دون الإشارة إلى سحبها من شرم الشيخ ، حتى لا تزداد الأجواء توترا ، وتبقى في حدود الضغط كي لا ينفذ العدوان .
كان جواب السيد أوثانت موجزا : " لا أستطيع الموافقة على طلبكم لأن دوري هو صيانة السلم ، فإذا كنتم تصرون على سحب القوات الدولية المرابطة على الحدود يجب أن تتقدموا بطلب سحب كل القوات الدولية عن أراضيكم .
لقد وضع أوثانت العربية المتحدة في وضع لا يمكنها فيه إلا أن توافق على طلبه ، ووصلت قوات المتحدة يوم 22 / 5 إلى شرم الشيخ واحتلت مواقعها على خليج العقبة .
وهنا يثار سؤال مهم وخطير حول الدور الذي لعبه السيد أوثانت لتهيئة العوامل للعدوان < الإسرائيلي > ومدى تنسيقه ذلك الأمر مع إدارة جونسون ، لأن واجبه كأمين عام للأمم المتحدة هو صيانة السلم وهذا يتطلب منه أن يحاول كسب الوقت ليستشير الدول الكبرى أو مجلس الأمن ، بدلا من إحراج المتحدة والموافقة الفورية على طلبها بسحب كل القوات الدولية من أراضيها ، وهناك رأي آخر يقول بأن الدافع لقرار أوثانت هو رغبته في إحراج الولايات المتحدة ودفعها للخروج من فيتنام .
على ضوء هذه التطورات ، وبعد الاتصالات المكثفة بين المتحدة وسورية أعلن البلدان عن حالة الاستنفار لقواتهما المسلحة . وفي نفس اليوم أعلن أوثانت في مجلس الأمن أنه أمر بانسحاب قوات المراقبة الدولية وأن الخطر في الشرق الأوسط هو أشد من أي وقت مضى منذ نشوب أزمة 1956 .
تجاه هذا التطور المفاجئ ، أوفدت القيادة السورية ، يوم 18 أيار وزير الخارجية إلى القاهرة واجتمع هناك مع الرئيس عبد الناصر لمعرفة نوايا المتحدة بعد قرارها بسحب القوات الدولية ، وأبعاد هذا القرار ، كما نقل إلى الرئيس وجهة النظر السورية بضرورة التهدئة .
كان الرئيس عبد الناصر يعرف أن إغلاق مضائق تيران ومنع سفن الكيان الصهيوني من عبورها ، كما شمل هذا المنع السفن التابعة لجنسيات أخرى والتي تحمل عتادا عسكريا أو موادا استراتيجية إلى هذا الكيان ـ كان الرئيس ناصر قلقا من تدفق البترول الإيراني ، عبر الخليج ، إلى مفاعل ديمونة ـ ستعتبره < إسرائيل > إعلانا للحرب غير أن قرار السيد أوثانت " الغريب والمريب ' والمتسرع وغير المفهوم " ساهم في دفع العربية المتحدة لاتخاذ هذا القرار . يضاف إلى هذا أن الولايات المتحدة كانت قد تعهدت عام 1956 بضمان حرية المرور في مضيق تيران ، وكانت القاهرة تعرف هذا كله ، وكانت تعرف أن الموضوع يتعلق بأمور جدية . ولكن كان الأمل ، انطلاقا من الأمر الواقع ،وبفضل الضغوط الدولية ، في إيجاد تسوية تحفظ للعربية المتحدة حقوقها وتبعد شبح العدوان المخطط له من قبل إدارة جونسون والأركان < الإسرائيلية > ، هذا العدوان الذي يستهدف النظامين في القاهرة ودمشق ، ورغم الأمل الضعيف بأنه من الممكن تحاشي العدوان بالتأثير على الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين تدعمان " إسرائيل " أعلن الرئيس ناصر أن المتحدة ستغلق قناة السويس أمام سفن الدول التي تساعد " إسرائيل " مما سيؤدي إلى قطع إمدادات البترول عنها .
لقد تحقق لجنرالات الجيش في < إسرائيل > ما خططوا له بجر جيش ال ج . ع . م إلى المعركة ، ولقد قال دايان لرابين ، فيما بعد : أن الأركان اقترفت خطأ خطيرا بإضعافها مركز ناصر تجاه العالم العربي ، إن المستوى الذي وضعنا الأعمال الثأرية التي مارسناها ضد سورية والأردن لم يترك للرئيس من خيار سوى الدفاع عن هيبته سواء داخل بلاده أم إزاء البلدان العربية الأخرى مما تمخض عن تصعيد شبه محتوم ، وكان دايان مقتنعا من جهة أخرى بأن ناصر لن يلبث أن يتخذ إجراءات أخرى لا رجعة فيها ، كإغلاق مضائق تيران ، وبأن < إسرائيل > لن يكون لها عندئذ من خيار سوى الرد على التحديات .
طالب رابين ، فور تحرك بعض وحدات جيش المتحدة باتجاه سيناء ، بتعبئة احتياط الجيش ، ويقول في مذكراته : (ولئن رأيت نفسي ذات يوم ملوما لأني طالبت باكرا جدا بتعبئة الاحتياط ، موشكا بذلك أن أجعل وضع البلاد الاقتصادي في خطر ) ، واستغل رابين وجنرالات الجيش هذه التعبئة المبكرة للضغط على الحكومة < الإسرائيلية > لإقرار بدء العدوان فور إعلان المتحدة إغلاق مضائق تيران ، وفور قرار قيادة الجيش السوري بتعزيز مواقع قواتها ، وبحظر مراقبي خطوط الهدنة وبقية الأجانب من التوجه إلى مدينة القنيطرة ) .
قاد رابين حملة التحريض للإسراع في بدء الهجوم واعتبر أن حرية < إسرائيل > في الملاحة ليست وحدها في خطر ، بل ، أيضا ، إن عزمها وقابلية تصديقها وقدرتها على ممارسة حقوقها في الدفاع المشروع هي كلها اليوم على المحك .
_وأقرت اللجنة الوزارية < الإسرائيلية > المصغرة في يوم 23 / 5 قرارا يمكن تلخيص نقاطه الأساسية ب :_
1 ـ تنظر اللجنة الوزارية إلى إغلاق مضائق تيران كعمل عدواني موجه إلى < إسرائيل >.
2 ـ تأجيل القرار المتعلق بطبيعة الرد على هذا العدوان 48 ساعة .
لم يلق هذا القرار ارتياحا عند الجنرالات ، وقال رابين في رده على وزير الداخلية " شابيرا " من الحزب الوطني المتدين : ( إن ناصر قد تحدانا تحديا خطيرا ، فإذا لم نرد على تحديه فان قدرة قواتنا على الرد ستنعدم وتكون إسرائيل قد تحملت إهانة جسيمة ... إننا سنقاتل للحفاظ على حق حرية الملاحة ، لقد هدد ناصر اقتصاد إسرائيل ، ولن يلبث جيشه أن يهدد وجودنا بالذات ، لا ينفك العرب بتقوية أنفسهم مع استمرارهم في مضايقتنا مضايقة مذلة ) .
ولتفنيد حجته ، أجابه شابيرا : ( عليك أن تقدم إيضاحات ، لقد أغلقت المضائق في عام 1950 وفي عام 1951 ، أيضا ، فهل اندفعت < إسرائيل > إلى الحرب ؟ هذه المضائق نفسها بقيت مغلقة حتى عام 1956 فهل عرض ذلك أمن < إسرائيل > للخطر ؟ وحتى عندما راح المصريون يساندون علنا هجمات الفدائيين لم يشن بن غوريون الحرب ) .
لقد نقل آبا إيبان جواب وزير خارجية أمريكا دين راسك ـ لم يكن على علم بما تم الاتفاق عليه بين البيت الأبيض والأركان < الإسرائيلية ـ وملخصه : ( أن الولايات المتحدة لا تملك أية معلومات تجيز لها الاعتقاد بأن المصريين يستعدون لأعمال هجومية ، وإذا قررت إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة في القيام بعمليات فإن الولايات المتحدة ستصطدم بأعظم الصعوبات لمساعدتها ، حتى على الصعيد السياسي الصرف . ولكن الجنرالات ، وخاصة " رابين ، وايزمن ، ياريف ، بارليف ، آميت " ، استمروا في بداية الثلث الأخير من أيار ، في ضغوطهم على السياسيين ، وبالذات على " أشكول < رئيس الوزراء ووزير الدفاع > ، وإيبان < وزير الخارجية > " وكانوا يوهمونهم بأن " العالم العربي يستعد لشن حرب شاملة ضدنا " ، وأن وقت المناقشات السياسية قد مضى ، وكرر " ياريف " قوله : ( بأننا إذا لم نشن هجومنا في يوم 26 أيار فإن المصريين سيكونون قادرين على الهجوم وسيكون وضعنا حرجا جدا آنذاك ) . ولتأكيد وجهة نظرهم ، سربوا معلومات ، نقلتها حكومتهم إلى الإدارة الأمريكية ـ كما ورد ـ بأن ال ج . ع . م وال ج . ع . س ستبدأ ن هجومهما ليلة 27 أيار .
اجتمع يوم 27 / 5 أشكول مع الجنرالات ، وقدم أمين عام وزارة الخارجية تقريرا عن محادثات جونسون ـ إيبان ، كما علق على مذكرة عنيفة جدا وصلته من رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي كوسيغين ، ورسالة قاسية من ديغول تحذران < إسرائيل > من أية محاولة للقيام بهجوم وقائي ، ولكن رابين ، عاد وأكد في هذا الاجتماع ( إذا لم نرد على العدوان المصري ، فإن أمن بلادنا سيتعرض إلى خطر جسيم والزمن يعمل ضدنا ) .
بعث الجنرالات في صباح يوم 28 / 5 بدون علم رئيس الوزراء ، رئيس الموساد الجنرال " مائير آميت " إلى واشنطن ، لاستطلاع حقيقة الرأي من جيمس آنجلتون وإجلاء الملابسات ، من جهة ، ولإبلاغ مكتب الأمن القومي والسي .آي .إيه بأن الوقت المناسب لإطلاق العنان < لإسرائيل > هو هذه الساعة وليست أية ساعة أخرى .
طلب رابين مساء الأحد 28 / 5 من أشكول أن يأتي بشخصه ، ليواجه الجنرالات الذين هاجموه يشكل منظم ، واتهموا الحكومة بالعجز ، وبأن السياسيين متمسكون بالأوهام وباقون على اعتقادهم بإمكان تجنب الحرب ، وحين حاول أشكول أن يحتج ، قام وايزمن بحركة مسرحية ألهبت مشاعر زملائه " لقد هب واقفا من مقعده وخلع وساما كان معلقا على سترته العسكرية وألقاه على مكتب أشكول قائلا : إنه لا يعتقد أنه أو غيره يحق لهم الاحتفاظ بأي وسام إذا كان العجز عن العمل هو ردهم على الخطر ) . وتدخل رابين فقال : ( إنه لا يستطيع أن يضمن السيطرة على القوات إذا ما تأخر صدور الأمر لهم ببدء القتال ، وهو يضع هذه الحقيقة كرئيس لأركان الحرب أمام السلطة السياسية لكي تأخذها في اعتبارها وهي تتخذ قرارها النهائي ) .
تحقق للجنرالات ما أرادوه من حكومتهم ، وبحسب عبارات برقية الوزير المفوض < لإسرائيل > في واشنطن يوم 1 / 6 نقلا عن والتر روستو " مكتب الأمن القومي في البيت البيض " اعتبرها العسكريون الصهاينة بأنه ليس عليهم أن ينتظروا شيئا من الولايات المتحدة " .
كان لابد من تغطية تواطؤ الأمين العام للأمم المتحدة وتواطؤ الولايات المتحدة الفاضحين ، بالتظاهر بالقيام بتحرك دبلوماسي - رغم ضغط العسكريين < الإسرائيليين > على حكومتهم بضرورة المباشرة بالعدوان دون تأجيل - ، فقد وافق الرئيس عبد الناصر فورا على برقية أوثانت يوم 22 أيار والتي يطلب فيها مقابلته ، أملا من الرئيس أن يصل إلى حل مشرف ، وفي القاهرة تم تفاهم سري لم يصل إلى درجة اتفاق على الأسس بل اقتصر على التدابير التي يجب أن تتخذ للتهدئة ، وكانت أبرز نقاط التفاهم :
أن يمتنع الطرفان المعنيان عن كل إجراء من شأنه زيادة التوتر .
أن يقبل الرئيس عبد الناصر بتسمية أوثانت ممثلا خاصا يكلف بالتنقل بين القاهرة و < تل ابيب > لإيجاد مجال للتفاهم حول الخلاف على مضائق تيران .
أن يوجه أوثانت نداء إلى جميع الدول البحرية لتمتنع عن شحن المواد الاستراتيجية عن طريق إيلات ، وأن يتم الشحن عن طريق حيفا ( كما كان الأمر قبل 1956 ) بانتظار إيجاد تسوية .
لجأ الرئيس جونسون ـ قبل أن يطلق يد جنرالات إسرائيل في بدء عدوانهم ، وفي الوقت الذي كان مائير آميت في واشنطن يرتب ذلك الأمر ـ إلى التظاهر بأنه يريد الوصول إلى حل سياسي للأزمة ، لكي يوهم الرأي العام الأمريكي وأعضاء الكونغرس والرأي العام الدولي بأنه يبذل كل جهد ممكن ، كما يريد أن يصل إلى إضعاف مناورة الاتحاد السوفييتي وتحييده ، ولكي يوهم قادة ال ج.ع.م في صدق جهوده أوفد في 1 حزيران إلى القاهرة ممثله الشخصي شارل يوست ، في زيارة سرية دامت حتى يوم 3 حزيران ، واجتمع خلالها مع وزير الخارجية محمود رياض ، وتم بينهما اتفاق مبدئي على نقاط ثلاث :
أن تستمر الجهود الدبلوماسية لحل المشكلات حلا سلميا .
أن يحال الخلاف على تيران إلى المحكمة الدولية في لاهاي .
أن يقوم نائب رئيس الجمهورية زكريا محي الدين يوم 5 حزيران بزيارة إلى الولايات المتحدة للتفاوض حول إيجاد تسوية يقبل بها الطرفان .
وإمعانا في التمويه ، أكد يوست للمتحدة بأن < إسرائيل > لن تهاجم مادامت الجهود الديبلوماسية قائمة ، وهو المطلع على أن الحكومة < الإسرائيلية > كانت تؤكد بأنها قد حصلت على حق المرور في مضائق تيران بعد معركة سيناء 1956 ولن تسمح لل ج . ع . م بأن تطرح على بساط البحث مرة ثانية ثمن انتصارها .
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الأحد 28 أيار أكد الرئيس ناصر ' في رده على الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين كانتا تتظاهران بأنهما تسعيان إلى تشكيل قوة بحرية لفرض ، ما أطلقتا عليه ،حرية الملاحة في خليج العقبة قال :
ـ أن قرار منع السفن التي ترفع العلم< الإسرائيلي> وسفن البلدان الأخرى التي تحمل < لإسرائيل >موادا استراتيجية من المرور في خليج العقبة هو قرار لا عودة فيه .
ـ إذا تدخلت الولايات المتحدة فسنقاومها بكل قوة ، ولتكن هناك قناة سويس ثانية .
ـ لا نقبل بوصاية الدول الكبرى ولن تستطيع قوة مهما بلغ جبروتها أن تمس حقوق سيادتنا .
ـ حقوق شعب فلسطين يجب أن تعاد إليه ولا نقبل بالتعايش مع < إسرائيل > .
ـ إذا تحرشت < إسرائيل > بسورية أو أي بلد عربي آخر فسنرد بقوة وإذا أرادت الحرب فنحن مستعدون لها .
كما أكد الرئيس ناصر ، بأننا لن نكون أول من يضرب ،فنحن لا نريد الحرب ، أما إذا كنا ضحية العدوان فسيكون في ذلك تدمير دولة < إسرائيل > ) ، وقدم الرئيس اقتراحين ملموسين كان من شأنهما أن يمهدا الطريق أمام إعادة الأمور إلى وضعها المألوف ؛
1 - أن تستأنف لجنة الهدنة المصرية - < الإسرائيلية > نشاطها في الحال .
2 - أن يجري بحث إجمالي للمشكلة الفلسطينية والتفاوض عن طريق دولة وسيطة حول جميع المشكلات المعلقة .
وأكد الرئيس في هذا المؤتمر بأن الخصومة على تيران هي مظهر ثانوي للنزاع العربي < الإسرائيلي > ، لكن الحكومة < الإسرائيلية > المصممة على العدوان لم تتعاطى مع أي من الاقتراحين ، كما أن الصحافة < الإسرائيلية > لم تذكر من التصريحات سوى ما تعلق منها ب < تدمير دولة إسرائيل > .
كما صدرت في القاهرة تصريحات عديدة مفادها :" إذا تعهد < الإسرائيليون > علنا بعدم مهاجمة سورية فنحن مستعدون من جانبنا لسحب جيوشنا من الحدود" .
ٍوفي خطابه أمام مجلس الأمة يوم 29/5 أوضح الرئيس عبد الناصر استعداد العرب لمواجهة < إسرائيل > واستعادة حقوق شعب فلسطين كاملة ، وأن الاتحاد السوفييتي يقف مع العرب ولن يسمح لأي قوى خارجية بالتدخل ،وقال : إننا سنقرر الوقت وسنقرر المكان ولن نتركهم يقررون الوقت والمكان ، علينا أن نستعد لننتصر . ..وقد تمت هذه الاستعدادات ، ونحن على استعداد لمواجهة إسرائيل .
وفي سورية ، كان وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد قد صرح يوم 20 أيار / مايو عن استعداد الجيش وذكر أن القوات اصبحت مستعدة ليس لرد العدوان فقط وإنما لنسف الوجود الصهيوني .
_بداية العدوان_
قبل أسبوعين من بدء العدوان ، بدأت مخابرات القوى الجوية < الإسرائيلية > تراقب عن كثب حركات الطيارين في المتحدة ، وأفادت التقارير : ( أنهم يقلعون عند الفجر للاستطلاع ويبقون في الجو نحو ساعة ، ثم يعودون إلى قواعدهم ويذهبون لتناول طعام الصباح ، فبين الساعة 7 و 8 صباحا لا شيء يتحرك على مهابطهم ، لذا فان الساعة 7 و45 د هي بالنسبة لنا الساعة المثالية ) . وكانت استراتيجية القوى الجوية < الإسرائيلية > هي : 1 ـ قصف المطارات ومدارجها ، ثم الطائرات الجاثمة على الأرض ، وأخيرا الرادارات ومنشآت الطيران 2 ـ التنسيق الدقيق بين القوات البرية والجوية سيتيح إلحاق هزيمة سريعة بالعدو 3 ـ يجب أن تدور المعارك على أرض العدو 4 ـ تدمير قواته بأسرع ما يمكن 5 ـ تركيز الهجوم على جبهة واحدة ، وموقف دفاعي على الجبهتين الأخريين مع شن هجمات صغيرة محلية من شأنها منع العدو من دخول < أراضينا > .
بدأ العدوان الصهيوني، صباح 5 حزيران (يونيو) 1967 كما هو معروف، بقصف المطارات في ال ج.ع.م ولمدة ثلاث ساعات تقريبا وعلى ثلاث هجمات .
لقد سمعت القيادة السورية هذا النبأ من أجهزة الإعلام، و أذيع البلاغ الأول الذي يعلن بدء القتال في الساعة 8 و 50 د من راديو القاهرة ، كما يلي : ( لقد أغارت الطائرات < الإسرائيلية > على القاهرة وعلى مطارات أخرى ، ولقد مضت القوات المصرية إلى لقاء العدو وصده .
وفي إذاعة عبرية أخرى هاجم راديو القاهرة وزير الدفاع < الإسرائيلي >: أين أنت يا موشي دايان ؟ في عام 1965 سموك قائد النصر ، أما اليوم فأنت وزير الهزيمة ، لقد فقأ شعبنا السوري الشجاع إحدى عينيك ونحن سنفقأ لك الأخرى .
وفي الساعة 9 و 25 د أذاعت دمشق : نحن معكم يا رفاق السلاح في القاهرة ، نحن معكم يا رفاق السلاح في غزة وسيناء وشرم الشيخ ، نحن معك يا شعب الأردن وأنت تتقدم بشرف نحو تل أبيب ، أضربوا دون رحمة ونحن معكم .
وفي الساعة 9 و 40 د أعلن راديو عمان : أيها العرب في كل مكان ، لقد دقت ساعة التحرير واستعادة حقوقنا المهدورة ، ونحن في المعركة الحاسمة التي نخوضها حاليا ضد قوى الشر والعدوان الصهيوني وسنهدم الحدود المصطنعة ونستعيد ما سرق منا ، إلى الأمام ، إنها الحرب المقدسة من أجل النصر .
إن المفاجئة كانت مذهلة ، واستغرقت القيادة العسكرية في المتحدة وقتا دام أكثر من ساعة حتى أدركت ما حدث ، وأصبحت حسب قول الرئيس ناصر ( مثل واحد حصل له انفجار في المخ وأصاب بالشلل جسمه كله )، ووقتا أطول حتى اطلع الرئيس عبد الناصر على بعض ما حدث ، ومن نتائج هذا الذهول لم يكن هناك في المتحدة ، من يبلغ القيادتين السياسية والعسكرية في سورية عما يحدث ، كما لم يكن هناك من يجيب على نداء القيادة العسكرية في سورية التي حاولت الاتصال بقائد الأركان المشتركة في ال ج.ع.م بواسطة جهاز اللاسلكي الذي كان مفتوحا باستمرار بين القيادتين منذ بدء التحضير لمواجهة العدوان، و لم تتمكن من تحقيق الاتصال إلا حوالي الظهر، وفي هذه الفترة كان الطيران الصهيوني قد ركز غاراته على المطارات السورية ودمر الأكثرية الكبيرة من سلاح الجو السوري والطائرات العراقية العسكرية في مطار إتش 3 ، وتتالت الاتصالات بين القيادتين العسكريتين، ومع الفريق عبد المنعم رياض قائد الجبهة الأردنية الذي اتخذ من الأردن مقرا له.
وفي المساء ، توجه راديو < إسرائيل >باللغة العربية إلى جنود جيش المتحدة : إن زعماءكم يقودونكم نحو الكارثة ، لقد بدأت المعارك ، لقد دقت ساعتكم ، انهضوا وأسقطوا نظام ناصر الديكتاتوري ، لقد دقت ساعتكم ، قفوا ضد جمال عبد الناصر .
وتتالت ، بسرعة ، الأخبار عما يحدث في جبهات ال ج.ع.م والأردن، وعن تقدم قوات العدو الصهيوني السريع في سيناء وفي الضفة الغربية وغزة، مستغلا تفوقه الجوي، وعدم وجود أي تغطية للقوات العربية.
اجتمع مجلس الأمن فور بدء العدوان ، وتوصل يوم 6 / 6 إلى قرار يطلب فيه من القوات المتحاربة وقف إطلاق النار ، وهو وقف غير مقترن بشرط .