ملاحظات وتعقيب على رباعية

الدكتور: كمال خلف الطويل حول اللجنة العسكرية

                                        بقلم محمود جديد

  (4-4 ) 


 

   حول الحلقة الرابعةمن الرباعية :

      يتابع الدكتور الطويل وقوعه في مطبّات غزارة المعلومات والمصادر المتوفرة لديه ، وذكر وقائع غير صحيحة ، ففي معرض حدثه عن التخطيط للانقلاب الذي أشرف عليه " الرزّاز"، ويقوده عسكريّاً فهد الشاعر فيقول : " ورغم أنّ الرزاز وافق على الشرط ( أن لايتصل الرزاز بأي ضابط علوي ) ، إلاّ أنّه حافظ على خيط اتصال مع أحد ضباط انقلاب شباط هو المقدّم :علي مصطفى القريب الصلة بحافظ الأسد "

 إنّ هذه المعلومة غير صحيحة ،لأنّ علي مصطفى كان من مجموعة ( عمران – صلاح البيطار) ، ولم يشارك في حركة 23 شباط ، وتمّ تسريحه من الجيش ، ونقله إلى وزارة الخارجية عقب قيام هذه الحركة مباشرة ...

-  يذكر كمال الطويل :" دخل النيو-بعث في صراع شرس مع حركة فتح في محاولة للسيطرة عليها من الداخل عبر دمج عسكريي البعث الفلسطينيين في مراتبها القيادية والذي قاومته الحركة لدرجة تصفية يوسف عرابي بالنار في إحدى شقق دمشق أدّى ذلك لسجن عبد الرؤوف عرفات القدوة وخليل الوزير لحوالي الشهرين .سبب هذا الصراع قراراً للمؤتمر القومي للنيو-بعث في اكتوبر 66 بإنشاء منظمته المستقلّة للعمل الفدائي الفلسطيني باسم الصاعقة وبتبنيه لمقولة حرب التحرير الشعبية ."

 إنّ رواية الطويل حول دخول البعث في صراع مع حركة فتح غير صحيح على الإطلاق ، فالبعث هو الذي احتضن المقاومة بكل الحبّ والاحترام ،  وأول رصاصة أطلقتها في عام65 كانت من الأرض السورية ، ونظام البعث هو الوحيد الذي استجاب لاستغاثة المقاومة وهي تُذبَح في أحراش جرش وعجلون وشوارع عمّان ، ودفع حوالي 250 دبّابة وآلاف الجنود لنجدتها إلى الأردن في شهر أيلول الأسود من عام 1970 ، وفتح مخازن ومستودعات جيشه لمقاتليها، وكاد أن يتعرّض لعدوان اسرائيلي جديد  بسبب ذلك ، وهنا يستغرب القارىء المنصف كيف  يتجاهل ابن فلسطين كمال الطويل هذا الحدث الخطير في تاريخ الثورة الفلسطينية ، ويتناسى مؤقتا تهديدات القيادة الإسرائيلية لسورية بسبب دعمها للعمل الفدائي الذي أطلقته حركة فتح ، والذي شكّل سبباً مهماً لعدوان الخامس من حزيران ، مع العلم أن قادة فتح كانوا يحترمون قيادة 23 شباط ، ويقدّرون وقوفها إلى جانبهم ، كما أشار الأخ أحمد جبريل في شهادته على العصر إلى طبيعة الخلافات التي كانت دائرة داخل مكوّنات فتح والتيارات التي كانت موجودة فيها....  ولم يدفع نظام البعث الضابط الفلسطيني البعثي :يوسف عرابي لأن يكون في قيادة فتح ، وإنّما طموحات وحماس وإخلاص هذا الضابط ، والحسابات الخاصة للمرحوم أبو عمّار دفعت باتجاه اغتيال المرحوم عرابي ، ولو كان تقييم الطويل صحيحاً لما اكتفت السلطات السورية بحوالي شهري اعتقال على جريمة قتل رفيق عزيز مثل يوسف عرابي ، علماً أنّ هذه الجريمة حدثت قبيل قيام 23 شباط ، ولا علاقة لها بإنشاء منظمة الصاعقة الذي تمّ في وقت لاحق  . أمّا مقولة الطويل عن قرار المؤتمر القومي بإنشاء منظمّة الصاعقة فهو غير دقيق ،لأنّ هذه المنظمة نشأت بعد عدوان حزيران 67  وليس قبله على الإطلاق ، ولكن نهج الطويل الظالم الذي يستهدف البعث وخاصة صلاح جديد ، يعرض المعلومة ويلبسها فستاناً مزركشا من خياطته ، بهدف إيصالها إلى ذهن القارىء بسلاسة ، ولكنه كان بحاجة لذلك ليصدقه الناس بأنّ (عقلية صلاح جديد المغامرة) هي التي استدرجت العدوان ، كما سنرى في فقرة لاحقة ، مع العلم أنّ قرار المؤتمر القومي التاسع  كان على الشكل التالي :" يرى المؤتمر أنّ الإعداد لحرب التحرير الشعبية يعتبر من المهمات الأساسية والعاجلة للحزب ، ويقرّر المؤتمر أنّه على القيادة القومية تهيئة كافة الدراسات والإمكانيات اللازمة لتحويل هذا الشعار إلى واقع عملي في أقرب وقت ممكن ."

وليعلم الدكتور الطويل أن تشكيل منظمة الصاعقة جاء تلبية  لطلب من القيادة القطرية الفلسطينية في الوقت الذي تعددت فيه الفصائل الممثلة لتيارات أخرى ، ولعبت دوراً إيجابياً متميّزا في النضال الفلسطيني حتى حدوث انقلاب حافظ الأسد في عام 1970 ..

 -  يصوّر الدكتور الطويل صلاح جديد بأنّه من ذوي " النزعة المغامرة" ...وهذا دليل قاطع جديد على أنّ الكاتب يجهل طبيعة هذا الرجل ، فصلاح جديد كان رجلاً رصيناً جدّاً ، يدرس الأمور والمسائل بأسلوب علمي دقيق ، ولكنّ ثباته على مبادئه الوطنية والقومية التي يؤمن بها ، وإخلاصه وتفانيه في سبيلها تجعل بعض الكتاب والساسة الذين لايعرفونه يقعون في خطأ توصيفه وتقييمه ، ولو جلست معه مرّة واحدة أيّها الدكتور لما حكمت عليه هذا الحكم  إذا كنت منصفاً ... فما هو الدليل والبرهان لإثبات ذلك الوصف ؟ هل يوجد تصريح أو خطاب ، أو قرار اتخذه شخصيّاً ، أو تعميما حزبياً وزّعه ، أو محاضرة ألقاها، أو موقفاً محدّدا موثقاً عبّر عنه ..الخ يشير إلى ما ذكرته عنه ؟... . إنّ إلصاق صفة " النزعة المغامرة" كانت ضرورية للكاتب ، ومتعمّدة منه حتى يعرض أفكاره المسبقة بأسباب عدوان حزيران بشكل متسلسل ومنطقي ومقبولة للقارىء لتضليله عن الحقيقة ، وتحميل صلاح جديد مسؤولية كل شيء سلبي أُرتكِب في سورية ، سواءً أكان صحيحاً ، أم افتراءً وكذباً ..ولذلك يتابع الطويل نهجه المتحامل والمفتري في تحليل الأحداث ،وتصوّره لها فيقول: " والشاهد أنّ قرار صلاح جديد بالتصعيد مع إسرائيل غرائبي الطابع ...ثمّ يوجّه سؤالاً إلى صلاح :"إذن علامَ تعتمد في تصعيدك ؟...الخ    

يصرّ الدكتور الطويل على تصوير صلاح جديد بالحاكم المطلق لسورية ، والديكتاتور الذي لا مردّ لرغباته وقراراته ، بالرغم من أنّ الكاتب فشل في عرض أي دليل ملموس يشير إلى ذلك ، وكل محايد نزيه يعلم أنّ سورية بعد 23شباط 66 ،وحتى 1968 كانت تُحكَم بقيادة جماعية ، وصلاح جديد لم يمتلك أكثر من صوت داخلها ، ولم يستلم أيّ منصب تنفيذي في هياكل الدولة ، ولم ينفرد في حياته بقرار استراتيجي يخصّ الحزب والدولة ، لا بل جرت أمور عديدة ضد رأيه ، فهو لم يوافق على إبعاد اللواء زياد الحريري ، ولا إبعاد اللواء عمران ، ولم يوافق على ترفيع حافظ الأسد إلى رتبة لواء ، وهو الذي اقترح تبديل قيادة الجيش بعد  الهزيمة العسكرية في 5 حزيران في الاجتماع المشترك للقيادتين القطرية والقومية ، وسقط اقتراحه بفارق صوت واحد ، و كان أكثر المتشددين لتنفيذ قرار قيادة الحزب بتبديل مراكز القوى في عام 1968 ومن ضمنها وزارة الدفاع ، ولم يفلح بذلك  ، وهو الذي اقترح قيام هجوم معاكس أثناء عدوان حزيران لسدّ الخرق الإسرائيلي في القطاع الشمالي من الجبهة بواسطة اللواء 70 مدرع والمجموعة القتالية الداعمة له ، والذي كان متواجداً في منطقة الصرمين شرق القنيطرة مباشرة وليس في دمشق كما يروي بعض الحاقدين ، ولم تلتزم قيادة الجيش بذلك ، وله مواقف أخرى قبيل انقلاب حافظ الأسد سيأتي ذكرها مستقبلاً، ولي دراية مباشرة بها ...أمّا فيما يتعلّق بالتصعيد وأسباب عدوان حزيران فلن ألجأ إلى أسلوب الكاتب في سرد الأحداث بشكل انتقائي وظالم معتمداً على أرشيف قد يحمل في طياته الصدق والكذب والخطأ ... ولذلك سأحيل الدكتور إلى ما كتبه المرحوم الفريق محمد فوزي ، رئيس أركان الجيش المصري أثناء عدوان حزيران ، والشخصية المصرية المحترمة جداً والصادقة والمؤهّلة ،حيث يقول في مذكراته (ص69) ما يلي :"  منذ عام 1957 والقيادة السياسة والعسكرية في مصر تريد أن تسحب قوّة الطوارىء الدولية ...حيث كان في وجودها مساس بالسيادة الوطنية لمصر . لقد اتضحت لي رغبة كل من الرئيس جمال عبد الناصر، والمشير عبدالحكيم عامر فيما قبل 1967 ،بانتهاز أي ظرف دولي أو إقليمي ،يسمح بإزالة هذه القوات ، وحانت هذه الفرصة عندما أعلنت مصر أنّها على استعداد لدخول المعركة ضدّ إسرائيل ، إذا تعرّض القطر السوري للعدوان كما جاء في تهديدات ليفي أشكول ،وأبا إيبان، ورابين رئيس الأركان الإسرائيلي والتي وصلت إلى حدّ الإنذار بغزو سوريا . وكان على مصر أن تتحيّن الظروف السياسية والعسكرية لإزالة قوات الطوارىء الدولية على الحدود الشرقية وللسيطرة على مدخل خليج العقبة ."  ثمّ يشرح الفريق فوزي السبب الحقيقي لحشد القوات المصرية في سيناء فيقول في (ص 71 ) :" في 14/5/967 كلّفني المشير عامر بالسفر إلى دمشق في مهمة للتحقيق ،ومعرفة مدى صحّة المعلومات التي وصلت من الاتحاد السوفييتي ودول أخرى عن الحشد العسكري الإسرائيلي على حدود سوريا. سافرت فعلاً إلى دمشق في اليوم نفسه ، ومكثت 24 ساعة تفقدت فيها قيادة جبهة سوريا، كما سألت المسؤولين العسكريين في قيادة الأركان والجبهة عن صحة المعلومات الخاصة بحشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية ، وكانت النتيجة لم أحصل على أيّ دليل مادّي يؤكّد صحّة المعلومات بل العكس كان صحيحاً ،إذ أنني شاهدت صوراً فوتوغرافية جوية عن الجبهة الإسرائيلية ، التقطت بمعرفة الاستطلاع السوري يوم 13،12 /5/ 967 ،فلم ألاحظ أيّ تغيّر للموقف العسكري العادي .....عدت إلى القاهرة يوم 15/5/67 ، وقدّمت تقريري إلى المشير عامر،وهو التقرير الذي ينفي وجود أيّة حشود إسرائيلية على الجبهة السورية ،فلم ألاحظ أيّ ردود فعل لديه عن سلبية الوضع على الحدود السورية الإسرائيلية ، ومن هنا بدأت أعتقد أنّ موضوع الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا هو من وجهة نظر المشير ليس سبباً وحيداً أو رئيسياً في إجراءات التعبئة والحشد التي اتخذتها مصر يهذه السرعة ."

كما يعتبر الفريق فوزي في الصفحة 83 أنّ إغلاق خليج العقبة في وجه الكيان الإسرائيلي هو السبب المباشر في قيام القوات الإسرائيلية بالهجوم صباح5 حزيران67 ، لأن صدور هذا القرار هيّأ (لإسرائيل) الأسباب والمبررات التي استندت إليها في اتخاذ قرار الحرب ...وبعد هذا الوضوح الكامل الذي عرضه الفريق فوزي ، يأتي الدكتور الطويل ليتهم صلاح جديد ظلماً بأنّه كان وراء التصعيد مع (إسرائيل) ، وأن تشكيل منظمة الصاعقة التي لم تكن موجودة أصلاً في ذلك الوقت هي السبب المباشر لعدوان حزيران ...  

يذكر الطويل أنّه  بعد عودة فوزي من دمشق ،وإبلاغه من قبل وزير الدفاع ورئيس الأركان السوريين بعدم وجود حشود(إسرائيل) على الجبهة السورية  "سارع صلاح جديد بإرسال وزير خارجيته الموثوق إبراهيم ماخوس للقاء عبد الناصر ،واستكشاف آفاق تحرّكه ونواظمه ومحدداته فوجده قد قرّر المزيد من التصعيد بإغلاق خليج العقبة ..." هذا وقد سألت الرفيق الدكتور ماخوس عن حقيقة ما جرى ،وقد أفادني بأن قيادة الحزب أرسلتني إلى الرئيس الراحل عبد الناصر لأبلغه مناشدتها بعدم اتخاذ أي قرار عاطفي تجاه سورية ، أو تحت الضغوط الإعلامية الاستفزازية التي شنّها عليه بعض الساسة والصحفيين خارج مصر بخصوص تواجد قوات الطوارىء الدولية فوق الأرض المصرية ...

- يقول الدكتور الطويل : " في يناير 67 سافر صلاح جديد إلى موسكو ، وأُستقبِلَ استقبال المحظيين ، ممّا أشهر مكانته لديها مستعيداً بعض ملامح مكانة عبد الكريم قاسم عندها 58 – 63 –لم يسمع جديد كلاماً مهدّئاً من بريجنيف بخصوص سياسته الفلسطينية ."

لقد تأكّد لي أكثر فأكثر أنّ الطويل يعتمد على خياله الخصب في وصف بعض الأحداث لكي تتماشى مع تصوّره المسبق أو الذي يريد عرضه ، ولو كان على حساب الحقيقة ، فقد اعتبر صلاح جديد  الآمر الناهي في سورية منذ63 ( وهو لم يكن كذلك ) ، وهل شخص بهذه الأهمية بحاجة إلى إشهارنفسه عند السوفييت الذين كانوا يتابعون التطورات السياسية في سورية بكل اهتمام ؟ ثمّ يريد الطويل أن تغيّر زيارة صلاح جديد إلى موسكو إستراتيجية الروس التقليدية القائمة على التهدئة ، والابتعاد عن التصادم مع الغرب في المنطقة ، أو الموقف التقليدي للسوفييت من وجود ( إسرائيل ) واستمرارها ...وعلى كلّ حال، فليعلم السيد الطويل بأنّ بريجنيف لم يقابل الوفد السوري ، وأنّ هذا الوفد اختلف مع الطرف الروسي عند صياغة البيان المشترك حول إصراره على الإشارة إلى الفلسطينيين "بعرب فلسطين " ، بينما رفض وفد الحزب ذلك رفضاً مطلقاً ،وأصرّ على استعمال " الشعب العربي الفلسطيني" ،  كما حدث خلاف آخر حول رغبة السوفييت باستخدام عبارة البعث السوري بدلاً من اسمه الحزبي المعتمد المعروف، ونتيجة لذلك عاد الوفد السوري بدون إصدار بيان مشترك عن الزيارة ، وبعد فترة  تراجعت القيادة الروسية عن شرطيها ، وتمّ استدراك البيان المشترك في وقت لاحق. فالصداقة السوفييتية – السورية ، والتي نعتز بها ، (والتي يتحسّر عليها الجميع في عصر الانحطاط الراهن )  لم تكن بأي شكل من الأشكال تعني الإلحاق والتبعية للروس ، وإنّما كانت قائمة على الاحترام المتبادل لخصوصية الطرفين والمصالح المشتركة بينهما ...

 يقول الطويل :" في ذات الوقت كان عبد الكريم الجندي يسمح لنفسه من موقعه كمدير للمخابرات العامة باللجوء إلى سلاح أبعد ما يكون عن القومية وهو دعم التمرّد الكردي المسلّح في العراق ،  ...ومحتضناً الطالباني لاستخدامه ورقة تستنزف النظام القومي الضعيف في بغداد آملاً بتساقطه في أحضان بعث-اليسار ..امتداد النيو –بعث السوري ( امتدت هذه السياسة منذ 66 وحتى 2003 مع الأسف).."

إنّ كمال الطويل يصرّ على حشركلّ صغيرة وكبيرة في موسوعته ، وبدون رابط أحياناً بهدف الإيذاء وليس التوضيح ، فالكل يعلم أن الطالباني كان منشقاً عن البرازاني قبل ذلك التاريخ ، وأنا لي شهادة خاصة مباشرة حول ذلك ، لأنّي كنت قائد سرية في قوات اليرموك بقيادة المرحوم فهد الشاعر التي أرسلها النظام السوري في صيف 963 لمساندة الحكومة العراقية ضد تمرّد البرازاني ، وكانت عناصر الطالباني تنسّق مع الجيشين العراقي والسوري ، وتقاتل معهما ضد قوات البرازاني ، وكانت تُسمّى " فرسان صلاح الدين" ، وكل مَن شارك في قوات اليرموك يعلم ذلك جيّداً ، وقد عدنا من العراق بعد الردّة التشرينية عام1963 ..أمّا بالنسبة لتعامل المرحوم عبد الكريم الجندي مع الطالباني فلم أسمع أو أقرأ مثل هذه المعلومة وقد سألت الرفيق الدكتور ماخوس عنها ، فنفى علمه بأيّ شيء من هذا القبيل ، ولذلك أرجو أ،ن يوضّح مصدره للعودة إليه باستثناء الأرشيف الأمريكي الذي يتعذّر الاطلاع عليه ، ولكن الذي استطيع تأكيده هنا أنّ حزبنا لم يكن له أية علاقة مع أيّ حزب كردي في العراق ، ولم تظهر مثل هذه العلاقة في سورية إلاّ بعد الردّة في عام 1970 . وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ الشعب الكردي مظلوم ، وله الحق في تقرير مصيره  كمعظم شعوب الأرض ، غير أنّ قيادته التاريخية أساءت لقضيته ، وتاجرت بها من خلال علاقات غير صحيحة، ومشبوهة أحياناً أقامتها مع أطراف إقليمية وغربية وشرقية في وقت تمرّ فيه أمتنا العربية بظروف صعبة ومعقّدة ، وهي تتعرّض لشتى أنواع الظلم والاحتلال ، ومهدّدة بالتمزيق والتفتيت بشكل مستمر، ولكنني أميّز جيداً بين الشعب الكردي الصديق وبين قادته هؤلاء ، وبين مطالبه القومية المشروعة وبين أطماع بعض سياسييه التي وصلت إلى مشارف محافظة حمص واللاذقية ، كما أميّز بين الأخوة السوريين الأكراد الذين يجب أن يتمتعوا بكامل حقوق المواطنة كغيرهم ، وهذا ليس منّة أو هبة من أحد ، وبين الأكراد الأتراك الذين نزحوا من قراهم في تركيا نتيجة الظلم والاضطهاد أو وفق هجرة منظمة غير مشروعة لها أبعاد ومخططات قومية في منطقة الجزيرة ، وما أظن أنّ أيّ سوري وطني غيور يقبل بها ، ولكن يجب التعامل معهم بشكل إنساني ريثما يعودون إلى بلدهم ... 

وأخيراً، أرجو المعذرة من قرّاء ملاحظاتي وتعقيبي لعبارة كتبتها في الصفحة الأولى من الحلقة الأولى ، وهي"أنّ ما كتبه كمال الطويل كان أقلّ سوءا وتحاملا ًمن الآخرين ." لأنّه تبيّن لي لاحقاً أنّ ما كتبه هو الأخطر على الإطلاق بعد المزيد من التفحّص والتعمّق به ...وعلى كلّ حال ، إنّني على قناعة تامة بأنّ الهدف الأساسي للدكتور الطويل من كتابة رباعيته حول اللجنة العسكرية هو الإساءة المتعمّدة للمرحوم اللواء صلاح جديد ، مستغلاً المعلومات المتوفرة لديه من الأرشيف الأمريكي الذي تحدّث عنه والمراجع الأخرى لرسم صورة مشوّهة ظالمة لهذا الرجل ، وبشكل تحمّله مسؤولية كل صغيرة وكبيرة تمت في سورية منذ عام 1963 ، بهدف استكمال الاستهداف الشامل لكافّة أجنحة البعث واستئصالها بالجملة والمفرّق ، كجزء من الحملة المركّزة على الفكر القومي في العصر الأمريكي – الصهيوني الراهن ، وهذا الاستئصال والاستهداف لا يبغي أخطاء تجارب البعث وغيره في الحكم ، وإنّما طمس وانتزاع الفكر القومي من الجذور .... وهنا لا أتهم الدكتور كمال الطويل حتى الآن أنّه متورّط في هذا المخطط ، ولا أملك الأدلّة على ذلك ، وأتمنّى أن لا أصل إلى هذه النتيجة ، وخاصة أنه منخرط في مهام يستحق عليها كل تقدير وثناء ، وأنّه ينتمي إلى أسرة فلسطينية محترمة وعريقة وإن كان هذا الانتماء  لا يعطيه حصانة من شيء   ...ولكنّ السؤال الذي يحيّرني ويقلقني هو : ما الدوافع الحقيقية لتبرّعه بالكتابة عن مرحلة ما قبل 1970 ، وأن يعرضها بهذا الأسلوب الانتقائي المجحف ، وبهذا المضمون الظالم ؟ علماً أن مشاكل أمتنا العربية في هذه المرحلة التاريخية العصيبة تكاد أن تخنقنا جميعاً ، وتحتاج إلى جهود جميع أبنائها المخلصين ، وخاصة النخب المثقفة من أمثال الدكتور الطويل وغيره ، لكي تستخدم أقلامها وعقولها في فضح وتعرية المخطط الإمبريالي – الصهيوني ،وتوعية الجماهير العربية والصديقة ، ورصّ صفوفها حتى تتمكّن من درء مخاطر هذا المخطط ، والتصدّي  له بنجاح ، والذي لا يتجاهله إلاّ كلّ أعمى بصر وبصيرة أو ...

- وختاماً ، أناشد كلّ رفاق صلاح جديد السابقين الذين شاركوه العمل السياسي والحزبي والعسكري دون استثناء أن يخرجوا عن صمتهم ،لأنّ الغرض الحقيقي من استهداف اللواء الشهيد : صلاح جديد بعد أن اغتياله في سجنه منذ 12 سنة هو استهدافهم الآن ، ومستقبل الخط الذي مثلته حركة 23 شباط ، لقطع الطريق عليهم في المشاركة بأيّ دور سياسي يتعلّق بمستقبل القطر العربي السوري مستقبلاً، ومناشدتي هذه لا تعني على الإطلاق الطلب من أحد أن يكون شاهد زور ، وإنّما قول الحقيقة ، والدفاع عن إيجابيات الحقبة التي شارك فيها ، والردّ على الأكاذيب وتصحيح الوقائع منعاً من تضليل الأجيال الجديدة ، ولحماية تجربة الحزب بإيجابياتها وسلبياتها من التشويه والتزوير ،  وهنا لابدّ لي بهذه المناسبة من توجيه تحيّة خاصة حارة إلى الرفيق مروان حبش لقيامه بهذا الدور الإعلامي الهام ...

                  في : 4-6-2005