الانسحاب العسكري من غزة ،وتفكيك الاستيطان فيها
وجهان لعملة غير واحدة
محمود جديد
- ذاق الإسرائليون مرارة غزة عقب احتلالها في عام 1956 ، بالرغم من قصر فترة بقائهم فيها ،لأنّهم أُجبروا على الانسحاب منها بضغوط دولية ، ولذلك ففي عشيّة عدوان حزيران /جوان / 1967 ، وعند مناقشة خططه من قبل كبار القادة العسكريين الإسرائليين اختلفوا بشأن الموقف منها ، وكان / رابين / من المعارضين لاحتلالها ، ثمّ انضمّ /دايان / لموقف /رابين/ مبرّراً ذلك بوجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطنيين الذين يجب عدم التعامل معهم مباشرة ، وإنّما يتولّى أمرهم أشخاص آخرون ...ولكن الأكثرية كانوا مع الاحتلال .( هآرتس -12/ 09/ 2005 ) .
وبعد احتلال غزة عام 1967 أجمع الإسرائليون على عدم إعادتها نهائياً ، واعتبارها كالقدس ، وقد صرّح /شارون/ للمستوطنين فيها أكثر من مرّة بأنّ " نتساريم مثل تل أبيب " . فما هي الأسباب والعوامل التي دفعته ليقتنع بضرورة الانسحاب منها ؟
1 – إنّ العامل الرئيسي والأساسي هو صمود أبنائها ، وتضحيات وبطولات مقاوميها ، وفشل /شارون/ بكل جبروته وطغيانه في كسر إرادة الشعب الفلسطيني فيها ، وهذا يعني أنّ الاستمرار في احتلالها أصبح مشروعا استعمارياً استيطانياً خاسراً ، ولا آفاق مستقبلية له ...
2 – هنالك عوامل أخرى رئيسية وثانوية متاخلة مع العامل الأول ، وتصبّ في الاتجاه نفسه ، منها خلق أجواء سياسية وأمنية جديدة تغطي على فضائح فساد/شارون/ ،وفساد أبنائه ، ووقف الاستنزف العسكري والاقتصادي والسياسي الإسرائيلي المديد ، والتفجير الأمني المستمر بفضل أبطال انتفاضة الأقصى ، وخلق معطيات سياسية في المنطقة تفتح له أبواب التطبيع مع الدول العربية والإسلامية تشكّل له متنفساً اقتصادياً وسياسياً ، وإيقاف تدهور سمعة الكيان الصهيوني على الصعيد العالمي ، وعلى الأخص في المجتمعات الغربية ...
- وعلى كل حال ، فإنّ شارون ترجم ما تقدّم ذكره ، ولخّصه عندما حدّد أهداف خطة فصله المنفردة بقوله :" تهدف الخطة إلى خلق وضع أمني ، سياسي، اقتصادي ،ديمغرافي أفضل ."
ويبدو أنّ شارون قد توصّل إلى قناعة بأنّ الإدارة الأمريكية بعد الظروف الصعبة التي تواجهها في العراق ، وتنامي روح الكره والعداء لها بسبب موقفها المتحيّز بشكال أعمى للكيان الصهيوني ، ترغب في تحقيق إنجاز ما على الساحة الفلسطينية ضمن سياق "خارطة الطريق" ، وخاصة في ظل تأييد غربي واسع رسمي وشعبي لهذا التوجّه ، وقد أشار المناضل الدكتور : مصطفى البرغوثي في مقاله " بالعربي ...ليس انسحاباً " والمنشور في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 7-9-2005 إلى بأن مفهوما جديداً للأمن القومي الإسرائيلي طوّره فريق رفيع المستوى برئاسة /دانمريدور وعضوية رئيس مجلس الأمن القومي ، يعترف بازدياد أهمية الأسرة الدولية وتعاظم قدرتها على فرض خطوات على الدول في أرجاء العالم ، ومعنى ذلك بكلمات التقرير :" إنّ الضغط سيشتدّ على إسرائيل لوقف سيطرتها على الأراضي المحتلة عام 1967 ." ولمّا كان قطاع غزة الجزء الفلسطيني الأكثر سخونة وإرهاقاً للكيان الصهيوني ، وعدد المستوطنين فيه لايتجاوز/2 بالمائة / من عدد المستوطنين في الضفة والقدس وكل مستوطن فيه يحتاج إلى أربعة جنود لحمايته ، وأنّ أيّة (تسوية) مع الفلسطينيين سيكون القطاع مرشحاً أكثر من غيره ليكون مشمولاً بهذه ( التسوية ) ، وبما أنّ شارون لايحب الالتزام بالاتفاقات الدولية فإنّه قد يفضل التخلّي عن غزة من تلقاء نفسه ،لأنّ مثل هذه الخطوة المنفردة صالحة للتجيير والاستثمار والاستغلال في اتجاهات متعددة الأوجه والأشكال / إسرائيلياً وفلسطينياً وعربياً ودولياً / ، وفي الوقت نفسه من السهل التراجع عنها ، أو استعمالها ذريعة لإرهاب الشعب الفلسطين في غزة بأقلّ الخسائر كما نلمسه في هذه الأيام ... وكورقة ضاغطة بقوة على السلطة الفلسطينية من أجل سحب سلاح المقاومة وتدجينها ...
وهناك أيضاً العامل الديمغرافي الذي يقض مضاجع الاسرائليين ويحسبون له ألف حساب ، ففي اللحظة الراهنة أصبحت نسبة العرب داخل فلسطين المحتلّة بكاملها تساوي /50,5 بالمائة / مقابل 49,5 / للإسرائليين ، وبالتالي فهو يصحّح المعادلة الديمغرافية بإخراج مليون وأربعمائة فلسطيني /حوالي15 بالمائة /من عدد السكان مقابل التخلّي عن 1 بالمائة فقط من مساحة فلسطين ...كما تغطّي الخطوة المنفردة الشارونية على الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري الذي يرسم بمساره حدود الكيان الصهيوني الجديد ، ويقطع الطريق على السلطة الفلسطينية لاستثمار قرارات محكمة العدل الدولية حياله في الأمم المتحدة وخارجها .
وعلى كل حال، فإنّي أعتبر أنّ ظهور الصواريخ الفلسطينية المنتجة محلّيّاً ، واحتمال الإسراع في تطويرها ،وزيادة مداها حتى تصل المدن الإسرائلية مثل / عسقلان / وغيرها ، ستربك القيادات العسكرية عند اتخاذ قراراتهم الإجرامية تجاه الشعب الفلسطيني ، وخاصة إذا انتقلت هذه الصواريخ إلى الضفة الغربية ، لأنّ فعاليتها هناك ستكون أكبر بكثير بسبب استغلال العوامل الجغرافية والطبوغرافية للضفة ، لكونها تحازي الكيان الصهيوني على طول امتدادها ، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار محدودية العمق الإسرائيلي باتجاه الغرب ، ممّا يجعل الصواريخ الفلسطينية تهدّد معظم التجمعات السكانية الإسرائيلية ، كما يمكن أن تخلق الظروف المناسبة للتكامل والتنسيق مع شبكة صواريخ المقاومة اللبنانية إذا تصاعد الموقف العسكري وتفجّر على نطاق واسع في المنطقة ، وهذا يجعل كل بقعة من فلسطين المحتلة معرّضة للصواريخ الفلسطينية واللبناية ( جنوباً وشمالاً وشرقاً) ، ولذلك أزعم أنّ بروز عامل الصواريخ كان من العناصر المؤثرة والفاعلة التي أجبرت شارون على الانسحاب العسكري من القطاع وتفكيك الاستيطان فيه ...لأنّه يحسب الأمور العسكرية بشكل دقيق ...وبذلك أستطيع القول : إنّ الانسحاب من غزة يُعتبَر حطوة تكتيكية لها أهداف ونتائج استراتيجية في الضفة والمنطقة ...فشارون لايريد أن يرى نفسه /باراكاً / ثانياً عنما اتخذ قرار الانسحاب من جنوب لبنان بشكل مذلّ ، ولذلك فإذا استبق الزمن ،وتحكّم بتوقيت الانسحاب من غزة ، وبالشروط والظروف التي يريدها ستكون خسائره العسكرية والمعنوية أقلّ بكثير ، كما سيجني منها مكاسب سياسية معتبرة على كافة الأصعدة ، بالرغم من متاعبه داخل حزبه ، أي سيحافظ على امتلاك المبادرة واستثمارها... أمّا على الجانب السياسي فإنّ خطوة الانسحاب من غزة عسكرياً واستيطانياً ستخلق انعكاسات ومعطيات يستطيع شارون – حسب تقديره – أن يحقق أمناً (لإسرائيل) يصل مداه إلى 20-30سنة ، وهذا ماصرّح به علناً أكثر من مرّة ، وذلك من خلال توظيف هذا الانسحاب والتلاعب والتدخّل في نتائجه ، وتوجيهها بما يخدم مخططه القائم على المماطلة والتسويف ، والتملّص من بحث المسائل الأساسية ( القدس – اللاجئون –المستوطنات – المياه – الحدود- ...)التي نصّت عليها / اتفاقية أوسلو ، وخارطة الطريق / بالرغم من المكاسب الكبيرة التي جناها الكيان الإسرائيلي منهما ...
غزة بين التحرير ، والسجن الكبير:
اخترت عنوان هذا المقال " الانسحاب العسكري من غزة ، وتفكيك الاستيطان منهاوجهان لعملة غير واحدة "،لأنّ الفهم الفلسطيني ، وآفاقه المستقبلية تختلف عن الفهم والمقاصد الإسرائيلية منه ، فالفلسطينيون ابتهجوا وكأنّهم في حلم عندما وجدوا أنفسهم يرقصون فرحاً على بقايا المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية التي شكّلت لهم كابوساً مستمراً منذ قيامها وإنشائها ، وأدركوا بالملموس وتذوّقوا ثمار صمودهم البطولي الذي لانظير له في التاريخ (حسب علمي) ، وتضحياتهم الخارقة التي سيكتب عن مفرداتها الكثيرون مستقبلاً ، وعاشوا نشوة الانتصار عقب الانسحاب العسكري والاستيطاني ، واحتفلوا ، وربّما بالغوا قليلاً ، لأنّ الحسابات الإسرائيلية ، أو الوجه الآخر من العملة الأخرى تصبّ في اتجاه إبقاء القطاع تحت الاحتلال بالسيطرة عليه برّاً وبحراً وجوّاً بعد أن تخلّصت الحكومة الإسرائيلية من أعبائه المباشرة المكلفة ، وسوّقت مسرحية تنفيذ إجلاء المستوطنين على الصعيد الدولي بشكل خبيث لاستدرار عواطف الرأي العام الدولي ، وقد قطفت بعض ثماره باللقاءات والمصافحات ، وأشكال جديدة من التطبيع مع مسؤولين عرب ومسلمين ، ووصلت الأمور ببعض منظمات حقوق الإنسان الإيطالية أن ترشح المجرم /شارون / لنيل جائزة نوبل للسلام ، بينما في جوهر الموضوع أنّ قطاع غزة بعد أن كان كل حيّ وشارع وقرية فيه عبارة عن سجن صغير ، والسجانون من جنود ومستوطني الاحتلال ، أصبح الآن في " ساحة التنفّس " لسجن كبير يشارك في حراسته إلى جانب جنود العدو سجّانون جددمن جنود النظام المصري وشرطة السلطة الفلسطينية ، ومقابل فتح أبواب السجون الصغيرة لتشكّل السجن الكبير هذا يقوم شارون بضمّ الكتل الاستيطانية حول القدس وباقي الضفة ، والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري ، وقضم وابتلاع الأرض الفلسطينية ، وتغييب وطمس المسائل الجوهرية والأساسية في الصراع العربي- الصهيوني ، والتي لاحلاً عادلاً لها على الإطلاق في ظل موازين القوى الراهنة ، وفي الوقت نفسه ، خلق الظروف الملائمة إسرائلياًودوليّاً ، وحتى من جانب السلطة الفلسطينية ، من أجل المزيد من الضغوط على فصائل الإنتفاضة لسحب سلاحها ، هذا السحب الذي سيشكّل النقطة الأساسية التي ستستهلك المزيد من الوقت والجهد والضغوط ، وربّما الصراعات المفتوحة على كل الاحتمالات السلبية سواء داخل الصف الفلسطيني ، أم على الصعيد الدولي ، وسيشكّل انسحاب شارون من غزة قاعدة انطلاق لهجومه المعاكس ليعوّض فيه بعضاً من خسائره المعنوية والسياسية الناجمة عن هذا الانسحاب ، وبذلك سيتمّ التنغيص على الفرحة الفلسطينية بشكل عام ، والغزّاوية بشكل خاص ...
غزة مابعد الانسحاب :
استمرّت فصائل الانتفاضة في الاحتفالات ، وكشف الأوراق، وإجراء الاستعراضات المسلّحة ، والتي تستهدف –على ما يبدو – توجيه رسائل عديدة إلى جهات مختلفة ، الأولى : إلى الكيان الصهيوني مفاده أنّ الفصائل تمتلك الكثير من وسائل القوّة التي تشكّل عامل ردع للجيش الإسرائيلي إذا فكّر بالعودة ثانية لاحتلال القطاع ، والثانية : إلى السلطة الفلسطينية بأنّ سحب سلاح المقاومة سيكون مكلفاً وخطيراً ، والثالثة : إلى الجماهير الفلسطينية في غزة من أجل استقطابها في الانتخابات التشريعية القادمة ، وقد وصل الأمر في حركة حماس أن كشفت عن أسماء قادتها العسكريين ، وأظنّ أن ذلك يصب في خانة الانتخابات أيضاً ( بغض النظر عن صوابية هذه الخطوة أو عدمها ) ، نظراً لأهمية سمعة الأشخاص ووضع عائلاتهم ودور عشائرهم في عملية استقطاب الشارع الفلسطيني... وعلى كل حال ، فإنّ السلطة الفلسطينية قد أبرم اتفاقاً مع 13 فصيلاً على إنهاء الاحتفالات العسكرية ، ومنع الظهور المسلّح في شوارع غزة ... أمّا في الجانب الإسرائيلي ، فقد أكّد شارون على أنّ قطاع غزة مازال محتلاًّ ، ولابدّ من استمرار السيطرة الإسرائيلية على معابر الدخول إلى غزة ، وخاصة ما يتعلّق بالبضائع والسلع بحجة منع تهريب الأسلحة إلى القطاع ... وبعد المكاسب السياسية التي حققها شارون عند زيارته للأمم المتحدة ، وإلقاء خطابه المعسول فيها ، فقد عادت الأجهزة الأمنية الإسرائلية إلى عادتها القديمة فاغتالت ثلاثة مناضلين من الجهاد الإسلامي في طولكرم ، كما أطلقت صاروخاً على عربة لحماس أثناء آخر استعراض عسكري لها قبيل تاريخ نفاذ الاتفاق ذهب ضحيّته حوالي 19 شهيداً و82 جريحاً ، وقد قامت ألوية الناصر صلاح الدين وسرايا القدس وثمّ كتائب القسام بلإطلاق صواريخها على المستوطنات الإسرالية داخل ما يُسمّى "بالخط الأخضر" ، وعقب ذلك جاء الردّ الإسرائلي العنيف على أهدف فلسطينية داخل غزة استهدف المدنيين الفلسطينيين العزّل ، وبعض القادة العسكريين في حماس والجهاد الإسلامي ...ولكنّ الملفت للنظر هنا: هو إسراع وزارة الداخلية الفلسطينية باتهام حركة حماس بمسؤوليتها عن الانفجار ، أي تبرئة (إسرائيل) منها ، وذلك قبل إجراء أي تحقيق لمعرفة الحقيقة ، كما اعتمد رئيس السلطة هذا التفسير ...علماً أنّ الطيران الإسرائيلي كان في سماء غزة وقت الانفجار، وظهر على الشريط نفسه الذي صوّر إخلاء الجرحى والشهداء ...بينما صرّح الدكتور : محمود الزهار بأنّ حماس كانت تستعرض صواريخ مفرّغة من الحشوة المتفجّرة ، وأكّد على اتهام (إسرائيل) بالجريمة ، وعلى كل حال فإنّ شارون بالغ في ردّه الإجرامي تحت ذريعة الانتقام من إطلاق صواريخ المقاومة من جهة ،وليعزّز موقفه في اجتماع اللجنة المركزية لحزب الليكود من جهة ثانية ، كما أقدم على اعتقال المئات من قيادي حماس داخل الضفة ، والذين يشكّلون قسماً من مرشحيها في الانتخابات البلدية الحالية ، و التشريعية القادمة ، وقد اتهمت حماس بعض قيادي السلطة بالتواطؤ مع (إسرائيل) حول هذه الخطوة ، لأنّ أكثر من مسؤول إسرائيلي صرّح برفض مشاركة حماس في هذه الانتخابات ، وقد تناغم الموقف الأمريكي مع هذا الموضوع كالعادة ، وحتى اللجنة الرباعية أعلنت بأنّ " على حماس إذا أرادت المشاركة في الانتخابات أن تتخلّى عن سلاحها " ...وبتاريخ 26-9-2005 قرّرت حماس وقف إطلاق النار من قطاع غزة ، وفي يوم27/9 وافقت جميع الفصائل غلى ذلك لقطع الذرائع والمبررات على سعار شارون الإجرامي ...
- ملاحظات واستنتاجات :
1- إنّ إجبار الحكومة الإسرائلية على الانسحاب من غزة ، وتفكيك الاستيطان فيها ، بالرغم من كونه إنجازاً رائعاً ، ويحدث لأوّل مرّة فلسطينياً ، إلاّ أنّه سيخلق وضعاً جديداً ملائماً لتقليل خسائر الكيان الصهيوني من قبل المقاومة الفلسطينية البطلة لعدم وجود تماس مباشر مع جنوده ومستوطنيه ، ولذلك تصبح المستوطنات الإسرائلية القريبة من حدود قطاع غزة هي الهدف المباشر والوحيد المتاح لصواريخها ، ولكنّ هذا الأمر يمنح شارون ظروفاً ملائمة ، وغطاء دولياً للردّ الإجرامي دون رادع على القطاع ، وقد وصل به الأمر إلى البدء في إنشاء منطقة عازلة بعمق يساوي مدى الصواريخ الفلسطينية ، وقد بدأ في إبلاغ مواطني غزة بإخلاء أحياء وقرى على أطراف القطاع ...
2 لقد نجحت قيادة السلطة الفلسطينية ، وأبو مازن بالذات حتى الآن في امتصاص الضغوط الإسرائلية والأمريكية من أجل سحب سلاح فصائل المقاومة ، وأوجدت لغة تفاهم مشتركة مقبولة مع قادة الفصائل المعارضة ، غير أنّ الضغوط ستتزايد عليها لتنفيذ المطلوب منها في هذا المجال وفقاً / لخارطة الطريق / التي تشير إلى سحب ذلك السلاح ، ومن هنا أتوقع زيادة الدعم الخارجي عسكرياً ومادياً لتعزيز أجهزة الأمن الفلسطينية من أجل دفعها للمواجهة مع تلك الفصائل لسحب سلاحها ، ولكنّ فشل السلطة الفلسطينية في السيطرة على القاعدة المناضلة لحركة فتح التي بقيت منحازة لشعبها ومتضامنة مع بقية الفصائل المكافحة جعل هذه السلطة عاجزة عن اللجوء إلى خطوات تصعيدية ضد فصائل المقاومة ، ولذلك ستبذل جهوداً كبيرة لتطويع مناضلي فتح و"إرجاعهم إلى بيت الطاعة " وقد يؤثر ذلك على وحدة فتح ....
3 –إنّ المعركة الانتخابية المقبلة ، وخوف قيادة فتح والسلطة من فوز حماس بنسبة عالية من المقاعد في المجلس التشريعي ،سيفتح الباب واسعاً لمزيد من الضغوط على حركة حماس ، والتقييد عليها لإضعافها ، والتأثير على مردودها الانتخابي ، وقد تستغل السلطة الفلسطينية هذه الأجواء لمزيد من الاستقطاب داخل حركة فتح وإشعال نار المنافسة الحامية التي تجعل الظروف مناسبة لمزيد من التصعيد مع حركة حماس ، ولهذا من المفروض على كل ّ الأخوة الفلسطينيين المناضلين أينما وُجِدوا أن لاينساقوا وراء العواطف العصبوية التنظيمية على حساب الوحدة الوطنية ...
4 – أثبتت الوقائع أنّ "عسكرة الانتفاضة" وتضحيات مناضليها هي التي أجبرت الكيان الإسرائيلي على الانسحاب ، ولا طريقاً آخر لاستكمال تحرير غزة ، وتحرير الضفة سوى هذا الطريق ، ولذلك ستصبح مرحلة كسر العظم بين قوات الاحتلال وأبطال الانتفاضة مركّزة مستقبلاً في الضفة ، وهذا سيكون بارزاً وملموساً بعد الانتخابات التشريعية القادمة ...
5 – إنّ ألأطراف الدولية والسلطة الفلسطينية ستلتقي على نقطة واحدة تتمحور حول حاجة قطاع غزة إلى المزيد من الاستثمارات والمنح الدولية من أجل إنقاذ اقتصادها وإعادة إعمارها بعد التدمير الواسع الذي حلّ بها نتيجة الممارسات النازية الإسرائلية من جهة،ولخلق الظروف المناسبة لامتصاص واستيعاب الروح الكفاحية والجهادية المتجذرة في نفوس أبناء غزة ،وتسريبها في مسالك اقتصادية ومعاشية من جهة ثانية ، وهنا تبرز عبقرية كوادر الفصائل المكافحة في الاستفادة المشروعة والضرورية من أي إنعاش اقتصادي ، وفي الوقت نفسه المحافظة على استرارية جذوة النضال متأججة في نفوس مناضليها ...
6 – بالرغم من استخدام الحكومة الإسرائيلية الورقة المصرية والأردنية كفزّاعة ، وكشكل من أشكال الضغوط على الفلسطينيين لفرض وجهة نظرها في كيفية إدارة القطاع بعد انسحابها العسكري منه ، إلاّأنّ ذلك يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار ، ويُحسَب له ما يلزم لمواجهته ...
7 –إنّ الانسحاب العسكري من غزة ، وتفكيك الاستيطان فيها يعتبران الخطوة العملية الأولى المجسّدة ميدانياً على طريق العدّ التنازلي لإنهاء وإفشال مشروع "إسرائيل الكبري " الاستعماري الاستيطاني ،كما سيفرّغان التهديدات والتصريحات الإسرائيلية الكثير من مضامينها وثباتها ، ممّا سيشجّع الشعب الفلسطيني على الاستمرار في النضال حتى تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة ...
8 – إنّ ازدهار مظاهر التطبيع الرسمي العربي والإسلامي مع العدو الصهيوني تحت مظلّة الانسحاب العسكري من غزة يجب أن لايُزكّى من قبل السلطة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال ، وأن لاتقع في الخطأ نفسه الذي وقعت به بعد / اتفاقات أوسلو / عندما قامت بنشاطات دولية غير مشكورة ، لا بل مدانة ، وصلت حتى الهند والصين من أجل الاعتراف (بإسرائيل) ، وإقامة علاقات معها ...
وأخيراً: ، إنّ الشعب الفلسطيني العظيم الذي أشعل انتفاضتين ضدّ الاحتلال خلال عقدين ، وقدرته الأسطورية وبإمكاناته الذاتية على الاستمرار بانتفاضة الأقصى خمس سنوات ( وقد دخلت عامها السادس ) ، وتضحيات أبنائه ، وصمودهم الرائع ، كل هذا وضعه على طريق النصر والتحرير ، وما إجبار العدو الصهوني على الانسحاب العسكري من غزة ، وتفكيك استيطانه منها إلاّ محطة أولى على هذا الدرب الطويل الذي لن يحيد عنه حتى تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة مهما طال الزمن ... 30-09 - 2005