ملاحظات وتعقيب على رباعية

الدكتور كمال خلف الطويل حول اللجنة العسكرية

                                           بقلم : محمود جديد

 (3-4 )


 

 

   - حاول الدكتور الطويل إلصاق تهمة الطائفية باللجنة العسكرية لتشويه كل خطواتها من خلال شهادة منسوبة لرجل محترم كالرئيس الراحل عبد الناصر ، حيث كتب مايلي :"في أكتوبر1964 وفي جلسة ضمّت أمين الحافظ ومحمد عمران مع آخرين من أعضاء الوفد السوري ألقى عبد الناصر قنبلته في وجه عمران متهما إيّاه ورفاقاً له في اللجنة العسكرية من العلويين بتزعّم تنظيم علوي سري ملتحف برداء البعث يسعى للانفراد بالسلطة ، ويستعمل أدوات طائفية في الهيمنة على الجيش ومن ثمّ البلد ..."

وهنا نلاحظ كيف تلاعب بالفكرة التي رويت عن المرحوم عبد الناصر ، وصاغها وفقاً لرغباته بما ينسجم مع تطور أحداث لاحقة، وسبق للصحفي أحمد منصور أن أثار هذا الموضوع عند استضافة الفريق :أمين الحافظ في شهادته على العصر ، ولكن بتفصيل أكثر ، حيث ذكر " على هامش مؤتمر قمّة عدم الانحياز في القاهرة 1964 ، دُعِيَ الوفد السوري برئاسة أمين الحافظ ، ( وكان عمران مشاركا ًفيه) إلى منزل عبد الناصر ، وهناك وجّه الرئيس جمال كلامه إلى عمران قائلاً ::أنتم الضباط العلويون متكتلون ومتسلطون " ،وفي الحلقة 11 ذكر الحافظ من شهادته على العصر " بأنّ عبد الناصر ،وعبد الحكيم عامر  أعطياه عواطف شويّة " أي إلى عمران ، وذكر أحمد منصور بأنّ الرئيس جمال أجلس  عمران على يمينه ، وقد اعترف الحافظ بذلك ...فإذا كانت هذه الوقائع صحيحة ، أليس هنالك تناقضاً بين الاهتمام الزائد بعمران من قبل عبد الناصر ، وبشكل يثير الانتباه  ، بحيث يُجلِس عضواً في الوفد السوري على يمينه ورئيس الدولة ورئيس الوفد السوري موجود في الجلسة ..ااا لذلك يميل المرء في حال صحّة تلك العبارة التي وجّهها عبد الناصر إلى عمران أن تكون نتيجة لمعلومات وصلت إلى القاهرة بوجود خلافات بين عمران والحافظ ،وأنّ الأخير يستخدم تهمة الطائفية في صراعه مع عمران ، ولذلك أراد عبد الناصر بتكريم عمران بشكل خاص ومُلفِت للنظر توجيه رسالة إلى الحافظ المعروف بعلاقته الطيبة مع المرحوم أكرم الحوراني الذي وقف مع الانفصال ، ودخل رفاقه في مهاترات سياسية وإعلامية مع القيادة المصرية ، بأننا في مصر ندعم خط عمران الوحدوي البارز في سلوكه وأطروحاته وعلاقاته الطيبة مع الرموز والقوى الناصرية والوحدوية في سورية ، وبأنّ القاهرة لا تصدّق هذه التهمة...وعلى كل حال تمّ تغييب ردّ المرحوم عمران على هذه التهمة ...ولكنّ الاستنتاج الخاطىء للدكتور الطويل يبدو أنّه كان ضرورة مهنية لربط الأحداث مع بعضها البعض بأسلوب منطقي ، بهدف إيجاد تفسير لإبعاد عمران ، بينما كان السبب الحقيقي للإبعاد هو "عقدة عمران" التي عشعشت في ذهن أمين حافظ وما انعكس عنها من حساسية شخصية  ، والتي لازمته حتى أثناء وجودهما في السجن معاً عقب قيام حركة 23 شباط ،هذه العقدة التي تقوم على الشعور بالنقص من قبل الحافظ تجاه عمران بسبب الثقافة السياسية المتميزة لعمران ،ودوره البارز المباشر والفاعل في الأحداث ،وخاصة في تشكيل اللجنة العسكرية ورئاستها ، ومساهمته البارزة في قيام 8 آذار ،  بينما كان أمين الحافظ بعيدا عن معظمها ، وتمّ استدعاؤه من الارجنتين ليشارك في الحكم بعد حدوث انقلاب 8 آذار، ولذلك لم تكن تهمة الطائفية سوى غطاء لمواجهة تلك العقدة  لأنّ تحالف عفلق ، الرزاز، البيطار، الحافظ استدعى عمران إلى سورية وسلمّه وزارة الدفاع ، أليست هذه الخطوة دحض لتلك التهمة ، مع العلم أن عمران ومجموعته كانت محسوبة على صلاح البيطار وهم الذين أوصلوا حكمت الشهابي إلى المخابرات العسكرية في عام 1970 ،ثمّ إلى رئاسة الأركان قبل أن تذوب تلك المجموعة في هياكل النظام بعد اغتيال عمران ...

- يذكر الدكتور الطويل "بأنّ اللواء صلاح جديد هو الذي اقترح ترفيع حافظ أسد إلى رتبة لواء وتعيينه قائداً لسلاح الجو ، لأن حافظ الأسد كان محسوباً في الأساس على صلاح جديد "...وهنا يلتقي مع كثيرين قبله وقعوا في خطأ اعتماد مقولة غير صحيحة على الإطلاق، لأنّ صلاح جديد لم يكن موافقاً ، ولامقتنعاً بهذا الترفيع غير المبرّر ، بينما الحقيقة الثابتة والمؤكّدة أنّ الفريق أمين الحافظ هو الجهة التي أقدمت على ذلك عقب إخراج عمران بشكل تعسّفي من القطر، وكان الدافع حسابات طائفية كريهة عند الحافظ لتعويض لواء علوي بلواء آخر  ..

- لم يكن حافظ الأسد محسوباً على صلاح جديد ، وإنّما على نفسه ، لأنّه شارك منذ البداية في تشكيل اللجنة العسكرية ، وكان أقدم رتبة بين الضباط البعثيين في سلاح الطيران ، وشارك في انقلاب 8 آذار وغيرها من التحوّلات الهامة في القطر ، وشارك في القيادات القطرية والقومية ، أي أنّه لم يكن نكرة أو شخصاً مغموراً ليتسلّق على ظهر أحد ، بغض النظر عن تقييمنا السلبي له ،ومسؤوليته في الارتداد على الحزب وحرف مسيرته عن وجهتها الحقيقية ....   

-  حمّل الدكتور الطويل اللجنة العسكرية مسؤولية كل شاردة وواردة حدثت في سورية منذ آذار 1963  وحتى بعد حلّها عام1965  بكثير من المبالغة المتعمّدة ، حتى وصل به الأمر إلى تشويه موقف اللجنة وقيادة الحزب من العمل الفدائي حيث يقول :" إنّ رعاية نشاط فتح الفلسطينية انطلاقاً من سورية وعبوراًإلى الأردن ولبنان ، ووصولاً إلى فلسطين المحتلة كانت الورقة الفلسطينية في مفهوم اللجنة العسكرية هي الأربح للتداول والاستعمال في الساحة العربية ." وكلّنا يعلم أنّ فتح انطلقت من سوريا في الفاتح من عام 1965وبعد ستة أشهر تمّ حلّ اللجنة ،وبقي أعضاؤها يمارسون مهامهم في أماكن عملهم الحزبي أو السياسي ،أو العسكري ، والحقيقة أنّ احتضان ودعم العمل الفدائي كان قراراً حزبياً منبثقاً من إيمان البعث بالقضية الفلسطينية ، واعتماد الكفاح المسلّح كوسيلة رئيسية لتحرير الأرض الفلسطينية ، وليس من باب المتاجرة والاستغلال لورقة فتح ،أو غيرها ، وقد كان باتريك سيل أكثر إنصافاً من الطويل الفلسطيني الأصل حيث قال: " كان إحساس حكومة جديد بالقضية الفلسطينية عميقاً ، وقد احتلّت تلك القضية مكاناً مركزيّاً في عقيدة البعث ، وعندما ظهر المقاومون الفلسطينيون رأى فيهم نظام جديد رجالاً ثوريين ورحّب بهم ." وأظن أنّ الطويل قرأ هذا الكلام...             

- يشرح لنا كمال الطويل كيف مارس الحافظ وجديد الصراع فيقول: " لمّا كان الثاني رئيساً للأركان نراه استعمل صلاحيات هذا المنصب لعرقلة قرارات القائد العام –غير المتفرّغ- الحافظ .." وهنا أسأل وأطلب من الطويل أن يعطي مثالاً واحدً على كلامه هذا ، علماً أنّ فترة بقاء اللواء صلاح في رئاسة الأركان كانت قصيرة ، وكانت علاقته يومها مع الفريق أمين الحافظ جيدة ، وقد وصل الأمر بالحافظ أن يعرض على جديد أن يضع يده بيده ليحكما سورية ثلاثين سنة قادمة ، وكانت إجابة صلاح جديد على مستوى عال من الالتزام الحزبي ، والابتعاد عن المكاسب الشخصية الرخيصة ، وعموماً لم تبرز الخلافات بين الحافظ وجديد إلاّ في منتصف 1965 وبعد أن انحاز الحافظ إلى تكتلات أخرى ،وأغرق نفسه فيما سُمّيِ " بالقفزة النوعية " التي أشرت إليها في الحلقة السابقة ، وقد حاول صلاح جديد ورفاقه جاهدين المحافظة على أمين الحافظ حتى عشيّة 23 شباط1966 ، وقد اعترف في  شهادته على العصر بالرفاق الذين أتوه للحوار ولمحاولة إقناعه بالتراجع عن موقفه ، واستمرّ ذلك  حتى آخر لحظة ...

-  حشد الدكتور الطويل الكثير من المعلومات ، وحشرها بقوّة في كيس رباعيته ممّا أدّى إلى خنق واختناق كثير من الحقائق ، ثمّ عاد ليحييها وفقاً لتصوّراته الذاتية المسبقة فيقول : " أمّا الخطوة الأهمّ فكانت انتزاع القيادة العامة للقوات المسلّحة عمليّاً من يد الحافظ وذلك عبر تنسيب عضو اللجنة العسكرية حمد عبيد ليتولّى وزارة الدفاع مع توحيد سلطة وزير الدفاع بصلاحيات القائد العام  وكشكل ترضوي قام صلاح جديد بتنسيب محمد الشنيوي أحد المحسوبين على أمين الحافظ ليصبح رئيساً للأركان مكانه –أي جديد كانت ضربة بارعة حار الحافظ في كيفية اتقائها وعدم إنفاذها وفشل " وإن كنت لم أفهم معنى كلمة تنسيب هنا ، ولكن ألاحظ أن الطويل يجهل ،أو يتجاهل بأنّ هذه التعيينات كانت نتيجة قرار قيادة الحزب بعدم جواز الجمع بين المسؤوليات في وقت واحد ، ومن قبل شخص واحد ، وكان صلاح جديد أول مَن طبّق على نفسه هذا القرار ، وضمن هذا السياق تخلّى عن رئاسة الأركان طواعية ليتفرّغ للعمل الحزبي ، ويُعتَبر اختياره هذا خطوة فريدة من نوعها في العالم الثالث ، ودحض لأية أفكار خاطئة أو مضلّلة ، أو حتى مشبوهة بالنسبة للبعض الدين اتهموه بالسعي لاحتكار السلطة و(خدمة الطائفة) ..الخ ، فلو كانت له نوايا من هذا القبيل لاختار البقاء في رئاسة الأركان ، ولتمسّك بها أطول فترة ممكنة ، وإنّما كان هدفه الحقيقي هو التفرّغ لبناء الحزب وتطويره ، إذ بدون هذه الخطوة وفق رؤاه فالطرق مسدودة ، والفشل مصير تجربة البعث في الحكم ، وهذا ما أثبتت الأيام صحته . أمّا اختيار حمد عبيد لوزارة الدفاع ، ومحمد شنيوي لرئاسة الأركان فقد لعب القدم العسكري دوراً هامّاً بين صفوف المرشحين لهذين المنصبين ، إذ أنّ جديد وعبيد وشنيوي من دورة عسكرية واحدة ، وقد أصبح الثلاثة الأقدم بين الضباط القادة الحزبيين بد التغييب القسري لعمران من قبل أمين الحافظ ...ولكن هذا لاينفي قدرة صلاح جديد على إقناع الآخرين بوجهة نظره ، لأنها كانت تعتمد تصوّراً حزبياً وسياسياً منطقيا ومتكاملاً ،  إضافة إلى المصداقية الحزبية والسياسية والمسلكية  التي كان يتمتع بها ، وكان الكثير من رفاقه يحترمونها ، ويقدّرونها عالياً  ،    وهذا ما كان يفتقره البعض...

- ضخّم الدكتور الطويل " حدّوثةّ " العقيد صلاح نمور قائد اللواء المدرع الخامس في حمص ، ووفقاً لنهجه الظالم في عرض الأحداث يصرّ على تحميل صلاح جديد المتفرّغ في القيادة القطرية التدخّل بشؤون وزارة الدفاع ، و"إصدار الأمر إلى رئيس أركان اللواء الخامس مصطفى طلاس باختطاف رئيسه صلاح نمور..والذي جعلها القشة التي قصمت ظهر البعير مع أمين الحافظ والقيادة القومية ، ممّا جعلها تتداعى لدورة انعقاد  لبحث الأزمة واتخاذ قرارات : حل القيادة القطرية ،وإقالة الوزارة ، وحلّ البرلمان المعيّّن، وإعادة تشكيل مجلس الرئاسة ، واستدعاء اللواء عمران ليصبح وزيراً للدفاع ."

  وحسب علمي إن لم تخذلني ذاكرتي أن الشخص المعني كان نقيبا اسمه " صالح حوكان" تصرّف تصرّفاً خاطئاً واستفزازياً ، وقد تمّ اعتقاله وليس اختطافه ... ولكن انظروا كيف يسطّح الدكتور الطويل المفاهيم والأحداث ، ويقزّمها ، ويبتعد متعمّداً عن تفسير حقيقة الصراع داخل الحزب ، ويمرّ مرور الكرام على أهمّ القرارات وأخطرها التي اتخذتها القيادة القومية بعد 8 آذار 1963 ، وبشكل يتناقض مع القيم والأسس الحزبية المعتمدة ، ويخرق خرقاً فاضحاً النظام الداخلي للحزب ، ومقررات مؤتمراته القطرية والقومية ، والتي كانت السبب والدافع الحقيقي المباشر لقيام حركة 23 شباط ، مع العلم أنّ الخطوات الخطيرة المشار إليها سابقاً والتي أقدمت عليها القيادة القومية شكّلت انقلاباً أبيض أطلقت عليه اسم " القفزة النوعية" ، والتي تجاهلها الدكتور الطويل في سرده للأحداث جملة وتفصيلاً ...

- يتحدّث الطويل في رباعيته عن قيام 23 شباط ، دون أن يذكر أسبابها ودوافعها ، ويعتبر هذا التجاهل شكلاً من أشكال الظلم والتجني على هذه الحركة ، لأنّ أصحابها لجؤوا إلى الأسس والطرق الحزبية لعقد مؤتمر قطري ، أو مؤتمر قومي ، ولكنّ القيادة القومية ضربت بعرض الحائط كل ذلك ، ولم يبقَ سوى خيار واحد هو العمل المسلّح لتصحيح اعوجاجها بغض النظر عن خطأ أسلوب تنفيذها ...

- لم يُوفّق كاتب الرباعية بذكر التحديد الصحيح للوحدات العسكرية التي نفذت 23 شباط ، حيث يذكر :" في صبيحة الثالث والعشرين من شباط تحرّك لواء الكسوة المدرع السبعين الذي يقوده عزت جديد ،ومعه كتيبة المغاوير ."  والحقيقة أنّ عزت جديد ( وهو ليس قريباً لصلاح جديد ولا من محافظته) كان مديراً لمدرسة المدرعات في منطقة القابون ، وليس قائداً للواء 70مدرّع .

- يختتم الدكتور الطويل الحلقة الثالثة بتحدّثه عن اعتقال عفلق والبطار ، ولكن صلاح جديد فضّل تيسير هروبهما على تحمّل وزر البطش بهما داخل السجون ، وهذا غير دقيق أيضاً ، وإن كان هذا التوصيف لايسيء لصلاح جديد ، وإنّما الحقيقة غير ذلك ، والسبب يعود لفشل مخابرات القوى الجوية بقيادة محمد الخولي في اعتقالهم ، أمّا الإشارة إلى احتمال البطش بهما داخل السجون فهي غير صحيحة ، لأنّه لم يُبطَش بأحد ممّن أُعتِقلوا ...

 وأخيراً ، حاول الطويل عامداً متعمّداً إبراز شكوك غير صحيحة منسوبة للرئيس الراحل عبد الناصرمن صلاح جديد ورفاقه ، لأنّه كان أولّ مَن اعترف بقيادة 23 شباط ، وتطوّرت العلاقة معها بشكل سريع ومتقدّم ، وقد أدلى رحمه الله بشهادة  إيجابية جداً تجاهها  نعتز بها جميعاً ، حيث قال إلى المرحوم جمال الأتاسي إنّ هؤلاء الشباب هم أشرف وأنظف مجموعة حكمت سورية ، ونصحه بالتعاون معهم ، والتخلي عن التحالف مع أكرم الحوراني ، وقد ذكر المرحوم الأتاسي هذه الشهادة إلى رفاقه في قيادة حزبه ، وباستطاعة الدكتور الطويل أن يسألهم وهم أعضاء معه في المؤتمر القومي ، ونحن على قناعة تامّة بأنّ شهامتهم ورجولتهم ستدفعهم لقول حقيقة ما سمعوه ...    

           31-5-2005                                      يتبع في حلقة قادمة