2005/11/03

logo.jpg (5438 bytes)

 

 

front




بوش هو بوش
في الداخل والخارج

جوزف سماحة
مرّ الرئيس جورج بوش في مرحلة ارتباك. حصل ذلك غداة إعصار كاترينا. كانت الأوضاع ضاغطة عليه داخلياً وخارجياً. اهتز موقعه. فقد بعض رصيده. أظهر أنه كفيل بأن <<يخون>> أفكاره ومبادئه. فعل ذلك عندما فتح خزائن الدولة لمواجهة نتائج الإعصار. خالف، بذلك، فلسفته الاقتصادية ومزاج الذين وضعوه حيث هو. وتكرر الأمر حين اقترح هاربيت مايرز لعضوية المحكمة الفدرالية. لم يجد الأميركيون ميزة لها سوى الصداقة مع <<العائلة>>. ولم يجد الديموقراطيون لها فضيلة التجربة المؤهلة لهذا الموقع الحساس. ولم يجد الجمهوريون لها الصلابة الإيديولوجية التي تجعلها تحسم التوازن القلق في المحكمة.
بدا أن بوش، المرتاح نسبياً بفعل هزال أداء الخصوم، يواجه انتفاضة من داخل حزبه وقاعدته. تحوّل إلى <<ديموقراطي>> مبذّر ومتعاطف مع ضحايا <<اختاروا>> فقرهم، وكذلك إلى متردد يخشى الإقدام على المواجهة مع الخصوم في معركة المحكمة.
وتوالت، بعد ذلك، الأنباء السيئة: إدانة ديلاي، استمرار سعر الوقود مرتفعاً، بلوغ عدد القتلى الأميركيين في العراق الرقم ألفين، اتهام لويس ليبي، إبقاء كارل روف تحت المراقبة... إلخ.
استدار بوش ليمارس ما يحسن ممارسته. قرر بوش، ببساطة، أن يكون بوش. عاد إلى هواياته المفضلة: الانقطاع عن الواقع، الاكتفاء بترداد تعويذات تحل محل سياسة خارجية مفهومة، الإصرار على أن الحلول هي الاستمرار في الدرب ذاتها، إبداء الحرص على مخاطبة اليمين وأقصى اليمين، إظهار اللامبالاة حيال احتمالات الانقسام الأميركي، التغني بنجاحات لا يراها أحد غيره... إلخ.
باختصار، أراد بوش الإيحاء بأن السنوات الثلاث المتبقية من ولايته ستشبه ما سبقها، وأنه ليس من النوع الذي يؤدي اصطدامه بالواقع إلى تغيير القناعات وخسارة <<الوضوح الأخلاقي>>.
لقد اتخذت الإدارة في الأيام الماضية قرارات توحي بأن بوش الذي تعرّفنا إليه هو بوش الذي سنتعرف إليه.
القرار الأول هو اقتراح صموئيل اليتو الى المحكمة الفدرالية. أجمعت الصحافة الأميركية على الإشادة بكفاءة الرجل إلا أنها انقسمت حول ميوله. رآه الليبراليون شخصاً شديد الارتباط بالأفكار المحافظة ومثيراً للانقسام وقادراً على الحسم الفعلي للتوازن داخل المحكمة. ووجد فيه المحافظون ضالتهم وأطنبوا في مديح بوش لأنه اختار لهم مَن يستطيعون باسمه خوض المنازلة الإيديولوجية التي طال انتظارها مع الخصوم. اليتو صاحب أحكام معروفة وشديدة اليمينية في القضايا المجتمعية التي تشكل محور السجالات الداخلية: الإجهاض، حمل السلاح، عقوبة الإعدام، التمييز، الصلاحيات الفدرالية... إلخ.
اقتراح بوش إعلان بعودته إلى المربع الأول، إلى الحضن الدافئ للمحافظين، والأصوليين المسيحيين، والمولودين ثانية، وجماعات الضغط الخاصة بالسلاح وبرفض حركة الحقوق المدنية والثقافة المضادة والتحلل... إن الاقتراح تجاهل للدعوات إلى نوع من الانفراج الداخلي في بلد يعيش حالة حرب تتراجع شعبيتها وتتصدع منظومة حمايتها الداخلية. <<إن محافظاً في اليد خير من عشرة ليبراليين على الشجرة>> يكاد يقول بوش الذي أرعبه تمرد حزبه وجمهوره عليه، وأظهر له فقدان سيطرته على مقاليد الأمور.
القرار الثاني هو المسارعة إلى توزيع صلاحيات لويس ليبي على اثنين من العاملين معه في مكتب ديك تشيني: ديفيد ادنجتون وجون هانا (الثاني لشؤون الأمن الوطني). ينتمي الاثنان إلى <<العصابة>> نفسها، خاضا المعارك كلها منذ سنوات وهما من أكثر الصقور صقرية في الإدارة سواء في علاقتها مع خصوم الداخل أو مع خصوم الخارج. وحتى الاتهامات الموجهة إلى ليبي، على خلفية تسريب اسم العميلة فاليري بلايم، على خلفية جعل الأكاذيب في خدمة غزو العراق، حتى هذه الاتهامات
تطالهما، وتطال، تحديداً، جون هانا صاحب الدور المشهود في الصلة بمعارضين عراقيين، وفي الترويج لمزاعمهم، في التحضيرات للحرب في وقت سابق لزمنها بسنوات.
يفيد هذا القرار، هو الآخر، في الإيحاء بأن التحالف بين <<المحافظين الجدد>> و<<المحافظين التقليديين>> مستمر، وبأن تشيني النافذ هو أحد رموزه، وبأن لا نية في واشنطن لتقديم كبش محرقة ما جراء التعثر في العراق. وإذا كان هناك من اعتقد، لبرهة، أن <<إبعاد>> جون بولتون إلى الأمم المتحدة هو عقاب مخفف له فما عليه إلا أن يراقب أدواره هناك ويلاحظ كم أن احتقاره للمنظمة الدولية يتلاشى بمجرد أن تصبح هذه كفيلة بإصدار قرارات من نوع 1636.
يفيد ما تقدم في استخلاص نتيجة سياسية خاصة بمنطقتنا وبالتوجه الأميركي حيالها.
يمكن الإكثار من الكلام عن الورطة الأميركية في العراق. ويمكن كذلك الإطناب في التحذير من سياسة مغامرات تستند إلى الاستخدام المفرط للقوة من أجل فتح ملفات وعدم الاهتمام الكافي بإقفالها. لكن ذلك لا يغير شيئاً من واقع أن الولايات المتحدة ماضية في وجهتها الصدامية، وأن اندفاعتها العدوانية لم تنكسر بعد، وأن خيارها الأول، أمام أي مأزق، هو توسيع الصدام وتجذيره لا الانسحاب.
إن هذا التقدير السياسي لتصميم الإدارة الأميركية هو ما يجب أن يضعه المسؤولون السوريون في اعتبارهم لحظة تقرير صيغة التعاطي مع القرار 1636. ليس ضرورياً أن يقود هذا التقدير، باسم الواقعية، إلى التراجع المنهجي. ولكن من الضروري جداً إدراك أن أي مواجهة تستوجب حشد قوى سورية أساساً، تعجز بنى النظام الحالية عن حشدها.
... الى منتدى الحوار
Discussion Forum
 
الصفحة الأولى| أخبار لبنان| عربي ودولي| اقتصاد| ثقافة
رياضة| قضايا وآراء| الصفحة الأخيرة| صوت وصورة
 
©2005 جريدة السفير