1636: لا سلطة في سوريا فوق سلطة "اللجنة":
جوزف سماحة
يفتتح صدور القرار 1636 مرحلة جديدة من العلاقة بين سوريا وما يسمى، تجاوزاً، "المجتمع الدولي". مرحلة قلقة، متوترة، مفتوحة على الاحتمالات الخطيرة كلها.
القرار خطير بالمقاييس كلها. لقد اتخذ بالإجماع. وحصل ذلك في اجتماع وزاري. واستند إلى الفصل السابع بالرغم من نقله من البنود إلى الديباجة. وهو خطير أيضاً بما تضمّن: الموافقة على ما تضمنه تقرير ديتليف ميليس من استنتاجات اتهامية حيال سوريا لجهة التورط في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن إدانة لها لامتناعها عن التعاون الجدي مع لجنة التحقيق الدولية. يضرب القرار طوقاً من العزلة الدولية (والعربية) حول سوريا ويملي عليها شروط التعاون اللاحق.
والقرار خطير، أيضاً، لأنه يشبه الإنذار بما يحتوي عليه من تحديد مهلة حد أقصى للتجاوب: 15 كانون الأول، أي بعد ستة أسابيع، أي غداً. ومع أنه ينص على احتمال تمديد لاحق لعمل اللجنة فما لا شك فيه أن الموعد المشار إليه، وربما قبله، هو موعد إجراء التقويم للسلوك السوري والاندفاع تصعيداً إذا كان التقويم سلبياً.
يمكن القول، بلا مبالغة، إننا أمام سابقة دولية. فلأول مرة تمنح لجنة منبثقة من مجلس الأمن هذه الصلاحيات الواسعة حيال دولة ذات سيادة.
من هذه الصلاحيات الأمور التالية:
؟ يقيم القرار الأخير لمجلس الأمن "ازدواجية سلطة" في سوريا. لا بل يجعل سلطة اللجنة فوق سلطة الدولة ويمنحها السيادة الكاملة على المواطنين السوريين، حكاماً وغير حكّام، وذلك لمجرد الاشتباه. والجدير بالملاحظة، هنا، أن "القانون الدولي" يقدم، لأول مرة، على منح مثل هذه الصلاحيات إلى جهة ليست منتخبة ولا خاضعة لأي شكل من أشكال الرقابة من جانب الشعب المعني.
؟ لا يكتفي القرار بوضع سوريا على سكة نوع خاص من التدويل النازع للسيادة، إنه، في بعض فقراته، يقيم شكلاً من الانتداب اللبناني على سوريا! فهو إذ يطالب بمنع سفر أشخاص أو تجميد أموالهم يحيل تحديد هوية هؤلاء إلى "اللجنة" أو "الحكومة اللبنانية" (ليس حتى القضاء اللبناني). صحيح أنه يضع ضوابط على ذلك في ملحق خاص وعبر لجنة متشكلة من أعضاء مجلس الأمن غير أنه لا يحدد كيفية اتخاذ اللجنة قراراتها. قد ترضي هذه الفقرة "غرور" لبنانيين إلا أنها ذات مدلول سيئ خاصة أنه كان في الإمكان حصر هذا "الحق" باللجنة ما دام الجميع يعرفون أن حيز الاستقلال اللبناني عنها ضئيل.
؟ الملاحظ أن القرار لا يشير، على الإطلاق، إلى أن شكل التعاون السوري المطلوب رهن بأي تفاوض من أي نوع كان مع الجانب السوري أو مع اللجنة الخاصة التي أعلنت دمشق،
متأخرة جداً، عن تشكيلها. أي أن أحداً لن يكون مهتماً ب"بروتوكول تعاون" وأن الصيغة هي، في الواقع، إملاء.
" إذا اشتبهت اللجنة بأي مسؤول أو شخص سوري بالضلوع في التخطيط للعمل الإرهابي أو تمويله أو تنظيمه أو ارتكابه فإن من واجب السلطات السورية اعتقاله وجعله متاحاً بالكامل للجنة.
" يحق للجنة الوصول بشكل كامل إلى جميع ما في حوزة السلطات السورية من معلومات وأدلة وثائقية ومادية واردة في شهادة الشهود وذلك بمجرد أن ترى اللجنة أنها ذات صلة بالتحقيق.
" للجنة سلطة جمع أي معلومات وأدلة إضافية وثائقية ومادية متصلة بهذا العمل الإرهابي، فضلاً عن إجراء مقابلات مع جميع المسؤولين وغيرهم من الأشخاص ممّن ترى اللجنة أن لهم أهمية في التحقيق.
" تتمتع اللجنة بحرية التنقل في جميع أنحاء الأراضي السورية بما في ذلك الوصول إلى جميع المواقع والمرافق التي ترى اللجنة أنها ذات صلة بالتحقيق.
" يكون للجنة سلطة تقرير مكان وأساليب إجراء المقابلات مع المسؤولين والأشخاص السوريين الذين ترتئي اللجنة أن لهم صلة بالتحقيق".
؟ ينص القرار أن على سوريا التعاون مع اللجنة في المجالات المشار إليها آنفاً "من دون شروط".
وبالمقارنة مع القرار 1595 يبدو القرار 1636 أكثر تشدداً. فالأول عندما يحدد عمل اللجنة في لبنان يشير إلى "إطار سيادة لبنان ونظامه القانوني" في حين أن هذا التحفظ المرتبط بالحد الأدنى من السيادة سقط بالأمس.
؟ لا يقبل نقاشاً ولا يقيم اعتباراً لما ترى سوريا أنه "خطوة إيجابية" أقدمت عليها ويمكن تعريضها إلى اختبار.
بالعودة إلى الصلاحيات المذهلة الممنوحة ل"اللجنة" على حساب السيادة السورية ثمة سؤال يطرح نفسه: ما معنى "اللجنة"؟ نعرف رئيسها، تعرّفنا على نائبه، نعرف عن جنسيات محققين، ولكننا نعرف أيضاً أنها لا تملك نظاماً داخلياً ولا آلية عمل تتيح لها التصرف بشكل جماعي. لقد اختار كوفي أنان ديتليف ميليس واختار الثاني أعضاء الفريق. لذا يمكن القول، من دون مجازفة، إنه حيث ورد مصطلح "اللجنة" في القرار 1636 علينا أن نقرأ "رئيس اللجنة". يقود ذلك إلى استنتاج يقول بأن رجلاً بمفرده حصل على صلاحيات مطلقة أين منها الممنوحة لحاكم عسكري في ظل حالة طوارئ. ليس هذا ما ينقص سوريا بالتأكيد. ولا هذه هي مدرسة الديموقراطية التي يتوجب علينا دخولها كمطهر يقود إلى ما هو أفضل.
؟ المسؤوليات الملقاة على ميليس هائلة بحجم الصلاحيات الممنوحة له. عليه أن يقرّر ويتصرّف. يمكن له بسهولة ما بعدها سهولة دفع سوريا إلى عدم التعاون، أي إلى ارتكاب خرق مادي تترتب عليه، لاحقاً، "عواقب وخيمة". ولقد ذكّرنا بذلك أحد مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن معيداً الجميع إلى فترة السجالات السابقة للحرب على العراق حيث تعني "العواقب الوخيمة" العمل العسكري. ويمكن له أن يقود الوضع نحو عقوبات في 15 كانون الأول أو قبله يليها تصعيد مفتوح. كما يمكن له أن يكون حكيماً، وأن يدرك معنى الجمرة التي يحملها بين يديه، وأن يجول ببصره في هذا المشرق العربي المنكوب، وأن يتصرف. إن مجلس الأمن يحرّره من أي تنسيق أو تفاوض أو تعاون مع السلطات السورية. لكن القرار لا يلزمه بذلك ولا يمنعه، إن أراد، من تهدئة اللعبة وإعادة حصرها في السعي المشكور والمرغوب إلى معرفة الحقيقة ولا شيء سواها.
سياسياً، كان اجتماع مجلس الأمن محطة لمعاقبة سوريا على ما افترض أنه امتناع عن التعاون. لكنه كان، أيضاً، وخاصة، نقطة تقاطع بين طالبي الحقيقة وطالبي رأس النظام السوري أو، في الحد الأدنى، طالبي سياسته وتوجهاته الإقليمية. لقد ظهر هذا التفاوت في المداولات السابقة للقرار، وفي الكلمات التي ألقيت في الجلسة. وكانت الحصيلة، صدور قرار هو وديعة بين يدي ميليس.
الخشية هي أن تجرف قوى دافعة كل شيء. والأمل هو تركيز الهمّ على معرفة الحقيقة بذهنية حصر الأضرار قدر الإمكان.
"السفير"