سورية والمأزق

 فداء أكرم الحوراني


بغض النظر عن التجاذب الذي يدور حول مصداقية تقرير ملتس , فإنني على يقين أن الشعب السوري لا يحتاج إلى هذا التقرير لكي يدرك المدى الذي وصله التغول الأمني المنفلت الذي شكل الأرضية القوية للفساد المتجذر في الحياة السورية, لأن كل فرد في الوطن يعاني من رحى هذا التغول الأمني تطحنه كل يوم ومنذ عقود إنسانيا واقتصاديا , وتعمل على تمزيقه خوفا وقهرا وفقرا .

ليس الشعب السوري بحاجة لملاحقة هذا التجاذب حول من قتل الحريري لكي يدرك أن التعامل الأمني للنظام مع كل الملفات ومنها الملف اللبناني هو المسؤول عما وصل الوطن إليه, وأن افتقاد الشعب لأي أداة من أدوات المحاسبه لهذا النهج الأمني و الذي درج النظام على اختزاله وتغطيته بإشارة عابرة لأخطاء حصلت هنا وهناك في لبنان, (دون تحديد لمدى فداحة هذه الأخطاء , أسبابها , ومن المسؤول عنها ), هو ما أودى بالوطن إلى خضم هذه الورطة الخطرة . الكل في سوريا يعي أن النهج الأمني للنظام مسؤول عما وصلنا إليه وذلك يغض النظر إن كان متورطا في عملية الاغتيال أم لا . وبالرغم على أن القضية ليست قضية أشخاص في النظام ولكن القضية هي قضية الطبيعة والنهج الأمني له, فإننا لن نستطيع أن نعي مدى التأثير ونتائجه على الشعب السوري وهو يتابع مترقبا و بعواطف متضاربة ومؤلمه عدوته أمريكا تهم بأن تمرغ أنف بعض رموز هذا النظام الأمني في التراب , هذا النظام الذي لم يتركه واستمر جاثما عليه ينهش فيه حتى بعد أن أصبح أقرب إلى الجثث الهامده !!!! .

بالتأكيد غالبيتنا يدرك أن أمريكا وحلفاءها يرون أنه قد آن الأوان لقطف ثمار قبولهم ودعمهم وتعايشهم مع النظام ,هذه السياسة التي مارسوها لعقود سابقة, في مقابل أن يروا هذا الشعب الذي قاومهم بشجاعة مشهودة في الخمسينات يقبع ذليلا منهكا مجردا من أي كرامة وقدرة على الفعل وهذا ما حصل . والنتيجة الحتمية لذلك هي وضع سوريا تحت مراقبة صارمة وضغط متصاعد لإعادة صياغتها في صورة قد نغمض أعيننا عنها فزعا عندما نتخيلها , عن طريق ابتزاز النظام ودفعه إلى تقديم التنازل تلو الآخر عن القضايا التي درج النظام على تسميتها بالثوابت الوطنية والتي طالما ادعى تمسكه بها ولكنه لم يسع لها إلا لإطالة أمد بقائه ولم يحدث أن جيرها لصالح الوطن والشعب فتحولت إلى مجرد أوراق لملمها من هنا وهناك ليساوم عليها في إطالة بقائه. لأن الثوابت لا يمكن أن تكون أكثر من أوراق عندما لا يكون وراءها شعب كريم حر الإرادة يدافع عنها, لكننا أيضا وبفقدان النظام لهذه الأوراق سوف نكون أول الخاسرين لأنها بالنسبة إلينا ثوابتنا الحقيقة دافع عنها شعبنا بشجاعة وقدم من أجلها كل التضحيات .

إلى أن يدرك النظام أن لعبة التبجح بالثوابت وتقديم التنازلات بطيئة تعطى من تحت الطاولة لم تعد مقبولة , لأن القوى الغربية وضمن موازين القوى الداخلية والخارجية للنظام تريد أن تقبض التنازلات رزما كبيرة , ولأن التنازلت المطلوبة اليوم أصبحت من الحجم بحيث تعجز أي طاولة عن تغطيتها !!!! . إلى أن يدرك النظام بأن البدء بأي تنازل اليوم سيكر وراءه مسبحة التنازلات , وأن ذلك لن يحميه بل سيتم العمل على لفظه حال استنفاذ مهمته ....وإلى أن يدرك أن الأوراق التي بيده لن تتحول إلى ثوابت وطنية إلا عندما يحميها الشعب بإرادته دون مسيرات مبرمجه ومشاعر مبرمجه وتعبيرات مبرمجة وصحف مبرمجة ومجلس شعب مبرمج وجبهة وطنية مبرمجة ......وأن يدرك أن خلط الأوراق الحقيقي في وجه هذا المأزق هو بانفتاح حقيقي على الشعب عبر خطوات حقيقية على الأرض محددة.

إلى أن يدرك النظام كل ذلك وأشك في مقدرته بأن يتنازل إلى شعبه., ليس أمامنا بداية إلا مغادرة الأرضيات الضيقه للتعصب الطائفي والديني والحزبي والقومي وبسرعة كبيرة ونكران الأنا عندما تقف عائقا , للعبور إلى شعور وطني أسمى والوصول إلى شط الوحدة الوطنية الآمن . ليس أمامنا إلا الإقلاع عن موقف المتفرج السلبي, والعمل على التقاء كل النقاط المضيئة الوطنية الديمقراطية المبعثرة على مساحة الوطن للخروج من المعادلة الصعبة التي يريدون أن نحاصر فيها, والتي تقول إما التفرج و إما الوقوف في صف القوى الموالية للنظام أو الموالية للقوى الخارجية , وهذا الفرز ذاته هو ما عانى منه العراق قبيل سقوط نظامه , الخروج من هذه المعادلة يعني العمل الجدي على تشكيل خط وطني مجمع عليه من القوى المتواجدة على الساحة تكون إحدى أهم عناوينه1 ــــ تغيير سلمي باتجاه وطن ذي نظام ديموقراطي يتسع للجميع ويتساوى في مواطنته الجميع2 ــــ عهد على العمل من أجل حل الخلافات الداخلية عن طريق الحوار والنضال السلمي المتدرج3 ـــــ التغيير المنشود هو التغيير الذي ينبثق من الداخل ويعبر عن محصلة قوى ومصالح هذا الداخل, وتقوم به رافعة اجتماعية يشتد عودها عبر عمل دؤوب سلمي وتدريجي .

من أجل ذلك فإن المحاولة الأخيرة التي قامت بها فصائل المعارضة ـ وهي الأولى من نوعها منذ وقت طويل ـ لتوحيد صفوف المعارضة بشكل عام عبر ما سمي بإعلان دمشق لهي محاولة جديرة بتضافر كل الجهود للالتفاف حولها , ونقدها بشكل موضوعي وإيجابي , لاستكمالها و لسد ثغراتها و تجاوز نواقصها وإغنائها ورفع سقفها للحد الأعلى . والأصعب من كل ذلك للدفع بها إلى الأمام باتجاه بلورة برنامج مرحلي يشارك في صياغته أكبر طيف ممكن , لأن ذلك يشكل حاجة جدية لنا لا بديل عنها في هذه المرحله .

30 ـ 10 ـ 2005