الجرأة وحدها تنقذ قمة الخرطوم


خيرالله خيرالله

 الرأي العام الكويتية 28/3/2006
 


 

ما يشهده العالم العربي فضيحة بكل معنى الكلمة كشفتها السنوات الثلاث الاخيرة التي مضت على الاجتياح الاميركي للعراق, انها فضيحة مستمرة تلخص الى أبعد الحدود حال العجز العربية التي لا مفر من الاعتراف بها إذ ان المطلوب نجاح قمة الخرطوم, والاعتراف بالعجز أي بالواقع الاليم الذي تمر به الامة خطوة أولى على طريق الخروج من الازمة عبر طرح السؤال الاساسي الذي يتلخص في الآتي: ما الذي يمكن عمله وما الذي لا يمكن عمله؟ وفي النهاية هل هناك ما يمكن عمله عربياً على أي صعيد من الصعد، أكان ذلك في العراق أو في فلسطين أو في لبنان؟ لا يمكن تجاهل أن في مثل هذه الايام من العام 2003 ، كانت القوات الاميركية في طريقها الى بغداد في ظل صمت عربي مطبق, كان جميع العرب على علم بأن الاميركيين سيشنون حرباً تستهدف اسقاط النظام العراقي, للأسف الشديد انعقدت قمة في شرم الشيخ للبحث في كيفية تفادي حرب يستحيل تفاديها, كان على العرب وقتذاك البحث عن حلول في حين أن كل من له علاقة بالسياسة يدرك أن القمة العربية غير قادرة على ايجاد حلول, حضر القمة ممثلون لنظام صدام حسين دخلوا في مواجهات مع العرب الآخرين,وبدلا من البحث في المستقبل وفي ما يجب عمله في مرحلة ما بعد سقوط النظام العائلي-البعثي الذي قضى على النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي تمهيداً لأنفلات الغرائز الذي نشهده اليوم بفضل العبقرية الاميركية، تُرك رئيس الوفد العراقي وقتذاك، وأسمه لمن يريد أن يتذكر، عزت الدوري يزايد على الآخرين، بما في ذلك على رجل حكيم وعاقل هو رئيس الوفد الكويتي سمو الشيخ صباح الاحمد الذي صار أميراً للدولة, ما الذي جناه العرب من المزايدات؟ لا شيء على الاطلاق, كل ما فعلوه أنهم فوتوا على أنفسهم فرصة الجلوس حول طاولة بمعزل عن ممثل لصدام حسين والتداول في الوضع العراقي وبالمصائب التي يبدو البلد مقبلاً عليها، وهي مصائب من النوع الذي لا يمكن الا أن تكون لها انعكاسات على المنطقة كلها, يكفي أن ما حصل في العراق كان بداية التنفيذ للقرار الاميركي القاضي بأعادة رسم خريطة الشرق الاوسط, حصل ذلك بالفعل في ما العرب يتفرجون, أستطاعت ايران ملء الفراغ الذي صنعه الاميركيون في العراق وما زال العرب في موقف من يتفرج، غير مصدقين ان الحرب الاهلية ذات الطابع المذهبي قطعت شوطاً كبيراً في اتجاه واضح هو تقسيم العراق بعد تفتيته وتفكيكه.
هل من يريد أخذ العلم بما يحصل في العراق؟ الجواب الى الآن هو أنه ليس هناك من يريد ذلك، بأستثناء قلة من الزعماء العرب حذروا في الماضي وما زالوا يحذرون من عواقب ما يدور في العراق وحوله, والحقيقة، إذا استثنينا هذه القلة، ان لا وجود لمن يريد الاعتراف بأن على القمة العربية البحث في ما إذ كان في الامكان عمل شيء لوقف الحرب الاهلية في العراق، بدلا من الحديث عن احتمالات تفاديها, أكثر من ذلك، هل لا يزال في الامكان البحث في موقف عربي مشترك من العراق، أم أن أوان اتخاذ مثل هذا الموقف فات خصوصاً أن العشرات يُذبحون يومياً في مناطق عراقية مختلفة ولا ذنب لأي من هؤلاء سوى الانتماء الى هذا المذهب أو ذاك؟
الآن صار مستقبل العراق يناقش بين الولايات المتحدة وأيران التي تُعتبر الرابح الاول من الحرب الاميركية على العراق, هل تمتلك القمة العربية ما يكفي من الجرأة للتطرق الى هذه المسألة بغية انقاذ قمة الخرطوم وجعلها ذات فائدة؟ هناك مستقبل دولة عربية، أو كانت عربية، يُبحث بين أميركا ودولة غير عربية, أوليس ذلك ذروة العجز العربي أم ان المطلوب تغطيته بشعارات فضفاضة تفادياً للأعتراف بأن المهم في هذه المرحلة السعي الى مواجهة الواقع كما هو في حال كان هناك من يريد تفادي تكرار تجربة العراق في أماكن أخرى, والمعني بهذه الاماكن لبنان وفلسطين؟
هل يجوز للقمة العربية الا تتخذ موقفاً واضحاً حيال الظلم الذي تعرض وما زال يتعرض له لبنان؟ هل يجوز أن يكون هناك من يدعو الى تساو بين القاتل والضحية وكأن المطلوب أن ترضى الضحية وألا يرضى القاتل؟ أنه سؤال يفترض بالقمة الاجابة عنه في حال كان هناك من يريد الاستفادة من درس العراق، أقله من زاوية رفض السكوت عن الارتكابات التي تحصل في حق لبنان واللبنانيين على غرار السكوت في الماضي عما ارتُكب في حق العراق والعراقيين , كذلك هناك سؤال آخر لا بد من مواجهته هو البرنامج السياسي للحكومة الفلسطيينة الجديدة التي شكلتها "حماس", أنه برنامج يتعارض مع مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت للعام 2002 , هل تستطيع القمة العربية التحذير من المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في هذه المرحلة بالذات، إذ صار هناك تعارض واضح بين البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يتفق مع ما أقرته قمة بيروت من جهة والبرنامج الذي اعتمدته حكومة "حماس" من جهة أخرى؟ لا بد من موقف عربي واضح في هذا المجال, من دون هذا الموقف، تبدو اسرائيل قادرة على تحقيق مزيد من المكاسب على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، من دون هذا الموقف لن يكون بعيداً اليوم الذي سيصبح ممنوعاً على العرب التعاطي في الشأن الفلسطيني من قريب أو بعيد تماماً مثلما صاروا أبعد الناس عن الموضوع العراقي، علماً بأنه يطرق أبوابهم يومياً!
هل من يريد التعاطي مع الوضع على حقيقته، فيبدأ بالاقرار بالعجز أم أن المطلوب قمة عربية أخرى تعالج كل شيء ما عدا المشاكل الحقيقية التي تواجه المنطقة؟