هل التغيير قادم في سورية ومصر؟
عمر كوش
كان القاسم المشترك في
النقاش بين مجموعة من المفكرين والمثقفين السوريين
والمصريين في ندوة <<مركز الاهرام للدراسات
السياسية والإستراتيجية>>، التي عقدت مؤخراً
في القاهرة، هو سؤال التغيير القادم في سوريا
وفي مصر في ظل المتغيرات التي تشهدها
المنطقة العربية في أيامنا هذه. فسوريا مقبلة على
تطورات ومتغيرات سيكون لها أثر حاسم في رسم مستقبل
النظام السياسي فيها، بل ومستقبل سوريا برمته في
المدى المنظور القريب. وكذلك تشهد الساحة السياسية
المصرية تطورات دراماتيكية يوماً بعد آخر، خصوصاً
بعد تعديل المادة 67 من الدستور المصري وما تبعه
من أحداث، وبالتالي يرتبط سؤال التغيير القادم
بمصير كل من النظامين السوري والمصري، وبمسقبل
المنطقة كلها.
على المستوى الرسمي، رُبط التغيير القادم في سوريا بما سيصدر عنه المؤتمر القطري لحزب البعث الحاكم الذي سيعقد في السادس من حزيران القادم من مقررات وتوصيات. لكن لا أحد يعلم على وجه اليقين في أي اتجاه ستكون، إذ هناك تخوف لدى أوساط العديد من المهتمين بالشأن السوري من أن يصدر المؤتمر عن جملة توصيات لا تغير من واقع الحال السورية في شيء، خصوصاً أن المطلوب هو ترجمة الكثير من العمل والإرادة من أجل جعل التغيير يصب في طريق التحول الديموقراطي، بوصفه الحل الوحيد الذي يُمكّن البلد من الوقوف بوجه التحديات والضغوط الخارجية، وبخاصة الضغوط الأميركية، وأن لا تشكل القرارات والتوصيات المنتظرة من المؤتمر عائقاً أمام التغيير الديموقراطي، الذي بات ضرورة داخلية أكثر منه تعاملاً مع متغيرات دولية وإقليمية لم يعد بوسع أحد تجاهلها. كما أنه ليس من المصلحة أو الحكمة تجاهل وإنكار أو تأجيل الاستحقاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنه سيصب في خانة التعامي عن الواقع.
كذلك، فإن مسألة إنجاز تحول ديموقراطي بشكل سلمي، هي مسألة ملحة أيضاً لمصر، بما يضمن لها مخرجاً حقيقياً وآمنا من أزمتها البنيوية الشاملة، وبقدر ما هنالك من الرغبة العارمة في ضرورة إحداث التغيير الديموقراطي بقدر ما هنالك من المخاوف التي تنتاب الوطنيين المصريين من أن تنزلق الأمور خلال الأشهر والأسابيع القليلة المقبلة إلى ما لا تحمد عقباه. لكن مسألة التغيير الديموقراطي باتت تشكل العنوان الرئيسي للتغيير المطلوب، ليس في سوريا ومصر فقط، بل ولبقية البلدان العربية الأخرى، بوصفه الضمانة الأولى للتغيير المطلوب. وعلى الأنظمة العربية أن تعي تماماً أن ما كان محرماً من قبل قد انكسر، حيث بدأت القوى الوطنية المعارضة بكسر المحرمات واجتياز الخطوط الحمراء، وصارت الحاجة ملحة لحوار وطني، هدفه إيجاد القواسم المشتركة، التي تصلح لتأسيس مشروع سياسي وطني جديد، قاعدته الاجماع الوطني العام بدلاً من نهج الانفراد والاستئثار الحزبي السلطوي الذي ما يزال سائداً في حيواتنا السياسية العربية.
وفيما تتعرض البلدان العربية في أيامنا هذه لضغوط باتجاه التغيير القسري، فإن الأجدى هو أن تدرك الأنظمة العربية بضرورة التغيير الاختياري، وبما يتفق مع مطالب القوى الوطنية المعارضة. وما يزال هنالك متسع من الوقت للعمل على ترجمة هذه الضرورة إلى ممارسة، قبل أن تأتي ساعة لا ينفع معها الندم. وربما لن تنتظر القوى الحية العربية حتى تأتي ساعة الندم، فالقرارات التاريخية التي اتخذها قضاة مصر في جمعيتهم العمومية هي رسالة مهمة يجب التوقف عندها طويلاً، لأن فحواها هو أن التغيير ليس استجابة لضغوط خارجية، وإنما هو مطلب داخلي وإن تزامن مع هذه الضغوط الخارجية، وأن حركة <<كفاية>> ليست <<قلة منحرفة>> أضاعت الطريق حسب ما تحاول إشاعته قوى النظام المصري المتنفذة.
إن تهيئة المناخ للتغيير الديموقراطي السلمي، يتطلب إلغاء حالة الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية، ويتبعه الافراج عن كافة معتقلي الرأي والسجناء السياسيين، أولئك الذين وُجهت إليهم تهم باطلة، أو لم توجه لهم أي تهمة أو انتهت فترة محكومياتهم ولم يفرج عنهم. وكذلك تشريع التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، وضمان حرية التظاهر وعقد الاجتماعات العامة وإلغاء كافة القوانين أدت الى ايجاد حالة من الجمود والانسداد السياسي.
لا شك في أن سوريا ومصر، ومعهما بقية البلدان العربية، لم تعد تحمل ترف الخوض في تجارب جديدة قد تصيب أو تخطئ، ولم يبقَ لديها فائض في الوقت، يسمح بالتردد في تأجيل الاستحقاقات والخيارات الديموقراطية. فأوضاعهما، كما هي أوضاع مجمل البلدان العربية، تدفع إلى القلق العميق بشأن المستقبل القريب. وهو أمرٌ يتحسسه كل من يهتم بالشان العام، ويعرف تفاصيل الحياة اليومية في هذه البلدان.
() كاتب سوري
"السفير"