اكثر من عام مضى على انتهاء المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم في سوريا
عمر كوش
(كلنا شركاء
أكثر من عام مضى على انتهاء المؤتمر العاشر
لحزب البعث الحاكم في سوريا الذي خرج بتوصيات ومقرارات، ولم يتغير شيء في سوريا
باتجاه الانفتاح على الداخل وحلحلة الأوضاع، بل على العكس من ذلك، تدهورت الأوضاع
ومالت قوى النظام إلى خيار التشدد تجاه الحراك السياسي المعارض، حيث الاعتقالات
متواصلة للناشطين السياسيين والمثقفين النقديين والناشطين في مجال حقوق الإنسان،
وليس آخرها الاعتقالت التي طاولت العديد من المثقفين الموقعين على إعلان
"بيروت
– دمشق
/
دمشق – بيروت"،
بل وصل الأمر إلى فصل العديد من الموقعين على هذا الإعلان من عملهم الوظيفي، الأمر
الذي يدعو إلى التساؤل عن الغاية من استمرار هذا النهج، وهل يخدم متانة النسيج
الداخلي؟
كان المطلوب، داخلياً، التخلص من النهج القديم،
ومن الأفكار القديمة، والعقلية الفائتة، والبدء بحوار وطني، يشمل كافة أطراف الطيف
السياسي السوري، كي تتمكن سوريا من أن تضع قدمها على الطريق الصحيح، ومن الاندفاع
ولو خطوة واحدة نحو الأمام.
لكن يبدو أن قوى الإعاقة ما تزال قوية، وقادرة
على الحؤول دون أية إمكانية للإصلاح والتغيير، فالإصرار على المحافظة القديمة تجسد
في الإبقاء على المادة الثامنة من الدستور، التي لم تغيرها التوصيات الغائمة حول
إصدار قانون مشروط للأحزاب، ولا البحث في إمكانية تحديد مجال قوانين الطورئ
والأحكام العرفية، ولا التوصية بتشكيل لجنة لمحاربة الفساد، ولا التوجه نحو اقتصاد
السوق.
ذلك أن المشكلة ليست في الحديث عن أفكار جديدة،
بقدر ما هي في التخلص من العقلية القديمة التي طبعت الفكر السياسي للنخبة السياسية
الحاكمة بسمات يصعب التخلص منها.
وبما أن سطوة الهيمنة الشمولية التي تمارسها
السلطة الحاكمة تحتل موقعاً مميزاً في الفكر والممارسة، فإنه لن ينفع معها بعض
العمليات
"التجميلية"
هنا أو هناك، ذلك أن منطلقها محكوم بخيار
الممانعة، ومسكون بشعور التحدي والتصدي، وبما يؤجل كافة الاستحقاقات الداخلية،
وبالتالي لن تجدي نفعاً مفردات الإصلاح وشعاراته التي انتفت وألغيت حتى في ميادين
الاقتصاد والإدارة، ولم تطاول السياسة، خوفاً من أن تمس هيمنة الحزب الواحد، وأن
تحدّ من سيطرة العقل الواحد، لذلك من المنطقي أن يتم التحدث في هذا المجال عن تقييد
التعددية الحزبية، بما يضمن استمرار احتكار الحياة السياسية ويمنع أي اجتماع سياسي
جديد، يلبي طموحات القوى الحيّة في المجتمع السوري.
إذاً، وبعد مرور أكثر من سنة على انتهاء
المؤتمر العاشر، فإن حزب البعث لن يتحول إلى تنظيم سياسي، قادر على العمل الايجابي
والمشاركة في إعادة بناء الاجتماع السياسي في سوريا، كما لن تتمكن القوى السياسية
المعارضة من المشاركة في الحياة السياسية من غير ملاحقات ولا اعتقالات، لذلك لن
تتعافى الحياة السياسية في سوريا من غير تغيير ديموقراطي، يقطع جذور فكرة الانفراد
بالسلطة، ويزيل كافة التشريعات والقوانين والمحاكم الاستثنائية، ويعيد الاعتبار
للشرعية الدستورية التي تحمي المواطن، وتجعل كافة المواطنين سواسية أمام القانون.
إن تركيز التغيير في الأشخاص على حساب التغيير
في السياسات والأفكار يؤكد على أن النظام السياسي مستمر في الحفاظ على النهج
القديم، وأن التخلص من بعض قيادات الحزب التي تقادمت، جاء ليوحي بأن جديداً قد حدث،
في حين بقيت كافة الاستحقاقات الداخلية معلقة، وكأن هذا التغيير في الأسماء القصد
منه الحفاظ على المكاسب التاريخية للسلطة، وليس من أجل حلحلة أزمات الداخل وتقويته
لمواجهة أخطار الخارج.
لذلك فإن العقلية التي سادت مؤتمر حزب البعث،
لم تمكنه من أن يشكل قفزة نوعية في حياة البلد، ولم تتم الافادة من دروس الماضي،
سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
كان المأمول هو البحث عن مخرج لأزمات
واستحقاقات الداخل، بما يضمن حدوث تحول ديموقراطي.
تحول يصدر عن عقلية جديدة، وعن تفكير جديد،
بصرف النظر عن تغيير الأشخاص والأسماء.
ولا يمكن أن يكون المدخل للعقلية الجديدة
وللتفكير الجديد من غير الالتفات إلى الداخل السوري، بما فيه من قوى حية وفعاليات
مدنية عديدة