زمن انتفاضات الشعوب ....والتغيير

 أو انعدام المؤامرة

 26-11-2011

د.مرهف ميخائيل

 

كلُ شيء يتغير،ولا يبقى شيئاً كما هو،إلا لمن لايرى غير بعينيه.وأما من يبحث عن التغيُّر الفعلي للأشياء ،سوف يلاحظ ببصيرته  أن الأشياء تتغير بفعل حركة المادة وتغيُّر الزمن .هكذا هي الحياة تغيير مستمر لايتوقف على الإطلاق ،وقد نصل الى نتيجة أنه  لايتغير  إلا التغيير نفسه ...وقديماً عبّر الفلاسفة الأغريق عن هذه  الحقيقة فقالوا:"لايمكنك أن تشرب  من ماء نهر مرتين"وبالرغم من أن الماء هو نفسه للناظر ،إلا أن  حركة جريان الماء ،تُحدث تغييراً في الماء نفسه.والحقيقة  أنه إذا كان هناك مايدعو للإحترام والإجلال  في الفلسفة المادية ،هو  هذه المقولة حول التغيّر...وهنا أتذكر عندما كنا شبابا متحمسين  لقراءة المادية الدياليكتيكية ...كنا ننجذب بقوة إلى ماتتحدث فيه مقالات "انجلز" و "ماركس" و"هيجل " عن التحول الذي يحصل  على الأشياء المادية وكيف تتحول الطاقة  من شكلها  الميكانيكي الى شكلها الكهربائي ...الخ .وكيف تتحول المادة من شكل الى شكل آخر..ا

وفي المجتمع ،تُحدثُ الحركة تغيراً يِؤدي إلى تراكمات غير مرئية ،إلا أنها بعد فترة من الزمن تُحدث شيئا نوعياً هو الثورات الاجتماعية ،وأقصد  بذلك تلك التغيرات  التي تحصل على أشكال السلطة  والحكومات ...ويصل التغيير الى قوانين  المجتمع بفعل تلك التراكمات الصغيرة .وأمثال الاقدمين ،تُلخص هذه العملية من التغيرات المستمرةعلى الأشياء المادية والمجتمعية ،وفي هذا الصدد يقولون:"لايبقى شيء على حاله"..وقد تتغير الأشياء إلى الاحسن أو الى الاسوأ وليس صحيحاً أن التغير يقود دائماً الى الاحسن..ويكفي أن  تتأمل في المجتمع او نعود الى التاريخ..لنجد أمثلة كثيرة على التغير نحو الاسوأ. 

ففي حركة التغير،تأخذ الحركة أشكالاً عدة ،وقد نجد أشكالاً  من التغير أفقية الشكل والتطور...وكذلك قد نقع على أشكال من التغير عمودية...بعضها يكون تغيُّرهُ بطيئاً، والآخر سريعاً...لكنها مُجبرة بفعل القانون على أن تتغير وتتبدل وأن لاتبقى على ماهي عليه.ا

فالبعض يجد في هذا القانون  نوعاً  من العدالة في توزيع الخير ،وكذلك الشرور...حتى أن العرب قالوا قديماً:"الدهر يومان ،يوم لك ويوم عليك"...وقد لخّص هذا المثل الشائع ،أنه بسبب التغير الذي يحصل باستمرار  قد تكون بعض أيامنا  جميلة  ومريحة ونافعة لنا...كما قد تكون  اياماً صعبة وقاسية وخاسرة لنا  ولمصالحنا..وقد يكون في هذا حكمة ما لقوة مالانعرف سببها...فهناك من يتحدث عن العدالة الالهية ...والبعض الآخر يصفها بالعدالة الطبيعية.ا

ومايحدث الآن  في مجتمعاتنا العربية ...لايمكنه أن ياتي عن طريق "المؤامرة" كما تقول الحكومات العربية...بل هو تراكم لسنوات طويلة من الظلم والقهر وانعدام العدالة والمساواة.....البعض استطاع أن يتسلّل داخل الحراك الشعبي لكي يُحوّل وجهة الحراك من حراك  سلمي ديناميكي  ،متطور ومتغير  ينحو نحو الأهداف التي انطلق منها الحراك ..مثل الحرية والعدالة والديمقراطية...وقد تم في بعض الحالات وفي بعض المناطق أن يستفيد من الحراك مجموعات صغيرة ..تعمل ضمن نطاق المؤامرة...لكن الحراك أي التغير الذي بدأ في سيدي بوزيد مثلا هو حراك ضد الظلم وانعدام العدالة ...الذي تمت ممارسته عشرات السنين ،  وفي سورية مثلا انطلق الحراك من مدينة درعا  وقد كان في بدايته يرنو نحو الحرية الاجتماعية التي انحرم منها السوريون طوال أربعين عاما من حكم آل الاسد...والمسؤول الأول والأخير عن هذا التغير هو تراكم الظلم وانعدام الحرية وممارسة القمع المركب بأشكاله المختلفة...ولايمكننا أن ندعي علميا على الاقل أن ٌمؤامرة يمكنها أن تدفع باتجاه حراك  اجتماعي يُطالب بالحرية والعدالة وإزالة القمع ...فقانون التغير هو المسؤول عما حدث في الثورات والانتفاضات والتغيرات في العالم العربي.ا    

 اما المخاطر التي تتعرض لها هذه التغيرات هو أن يتم  حرفها  وتحويلها الى غايات والى تغيرات مضادة اي ان تاخذ شكلا سلبيا ومجهضا للاهداف التي من اجلها ولدت هذه التغيرات الثورية او الانتفاضية.الخطر الاساسي و الحقيقي سيأتي من أولئك اللذين  يخططون لوأد هذه الانتفاضات.ا