مشــروع الوثيقـــة الوطنيــة

كلنا شركاء في الوطن

بدعوة من لجنة المبادرة للحوار الوطني ....عقد اليوم في دمشق عند الساعة الحادية عشر ظهراً اجتماع ضم قسم من الطيف السياسي في سورية ....حيث تم مناقشة وثيقة سميت الوثيقة الوطنية مرفقة بورقة خلفية ( مدرجتـان أدنـاه ) ....واستمر اللقاء أربعة ساعات ونصف حيث قدمت معظم القوى السياسية والشخصيات الحاضرة مداخلات عبرت عن وجهة نظرها في الوثيقتين ...وكان من بين ما ورد في بعض المداخلات :
-منذر مراد : يجب أن تتحول البيوت إلى خيم وليس بالطريقة المظهرية الحالية فالقضية ليست قضية خطابات بل مواقف .
-مصطفى قلعجي : دعا إلى عدم توزيع شهادات في الوطنية بــل إلــى تــرك المواطن السوري يقرر من هو الوطني ومن هو غير الوطني .
-محمد صوان : بين أن التجمع الديمقراطي يريد دولـة فــوق الأحــزاب .
-د.محمد سماق : بين أنه ضــد احتكــار حــزب البعث للسلطة .
-ابراهيم اللوزة : شرح من خلال مذكرة طويلة كيف أن الحكومـة السوريــة لا تساعــد في الوحــدة الوطنيــة من خلال رفضها لمطالب العمال ولعدم رصدها للاعتمادات اللازمة لشركات القطاع العام ولإلغائها عدد من المشاريع وعدم استجابتها لتأجيل قانون العمل الذي ينص على أن يكون العقد شريعة المتعاقدين بين رب العمل والعامل .
-عبد القادر نيال : طالب بوضع الخطة اللازمة للتحول إلى اقتصــاد مواجهــة .
وكان هناك شبه إجماع على الضرورة القصوى لضـرب مواقــع الفســاد وخصـوصـاً الكبــرى منهــا ...وفضــح محدثــي النعمــة الذين سرقوا قوت الشعب ويتاجرون الآن بأموالهم في نشاطات تدعي الوطنية .....وأن النظام ليس في مأزق بل هؤلاء الذين هم في مأزق حالياً ....وأكدت عدة مداخلات على أهمية التفريق بين موقعي إعلان دمشق وعدم إعتبارهم جميعاً في خانة واحدة .
وقد غاب العديد من أطياف المعارضة الوطنية ولجان المجتمع المدني والأحزاب الكردية .......ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الاجتماع كان مقرراً ان يحصل قبل سنة وتم تأخيره من قبل الرفاق الحزبيين بحجة المؤتمر القطري ورغم أن المؤتمر عقد في حزيران ولكن المشاركة لم تقر إلا مؤخراً فيما يمكن أن يفهمه البعض أنه نتيجة الظروف الصعبة التي تواجه البلد والحاجة إلى اللحمة الوطنية ....لذلك ومن أجل بث الارتياح لدى كامل الطيف السياسي يجب التأكيد على أن هذه ا لمبادرة تتم عن إيمان وليس بسبب الظروف ومن أجل تمرير الأزمة وبعدها لكل حادث حديث ؟.....لذلك يجب أن يكون هناك آليات واضحة للتنفيذ لهذا البرنامج الوطني المطروح في الوثيقة وكذلك يجب وضع إطار زمني محدد كي لا تبقى الأمور مفتوحة كما اعتدنا سماع كثير من الوعود ومن القيادات السياسية ولكنها جميعها تبقى مفتوحة الزمن ولا نعرف متى ستنفذ ؟.....وكذلك يجب تحديد مالحلول التي سيتم اللجوء إليها إذا لم تجد الوثيقة الوطنية تجاوباً من السلطة ؟....
المشكلة في التوقيع على الوثيقة أن التوقيع عليها سيتم من قبل شخصيات وأحزاب وقوى سياسية ولكن أعضاء حزب البعث سيوقعون بصفتهم الشخصية وليس كحزب البعث .... إذ لا يوجد تفويض من القيادة القطرية لحزب البعث لأحد بالتحدث باسمها أو بالتوقيع باسم الحزب بل على العكس هناك عدد من النقاط التي أثيرت اليوم عليها خطوط حمراء في قيادة الحزب كموضوع الإسلام السياسي الذي طرح تشجيعه الدكتور محمد حبش ...
وفي النهاية فوض الحضور لجنة ( مدرج أدناه أسماء أعضائها ) من أجل دراسة المقترحات الخطية التي وردت وطالبت بإجراء بعض التعديلات التي لا تمس جوهر الوثيقة الوطنية وإجراء التعديلات الممكنة ....وكذلك متابعة تنفيذ واقتراح الخطوات اللازمة لتشكيل الجبهة الشعبية الوطنية .


مشــروع الوثيقـــة الوطنيــة
الوطــن فــي خطــر...
لا بد من قيام جبهة شعبية وطنية ديمقراطية للمواجهة!
إلى أبناء شعبنا في سورية العظيمة ـ العصية على الاستعمار قديمه وحديثه! أيها الوطنيون السوريون أينما كنتم: في الأحزاب والقوى والمجموعات والشخصيات الوطنية، يا من ترون في الحفاظ على الاستقلال الوطني، والسيادة الوطنية والدفاع عن الكرامة الوطنية في وجه الامبريالية الأمريكية والصهيونية مبرراً لوجودكم.
تتصاعد الحملة الأمريكية ـ الصهيونية ضد سورية، وهو أمر متوقع لم يكن يستبعده إلا الواهمون بإمكانية تحييد الموقف الأمريكي وعقلنته.
فمنذ إقرار قانون محاسبة سورية، ثم القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري وتداعياتها إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية، إلى اجتماع بعض أركان الإدارة الأمريكية إلى ما يسمى بالمعارضة السورية المقيمة في حضن البنتاغون، إلى صدور «إعلان دمشق» الذي تجاهل ما ت تعرض له سورية من ضغوطات ولم يشير إلى نقاط التصادم مع الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى الهيمنة على المنطقة، أصبح واضحاً أننا أمام عدوان أمريكي ـ صهيوني يستهدف وطننا سورية وكل قوى المقاومة والممانعة التي ما زالت ترفض مخطط الهيمنة والاستباحة الأمريكية ـ الصهيونية على المنطقة في إطار ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير!
إن القرار 1595 وتقرير «ميليس» وصولاً إلى القرار العدواني الجديد 1636 ضد سورية، كل ذلك يثبت أن ما يسمى بالشرعية الدولية وهيئاتها المختلفة قد تحولت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال ميزان القوى الدولي إلى أداة طيعة بيد الإمبريالية الأمريكية لتنفيذ سياساتها الخارجية المتسمة بالنزعة العدوانية والتوسعية، وهي تستخدمها لإلغاء السيادة الوطنية للدول المستقلة.
في هذا الظرف العصيب على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية الكبرى، ومن الدور الريادي الذي لعبته سورية تاريخياً في مواجهة الأحلاف العسكرية ـ الاستعمارية والمخططات الإمبريالية ـ الصهيونية، لا بد من تحشيد أكبر ما يمكن من جماهير شعبنا، وتبني وتعميق الخيار الوطني الديمقراطي في مواجهة الأخطار الماثلة أمامنا، عبر قيام جبهة شعبية وطنية عريضة للمجابهة والمقاومة تقوم بدور التعبئة وتنظيم قوى المجتمع على الأرض، لأن مواجهة الغزاة الجدد قادمة، والاستهانة بها يفضي إلى التفريط بالسيادة الوطنية وتفتيت الدولة وبنية المجتمع، وهذا ما فعلته قوات الاحتلال الأمريكي في العراق...
من الواضح أن قيام جبهة شعبية ـ وطنية عريضة للمقاومة والمواجهة المرتقبة، لابد أن ترتكز على أسس ديمقراطية وطنية، توفر مستلزمات بناء وتعزيز الوحدة الوطنية الشاملة، لتأمين أمن الوطن الذي هو فوق كل اعتبار، وهو أعلى وأقدس من أمن أي نظام أو سلطة.
لذلك لابد من إنجاز مقومات الوحدة الوطنية الشاملة دون إبطاء والتي أهمها:
أولاً: على المستوى العربي:
* التأييد النضالي الفعال للمقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق الموجهة فعلاً ضد قوى الاحتلال الأمريكي والصهيوني لتحقيق الحرية والاستقلال وبناء نظام ديمقراطي مقاوم، باعتبارها حقاً مشروعاً تضمنته شرعية حقوق الإنسان والقانون الدولي، والتفريق بين المقاومة والإرهاب على اعتبار أن الاحتلال هو أعلى مستويات الإرهاب الدولي، وبالتالي مقاومته م شروعة وواجب وطني.
* العمل على تطوير حركة التحرر الوطني العربية كبديل للنظام الرسمي العربي المنهار والذي أصبح أداة طيعة بيد النظام الدولي الذي تهيمن عليه الإمبريالية والصهيونية.
* عزل وفضح كل من يروج للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكل الذين يزينون ما يسمى بمشروع التغيير الذي تحمله الإدارة الأمريكية إلى شعوب الشرق الأوسط والعالم.
ثانياً: على المستوى الوطني:
* الرفض المطلق للاستقواء بالخارج وإدانته ومقاومته، وعدم التفريط بالسيادة الوطنية ووحدة التراب الوطني، والعمل على تهيئة الظروف الاجتماعية لبناء داخل سليم معافى يعزز دور المجتمع لنهوض المقاومة الشعبية الشاملة بكل أشكالها، لأنها الطريق الوحيد نحو الحفاظ على كياننا الوطني، خصوصاً أننا أمام عدوان متسارع في زمن يتناقص.
إن أي موقف لأية قوة سياسية يخلو من موقف واضح ضد الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني وتحميلها مسؤولة التطورات الخطيرة في المنطقة وحول بلادنا، هو تحت الحد الأدنى المطلوب لإدراجه ضمن خانة الموقف الوطني. كما أن عدم الاستقواء بالخارج ليست كلمة تقال، بل ممارسة تأخذ مصداقيتها من السلوك الملموس على الأرض.
* إن الإجراءات التي تتخذها الدولة حتى الآن في مواجهة خطر العدوان الخارجي ومجمل الأوضاع الناشئة بعد تقرير «ميليس» وقرار مجلس الأمن الأخير، لا تتطابق مع مستوى المخاطر الجدية التي تتعرض لها البلاد. وإذا كنا نتفهم أحياناً أن لسلوك الدولة ضروراته، فإنه في مثل هذه الظروف يجب عدم إخضاع خيارات الشعوب وثوابتها الوطنية إلى ضرورات الأنظمة.
* الجولان جزء عزيز من تراب سورية، وتحريره كاملاً إلى حدود 4 حزيران 1967 يجب أن يكون على رأس مهام جميع الوطنيين السوريين، ولنا من تجربة المقاومة في جنوب لبنان مثلاً لا يمكن تجاهله.
* التأكيد على دور سورية في الريادة الروحية باعتبارها الأرض التي انطلقت منها النبوات والحضارات، وازدهرت فيها الحضارة الاسلامية، ورفض المحاولات الرامية إلى النيل من الثوابت الدينية وتكييفها مع ما يتناسب مع مطالب العولمة.
ثالثاً: على المستوى الديمقراطي:
تمثل الديمقراطية ضرورة داخلية ملحة لإعادة صياغة وتنظيم شؤون المجتمع على أساس مشاركة كافة الأطراف الوطنية، وذلك من خلال العمل على:
* رفع الأحكام العرفية وضبط العمل بقانون الطوارىء فيما يخص القضايا التي تمس الأمن الوطني حصراً، ومنع تدخل الأجهزة الأمنية في شؤون الأحزاب السياسية.
* إطلاق سراح المعتقلين السياسيين دون إبطاء، وحل مسألة المتواجدين خارج القطر لأسباب سياسية والمجردين من الحقوق المدنية.
* سن قانون للأحزاب يضمن حق الانتماء السياسي لجميع المواطنين على أسس وطنية شاملة، يدفع بالحياة السياسية والأحزاب خطوة إلى الأمام، ويمنع عودتها إلى الوراء إلى ما قبل مفهوم الدولة الوطنية، ويضمن فصل أجهزة الدولة وامتيازاتها عن بنية الأحزاب السياسية.
* إصدار قانون للانتخابات ديمقراطي عصري، يحد من سلطة المال وأجهزة الدولة في العملية الانتخابية، ويسير باتجاه التمثيل النسبي. وسن التشريعات الضرورية التي تضمن مبدأ التداول السلمي للسلطة.
* إعادة النظر بقانون المطبوعات بما يكفل حرية التعبير وعدم احتكار الدولة لأجهزة الإعلام.
* إعادة النظر بقانون الأحوال الشخصية بشكل يضمن ويعزز دور المرأة في المجتمع ويلغي جميع أشكال التمييز ضدها.
* حل مسألة المجردين من الجنسية من المواطنين السوريين الأكراد بموجب إحصاء 1962 الاستثنائي في الجزيرة، وإعادة الجنسية لجميع من حرم منها منذ عقود، ومنع أي تمييز بين المواطنين على أساس قومي أو ديني أو طائفي، وضمان الحقوق المدنية والثقافية والاجتماعية لجميع المواطنين التي ترتكز على مبدأ المواطنة ضمن إطار وحدة الوطن.
* ضمان وتعزيز حقوق المواطن السوري بكل جوانبها من حق الحياة إلى حق العمل إلى حق الدراسة والصحة والسكن والاتصال، وصولاً إلى حرية التعبير والتي من أهمها حق الإضراب والتظاهر وحق التعبير عن الرأي عبر النشر والانتماء السياسي.
* العمل على تأمين استقلالية النقابات والحركة النقابية عن أجهزة الدولة وصيانة حقوقها دستورياً.
* تأمين استقلال القضاء ونزاهته في إطار الفصل بين السلطات الثلاث.
رابعاً: على المستوى الاقتصادي ـ الاجتماعي:
* ضرب مواقع الفساد وخاصة الكبرى منه، وإعلان حملة وطنية في كل البلاد ضد هذه الظاهرة الخطيرة والتي تشكل نقطة الارتكاز الأهم لقوى العدوان الخارجي ضد سورية.
* صياغة دور جديد للدولة بعيداً عن الشكل الوصائي والأمني الذي استنفد نفسه ودوره وكبّل قوى المجتمع وعطلها، دون الوقوع في مطب الليبرالية الجديدة صاحبة شعار (دعه يعمل، دعه يمر) والذي تستبدله قوى الس وق والفساد في سورية بشعار يحمل الجوهر ذاته ويلغي دور قطاع الدولة ويمهد الطريق للخصخصة بالقول: «دعه يخسر، دعه يموت».
ومن هنا فإن القوى الوطنية مدعوة للحوار والبحث عن دور جديد للدولة تنموي عقلاني، منفتح على المجتمع يعزز الإيجابيات ويحارب السلبيات في التجربة السابقة عبر حلول جديدة تفرضها علينا الخصوصيات الوطنية ومتطلبات المواجهة القادمة.
* إعادة النظر جذرياً بالسياسة الأجرية المتبعة وصولاً إلى سياسة تضمن ردم الهوة بين الأجور والأسعار وتؤمن المستوى المعيشي اللائق لكل ذوي الدخل المحدود بأسرع وقت ممكن على حساب الموارد التي ستوفرها مكافحة الفساد والنهب الكبير.
* دفع القطاع الخاص المنتج كي يساهم في تطور الاقتصاد الوطني بما في ذلك امتصاص جزء من البطالة ودعم الإنتاج الوطني بكل أشكاله عن طريق إلغاء جميع العوائق من أمامه.
* إعادة النظر بالسياسات الضريبية كي تتوافق مع ضرورات النمو والتنمية بشكل يمنع النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي ويحقق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية.
* إن رفع مستوى المعيشة ومكافحة البطالة في سورية تتطلب اقتصاداً لا تقل نسبة النمو فيه عن 10%، وهذا لا يمكن توفيره دون إعادة توزيع عادلة للدخل الوطني والحفاظ على قطاع الدولة وتخليصه من ناهبيه وسلبياته، كي تلعب سورية دورها المنوط بها على المستويين الداخلي والإقليمي.
* تأمين الضمان الصحي المجاني للجميع، وإصلاح العملية التعليمية والتربوية، وتخصيص ما لا يقل عن 20% من موازنة الدولة للتعليم مع تخصيص موازنة كافية للبحث العلمي وحل أزمة السكن في البلاد.
* الاهتمام بالاقتصاد الزراعي ودعم الفلاحين والمزارعين وخاصة الصغار منهم وتعميق مفهوم الأمن الغذائي لما له علاقة بالمواجهة اللاحقة.
* تأهيل اقتصادنا الوطني للتحديات التي تفرضها الشراكة السورية ـ الأوربية وعدم السماح بإلحاق الضرر بالإنتاج الوطني وبالمستهلكين وبمستوى المعيشة في البلاد.
* حماية البيئة وتحميل المؤسسات والجهات التي تضر بالبيئة، الضريبة اللازمة لمعالجة التلوث الناجم عن نشاطها.
إن كل ما تقدم ليس برنامجاً للحكم وليس هذا هو الهدف، بل هو مرتكزات ضرورية للمواجهة والدفاع عن السيادة الوطنية والتي هي مهمة الجميع دون استثناء أحد. كما أن التوافق على هذه المرتكزات يتطلب حواراً شاملاً بين جميع القوى الوطنية من أحزاب وتجمعات وشخصيات وصولاً إلى مؤتمر وطني يؤسس لجبهة ش عبية وطنية واسعة قادرة على تنظيم قوى المجتمع على الأرض.

ورقـــة خلفيــــة
تتعرض سورية في هذه الأوقات العصيبة إلى ضغوط شديدة من الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف حرفها عن الخط الوطني والأهداف القومية، والانضواء تحت مظلة المشروع الأمريكي - الصهيوني.
والضغوط والتهديدات التي تتعرض لها سورية، ليست جديدة فقد عرفت مثل هذه الضغوط والتهديدات منذ فجر الاستقلال، لكنها اليوم تكتسب معاني جديدة، تتمثل في عدد من العناصر:
1. إنها تأتي في معرض التغير الحاصل في المناخ الدولي بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على مقدرات العالم وشعوبه، وسعيها الحثيث إلى تدويل هذه الضغوط والتهديدات واستصدار قرار من مجلس الأمن ضد سورية.
2. إنها تحدث في ظل نظام عربي إقليمي متصدع، وبدلاً من وقوف الدول العربية إلى جانبها، فإنها لا تتلقى سوى النصائح بالانصياع إلى المطالب الأمريكية.
3. تتصاعد الضغوط على سورية، مع احتلال العراق، وتصاعد عمليات المقاومة فيه، ومع تعثر مشروع شارون الصهيوني في فلسطين.
الهدف من تصاعد الضغوط الأمريكية على سورية، إنما يتم في إطار سعي الولايات المتحدة إلى فرض مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي يستهدف ترويض المنطقة الممتدة من المغرب وحتى إندونيسيا، وإلحاقها في عجلة المصالح الأمريكية ولحساب إسرائيل، وتدعيم تواجدها في المنطقة، وإكراه الشعوب على قبولها في نسيجها، الأمر الذي يتطلب من هذه الشعوب الخضوع لمتطلبات هذا المشروع، وتسهيل حصول الولايات المتحدة، والغرب عموماً، على النفط، الذي هو عصب الحياة الاقتصادية المعاصرة، وكذلك ضمان تدوير عائداته في دور رأس المال العالمي الذي تهيمن عليه القوة الرأسمالية الأمريكية - الصهيونية.
والمطلوب من سورية، أمريكياً وإسرائيلياً هو أن تمتنع عن دعم الانتفاضة في فلسطين، وأن تمتنع عن دعم المقاومة في العراق، وإذا كانت سورية قد قطعت الطريق عن المؤامرة التي كانت تدبر لها في لبنان، واستكملت سحب قواتها العسكرية الأمنية منه، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تكتفيان بذلك، بل إن المطلوب اليوم من سورية أن تساعد على نزع المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان.
والإدارة اليمينية في الولايات المتحدة لا تكتفي بأن تمتنع سورية عن دعم الانتفاضة في فلسطين، بل إن عليها أن تطرد كل فلسطيني مناهض للاحتلال الإسرائيلي من سورية، وأن تساعد على إخماد الانتفاضة، وأن تبارك قتل الفلسطينيين وتشريدهم.
والإدارة الأمريكية لا تكتفي بأن تمنع سورية تسلل المجاهدين من أراضيها إلى العراق، بل تريدها أن تعتقل كل من لا يقبل باحتلالها للعراق، وأن تزج بنفسها في أتون الحرب الدائرة فيه، وأن تقوم بدور الشرطي لحسابها من أجل القضاء على المقاومة، وإسكات كل من لا ينضوي تحت ظلال ديمقراطيتها الزائفة.
لقد استغلت الإدارة اليمينية المحافظة المتصهينة في الولايات المتحدة، أحداث 11 أيلول 2001 الدامية في نيويورك وواشنطن، لتشن حربها الطويلة ضد الإرهاب، ولتصفي كل من يقف في وجه مشروعها، باتهامه بالإرهاب أو بمساندة الإرهاب، وابتدعت ما دعته بمحور الشر الذي استخدمت من أجله جميع ما لديها من وسائل لحشد التأييد الدولي لمشروعها، واستخدمت الأمم المتحدة في تمرير مجموعة من القرارات ضد العراق، وفرضت عليه حصاراً امتد إلى أكثر من عشر سنوات، حتى أنهكته لتنقض عليه بقواتها المدججة بأحدث التقنيات، ولتحيله إلى دولة ممسوخة، مفككة، تلعب بها الأهواء والمطامع، وتعيث فيها عصابات المافيا والمخابرات من كل حدب وصوب فساداً وإرهاباً وإجراماً.
وتعمل الولايات المتحدة اليوم على إثارة الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية في العراق، ضمن مخططاتها الخبيثة لإشاعة ما يدعى «الفوضى البناءة»، بهدف جعلها نموذجاً يمكن تعميمه على المنطقة بكاملها، وهي إذ استطاعت أن تخلق لنفسها موضع قدم في العراق، فإنها تسعى الآن للتمدد باتجاه الغرب، نحو سورية ولبنان، ونحو الشرق باتجاه إيران.
من هنا تكتسب الممانعة السورية للمشروع الأمريكي أهميتها، فالولايات المتحدة لا تريد أن تنهي دور سورية الإقليمي، بل إنها تريد أن تغير طبيعة هذا الدور، بحيث يكون أداة لتنفيذ المخطط الأمريكي- الإسرائيلي، فهي لا تكتفي أن تنسحب سورية من لبنان، ولا أن تكف عن دعم الانتفاضة الفلسطينية، ولا أن تمتنع عن تشجيع المقاومة العراقية، إنها تريد من سورية أن تكون الشرطي والحارس والمنفذ والمروج للمشروع الأمريكي- الصهيوني.
ومن هنا أيضاً وبعد أن واجه هذا المشروع هذا القدر من الممانعة في فلسطين والعراق ولبنان، فإن إسقاط سورية، يكتسب أهمية كبرى لأمريكا وإسرائيل، ولهذا فإن الولايات المتحدة، لا تريد، وقد تكون لا تستطيع، الانفراد بالضغط على سورية، فإنها تلجأ إلى مجلس الأمن لتحضير الساحة الدولية لتقبل العدوان الذي يخطط له بعناية، وليكون العمل العسكري حاضراً، ليقوم بالمهام التي عجزت عن تحقيقها الضغوط والتهديدات والقرارات الدولية.
ومن هنا أيضاً وأيضاً، نجد كم هو مطلوب وضروري تعزيز جبهتنا الداخلية. إن اشتداد وطأة الضغوط قد ضيق هامش الحوار، وقلل من إمكانيته، ومع ما نشهده على الساحتين الدولية والعربية، فإن الصمود هو السبيل الوحيد لإظهار وجه سورية الحقيقي.
ومنذ اغتيال رفيق الحريري في لبنان، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الداخل اللبناني والمجتمع الدولي بشن حملة واسعة ضد سورية، مستخدمة آلتها الإعلامية الجبارة والأقلام المأجورة والقرارات الدولية لإحراج سورية ووضعها في قفص الاتهام، في الوقت الذي تعتبر سورية من أكثر المتضررين من هذه العملية. ولكن يأتي التحقيق الدولي ليتبنى على نحو بعيد كل البعد عن الموضوعية الحقوقية والقانونية، موقف فئة من السياسيين والإعلاميين اللبنانيين الموتورين والمعادين لسورية، دون أن يضع السيد «ميليس» أي احتمال آخر، وقبل أن تتوضح له حقيقة ما يجري على الساحة اللبنانية من تجاذبات سياسية.
وإذا كانت سورية قد أبدت كل تعاون مع لجنة التحقيق الدولية، فقد أعلنت مجدداً عن استمرار تعاونها، حتى بعد أن توضح مدى الانحياز الذي مارست به لجنة «ميليس» مهامها.
لكن ما يهمنا هو ليس الجانب القانوني والحقوقي من تقرير «ميليس»، وإنما الجانب السياسي، حيث يستخدم الآن مع تقرير «لارسن» بشأن تطبيق القرار 1559 في لبنان، وسيلة ضغط إضافية على سورية، بهدف عزلها تدريجياً، وجرها إلى تنازلات، وإضعافها تمهيداً لتنفيذ مخططها الذي يتناول تقسيمها إلى دويلات طائفية وزرع الفتن داخلها، وبينها وبين لبنان والعراق وباقي العرب.
إن مواجهة هذا المخطط الذي يدبر من القوى الاستعمارية الإمبريالية على سورية، يفرض علينا (قيادةً وشعباً) أن نستفيد من عبر الماضي ومن تجاربنا الذاتية وتجارب غيرنا من الشعوب، ولعل أول المهام المطلوبة، هو التأكيد على أهمية البناء الداخلي، وتعزيز القدرة الذاتية، بوصف ذلك هو المشروع الوطني للمواجهة المرتكزة على بنية سياسية واقتصادية واجتماعية قوية.
وإذا كنا لا نقلل من أهمية دعم الشعب العربي في كل مكان، ولا من أهمية موقف الدول الصديقة، إلا أن وضع ذلك كله على قاعدة صلبة من الوحدة الوطنية سيكون أقوى وأجدى.
إن تصليب وتدعيم الموقف الوطني الداخلي، يتطلب إتاحة فرصة كاملة أمام هدف توسيع قاعدة المشاركة والسير قدماً على طريق الإصلاح الداخلي، ليكون هذا الإصلاح سبيلاً ليس فقط للنهوض والتقدم، وإنما أيضاً لدعم توجهات الممانعة والوقوف ضد الضغوط الحالية والعدوان الذي يخطط له.
إن التهديدات الأمريكية لا تستهدف النظام السياسي القائم فقط، إنما تستهدف سورية كوطن وكدور وكمستقبل. لهذا فإن مواجهة هذه التحديات هي حق وواجب كل مواطن سوري وكل المجتمع السوري من جميع الفئات والتيارات والانتماءات. وإذا كان الأمر كذلك، فإن من الواجب إزاحة كل ما يعيق إسهام جميع المواطنين في التعبير عن أصالة هذا الشعب وعن سلامة توجهاته في الدفاع عن أرضه ومستقبله. ومن هنا أيضاً يكتسب الإصلاح المنتظر أهمية بالغة، من أجل ترسيخ القواعد الوطنية في العمل السياسي بشفافية مطلقة، تقطع الطريق أمام من يروج لمفاهيم خاطئة عن الديمقراطية والحرية وشعارات أخرى يراد بها تضليل الشعب وحرفه عن مواجهة العدوان.
إننا نفهم الديمقراطية (والعمل السياسي) بمقدار التحامها بقضايا الوطن والمواطنين وبمقدار ارتباطها بمسألة التحرر وعدم الانزلاق في المشاريع المستوردة، والمهمة الرئيسية اليوم، هي مواجهة العدوان، وما تتطلبه هذه المواجهة من تمتين للجبهة الداخلية، وهذا الفهم للأولويات يجب أن يكون فهماً مشتركاً ما بين قوى المجتمع الحقيقي وباقي الفئات السياسية الحاكمة منها والمعارضة، وسوف يقاس الولاء للوطن بمقدار التفهم لهذه المسلمة البسيطة.
تريد الولايات المتحدة الآن إنهاك سورية وعزلها دولياً وإضعافها داخلياً وعربياً، ومن هنا تبدو أهمية وضرورة التركيز على الداخل السوري، بتمتين الوحدة الوطنية، وبهذه الوحدة تستطيع سورية أن تصمد في وجه التهديد والضغط، وأن تستعيد دورها العربي والدولي. أما الطريق إلى الوحدة الوطنية فهو اليوم ممهد أكثر من أي وقت مضى، فالشعب في سورية يعرف كيف يتوحد في وجه التحديات، أما كيف؟ فإن البداية يجب أن تكون بمبادرة يطلقها السيد رئيس الجمهورية بالدعوة إلى لقاء وطني يضم جميع الوطنيين الأحرار الذي يتطلعون إلى دور وطني يقفون فيه في مواجهة المخاطر، جنباً إلى جنب ممثلي حزب البعث العربي الاشتراكي والأحزاب المشاركة في الجبهة، لمناقشة وإقرار المشروع الوطني من أجل الإصلاح والصمود والتنمية، وفي سبيل إقامة حياة سياسية تضمن إسهام جميع فئات المجتمع تحت سقف الوطن والقانون، للتعبير عن تطلعات وآمال مجموع الشعب.
إننا إذ نعلن هذا البيان، موقعاً من مجموعة من السياسيين والمثقفين السوريين المهمومين بمصير وطنهم ، فإننا نأمل أن ينضم إليه جميع المواطنين الذين يلتقون معنا بالإحساس بجدية المخاطر التي يتعرض لها بلدنا، وبأهمية حشد جميع الجهود المخلصة لصد العدوان وبناء سورية المستقبل.

لجنة المبــادرة للحوار الوطني التي شكلها الاجتمــاع تتألــف:
1- د. منير الحمش
2- ابراهيم اللوزة
3- د. قدري جميل
4- د. محمد حبش
5- صابر فلحوط
6- عدنان درويش
7- أيمن عبد النور
8- جمال القادري
9- د. نذير العظمة
10- شعبان عزوز
11- محمود عبد الكريم
12- د. وليد صوان
13- سهيلة رحال
14- هدى حمصي
15- محمد صوان
16- حسني العظمة
17- د. حيان سلمان
18- فايز ضويحي
19- مصطفى قلعجي
20- د. إحسان بعدراني
21- معن شيشكلي
عن كلنا شركاء
26/11/2005