مهرجان النصر الإلهي والطريق إلي دولة لبنان العظمي ..! مطاع صفدي
المدهش في حزب الله أنه بقدر ما هو عسكري فهو مدني، بقدر ما هو عقائدي أيديولوجي
فهو سياسي، بقدر ما هو سياسي فهو أخلاقي. هذه التجربة التنظيمية فريدة في تاريخ
المؤسسة الحزبية العربية، لا نقول إنها تجاوزت أخطاء وخطايا ما كان يُدعي بالعمل
الثوري فقط ومنذ انطلاق النهضة العربية الثانية، بل لعلّها قد تعيد المؤسسة هذه إلي
منطلقاتها الأولي لدي جيل العمل الوطني في ظل الاستقلال وحمايته، عندما كان أساتذته
ومريدوه يحلمون بالعمل السياسي وكأنه هو الواجب الأعلي والطبيعي الذي يتطلب كل
تضحية ممكنة، أو حتي مستحيلة، إزاء الأخطار المستجدة عن زرع الكيان الاسرائيلي الذي
ترافق مع مرحلة جلاء الجيوش الاستعمارية الأوروبية عن المشرق بخاصة خلال أواخر
الأربعينيات وطيلة خمسينيات القرن الماضي.
ذلك هو الانطباع الأولي الذي يشترك فيه الجمهور العربي متخطياً حدود القطر اللبناني
إلي أوسع أفق قومي وإسلامي. لكن الجمهور الظامئ إلي إشارة الكرامة والمنعة لا يمنح
بسهولة تأييده وإعجابه لغير ذلك المستحق الاستثنائي المفقود منذ عقود مديدة بائسة
ومذلة. وليس هنا مجال العرض التحليلي والتفصيلي لمكونات هذا الحزب وإنجازاته
المعروفة في حقل المقاومة خاصة للاحتلال الاسرائيلي الذي تمكَّن من هزمه وطرده
كلياً عام 2000، بعد استيلائه علي ما يعادل خمس الأرض اللبنانية، ولمدة عقدين
تقريباً. إلا أن طرد الاحتلال كان هو التمرين النموذجي علي الإنجاز الأشمل والأصعب
بمراحل، والمتمثل في إفشال شامل لاسرائيل في حربها القصوي بأخطر أسلحة التدمير،
وبالوحشية الفالتة من كل عقال. والتي كان من المفترض أنها الحرب المعادلة
لوجودهـــا أو لعدمه، بحسب وصــف شيــــمون بيريـس شيخ المهندسين للآلة الدفاعية
والنووية للدولة العبرية.
ما السر في أن يهزم حزبٌ مهما كان قوياً واستثنائياً في كل مقوماته، الدولة التي
هزمت كبري الدول العربية في مختلف حروبها معها، والتي رشحتها لاحتلال المرتبة
الرابعة في عداد جيوش العالم. هذا التساؤل هو الموضوع المركزي الراهن ولا شك، لا
يشغل الذهن العربي الرسمي الخامل، والميؤوس أصلاً من أية يقظة له يوماً ما، بقدر ما
تعكف علي درسه أعلي أجهزة التفكير والتخطيط علي ضفتيْ الأطلسي، وخاصة منها تلك
التابعة لدوائر صنع القرارات الاستراتيجية في الغرب. فظاهرة الصمود اللبناني
العسكرية غير المتوقعة من كل هذه الدوائر وليس من إسرائيل المعتدية وحدها، أو حتي
من خبراء الرأي العام العربي، لن تشكل مجرد حلقة روتينية فيما يسمي بالصراع العربي
الاسرائيلي. إنها الظاهرة، شبه الاعجازية ربما، التي من المفترض أن تضع كلية هذا
الصراع موضع المراجعة من جديد، وإعادة النظر ليس في مقوماته كمنطلقات ووقائع فحسب،
بل تحديداً، في خواتمه المشؤومة التي كانت بوادرها حتي اليوم منذرة بأوخم عواقب
النهاية الكارثية في فرض الاستسلام العربي للمشروع الصهيوني عسكرياً، بل حضارياً،
وقد يكون وجودياً كذلك.
فليس الاسرائيلي وحده من كان يعتبر حربه الأخيرة علي لبنان قد يتوقف عليها مصير
دولته. كل عربي كاد أن يري، قبل هبّة الصمود اللبناني هذه، أنه لا مناص من
الاستسلام بعد انهيار كُلٍّ من مبدئيْ الحرب والسلم مع الكيان العبري. لم يبق اليوم
سوي انتظارين، أحدهما في تحويل هذه الهبة إلي ظاهرة مولدة لأشباهها، أو أنها تبقي
وحيدة ذاتها مهدّدة بالانطفاء والبوار، كتلك الواحة التي تفجر ينبوعها فجأة وسط
الصحراء. لكن هل تتغلّب الواحة علي الصحراء!
عملية احتواء الهبة ومنعها بشتي الطرق من التطور إلي ظاهرة قابلة للنمو والانتشار،
جارية علي قدم وساق، لدي الجهات المعادية التي تستشعر ولادة ال