علي الشهابي ..المعتقل الدائم

محمد زكريا السقال
sakalfoda@tiscali.de

الحوار المتمدن - العدد: 1685 - 2006 / 9 / 26
 


صديقي علي الشهابي ، هذا المسكون بقضايا الشأن العام ، وطني من طراز رفيع ، إبن الحارة وصديق المخيم. من بواكير العمل الوطني ، منخرط حتى النخاع في قضايا شعبه. إبان العمل المقاوم و الثورة الفلسطينية وأحداث البرنامج المرحلي في السبعينات كان يمتلك حسا نقديا لكل البرامج السائدة . كنا نؤبن الشهداء ، ندفنهم ، ونستعيد دمائهم من أجل أن تبقى القضية ، التي كان يراها علي ، بأنها عربية ذات خصوصية فلسطينية ، لهذا عليها أن تندمج ، وأن تتميز بنفس الوقت. تندمج لخلق واقع عربي ناضج حديث ، عادل ، وعلماني بنفس الوقت ، منفتح على الآخر . مجتمع يلغي الدور الوظيفي للثكنة الصهيونية ، فإذا كان دور هذا الكيان ، هو تصدير الثورة المضادة بمعنى التخلف والتجزئة والفتن الطائفية والأقلوية ، فأن الرد هو التحديث والنهوض بالمجتمع من خلال الحرية والديمقراطية وتهيئة مناخ التعددية السياسية في حاضنة وطنية ترتقي بالمجتمع وتستطيع مخاطبة الآخر بعدالة قضايانا.
من اجل هذه المفاهيم ، ولنيل هذه القيم ، كان صديقي ضيفاً دائماً على المعتقلات السورية . من عام 1974 ولغاية الآن وعلي الشهابي ، يعتقل وتحتجز حريته ويتعرض للتعذيب ، تارة لشهور ، وتارة لأيام . إلا أنه وفي عام 1980 اعتقل لفترة عشرة أعوام بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي ، رغم أنه وقتها كان خارج صفوف الحزب . قضى علي فترة اعتقاله وكان نموذجاً للمناضل المبدئي ، الذي لايتخلى عن قيمه ومبادئه . خرج من معتقله لياخذ فسحة للتأمل والتفكير و سرعان ما عاد و انخرط من جديد بقضايا الهم العام مصوباً عينيه نحو مهمة انهاض المجتمع من خلال الديمقراطية وشفافية العمل السياسي العلني ، وقد اعتبرها حالة استنهاض تحدث تفاعل في بنى المجتمع التحتية ، وتعمل على تغييره بطريقة سلمية هادئة . واعتبر بأننا من خلال انجاز هذه المهمة نستطيع ان نواجه التحديات الخارجية وضغوطها وأن نصوغ خطاباً قائماً على تبادل المصالح ضمن مفاهيم السيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي .
كان علي يرى التناقض القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ، ويرى قيام الاتحاد الأوروبي حالة من تمركز القوة في مواجهة المركز الجديد الذي ظهر بعد انهيار المنظومة الاشتركية ، لذا على العرب وخاصة سوريا الاستفادة من التناقضات القائمة وتهيئة مناخ داخلي تستطيع من خلاله الدخول في شراكة أوروبية تمكنها من تنشيط السوق والاقتصاد ، مما يمكن الاقتصاد السوري من الانفتاح والتفاعل ، الذي سيعمل بدوره على الاستفادة من مجمل التقنيات والمبتكرات العلمية الضرورية لتحصين الاقتصاد . إلا أن علي كان يرى أنه لايمكن تحقيق هذا إلا بشرط وجود مجتمع ديمقراطي علماني ، وكان يرى أن الدولة هي الأداة القادرة على حماية المدنية والعلمانية ، لذا لابد من تحصين أطر الديمقراطية والعلمانية من خلال التفاف العلمانيين والديمقراطين حول برنامج علماني منفتح وقادر على استيعاب الآخر وقادر هلى انجاز وتحقيق مناخ المواطنة ، في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة وتفشي الأصولية والسلفية ، التي لايمكن لها أن تكون حاضنة للواقع بكل تعقيداته وإشكالاته التي بدأت تطفو على السطح .
السلطة السورية تعتقل علي الشهابي الذي نشر كل افكاره في الصحف وفي الهواء الطلق ، حيث كان يؤمن بالحوار الديمقراطي ويسعى إليه وقد قال بوضوح انه ضد الأحزاب الدينية السياسية وناقش على صفحات كلنا شركاء مقولاته ، بمواجهة الدكتور الغضبان ، حيث طالب علي يقراءة التحولات التركية وكيف استطاعت الأحزاب الدينية ان ترتدي ثياب العدالة والرفاه والتنمية وركز على ضرورة دراسة التجربة والتمعن فيها ولاحظ الفارق الكبير فيما يطرح في ساحاتنا.
ماذا تريد السلطة باعتقال علي الشهابي ، سؤال لا أجابة عليه ، والسلطة الى الآن لا تجيب على أي شئ . نحن أمام سلطة لاتريد من المواطن إلا الصمت والخضوع . كثير ما يمكن أن نقوله عن هذا العسف وتوصيف الأجهزة ، إلا إن كل شئ يقول أن هذه الأوضاع غير مقبولة وغير قادرة على حماية سوريا وتحصينها. اليوم كل الشرفاء مطالبون بموقف ، نحن نستطيع أن نستوعب كثرة الوفود التي تتدفق لتقديم المساندة والدعم لسوريا ، لكنا ندهش من صمتهم على ذبحنا ، واعتقالنا ، والفساد الذي يحيط بنا ، ماذا يمكن أن نقول لعزمي بشارة المناضل الذي نحب والشخصيات الأخرى والأحزاب القومية ، وهم يرقصون ويتغنون بالنظام ونحن نئن ونتجرع الذل والمرارة ، سؤال ممهور بعذابات الشعب السوري ، عسى أن نسمع صرخة او مبادرة من أجل الافراج عن المعتقلين السياسين في الأقبية والزنازين.

برلين 25/09/2006